اخذ النضال الوطني الفلسطيني ومنذ بداياته أشكالا متعددة كثيرة ضد الانتداب البريطاني والاستيطان اليهودي الصهيوني, منها المسلح من خلال الاشتباك العسكري المباشر مع جنود الاحتلال, ومنها الشعبي الغير المسلح كالمظاهرات, والاضرابات, والاحتجاجات, والعصيان المدني, وكذلك العمل السياسي والدبلوماسي الدءوب, الهدف واحد, وان اختلفت الأساليب والأشكال.
استند النضال الوطني الفلسطيني على قواه الذاتية المرتكزة إلى العمق العربي والثوري والشعبي, الذي مد النضال الوطني الفلسطيني بالسلاح والمال والرجال, فالشيخ المجاهد عز الدين القسام ابن مدينة سورية, قاتل واستشهد في أحراش يعبد الفلسطينية, والمناضل معروف سعد ابن مدينة صيدا اللبنانية أصيب بجراح في قرية المالكية الفلسطينية وغيرهم الآلاف من أبناء شعبنا العربي الذين بذلوا المال والروح من اجل فلسطين, أيمانا منهم بان دفاعهم عن فلسطين, هو دفاع عنهم, فاليوم فلسطين وغدا باقي الأقطار العربية. ففي العام 1948 حدثت النكبة التي زلزلت كيان الإنسان العربي الذي أصيب بانتكاسة وخيبة أمل من حكوماته وجيوشها الجرارة التي لم تحرك ساكننا, نكسة حزيران في العام 1967 واحتل الجيش الصهيوني ما تبقى من فلسطين, وبعض أجزاء من سوريا ومصر والأردن ولبنان, مابين النكبة والنكسة كان المخاض الفلسطيني, وبدا الفلسطيني يبحث عن ذاته وشخصيته الوطنية ألمستهدفه من قبل الاحتلال, ولم يعد الفلسطيني مقتنعا بتلك الأحزاب التي انتمى إليها بحثا عن عمل مقاوم ضد الاحتلال مدركا انه غير معني بتلك الصراعات الحزبية وبتناقضاتها العنيفة, فكانت فكرة الثورة الفلسطينية الحديثة منذ بداية الخمسينيات إلى إن تبلورت ونضجت فكان الإعلان عن انطلاقة "الفتح" في 1/1/1965 في أول عمل عسكري تحت اسم قوات " العاصفة" فكانت انطلاقة حركة التحرير الوطني الفلسطيني, انطلاقة الرصاصة الأولى والبيان العسكري رقم(1) الذي قص مضاجع العدو الصهيوني معلنا بداية حقبة جديدة في النضال العربي, أزعجت هذه الانطلاقة المباركة الكثير الكثير من الأنظمة العربية الخائفة على عروشها وامتيازاتها, والتي كانت تقف في وجه أي تحرك جدي وفاعل لمقاومة الاحتلال او قيام أي تجمع او حزي او حركة عبر عن الهوية الوطنية الفلسطينية.
في العام 1967 وفي بلدة الكرامة الأردنية أعاد فدائيو الثورة الفلسطينية الكرامة والأمل للإنسان العربي, وكانت المرة الأولى التي ينتصر فيها الإنسان العربي على ايدي فلسطينية على جيش ما يسمى( جيش الدفاع الإسرائيلي), بعد الكرامة ونصرها المبين اخذ العمق العربي للثورة الفلسطينية شكلا أوسع واشمل فانخرط الآلاف من العرب في صفوف الثورة الفلسطينية, واتسعت دائرة التضامن والالتفاف الشعبي العربي حول الثورة الفلسطينية, واتسعت دائرة التضامن العالمي مع قضية الشعب الفلسطيني هذا أيضا لم يرق لبعض الأنظمة العربية المتعفنة المرتبطة بالاستعمار, وازداد خوفها على عروشها الخاوية(الموسوسة بسوسة الاستعمار والجبن والعمالة)
وبدأت هذه الأنظمة بحرب مضادة للثورة وبأشكال مختلفة, فحاولت تشويه صورة الثائر الفلسطيني من خلال القيام باعمال تسيء إلى الجماهير والى عاداتها وتقاليدها وتنسبها الى الثورة, ونمت النزاعات الذاتية لكثير من الضعفاء النفوس وشجعت الانشقاقات من جسم الثورة وهذه الانشقاقات الطفيلية ذابت وتلاشت ولم تدم أكثر من أيام او شهور, كما ان العديد من الأنظمة لم يتوانا في محاولة القضاء على الثورة الفلسطينية وبالطرق العسكرية, مستخدما قواه العسكرية او قوى مرتزقة. وفي خضام النضال الوطني الفلسطيني حاول الكيان الصهيوني اقتلاع جذور الثورة الفلسطينية, وتدمير قاعدتها وبنيتها الشعبية او ما اسماه أنذالك بإقلاع البنية التحتية للثورة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية من خلال اجتياحه للبنان في العام 1982, محاولا تدمير الثورة وبنيتها التنظيمية, فشل في تحقيق ذالك على الرغم من مغادرة مقاتلي الثورة الفلسطينية بيروت إلى المناطق البعيدة عن فلسطين جغرافيا, وبدات مرحلة نضالية جديدة في النضال الفلسطيني في المنافي البعيدة في العام 1985 وبفضل المقاومة اللبنانية والفلسطينية وبفضل الصمود وتضحيات الشعبين اللبناني والفلسطيني اندحر الاحتلال الصهيوني عن معظم الأراضي اللبنانية وسجل العمل والجهد المقاوم نصرا على العدو الصهيوني وجيشه الذي لا يقهر( كما يدعي).
في العام 1987 اندلعت الانتفاضة الكبرى وفرضت على العدو الصهيوني حالة من الاستنفار الدائم الذي أرهقه واستنزف قواه واستطاعت الانتفاضة وبفضل تضحيات شعبنا الفلسطيني إيجاد شرخ في الصف الصهيوني وتنامي الخلاف الداخلي الصهيوني بشان بقاء قواته ألمحتله في الضفة وغزة من خلال الخسائر الباهضة التي تكبدها العدو وبفضل الصمود والوحدة الوطنية الفلسطينية وفي العام 1991 وجهت قوى التحالف الاستعماري الغربي التي تقودها الإمبريالية العالمية ( أمريكا ) ضربة للعراق, وتكون بذالك نجحت في اخرج قوة عربية ودولة عربية مهمة من ساحة الصراع العربي الصهيوني الإمبريالي, وأحكمت السيطرة على المنطقة وأنظمتها الرسمية واحتكرت السيطرة من خلال وجود قواعدها العسكرية في المنطقة والتي شكل قوة ضغط وترويع مباشر للمنطقة, وتدخلت الإدارة الأمريكية في أدق تفاصيل المنطقة وأخذت في تطبيق سياسة رسم خارطة طريق جديدة للمنطقة وفق المنظور الصهيوني الأمريكي.
في بداية التسعينات في القرن الماضي فرضت على المنطقة مؤتمرا تحت مسمى السلام(مؤتمر مدريد), ظاهرة البحث عن السلام في الشرق الأوسط وإيجاد حل للقضية الفلسطينية, وهدفها الحقيقي فرض الاستسلام على العرب والفلسطينيين بشكل خاص, لكنه حصل العكس حيث استطاع الوفد الفلسطيني المفاوض تحرير نفسه من الوصاية المشبوهة, وفي نفس الوقت حرص على ضرورة التنسيق بين القيادات السياسية العربية والقيادة التاريخية الفلسطينية لكي لا يتم الاستفراد بطرف عربي او اخر, وكان اتفاق اوسلو ( على أرضية مؤتمر مديد) الذي اعتبره الفلسطينيين بالاتفاق الذي لا يلبي طموحهم الوطني وتطلعاتهم المستقبلية, بل اعتبر خطوة نضالية تم بموجبها نقل الصراع والاشتباك النضالي الى ارض الصراع الحقيقة( فلسطين) وبذلك نبداء المعركة الحقيقة انطلاقا من الأرض الفلسطينية وبكافة الوسائل النضالية, واشتد الاشتباك التفاوضي الفلسطيني الإسرائيلي وبدات المدن الفلسطينية تتحرر واحدة تلوى الأخرى من الاحتلال الإسرائيلي, وبدأت عملية بناء المجتمع المؤسساتي, ووضع الركائز الأساسية لاستقلال المجتمع الفلسطيني تحضيرا لقيام دولة فلسطينية مستقلة بكل ما تحمل هذه الكلمة من معاني, الجانب الإسرائيلي وبخبثه ومكره ادرك ما يريده ويصبوا إليه الفلسطينيين, وبان الفلسطيني ليس بالخصم السهل, ويمتلك من المرونة والمراوغة والتكتيك الجيد, الذي يمكنه من تحقيق مكاسب صغيرة دون ان يدفع ثمن لهذه المكاسب, وأجادت القيادة الفلسطينية التكتيك وانحنت للعواصف ولكنها لم تنكسر, وبحنكة الرئيس ياسر عرفات لم يستطيع الإسرائيليون الإيقاع بالفلسطينيين بالشرك الإسرائيلي في كامب ديفيد الثانية فتمترست القيادة الفلسطينية والرئيس ياسر عرفات عند الثوابت الوطنية الفلسطينية, وقد اعلنها الرئيس ابو عمار, لا للضغوط والتهديدات الامريكية, نعم لفلسطين وللسلام العادل والشامل سلام الشجعان المبني على تطبيق قرارات الشرعية الدولية 242-338-194, نعم للثوابت الوطنية الفلسطينية نعم للدولة المستقلة في حدود الرابع من حزيران وعاصمتها القدس الشريف.,
نتيجة الكذب والخداع الإسرائيلي والدعم الأمريكي للغطرسة الصهيونية انفجر الوضع في فلسطين, مبكرا قبل أوانه وانطلقت شرارة الانتفاضة المباركة من المسجد الأقصى بعد ان حاول شارون ان يدنس المسجد الأقصى, بدخوله أليه, مدعوما بثلاثة الألف من شرطة الاحتلال الإسرائيلي, وكانت الانتفاضة واضحة في طرحها السياسي, وفي بلورة أهدافها منذ أيامها الأولى, فأطلق عليها انتفاضة الأقصى والاستقلال, انتفاضة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف, انتفاضة حق العودة للاجئين الى ديارهم وممتلكاتهم التي هجروا او طردوا منها بقوة السلاح ومن خلال الجرائم والمجازر التي نفذت بحقهم من قبل الاحتلال الإسرائيلي الصهيوني, اللاجئون هم لب الصراع.
وأدركت القيادة الفلسطينية ان الانتفاضة هي من الأساليب النضالية القادرة على أنجاز اختراق في الجدار الصهيوني والعقلية الصهيونية المبنية على عقدة التفوق والغطرسة وفرض الامتلاءات على الغير والمستندة على فكرة "إسرائيل" تريد السلام والأمن مع الاحتفاظ بالأرض, أي تريد ان تأخذ ولا تعطي, الانتفاضة الفلسطينية وبفضل التضحيات التي قدمها شعبنا الفلسطيني أجبرت الجانب الإسرائيلي على التراجع عن استراتيجيته التي تريد الاحتفاظ بالارض والتمتع بالأمن والسلام ولو تراجعا جزئيا, عرت الانتفاضة الكيان الصهيوني امام العالم بعد ان كان يروج ويدعي انه يريد السلام في وسط عالم عربي يريد تدميره وذبحه وأظهرت الانتفاضة للعالم همجية وعنصرية الكيان الصهيوني الإسرائيلي وفضحت جرائمه ضد الشعب الفلسطيني والعربي وخرجت بعد الأصوات في أوروبا تقول ان الهولوكست ما هي الا أكذوبة إسرائيلية صهيونية يضخمها الصهاينة للضغط على العالم واستدرار العطف العالمي, وفي ظل الانتفاضة وإنجاز تراجعا في الموقف الصهيوني الإسرائيلي لولا أحداث 11 أيلول التي ألقت بظلالها على الانتفاضة الفلسطينية وعلى المنطقة برمتها, والتي حررت الأيدي الإجرامية الإسرائيلية من الضوابط فاستغل الكيان انشغال العالم وأمريكا بما يسمى بالحرب على الإرهاب وقامت بحرب ضد الفلسطينيين العزل المدنيين, وضد السلطة الفلسطينية ومؤسساتها, وأخذت في تديرها تديرا ممنهجا ومنظما الهدف منه القضاء على البنية التحتية وألبنه الأولى للدولة الفلسطينية وعلى الإرث النضالي للشعب الفلسطيني الممثل بقيادته وثورته, مارست إسرائيل كل أعمال القتل والتدمير وبدعم أمريكي وعلى مرأى ومسمع العالم, في المشهد العربي تخلي رسمي عن الانتفاضة والانشغال في أرضاء أمريكيا وتشكيل أجهزة لما يسمى مكافحة الإرهاب والبحث عن كل عمل يقربها من أمريكا, والشارع العربي تراجعت هبته وتضامنه مع الشعب الفلسطيني نتيجة الضغوطات الرسمية وعجز الأحزاب والقوى الوطنية العربية من استنهاض الشارع العربي نتيجة تخبط هذه الأحزاب وعدم وضوحها أمام جماهيرها, وأصبح الشعب الفلسطيني بانتفاضته وحيدا يواجه الاحتلال الصهيوني موحدا مع سلطته الوطنية والتي دمر الإسرائيليون كل مؤسساتها وأجهزتها, وصعد الإسرائيليون وتيرة حربهم الإجرامية ضد الشعب الفلسطيني الأعزل وضد سلطته الوطنية, وحاصرت الدبابات مقر الرئيس ابو عمار, ظن الاحتلال انه بذالك يستطيع ان ينهي او يوقف الانتفاضة واجبار الشعب الفلسطيني على القبول بالطرح السياسي الإسرائيلي للسلام والممثل بالامتلاءات الإسرائيلية والشروط الإسرائيلية وفرض السلام من المنظور الإسرائيلي الصهيوني والذي يؤدي الي الاستسلام واتخلي عن الثوابت الفلسطينية وهذا ما يريده الإسرائيليون بالتحديد.
الرد الفلسطيني التفافا حول قيادته التاريخية وعلى رأسها الرئيس أبو عمار بما يمثله من تراكم تاريخي ونضالي ورمزية للنضال الوطني الفلسطيني وحامي للثوابت الوطنية الفلسطينية وصمام أمان الوحدة الوطنية, وبدا العدو الإسرائيلي الأمريكي بمحاولة الضغط على القيادة الفلسطينية وجذب الأنظار عن صلابة الانتفاضة والشعب الفلسطيني, فبداء يروج انه لا بد من الإصلاح في السلطة وتغير القيادة الفلسطينية إلى أن وصل به الأمر الى طرح إقالة الرئيس ابو عمار, وترافق ذلك مع تصعيد الاعتداءات والجرائم الإسرائيلية بحق شعبنا الفلسطيني معتقدة أنها قادرة بالمجيء برئيس أخر للسلطة الفلسطينية يوقع وينفذ ما يتوافق مع مصالح الاحتلال الإسرائيلي, الشعب الفلسطيني لن يرضى بهذا وقد حسم أمره بالتفافه حول قيادته وحدد طروحاته وأهدافه السياسية والنضالية,
1- رحيل الاحتلال عن الأرض الفلسطينية المحتلة
2- لا يحق لأحد ان يختار ويتدخل في اختيار قيادة الشعب الفلسطيني
3- قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف على الأرض الفلسطينية التي احتلت بعد الرابع من حزيران
4- ان تتمتع الدولة الفلسطينية بالسيادة الكاملة جوا وبرا وبحرا
5- تطبيق القرار 194 وعودة اللاجئين الى ديارهم وأرضهم الذين طريدو منها قصرا.
حاول شارون أثناء ضرب العراق ان يستغل انشغال العالم بضرب العراق وهو يقوم بالإجهاز على ما تبقى من سلطة وطنية فلسطينية, وعلى قيادتها ورموزها والاقدام على عمل احمق بحق الرئيس ابو عمار, وفرض امر واقع على الارض الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة, فالحصار الثاني للرئيس ياسر عرفات في مقره في رام الله واحتلال المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية, مقدمة للعمل الإجرامي لشارون وقد عبر عن ذلك في تدارسه مع حكومته الإرهابية إبعاد الرئيس ابو عمار خارج فلسطين او مهاجمة مقره وتدبير سيناريو ما للاعتداء على رمزية الشعب الفلسطيني.
الصهيوني والذي يعمد الى تشويه صورة النضال الوطني الفلسطيني والعمل الوحدوي العربي الداعم للانتفاضة وبكافة السبل هذه العوامل جميعا تربك العدو الصهيوني وأمريكا وتجعلاهما تنشدين الحل للقضية الفلسطينية وفق المنظور العربي للسلام والمبني على أساس السلام العادل والشامل الذي يعيد للعرب حقوقهم الكاملة والتي نص عليها القانون الدولي في العديد من القرارات ومنها 181-338-242-194 هذه القرارات صدرت عن مجلس الأمن وهيئة الأمم المتحدة وهي أساس دولي وقانوني, المطلوب الضغط على المجتمع الدولي لكي يأخذ دوره في الضغط على الولايات المتحدة لتطبيق هذه القرارات حيث ان المجتمع الدولي قد نفذ القرارات الدولية في البوسنة والهرسك وأفغانستان وفي العراق في حرب الخليج الثانية وفي الكثير من الاماكن, وتبقى الحقيقة القائلة لا يموت حق وراءه مطالب.