|
أصل الكورد والبحث عن الهوية
تحسين كرمياني
الحوار المتمدن-العدد: 2359 - 2008 / 7 / 31 - 10:39
المحور:
القضية الكردية
[أنه يسكن الأجزاء الجبلية جنس من الناس يسمى الأكراد..]..(الرحال ماركو بولو)..!! *** في المستهل يستوضح الباحث (الدكتور فؤاد حمه خورشيد)في كتابه ..( أصل الكورد) صغير الحجم ـ كبير المعنى، أن الغاية بالدرجة الأساس من كتابه هي (سد ثغرة مهمة في النقص الحاصل في المصادر التي تتناول )الشجرة التي أنتجت الأمة الكوردية،وهي محاولة لتبسيط الأمور وتوضيح نقاط الاختلاف في مرحلة حاسمة في تاريخ الشعب الكوردي لما آلت إليه الظروف والمتغيرات الراهنة والتي بدأت تغير من ملامح مستقبل البشر على وجه البسيطة بعد سلسلة حروب عمياء دفعت المجتمعات الفقيرة صوب الهاوية والتهمت مقدرات كانت كافية لأعمار الأرض وخلقت أجواء كارثية خنقت شعوب ضعيفة وألغتهم بعد أن طمست حقوقهم ومحت تقاليدهم التراثية والثقافية،على أيدي طغاة أرادوا تدوير عجلة الحياة وفق أمزجتهم الشوفينية الرعناء،وخلاف ما سلف من جهود حريصة أبحرت وبما تيسر من مصادر ودلائل للوصول إلى الجذر الذي نما وتفرع عبر عصور من الويلات إلى توالد شعب ظلّ محافظاً على فاعليته الإنسانية وروحيته البسيطة ومكانه الجغرافي وتقاليده المميزة رغم ديناصورات سياسية شرسة وتدخلات سافرة لإلغائه أو صهره داخل بوتقات النسيان ،فالأمّة الكوردية ظلّت علامة فارقة وبارزة من بين الأمم ،أمّة ظلّت بلا هوية تجيز لها السير جنباً إلى جنب وليس في الخطوط الخلفية في ركب الإنسانية،علماً أن هناك أمم لم تعط كما أعطت الأمة الكوردية من تضحيات أو تعرضت إلى هجمات بربرية وترحيل قسري ،تلك الأمم تخلصت من مخالب الهيمنات الاستعمارية ونالت هويتها وحققت كياناتها المستقلة ،أمّا الكورد بقوا يناضلون بلا كلل أو ملل ،يحدوهم اليقين أن الغد سيشرق وأن شجرة الحرية لابد أن تنبثق طالما هناك دماء تسيل عبر تشعبات أرض الأجداد،وغالباً ما كانت الدراسات والبحوث والتي أشرقت من أقلام مؤرخين من شتى اللغات مسهبة في الشرح ومثقلة بالحوادث والتفاصيل الدقيقة والتي تكمل بحق وحقيقة فقرات البحوث لكنها قد تشكل عبئاً على المتلقي والذي أحوج ما يحتاجه الإيجاز وسرعة تلقي المعلومات ودقتها العلمية وأمانتها كونها شواهد إثباتات ومصابيح لتقرير المصير،لقد ضاع الكثير من الفرص للتركيز على الأصل الذي ظلّ بصيص ضوء ينير من مكان ظلّ كل باحث يحوم بالقرب منه بالكاد يدركه ،جاء الكتاب بثلاثة فصول،غير مكلفة في القراءة كون طريقة تناول المضمون جاءت بكلمات مبسطة غنية لا تكلف الذاكرة عناء ربط الأمور ،من السهولة بمكان الوصول إلى غاية الكتاب والغرض كون الدرب الذي عبّده الباحث يسر المسلك للوصول إلى رقعة كانت في زمن ما من الرقع التي حفرت في ذاكرة الحضارات القديمة كيانها بل سادت لفترة طويلة ودالت لها الشعوب المجاورة،تناول في الفصل الأول (أصل الكورد) جملة أسباب أدّت إلى حصول تغير لابد منه في التسمية قبل أن تستقر عجلة التاريخ على مفردة (كورد).. أمّا الفصل الثاني جاء الباحث بشهادة غير قابلة النقاش كونه لجئ إلى التاريخاني اليوناني الشهير(هيرودوتس)..وضمّن بحثه بما دوّنه المؤرخ حول الإمبراطورية الميدية ـ الكوردية،وتناول سيّر وتفاصيل ملوكها الأربعة،وعزز بحثه بجداول ومشاهد لتبسيط وتسهيل إيصال المعلومات إلى القارئ فيما خص الجانب( الديموغرافي لسكان كوردستان ولغتهم )الفصل الثالث ورصد أهم المشكلات التي تواجههم وواجهتهم عبر السياسات الرعناء المتعاقبة عبر العصور.. (أصل الكورد) الجذور الأولى .. ما من شك أن ما ذهب أليه الباحث بخصوص (الكوتيين) جاء في معظم الدراسات التي درست جذور الأمة الكوردية،ولم يختلف عليه باحث،فهم البذرة التي نبتت في أرض كوردستان الجنوبية،وكانوا كما تشير البحوث أناس أقوياء كونهم يقطنون الجبال ويتحلون بمؤهلات حياتية مستمدة من الظروف المحيقة بهم،يؤكد لنا الباحث (كان الكوتيون آنذاك شعباً قوياً وكانت شهرتهم قد انتشرت بشكل واسع بين الشعوب القديمة المعاصرة لهم ) وليس ثمة اختلاف حول الموقع الجغرافي لهم بين سائر الدراسات ،كانوا يقطنون (بين الجبال الممتدة بين الزاب الصغير وجبال السليمانية)، هؤلاء القوم خلدت عنهم التاريخ أنهم كانوا (منظمين ومتحالفين ينتخبون قائداً عسكرياً لفترة محددة ملكاً) وهذا دليل ساطع على أن الشعب الكوردي كان منذ الأزل ميّالاً للسلم محباً للقوانين،ونابذ للفوضى والتجاوزات على حقوق ليس لهم فيها ناقة ولا جمل،ويرى الباحث أن كلمة (كورد) هي خلاصة تغيرات حتمتها التبدلات الجوهرية في واقع حال التجمعات معيشياً ومناخياً والتطور المتنامي في التثقيف وطبيعة الحياة وتطور اللغة وأتساع درجة الوعي وانفتاح الأفق عبر الحاجة الماسة لتيسير الأمور،لقد تحول (كوتي إلى ـ كارداكاـ ثم إلى ـ كورتي )قبل أن تستقر الكلمة على ما هو عليه في راهن عصرناـ كوردي ـ وما جاء به (بروثيرو) و(أرشاك سافرستيان) و(أحمد سوسة)و(مينورسكي)من بحوث موثوقة ـ كما يؤكد الباحث ـ كلها تصب في صالح القضية على أن الكورد هم النهر الذي أنحدر من شلال (الكوتيين)،وهناك تاريخ يذكره على أن أقدم ذكر للكورد ورد قبل 5803 سنة.. الكوتيون ..حضارة الأجداد ..!! يتساءل الباحث عن أصل الأجداد ـ الكوتيين ـ ومن أين قدموا..ولا يجد سوى فرضيات تتعاقب كونها سنّة الحياة وتدرجها الديالكتيكي،لابد من رؤية منطقية وإمعان عقلاني في جيبولكتيك المكان،هناك شواخص وشواهد هي أرث حضارة قديمة قطنت المكان وخلّفت ما كان بحوزتها من مكونات هي من بنات عقول أوجدت ما هو يديم عصرها ويسيّر عيشها،هناك حيث جبال (زاكروس)تنتشر الكهوف والسهول وهي الأمكنة المؤهلة لبناء التجمعات السكنية كون الأمن والقوت يجتمعان مع وفرة المطر وإمكانية خزن المياه للفصول القاحلة،فالدراسات تشير إلى أن إنسان(النياندرتال)كان هناك قبل مائة ألف عام، في عصر الجليد أو ما أطلق عليه العصر (البلاستوسيني)هذه التفاصيل يردها الباحث لبيان قدم الكورد وتمسكه بمكانه عكس الكثير من الشعوب التي تناثرت بفعل الغزوات والحروب والكوارث،قبل مائة ألف عام،وفي كهف (شانيدر)حيث جبال (برادوست) رقد ثمانية أشخاص وكان تاسعهم طفل،في ذلك الكهف يؤكد الباحث على أن (2000 )جيل من أجيال (النياندرتال)سكنوا زهاء (60)ألف عام في مساحة تقدر بـ(145)متر مربع.. الكوتيون..من البراءة إلى الحكمة..!! ما من زمن يتوقف وما من حياة تحافظ على ديمومتها،فكل شيء آيل للتبدل،وكل ما هو جديد لابد من جديد يزيحه ويحل محله،يذهب الدكتور (فرست مرعي إسماعيل)في مقاله (مصادر تاريخ الكورد قبل الإسلام)**/لا يزال الغموض يكتنف أصل الكورد وتاريخهم القديم شأنه شأن المراحل الأخرى من تاريخهم الذي لم يدرس بعد دراسة علمية دقيقة/ لذلك ظلّت الهوية متعلقة برقبة الزمان،وظلّ كل غازي يروم تأسيس صرح هيبته،لا يدخر وسعاً من استحضار كافة السبل الكفيلة لطمس كل ما هو مصد أو عائق ينافس الوافد الدخيل لمكان لا يحابيه أو يتفق مع تكوينه الفسلجي،ربما يلح هنا سؤالاً:لم لم تتشكل الأمة الكوردية وهي تفرش تراثها على بساط حضارة تليدة..؟؟وقد لا نذهب بعيداً بحثاً عن الأجوبة الحاسمة،كون التاريخ يوضح أطماع الساسة والتيارات الغازية حتى الدول المستأسدة على حساب الشعوب المتداعية جراء الجهل والتناحرات القبلية،نجد أن الرؤى كلها اجتمعت على امتناع منح هذا الشعب هوية تجعلها نبتة داخل الجنينة الإنسانية،وكانوا يتحايلون تارة وطوراً يمنونهم بوعود زائفة،ولأن الكوردي لا يتعامل بغير الصدق،نجده يمنح غريمه أكبر قدر من الفرص كي يثوب إلى رشده أو يفي بوعده،ولكي نمنح مساحة لتشريح القضية الملحة والتي غالباً ما تتصادم حولها الآراء وتتداخل مصادر مسنودة بوثائق دامغة وأخرى ترتكز على حجج قد لا تكون متينة،علينا أن نعرج قليلاً إلى ما يقوله(آرنيست رينان) حول ..ما هيّ الأمة..؟؟*** (مفهوم الأمة مفهوم حديث لم يعرفه الزمن القديم )وعلى حسب زعمه (الاعتبار الأتنوغرافي ـ العرقي ـ لم يكن له أي شأن في تكوين الأمم الحديثة)كذلك الدين فهو يراه عاجزاً لإنشاء جنسية حديثة ،لأن الدين كما يقول (أصبح شأناً فردياً يخص ضمير كل واحد) وهذا يعني أن الأمم كلها وليدة متغيرات ومتطلبات حياتية تفرضها وتحدد هويّاتها سياسات تتعاقب ،تلغي وتؤسس،وأن كل رقعة هي مؤهلة أن تغدو كياناً مستقلاً طالما هناك بشر وله جذر طامس في عمق المكان،وأن التاريخ الحديث أفرزت لنا كيانات كانت في يوم ما تحت أغلال العبودية مثلما تفككت الأغلال السوفيتية وتحررت الشعوب لتزهو بحرياتها،لقد منح الخالق تعبيراً صادقاً وحيوياً حين وصف الناس (شعوباً وقبائل) للتعارف لا لالتهام البعض،أما لفظة أمّة منحها للخليل (إبراهيم)(ع)،لقد أراد الله أن يحسم هذا الموضوع وأن كلمة أمة هي جذر إنساني بذرته (إبراهيم) وأغصانه كل مؤمن قانت ولا يحيد عن سكة الإنسانية،ولكي لا ننفلت من جادة القضية ونقع في فخ الترهل والمتاهة،نجد أن الكورد في يوم ما كانوا أصحاب أرض وإرادة من غير أطماع،ولم تتبدل طباعهم رغم التغير الهائل الذي عصف بأقوام متراصة ذابوا،ويمكننا أن نستثمر ما يقوله(دوكلاس لايتون)في بحثه الشيق (الكورد في التوراة والإنجيل)****(الكورد مجموعة متميزة من الناس سيطرت على منطقة فسيحة هذه المنطقة مقسمة بين أمم مختلفة متعددة) هذا التجزيء أكان طوبوغرافياً أم حكماً أتخذ من لدن أقوام كانت تهاب هذا الشعب الذي تؤكد الدراسات التاريخية أنه كان مسالماً ومنظماً،ونجد أن أنبياء عاشوا على أرضهم (أرض كوردستان)(ناحوم ويوناه وهاباكوك ودانيال ونوح) ولنا الدليل الواقعي على بداية الحضارة البشرية الثانية على هذه المنطقة،ومن نسل(نوح)بعدما رست سفينته على جبل أرارات،يذهب (لايتون)أيضاً(أن تاريخ الكورد الرائع يمتد آلافاً من السنين وأكثرية هذا التاريخ تم تسجيله في الكتاب المقدس حين كان الكورد يدعون بالميديين)..فهم كما جاء في (أصل الكورد)كانوا يعيشون ببراءة في الكهوف مثل كهف(شانيدر) حياة بدائية مشاعية وهي سمات العصر الحجري،ويطلق على تلك المرحلة بالحضارة الموستيرية،وهي بداية رحلة الارتقاء والنهوض والوصول إلى الراهن المتفاعل وفرض نفسه ككيان حيوي وريادي لدفع عجلة الإنسانية باتجاه الفطرة والتآخي،وهناك دلائل تم العثور عليها في كهف (زرزي)والواقعة جغرافياً شمال غرب السليمانية،عبارة عن أدوات حجرية ومكاشط وبقايا عظام حيوانات تشير إلى أن الشعب آنذاك كان في مرحلة متقدمة من حيث المعيشة وتجميع الغذاء،وهذه المرحلة تسمى بالحضارة المجدلينية،وهي أرقى مرتبة من حضارة العصر الحجري القديم،أو ما يطلق عليها الباحث(الأعلى)وتمكن الشعب أن يرقي من مستواه المعيشي ويكيف نفسه على المتغيرات الجيوغرافية ويحافظ على نسله من الانقراض جراء الكوارث الطبيعية ووجود التحديات من الكواسر والوحوش السائدة آنذاك،لقد تم العثور على آثار إنتاج الغذاء البدائي في الكهوف،قبل أن تصل المرحلة إلى حضارة الزراعة،وتم العثور على حبوب متحجرة،ويستشهد الباحث بقرى مثل(جرمو)قرب مدينة جمجمال،وقرية(كيانو)عند منابع نهر دجلة في كوردستان أيران،إضافة إلى وجود آثار حيوانات أليفة وتنور وهي من مستلزمات القرى الزراعية غير المترحلة،ومن هذه السياقات المتعاقبة تمكن الشعب الكوردي أن يواصل بقائه المكاني ويفرض كيانه الزماني طالما وجد المؤهلات المعيشية من ملاذات آمنة كالكهوف ووسائل تؤمن العيش كالماء والأرض وتمكن من الاستفادة من المياه المنسابة عبر الجبال جراء السيول وزراعة ما كان بحوزتهم من حبوب ودفعهم التمسك بالمكان بعدما خرجوا من طور البراءة وصاروا يمتلكون الحكمة في تيسير حياتهم ويصر الباحث على أن الكوتيين هم الأصل الذي ثبت في مكانه (كوردستان).. في البدء لم يكن ميديا.. على عاتق المؤرخ اليوناني (هيرودوتس) يلقي الكاتب الأرمني (أرشاك سافرستيان) مسؤولية إطلاق كلمة (ميديا)على الكوردي،لأن الكلمة مرادفة لمعنى الأرض أو البلد ونتيجة التلاقح الحضاري ما بين البابليين والسومريين تم إغفال الجذور التي نبتت المفردات والمصطلحات،وتم اعتبار الكلمة كيان أو اسماً لشعب،ونقل (هيرودوتس ) الاسم إلى أوربا وشاع،ويذهب الباحث إلى ما أطلقه قائد حملة العشرة آلاف (زينفون) على الكوردي،كاردوخي،ولم تخلو سلة العبرانيين من التوصيف وقالوا عنهم (كوردوئين) قبل أن يدلوا العرب بدلوهم ويقولوا(قاردا ثم أكراد)وفيما جاء إلى أن (سترابو)الذي كان أول من أشار إلى (الشعب الكوردي) في مقال بعنوان (كورديايا) في القرن الأول قبل الميلاد،ويذكر إلى أن الكورديانز (هم بناة مهرة)ونجد أن هذه الحقيقة ما تزال تسطع في ربوع كوردستان من توظيف الصخور لتأسيس المباني الحصينة وهي أيضاً دلالة على أصالة الشعب الكوردي وتمسكه بتقاليد الأجداد،ويؤشر الباحث مصادر أخرى تسند أقدمية الكورد كما أشار (أردشير بابا كان) مؤسس الدولة الساسانية عام 226م في كتاب باللغة البهلوية (كرد أو كردان) ويرى الدكتور(فؤاد) أن من قام بتحوير الأسم القديم (كوتي) إلى (كورد) كان (أردشير)..ومن المقاربات التي تؤكد (أصل الكورد) هو عدم وجود تباين في الصفات ما بين ذلك الشعب الذي سكن كوردستان الماضي وما يجري على ساحة الواقع الراهن،فالبسالة ومهارة البناء وحب السلام والتآخي والتمسك بالمكان ولو تطلب الأمر الذود بالغالي والنفيس،ما تزال حيوية وتسكن كل جسد كوردي،ولعل (اناباسس)للقائد اليوناني(زينفون)فيه الكثير من تلك المواقف المشرفة للكورد وهم ينزلون أقسى الأهوال والخطوب بجيش قوامه عشرة آلاف متمرس،وما تحفظها الجداريات والنقوش الآشورية عن صفات الكوردي ماثلة حتى اللحظة الراهنة،من اللبس وطاقية الرأس ونوعية الحذاء والجلود التي يرتديها،وحين نسلط الضوء على رغبة المقاتل الكوردي في اختيار نوعية السلاح وطرق مواجهة العدو نجد هناك توافقاً مدهشاً مع ما كان الأجداد يستعينون بها لمواجهة الغازين،فالنبال الطويلة والأقواس الكبيرة تقابلها القناصة والبرنو ودحرجة الصخور على الجيش الفارسي والزينفوني دليل الوعي والعقل المتنور والإرادة الصلبة للذود عن الكيان كما حصل في التاريخ الحديث،ومما لاشك أن الكورد هم الكوتيين وما أطلق عليهم (هيرودوتس)مجرد التباس تدويني جراء نقل من غير تمحيص في أصل الكلمة ..!! الدولة الميدية ..من التأسيس إلى التلاشي.. يمكننا أن نترك هذا الكتاب جانباً واللجوء إلى مسرحية (رؤيا الملك)****للكاتب القدير ـ محيي الدين زنكنة ـ وهو يمسرح ما جرى جراء حلم قاد مملكة إلى هلاك،ونجد أن الدسائس ترافق الملوك وما من ملك يهلك إلاّ من جراء أزاميل المقربين،يرفعونه أو يدحرجونه باتجاه الهاوية،وبطبيعة الحال أن الخيال الأدبي يجنح باتجاه فواصل الإقناع الأدبي،لكن ما جاء في المسرحية هو نقل وقائع حية لمملكة سادت زمانها وتركت لنا النبضات الحاسمة لزمن ما يزال يخيم على الكثير من آداب الشعوب ويلهب حماس المبدعين للنهل من الكنوز المعرفية واستنباط الدروس والعبر واتخاذها دليل عبور إلى ضفة الوجود والتواجد ضمن كومبارس العصر،في (أصل الكورد)وتحديداً الفصل الثاني يأتي الباحث بأوراق دولة (ميديا) وينثرها على طاولة النقاش،فالميديون بعد مائة وعشرين عاماً من الهيمنة الآشورية وحكمهم الراديكالي الأوتوقراطي لجئوا إلى السلاح وأعلنوا التمرد ونالوا حريتهم وما حصل اليوم هو امتداد لتواصل وصدق الكفاح من أجل إثبات الوجود،لقد أسسوا دولتهم كما يرسم الباحث الخطوط التي أنشأت استقلالهم وما آلت إليه النهاية عبر تلك الأسطورة التي مسرحها الكاتب القدير (محيي الدين زنكنه) في ـ رؤيا الملك ـ لقد كان ـ ديوسس ـ ميّال للحكمة وعادلاً وأفلح في فض النزاعات وكان ذو نفوذ مما اختاروه ملكاً سرعان ما نفذ مآربه من تأسيس دولة وعاصمتها ـ أقباتان ـ وتمكن من تأمين حراسة مشددة لنفسه عبر استخدام وسائل هندسية غاية في الذكاء،فهو جعل من بلاطه مركزاً تحوم من حوله أسوار دائرية وكل سور مطلي بلون ،وأجبر الناس بعدم المثول أمامه وحين مات كان أبنه الملك ـ فراورتس ـ قد غزا بلاد فارس قبل أن يسقط في فخ الآشوريين ويذهب هو ومعظم جيشه ضحية أطماعه،لكن الحفيد ـ سياكزرس ـ يشير الباحث على أنه كان أوّل من نظم الجيش وقسمه إلى كتائب ووحدات،وأمتلك من الدهاء والمكر الحربي مما مكنه من إرجاع البلاد بعد فقدها بطريقة سقاء أعداءه(حتى الثمالة)من السيثيين،لكن (أستياغس) الملك الذي خلدته لنا الأسطورة ورآه (محيي الدين زنكنه) الشماعة التي يمكن أن يعلق عليها ما يجري داخل بلاطات الملوك وعرائن الرؤساء من دسائس وتوظيف مقدرات للحفاظ عل الكرسي الرئاسي،لقد رأى حلماً ورأى أن ـ مندانه ـ أبنته (تجلب مياه كثيرة وتغرق البلد وآسيا)..(ماجي)مفسر أحلامه يشرح له ما رسمه القدر ودفعه أن يزوجها من رجل أدنى مرتبة من الطبقة الميدية رجل فارسي أسمه (قمبيزس)لكن الملك راوده الحلم ثانية ورأى هذه المرة أن (كرمة نمت وأينعت من شقة أبنته وامتدت في أرجاء آسيا)وكان ـ ماجي ـ بالمرصاد،إذ لاشك وجد (أن حفيده سيغتصب عرشه)،يستعين ـ أستياغس ـ بالمؤتمن والمقرب ـ هارباكوس ـ كي يتخلص من حفيده ( سيروس) لكن الخادم المقرّب تمسك بحكمته ودرجة صلته بالملك ونظرته المستقبلية كونه وجد أن نهاية الملك يعني صعود ـ مندانه ـ إلى العرش وبالتالي لابد من أنها ستنتقم منه إذا ما قام بتنفيذ أمر الملك والقضاء على أبنها،نجد هنا أن القدر هو العصب الذي يدير دفة الأساطير،فالراعي ـ ميتراداتس ـ يولد له أبن ويحترق في يوم يستعين به ـ هارباكوس ـ لتنفيذ وعد الملك ،وتمتلك المرأة في الأساطير كمية من الحكمة مما تجعلها أن تتخذ دائماً قرارات صائبة،وتكون مغيرة الاتجاهات،تستبدل الطفل وتدفع أبنها المحروق إلى زوجها،ويوم اكتشاف السر تم معاقبة الرجل المقرب بتقديم أشلاء أبنه له في وليمة خاصة أضمر ـ هارباكوس ـ في نفسه الشر وحاك مؤامرة تكللت بتحقيق الحلم،يمكننا أن نستشف من ورود هذه الأسطورة ضمن البحث،أن أمم الأساطير هي أمم حقيقية وأصلية،أمم موغلة في عمق التاريخ وكانت في أزمانها الذهبية صانعة قرارات وصائغة لدساتير الحياة،والشعب الكوردي كان وما يزال شجرة صامدة بوجه الأعاصير ومهما تكاثرت من حولها معول الدسائس وحيكت ضدها جرافات المؤامرات ستظل واقفة بثبات ووارفة طالما هي تنبت في أرض الأجداد وتشرب من نجيع أبناءها عرق ودم الكفاح ..!! أمّة بلا كيان .. !! حين نستطلع الحدود الكوردية نجد أن الشعب كتب عليه القدر أو ما رسمه البشر،أن يعيشوا بين مخلبي عرب وفكي فرس وترك،فهم مقسمون إلى أجزاء تتناهبها أيران وتركيا والعراق وسوريا،ويذهب الباحث في الفصل الثالث إلى أن القضية الكوردية باتت (من أعقد القضايا في هذا العصر) كونهم مقسمون بين دول أربع وربما هذا التقسيم بات أهم العراقيل التي تصد أمانيهم،ويوضح لنا أن التطلعات والأماني دائماً تجابه بجيوش نظامية،ناهيك عن سياسة التشريد مما كان الشعب الكوردي عرضة للإبادة لتقليل النفوس وتقويض المساحة الجغرافية جراء سياسات التعريب والتفريس والتتريك،حتى أنهم من أجل بضعة أنفار يتم إبادة وإزالة قرى وأرياف،ونتيجة السياسات العنجهية للبلدان والقيام بأحتيالات أثناء التعدادات السكانية،وعدم إعطاء دقة في المعلومات مما جعل النمو السكاني لهم موضع شك وعدم الاعتماد على الفرضيات والتخمين مما جعلهم في غموض لدى الباحثين،وهناك وسائل تدميرية تمارس بحقهم من ضغوطات لتبديل قوميتهم أو طمس معالم تراثهم بواسطة قمع أصواتهم وعدم الجواز بممارسة شعائرهم في مناسباتهم القومية والوطنية،ورغم كونهم رابع قومية في الشرق الأوسط نجدهم بلا هوية أو دولة وبذلك ينعتون بالشعب (الأتعس حظا)ً رغم أن الباحث يبين بالجدول البياني أن الأكراد سيبلغون زهاء ـ 67 ـ مليون نسمة بحلول العام ـ 2050..!! قدم اللغة لاتعني دولة ..!! لا ينكر باحث قدم اللغة الكوردية،وهي حسب ما أثبت الباحث من أقدم اللغات الهندوـ أوربية،ويشير إلى حالة صحو وميزة قد تفتقر لها اللغات الأخر،هي أن اللغة الكوردية حافظت على أصالتها رغم أنها عاشت وتنقلت عبر العصور ومن جيل إلى جيل، دون أن تمثل دولة مستقلة،كون الدول والحكومات غالباً ما تحاول الحفاظ على تراثها ولغاتها عبر وسائل التثقيف وفرض القيود على المناهج التعليمية،وحدهم الأكراد من حملوا لواء لغتهم على أكتافهم ومروا من خلال العصور دون أن يتأثروا أو يلقوا هوية لسانهم ،وصمدت اللغة أمام غزو اللغات ولم تفسح أمامها المجال لطمس المعالم أو خلخلة ميزتها الحيوية وربما سرقة عشبة خلودها،وهي لغة حيوية تتوزع كاللغات العالمية إلى لهجات رئيسية ومحلية وهذه اللهجات يرجع أسبابها الباحث إلى العزلة التي تعيشها القرى والمقاطعات بسبب قساوة المكان وعدم وجود حكومة مركزية تلملم الموروث وتوجه عصا القيادة وفق آلية جمعية ترص من الخطوط وتلفظ الشواذ الدخيل،لكن الباحث يشير إلى حالة متفردة تمتلكها اللغة الكوردية،هي عدم وجود حدود فاصلة بين لهجة وأخرى،وتكون متداخلة وتخفف تدريجياً بشكل تدرجي سواء ابتدأنا سلوك الطريق من الأعالي إلى الأدنى أو بالعكس،ويرى أصل اللغة الكوردية (وليدة دمج اللغوي الميدي ـ الكوتي )وبعد زحف الهندو ـ أوربيين استكملت آريتها..ورغم أصالتها وقوة تمسكها بالجذور وامتلاكها الإرث الثقافي والأسطوري لكنها تبقى اللغة التي بلا وطن..!! لابد من وقفة ..!! أصل الكورد ..كتاب لابد من تفعيل مضمونه في هذا الوقت بالذات كون الشعوب عاشت فيما مضى في ظل سياسات كانت تمجد عرقيتها على حساب الشعوب المغلوبة على أمرها،وكانت تمارس سياسة التجهيل والتهميش وطمس المعالم المضيئة لتلك الشعوب وهي محاولات أوتوقراطية دفعت الحياة صوب النزاعات الدولية والإقليمية وحروب عالمية شوهت وجه الحضارة الإنسانية وقتلت الملايين من البشر وهدرت الخيرات بشكل جنوني وبلادة،لقد آن أن تنهض الأقلام وتبدأ برحلة النحت في أصل الحياة وإخراج كنوزها المطمورة كي تسترد الحياة عافيتها ويسترجع الإنسان فطرته وفاعليته وروح التجمع الأزلي الذي كان روح بدائيته،وضرورة ترك وجهات النظر خلف المتاريس والتوجه مباشرة صوب الحقائق كون الزمن وصل إلى شفير الهاوية وبات الإنسان يعوم في سديم من التضادات الفكرية،وهي دعوة محبة وتآخي وسلام من أجل وليمة تمتد لها كل يد نقية كي نركب معاً ـ من كل جنس ولون من كل دين ولغة ـ من جديد سفينة الخلاص قبل أن يبدأ طوفان آخر..!! • أصل الكورد ـ الدكتور فؤاد حمه خورشيد ـ منشورات دار التآخي للطباعة والنشر ـ بغداد 2003 .**مصادر تاريخ الكورد قبل الإسلام ـ الدكتور فرست مرعي إسماعيل ـ مجلة سردم العدد 9 ـ 2005.***ما هي الأمة ..؟؟ـ أرنست رينان ـ مجلة سردم ـ العدد ـ 9 .****الكورد في التوراة والإنجيل ـ دوكلاس لايتون ـ مجلة سردم العدد ـ 9 .**** رؤيا الملك ـ مسرحية ـ محيي الدين زنكنة ـ دار الشؤون الثقافية العامة ـ 1999. ***
#تحسين_كرمياني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إعلام الاحتلال: اشتباكات واعتقالات مستمرة في الخليل ونابلس و
...
-
قوات الاحتلال تشن حملة اعتقالات خلال اقتحامها بلدة قفين شمال
...
-
مجزرة في بيت لاهيا وشهداء من النازحين بدير البلح وخان يونس
-
تصويت تاريخي: 172 دولة تدعم حق الفلسطينيين في تقرير المصير
-
الجمعية العامة للأمم المتحدة تعتمد قرارا روسيا بشأن مكافحة ت
...
-
أثار غضبا في مصر.. أكاديمية تابعة للجامعة العربية تعلق على ر
...
-
السويد تعد مشروعا يشدد القيود على طالبي اللجوء
-
الأمم المتحدة:-إسرائيل-لا تزال ترفض جهود توصيل المساعدات لشم
...
-
المغرب وتونس والجزائر تصوت على وقف تنفيذ عقوبة الإعدام وليبي
...
-
عراقجي يبحث مع ممثل امين عام الامم المتحدة محمد الحسان اوضاع
...
المزيد.....
-
سعید بارودو. حیاتي الحزبیة
/ ابو داستان
-
العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس
...
/ كاظم حبيب
-
*الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 *
/ حواس محمود
-
افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_
/ د. خليل عبدالرحمن
-
عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول
/ بير رستم
-
كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟
/ بير رستم
-
الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية
/ بير رستم
-
الأحزاب الكردية والصراعات القبلية
/ بير رستم
-
المسألة الكردية ومشروع الأمة الديمقراطية
/ بير رستم
-
الكرد في المعادلات السياسية
/ بير رستم
المزيد.....
|