سامر نصر
الحوار المتمدن-العدد: 2358 - 2008 / 7 / 30 - 07:51
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
(( الإصلاح والفساد وجهان لحقيقة واحدة, وهي الرغبة في تغيير ما هو قائم, فإن كان فاسداً تم إصلاحه, وإن كان صالحاً تم إفساده, والمعادل الموضوعي لإصلاح كل ما هو فاسد هو تقويم اعوجاج وتصويب الأخطاء وإعادة بناء ما خربته الأيادي الملوثة وتصحيح ما دمرته الطبيعة )).(1)
وتعرّف منظمة الشفافية(منظمة دولية غير حكومية تأسست عام 1993، ترصد الفساد في العالم تضم حالياً فروعاً في تسعين دولة، وأمانتها العامة في برلين في ألمانيا) الفساد بأنه استغلال السلطة من أجل المنفعة الخاصة, ووضع البنك الدولي تعريفاً للأنشطة التي يمكن أن تندرج تحت تعريف الفساد, وذلك عندما قال بأن الفساد هو إساءة استعمال الوظيفة العامة للكسب الخاص, فالفساد يحدث عادة عندما يقوم موظف بقبول أو طلب أو ابتزاز رشوة لتسهيل عقد أو إجراء طرح لمناقصة عامة, كما يتم عندما يعرض وكلاء أو وسطاء لشركات, أو أعمال خاصة.
تقديم رشى للاستفادة من سياسات أو إجراءات عامة, للتغلب على منافسين, وتحقيق أرباح خارج إطار القوانين المرعية. (2)
وبحسب رأي الدكتور السيد علي شلتا: يتمثل الفساد في الحياة العامة في استخدام السلطة العامة من أجل كسب أو ربح شخصي, أو من أجل تحقيق هيبة أو مكانة اجتماعية, أو من أجل تحقيق منفعة لجماعة أو طبقة ما, بالطريقة التي يترتب عليها خرق القانون أو مخالفة التشريع ومعايير السلوك الأخلاقي, وبذلك يتضمن الفساد انتهاكاً للواجب العام, وانحرافاً عن المعايير الأخلاقية في التعامل, ومن ثم يعد هذا السلوك غير مشروع من ناحية وغير قانوني من ناحية أخرى. (3)
ولا يمكن اعتبار الفساد في الوقت الحالي مسألة داخلية بحتة, بل إن مسألة الفساد في عصرنا, عصر العولمة, أصبحت تشكل طبقة عالمية, لها بنية تنظيمية عالمية مركزية محكمة تتمثل في قيادة وأيديولوجيا،
وإعلام، وقوى مالية وعسكرية وأمنية هائلة، في ظروف العولمة المعاصرة تفرز مراكز الفساد العالمية قوى محلية ذيلية تعمل لديها بالعولمة من خلال عملها في خدمة مصالحها الخاصة.
وإن هذه العملية التنظيمية تتمتع اليوم بطاقات هائلة تتمثل في خدمات ثورة المعلوماتية التي تضع في تصرف قيادات الفساد العالمية كل ما تحتاجه من المعلومات البالغة التنظيم والدقة والتفصيل عن عمل وممارسات وأخلاقيات وسلوكيات الكتل التنظيمية والقياديين القائمين على رأس العمل. (4)
فالفساد إذاً مسألة عالمية, لكنها تختلف من دولة إلى أخرى وتلعب طبيعة النظام السياسي الدور الأبرز في نمو هذه الظاهرة أو تراجعها.
أسباب الفساد داخل سورية
1- أسباب اقتصادية واجتماعية:
تلعب الظروف الاقتصادية والاجتماعية المتردية دوراً مهماً باعتبارها أحد الدوافع وراء ظهور الفساد.
فسوء الأحول الاقتصادية والاجتماعية بشكل عام, والتي تتمثل في عجز الدولة عن إشباع الحاجات الأساسية للمواطنين يعد سبباً رئيسياً وجوهرياً وراء السلوك المرضي الذي يسود بعض العاملين في معظم البلدان النامية. (1)
فسورية اليوم تشهد نسبة عالية وغير مسبوقة من البطالة وارتفاع في معدلات الفقر, مما يؤدي إلى ارتفاع معدل الفساد وانتشاره, وتولد ابتكار طرق جديدة لتحصيل الأموال بشكل غير مشروع, الجدول التالي يبين ارتفاع نسب البطالة في الأعوام القليلة الماضية:
جدول رقم(15)
يبين معدلات البطالة للأعوام (1995-2006) (2)
الأعوام نسبة البطالة
1995 808%
1999 905%
2000 10.0%
2001 11%
2002 10%
2003 16.8%
والإحصاءات غير الرسمية تشير إلى أرقام أكبر من الرقم المذكور, هذا بالإضافة لارتفاع نسبة الفقر داخل سورية.
2- تمتع المسؤولين الحكوميين (العموميين) بحرية واسعة في التصرف وبقليل من الخضوع للمساءلة, فهؤلاء يستغلون مناصبهم لتحقيق مكاسب شخصية عن طريق قبول الرشاوى من الشركات (القطاع الخاص) أو المواطنين نظير حصولهم على امتيازات واستثناءات.
3- احتفاظ الدولة بثروة هائلة – منشآت وممتلكات وموارد طبيعية, وإضفاء المشروعية على سلطتها على مشروعات الأعمال, حتى ولو كانت خاصة, مما يعطي المسؤولين الحكوميين سلطات استثنائية وفرصاً كثيرة لالتماس الرشوة. ونطاقاً واسعاً لنهب الثروات العامة (3)(2)
4- يؤدي ضعف المجتمع المدني وتهميش دور مؤسساته وانعدام الأحزاب السياسية, وجماعات المصالح والتنظيمات الاجتماعية المختلفة, إلى غياب قوة الموازنة المهمة في هذه المجتمعات, مما يساعد في تفشي ظاهرة الفساد واستمرار نموها.
5- انخفاض الأجر الرسمي للموظفين الحكوميين يغري بالفساد, والذي بدوره يمثل في غالبية الدول النامية ومنها سورية الحافز الرئيسي للبقاء والتمسك بالخدمة العامة في مؤسسات الدولة المختلفة.
6- وهناك عوامل تتعلق بالإدارة ذاتها, فانعدام أو ضعف الأخلاقيات الوظيفية للعمل الحكومي, وغياب مفهوم المساءلة العامة والمسؤولية, كلها تؤدي إلى الفساد وتمهد له.(1) *
7- تهميش دور المؤسسات الرقابية, والتي قد تعاني هي نفسها من الفساد, وتهميش السلطتين التشريعية والقضائية ووجود الدولة البيروقراطية, وغياب الدولة الديمقراطية.
8- انعدام المعرفة بأخطار الفساد على الدولة والأفراد سواء, ومدى تأثيره في تقويض خطط الدولة الرامية, لرفع نسبة النمو, وتحقيق التقدم المنشود في عملية الإصلاح والتطوير, وتحديث الدولة والمجتمع.(2)
9- وهناك أسباب إدارية, تنجم عن طبيعة البناء الحكومي, تساعد على انتشار الفساد, وأن دوافع الفساد هي وجود بيئة تساند فيها السياسة العامة للحكومة نظاماً بيروقراطياً, لأن الفساد الحكومي والانحراف موجودان في جميع أشكال البيروقراطية, وهذا يؤكد على أن سوء التنظيم الإداري وبيروقراطية القيادة الإدارية المتمثلة في تعدد القادة الإداريين, وتضارب اختصاصاتهم, وتضخم الجهاز الوظيفي, ونقص المهارات السلوكية والإنسانية لدى القادة, فضلاً عن القيادة المتخلفة والفاسدة, وتناثر السلطة, كلها أسباب ودوافع تفسد جو العمل, وتعد دافعاً وراء ظهور بعض العاملين المنحرفين سلوكياً.(3) #
والفساد في المجتمع السوري نتج عن بيئة سياسية, وجدت منذ عقود, وهذه البيئة السياسية تميزت بوجود سلطة احتكرت معظم المجالات الثقافية, الإدارة – الاقتصاد – السياسة, وكل النشاطات الاجتماعية.
الفساد أتى من هذه البيئة, ومن تغيير المجتمع وقواه السياسية من هذا المنطلق فالشيء الأساسي الأول ،أن الفساد في سورية, ليس لأسباب فردية بل لوجود بيئة, وهذه البيئة لا يمكن أن تعالج من خلال إصلاح إداري ولا اقتصادي ولا اجتماعي, وإنما يجب الانطلاق من إصلاح سياسي يضع الديمقراطية هدفاً في النهاية, أو من خلال وجود نظام ديمقراطي يمكن الوصول إلى وضع يتم فيه الفصل بين السلطات الثلاث ووجود قوى سياسية ومراقبة للمجتمع من خلال صحافة مستقلة, لذلك لا يمكن أن نفصل الإصلاح الاجتماعي عن بقية الإصلاحات.
وتأتي خطورة الفئة الفاسدة من كونها الحلقة الأكثر ضعفاً وهشاشة في النسيج الوطني, والأكثر استعداداً للتواصل مع القوى الخارجية, لأن مصالح هذه الفئة تتلاقى حتماً وتتقاطع مع الشركات متعددة الجنسيات وهمها الرئيسي ينحصر في تعظيم نهبها بصرف النظر عن تخريب مرتكزات التنمية والقيم الاجتماعية
ولهذا نجد أن الفاسدين هم المروّجون لثقافة الهزيمة والتطبيع والمنتقدون لثقافة الممانعة والمقاومة وبالاطلاع على إعلان منظمة الشفافية الدولية (transparency international) . حصلت سورية على 2.9 نقاط من أصل عشرة في مجال مكافحة الفساد في القطاع العام حيث احتلت بذلك المرتبة 93 من أصل (163) دولة في العالم يرصدها ذلك المؤشر, بينما جاءت في المرتبة 14 على مستوى الدول العربية من أصل 18 دولة رصدها المؤشر. (1(1)
نتائج الفساد
للفساد نتائج سلبية وبالغة الضرر على الدول التي يستشري فيها هذا المرض الخبيث, وآثار خطرة مدمرة للمجتمع وبوصف الفساد يمثل أحد أشكال السرقة العامة للثروة الوطنية, فإنه يتسبب في تسرب الأموال العامة بطرق غير مشروعة إلى جيوب مرتكبي الفساد, وغالباً ما تجد طريقها إلى الخارج بدلاً من توظيفها داخل البلاد لجلب المنفعة العامة.
والفساد كالجرثومة الخبيثة, تفترس الحكم الجيد, وتدمر الشرعية السياسية وتغتصب المواطنين العاديين, وتهمشهم في الحياة السياسية بل ويسهم الفساد في تشويه القرار الاقتصادي والسياسي فتكون الخيارات والقرارات خاطئة فتسبب في تحويل الخدمات من الفئات التي هي بأمسّ الحاجة إليها إلى جماعات المصالح المكتسبة(حراس المصالح) (2)
والفساد يشكل أخطر مدمر لعملية التنمية حيث يؤدي إلى استنفاد الموارد وإختلالات في البنى الأساسية التي ترتكز عليها عملية التنمية ويؤدي إلى تهديد سيادة الدولة, ومعاناتها من مديونيات كبيرة لعدم قدرة الدولة على تحقيق النواتج الكافية لسد تلك الديون وتحقيق مستوى نمو مقبول بوجوده, كما أن الفساد يخرق النظام العام ويضرب المرتكزات الأساسية التي يرتكز عليها ذلك النظام.
وباستشرائه يهدم عوامل الكفاية ويمكن غير المستحق من أخذ حق من يستحق, و بذلك تضعف كفاية الأداء ويسود جيل من أنصاف المتعلمين في المرافق المهمة يعمل لكسح ذوي الكفايات مما يشكل عامل طرد لهم. وينجم عن الفساد نشوء طبقة تحاول تغيير كل ما هو سائد من قيم الفضيلة إلى قيم الفساد. (1)
وسيؤدي الفساد إلى هدر المال العام الذي يحتاج له المجتمع لكل من عملية التنمية وعملية التصحيح وتخفيف أعبائها على الفقراء وستشكل القرارات الصادرة وخصوصاً في المجال الاقتصادي, خدمة مثمرة لأصحاب النفوذ وخدمة مفسدة وضارة للمصلحة الوطنية العامة, وستخرج الأموال المحصلة نتيجة الفساد إلى خارج البلاد. (2)
والفساد يشكل عقبة في طريق إنجاز المهام التي ينشدها المجتمع, كون الرشوة, تضيف أعباء جديدة على كاهل المقاولين الصغار, وتتسبب في سوء توزيع الدخل القومي توزيعاً عادلاً بين أبناء المجتمع والبيئة الفاسدة تنطوي على آثار سيكولوجية مدمرة للمجتمع, إذ يضعف الشعور بالمواطنة وتهتز ثقة الناس بالدولة ومؤسساتها وإذا ما استمرت مشكلة الفساد طويلاً ربما تتسبب في انهيار الحكم الجيد, كونه يمثل انتهاكاً صارخاً للحقوق والواجبات فيؤدي إلى تآكل الرأسمال الاجتماعي, ويضعف من الدور الذي تقوم به القوانين والأنظمة النافذة في حياة البلاد ناهيك عن انتهاك الشرعية السياسية, وعندما يصل المواطن إلى قناعة بأن لا جدوى من محاربة الفساد سوى القبول به والتعايش معه, فتشهد البلاد نزوحاً غير مسبوق من الكفاءات والمؤهلات إلى الخارج. (3)
ويؤدي الفساد إلى إضعاف جودة البيئة الأساسية والخدمات العامة ويدفع ذوي النفوس الضعيفة للسعي إلى الربح غير المشروع عن طريق الرشاوي بدلاً من المشاركة في الأنشطة الإنتاجية, ويقود الفساد إلى تغير تركيبة عناصر الإنفاق الحكومي, إذ يبدد السياسيون والمسؤولون والمرتشون موارد عامة أكثر على البنود التي يسهل ابتزاز رشاو كبيرة منها مع الاحتفاظ بسريتها, ويلاحظ أن الأجهزة الحكومية التي ينتشر فيها الفساد تنفق أقل على الخدمات الأساسية مثل التعليم والصحة, وتتجه إلى الإنفاق بشكل أكبر على مجالات الاستثمار المفتوحة للرشوة. (4)
يضعف الفساد من شرعية الدولة, ويسهم بحدوث اضطرابات وقلاقل تهدد الأمن والاستقرار, ويقود إلى التشكيك في فعالية القانون وفي قيم الثقة والأمانة إلى جانب تهديده للمصلحة العامة من خلال إسهامه في خلق نسق قيمي تعكسه مجموعة من العناصر الفاسدة أو ما يسمى (public hads) وهو ما يؤدي إلى ترسيخ مجموعة من السلوكات السلبية.
وعلى صعيد آخر يؤثر الفساد على كل من العدالة التوزيعية والفعالية الاقتصادية نظراً لارتباطه بإعادة توزيع أو تخصيص بعض السلع والخدمات, حيث يسهم الفساد في إعادة تخصيص الثروات لصالح الأكثر قوة ممن يحتكرون السلطة. (1)
يتضح من كل ما سبق أن الفساد يشكل أكبر عقبة أمام التنمية وخطط الإصلاح التي تنتهجها الحكومة السورية والأوضاع الاقتصادية والسياسية القائمة في سورية صراحة لا تتحمل هذه البيئة الفاسدة وأعداد الفاسدين, ويجب على الحكومة السورية العمل الجدي والفاعل للقضاء على هذه الظاهرة الخطرة, فيجب عليها العمل على:
1) استحداث نظم جديدة لتقييم الأداء الحكومي, وجمع المعلومات عن الفساد والمفسدين, ومعاقبة كبار المسؤولين بشكل صارم وسريع. (2)
2) توعية المواطنين بالآثار السلبية للفساد على عملية التنمية بمختلف جوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية عبر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة.
3) التشهير برموز الفساد ولا سيما أصحاب النفوذ والسلطة والمناصب الرخيصة, وانتشار هيئة مشتركة حكومية شعبية تابعة في مرجعيتها لمكتب رئيس الدولة, وتعريف المواطنين من خلال اللوحات التعريفية والإرشادية في كل مؤسسة حكومية مدنية أو أمنية, ولا سيما أقسام الشرطة والجوازات, ومفارز الحدود والجمارك ومجالس المدن والبلديات ومصالح الضرائب والمصالح العقارية والبريد بما لهم من حقوق وما يترتب عليهم من واجبات منعاً للابتزاز الذي يتعرض له المواطن.
4) زيادة دخول المواطنين إلى درجة تكفل لهم حياة كريمة, ويمكن توفير اعتمادات ومستحقات هذه الزيادة من خلال ترشيد الإنفاق الحكومي.
5) العمل على إيجاد صيغة قانونية تنص صراحة على منح عفو من العقوبة ومكافأة مالية لمن يبلّغ عن حدوث صفقة فاسدة أو أعمال محظورة في أي مؤسسة حكومية.
6) وتمثل الخصخصة أحد الحلول المساعدة في محاصرة الفساد وتحجيمه والحد من تناميه. (3)
7) الشفافية في عمل الدولة ومؤسساتها, والحكم الرشيد, أي الحكمة في استخدام الموارد وحسن اختيار السياسات الاقتصادية, والمساءلة القانونية على إدارة شؤون الدولة, والمحاسبة الصارمة لمرتكبي الفساد. ((مع كل محبتي لبلدي سورية التي ارغب من كل قلبي ان تصبح اجمل واروع دول العالم))
#سامر_نصر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟