|
دكتاتورية البروليتاريا ..- الضائعة -
عادل اليابس
الحوار المتمدن-العدد: 2359 - 2008 / 7 / 31 - 10:54
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
كارل ماركس ، مفكر اجتماعي فذ وعبقري ، يقول عنه أستاذه في الفلسفة ، فورباخ " ماركس أوقف ديالكتيك الفلسفة الألمانية على رجليه بعد أن كان مقلوبا" على رأسه " ، أدم سميث ، عراب الاقتصاد الرأسمالي ، قال " ماركس بنظرية فائض القيمة ، أحدث ثورة في المفاهيم الاقتصادية " . ماركس رجع للتاريخ ،وقرا الكوارث والمآسي والحروب التي أقترفها وتعرض لها الإنسان ، واسقط فلسفته المادية عليها ، وخرج باستنتاج ان كل ماحدث في التاريخ ، كان محوره الاقتصاد وبالتحديد ( الملكية الخاصة ) ، ووضع نظريته في الاشتراكية العلمية على وفق تلك الأسس، والتي رفض تسميتها بالماركسية عندما قال " أنا لست ماركسيا" . ماركس رفض أن يكون زعيما" لكومنة باريس ، فهو فيلسوف وليس قائدا" سياسيا" ، عاش ومات فقيرا" ومعوزا" للمساعدات ، ميزته علميته ، فقد بقي لأواخر حياته يبحث ويدرس ، ولو دخلت المكتبة البريطانية حينها ستجد كومة من الكتب والمخطوطات ، تلوح في وسطها صلعه كبيرة ، يتصاعد حولها دخان ، هما صلعته وغليونه . توصل ماركس لاستنتاج مفاده ، ان المجتمعات البشرية بدأت مشاعا" ، وبظهور الملكية الخاصة ، ظهر مجتمع الرق مصاحبا" ظهور الدولة . تغيرت البنى التحتية بتغير وسائل الإنتاج ، انهار مجتمع العبودية ،بولادة دولة الإقطاع ، سقطت الأخيرة بمعاول الثورة الصناعية ، وبقيادة البرجوازية ، حاملة راية الحرية لكل شيء ، قابضة على وسائل الإنتاج ورأس المال ، مستعبدة لطبقة تعيش على الاستغلال و الكفاف آخذة في الاتساع ، تلكم هي البروليتاريا . وصاح صيحته المشهورة ، ياعمال العالم أتحدوا ، مبينا" ان التغير التاريخي القادم ، هو ثورة العمال ضد البرجوازية ، ولكن اشترط ان تكون تلك الثورة في مجتمع صناعي متقدم ، يتيح للعمال تنظيم أنفسهم في منظمات ونقابات ، وبما توفره البرجوازية من نظام يقوم على الانتخاب الحر سيتمكن ، الشغيلة( شغيلة اليد أو الفكر ) الذين قد يشكلون 99% من المجتمع من الوصول إلى السلطة ، ويقيموا مجتمع العدل والكفاية . بالمناسبة ماركس صاحب القول المعروف " النظرية رمادية اللون ولكن الحياة خضراء "، صاغ نظريته وفق مشاهداته لعصره ، وما أبتدعه من أفكار ونظريات قد يكون عرضة للتغيير بتغير الأزمان . لينين المغامر الذكي والباحث عن السلطة ، وجد في ثورة أكتوبر عام 1917في روسيا طريقا" مفتوحا" لإقامة سلطة البروليتاريا ،ورغم الدعم الشعبي لهذا المنحى ، إلا أن منظري الاشتراكية ، العلمية الروسية ، الكبار ، بليخانوف وتروتسكي ، رفضا هذا الزعم ، وبقيا مخلصين لمبادئهما ، باعتبار ان البنى التحتية في روسيا لم تنضج بعد ، لتقام دولة البروليتاريا . لينين أكد على الحزب في قيادة الثورة ، وبالتالي فالحزب تقوده نخبة واعية ، وهذه يقودها زعيم ، وبالتالي فدكتاتورية البروليتاريا التي بشر بها تحولت لدكتاتورية زعماء ، وافرزت ستالين بحقبته الدموية . وبنفس الأفكار وبفعل السلاح وليس بالديمقراطية كما قال ماركس ، وصل ماوتسي تونغ للسلطة ، وكاسترو ، وكمييل سونغ ، وجاءت الحرب العالمية الثانية ، فأقيم تحت وطء الدبابات النظام الشيوعي في أوربا الغربية ، والذي استمر خمسين عاما" ولكنه انهار بين ليلة وضحاها . في بلداننا تلقف المثقفون ، أفكار الاشتراكية العلمية ، ليس من منبعها الماركسي ، ولكن بمسخها اللينيني ، انتشرت تلك الأفكار ، ممزوجة بحركة التحرر الوطني ، ولكن بدون قاعدتها الأساس ، الشغيلة والطبقة العاملة ، ولأن مجتمعاتنا فقيرة التصنيع ولم تدخله بعد ، أوجدت فتوى بأن الفلاحين ممكن ان يقيموا دولة البروليتاريا ، وأصبح جل الشيوعيين عندنا من ذوي الياقات البيض من المثقفين ، وليس من بائعي قوة عملهم ( عمال وشغيلة) ، فافتقدت تنظيماتهم أساسها الطبقي ، وباتت الاشتراكية العلمية أفكار النخب ، فلا تجد أديبا" أو شاعرا"أ وكاتبا" لقصة أو صحفيا" ،ألا وقد تغنى باشتراكيته المزعومة "يسار العصر الممتد مع الزلفين وبنطال الجارلس ". وكما يقال " التطبيق مقياس الحقيقة " ، فأن أي من تلك التنظيمات الشيوعية لم تتمكن من الوصول للسلطة ، في كافة البلدان العربية و الإسلامية ، وتعكزوا في مرات عديدة على مايسمونه البرجوازية الصغيرة ، فأنزلت بهم مذابح ومجازر ما بها من سلطان ، كما حدث لعبد الخالق محجوب ، وشهدي عطية ، وسلام عادل ، وغيرهم تلك السمة في إبادة الشيوعيين ،جرت في اندونيسيا ، والسودان ، والعراق ، ومصر، وتشيلي . بعد 1958 وقع طوفان شيوعي في الشارع العراقي ، ففاض عداء وإقصاء لمن ليس في صفهم ، فانطلق شعار " ماكو مؤامرة اتصير والحبال موجودة " ، ولكنها أي" الحبال " جزت أعناقهم في 1963 . لم تكسبهم تلك اللدغة المميتة مناعة كافية ، فعادوا بعد 1968 ليصافحوا قاتلهم ويمنحوه الشرعية الوطنية والدولية تحت عنوان " الجبهة الوطنية والقومية التقدمية " ، وليتنكروا لحلفائهم الاستراتيجيين ، الأكراد ، ولعبها الدكتاتور بكفاءة نادرة ، اخترق وكشف تنظيماتهم السرية ، وبدء حملة اعتقالات وإبادة ، طالت خيرة كوادرهم عدا نفر قليل من قادتهم ممن كان يستقبلهم بابتسامة عريضة على موائده ، كونهم ورقته الرابحة في علاقته مع الروس . بعد عام 2003 عاد فرسان الاشتراكية ، ولكن هذه المرة بمصافحة عدوهم المبدئي واللدود " الامبريالية " ، وليحاصصهم بريمر في مجلس الحكم ،بصفة طائفية ، فنزعوا علمانيتهم برحابة صدر ، ولأن التعري من المبادئ بات لديهم تقية ، فمسحت دكتاتورية البروليتاريا ، وأنكرت الطبقية ، وأقروا عدم اعترافهم بالشمولية بالعمل السياسي ، وبالتالي ، فقدوا بوصلة مبادئهم وشراعها ، فحلت بهم المتاهة . صوتوا للفدرالية ، وانسحبوا من رئاسة لجنة تنفيذ المادة 140، وانسحبوا من التصويت على قانون انتخاب مجالس المحافظات ، رغم الإجماع الوطني بالتصويت عليه ، تنصلوا عن القائمة العراقية ، التي عطفت عليهم للصفحات الوطنية من تاريخهم ، بدعم من رائد المشروع الوطني الدكتور أياد علاوي ، الذي منحهم مقعدين في البرلمان وأشركهم في الوزارة ، وبانسحاب القائمة من الحكومة ، تخلوا عنها " للتقية" ورفضوا مجاراتها في الانسحاب فبقي وزيرهم مفردا" في الوزارة . ترى هل أن رفاقهم ، الذين ضحوا بحياتهم ومصير عوائلهم ، والذين جابهوا الطغاة وهم يصرخون " تحيا دكتاتورية البروليتاريا " ، سينعمون بالأبدية في قبورهم ، وهم يراقبون المبادئ ، التي استشهدوا في سبيلها تتضاءل وتمحى يوما" بعد آخر ، وبات سجلهم النضالي ، مخطوطة تاريخية ، تصلح للعرض في المتحف البغدادي . في احتفالية بالذكرى الخمسين لـ 14من تموز 1958، ازدانت قاعة الاحتفال وحشدت بصور لعبد الكريم قاسم ، نصبوا أنفسهم ورثة لتراثه وهو لم يكن منهم ، هيمنوا على الاحتفالية وهم يلوحون برايات حمراء لانقش فيها ولا كتابة "سادة "، سألهم أحد الظرفاء " أين أضعتم المطرقة والمنجل ... ورأس لينين " .
#عادل_اليابس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-لمعالجة النفايات-.. هل تنجح بغداد ببناء مطامر صحية لحماية ا
...
-
مبعوث أممي يقترح تقسيم الصحراء الغربية بين المغرب والبوليسار
...
-
النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 574
-
مبعوث أممي يقترح تقسيم الصحراء الغربية بين المغرب والبوليسار
...
-
م.م.ن.ص// متابعة الرفيقة سميرة قاسمي في حالة اعتقال وايداعها
...
-
اقرا الاشتراكي
-
رغم معاناتهن.. السودانيات الأجدر بالمقاومة سلمًا وحربًا
-
انقذوا شمال غزة من الموت بالجوع والقصف
-
الشرطة تفض احتجاجًا لأهالي جبل تقوق النوبية
-
الفصائل الفلسطينية تدين العدوان الأمريكي البريطاني الجديد عل
...
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|