أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - أوري أفنيري - رجل أسكيمو في البنطوستان















المزيد.....

رجل أسكيمو في البنطوستان


أوري أفنيري

الحوار المتمدن-العدد: 729 - 2004 / 1 / 30 - 04:25
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


     وصل أحد رجال الأسكيمو إلى المدينة فرأى قطعة زجاج لأول مرة في حياته، فذكرته هذه القطعة بالجليد. فالجليد شفاف أيضا مثل الزجاج إلا أن الجليد يمكن مضغه، فما كان من الرجل إلا أن وضع قطعة الزجاج في فمه وبدأ يمضغها.

     هذه مسألة بسيطة في علم المنطق. تأتي لتحذرنا من مغبة استخدام المقارنات. فالمقارنة هي أداة كثيرة الاستخدام في حالات معينة، غير أنه يجب التأكد دائما من وجه الشبه بين المثل والممثل به. يمنع استخدام المقارنة بشكل عشوائي، لأنها يمكن أن تؤدي لنتائج لا أساس لها من الصحة.

     يجدر بنا أن نتذكر هذا الأمر عند استخدامنا، على سبيل المثال، لمصطلح "الأبارتهايد" فيما يتعلق بالنزاع لدينا، من منطلق أملنا في أن يضغط العالم على حكومة إسرائيل، كما فعل في حينه، تجاه الحكومة العنصرية في جنوب أفريقيا.

     تعني كلمة "أبارتهايد" بلغة الأفريكانس "الانفصال"، وقد استخدم هذه اللغة البيض من أصل هولندي في جنوب أفريقيا. كانت سياسة "الأبارتهايد" تهدف عمليا إلى "الفصل" بين البيض وغير البيض ومن الناحية الفعلية كانت تهدف إلى انتزاع كافة حقوق السود منهم.

     كجزء من السياسة التي انتهجتها السلطة العنصرية البيضاء، أقامت قطاعات للسود منحوا فيها حكما ذاتيا وهميا. كل قطاع كهذا كان يدعى رسميا "وطن بنطو" على اسم البنطو وهم أحد الشعوب السود في جنوب أفريقيا. وقد أسند العالم لهذا المصطلح التسمية الساخرة "بنطوستان".

     من السهل جدا الوصول إلى موازاة بين البنطوستانات وبين القطاعات التي يخطط أريئيل شارون لحبس الفلسطينيين فيها، في إطار "الخطوات أحادية الجانب" التي ينوي تنفيذها. يقيم امتداد الجدار الفاصل المقام في الضفة الغربية دزينة من "البنطوستانات" الكبيرة منها والصغيرة لذلك من المؤكد أننا نستطيع تسميته باسم "جدار الأبارتهايد"، ناهيك عن أن كلمة "الفصل" وهي ترجمة دقيقة إلى حد كبير للمصطلح الأفريقي.

     إن الواقع الذي يعيشه الفلسطينيون في المناطق المحتلة يشبه هو أيضا، إلى حد كبير، واقع الأبارتهايد، فهناك طرقات (جيدة) مخصصة للمستوطنين وللجيش الإسرائيلي، وهناك طرقات (رديئة) مخصصة للفلسطينيين. تتوافق الحواجز والعوائق التي لا تعد ولا تحصى، والتي تقوم بتوقيف الفلسطينيين بينما يمر الإسرائيليون أمامهم كلمح البصر، تتوافق مع هذا الواقع.    

     غير أنه يجب عدم تحويل هذه المقارنة إلى سخافة واستخلاص عبرة كاذبة منها، لأن أوجه الاختلاف بين النزاعين لا تقل عن أوجه الشبه.

     - أولا: توازن القوى. كان البيض في جنوب أفريقيا يشكلون 10% على الأكثر من التعداد السكاني في الدولة. أما السود فقد شكلوا 77% والبقية كانت مختلطة من "الملونين"، الهنديين وغيرهم. (كان غاندي، كما هو معلوم قد بدأ حياته كمحام شاب في جنوب أفريقيا، وقد ناضل هناك من أجل حقوق الهنديين والسود).

     أما في إسرائيل-فلسطين، في المناطق الواقعة بين البحر والنهر، فإن اليهود-الإسرائيليين يشكلون أغلبية تصل إلى حوالي 60%. أما داخل إسرائيل فيشكل اليهود أكثر من 80%. حتى إن تغير هذا الوضع في المستقبل، بسبب الفرق في الزيادة الطبيعية، فلن تنشأ علاقة عددية تشبه تلك العلاقة التي كانت عليها في جنوب أفريقيا.

     - حتى إدبان ذروة النظام العنصري، كان الاقتصاد الأفريقي الجنوبي يرتكز رمته على عمل السود، ولم يكن ليستمر بدونهم. أما الوضع هنا فهو مختلف، فرغم استخدام الاقتصاد الإسرائيلي بعد عام 1967 للأيدي العاملة الفلسطينية الرخيصة، وضعت الانتفاضة نهاية لهذا الوضع، فقد تم إحضار عمال أجانب أرخص بكثير إلى البلاد.

     - الأهم من ذلك هو نظرة الطرفين إلى النزاع. لا البيض ولا السود كانوا يعارضون وحدة دولة جنوب أفريقيا، وقد كان النزاع على السلطة في الدولة وليس على وحدتها. وكان هناك من اقترح على البيض أن يركزوا على جنوب الدولة ويقيموا لهم هناك دولة منفصلة خاصة بهم، غير أن البيض رفضوا هذا الاقتراح رفضا باتا، فهم يملكون أراض ومصانع في كافة أرجاء الدولة ولم يكن بنيتهم التخلي عنها.

     (اقترح إسرائيليون أيضا مثل هذه الاقتراحات أكثر من مرة، فقد اقترحوا تطبيق تجربتنا على بلاد يختلف واقعها تماما. لقد اقترح دافيد بن غوريون، في حينه، على شارل دي غول تطبيق هذه التجربة على الجزائر وإقامة دولة للمستوطنين الفرنسيين على جزء منها، غير أن دي غول رفض هو أيضا هذا الاقتراح رفضا باتا).

     - كان البيض والسود على حد سواء يعرّفون أنفسهم على أنهم أفريقيون جنوبيون. حتى في ذروة النزاع الدامي، كان الهدف المعلن عنه للمتمردين السود هو إقامة مجتمع تعددي أفريقي جنوبي. وقد كان هذا الحل مقبولا بالفعل لدى الأغلبية الساحقة من أبناء العرقين، وهو قائم حتى الآن على الأقل.

     يختلف الواقع الإسرائيلي-الفلسطيني تماما. فلن ينكر أي عاقل بأن هناك شعبين مختلفين لهم إدراكين وطنيين مختلفين ومتعارضين بأن المحاولة المصطنعة لتطبيق الحل الأفريقي الجنوبي لدينا لن تنجح، كما لم تكن لتنجح محاولة تطبيق الحل الإسرائيلي-الفلسطيني في جنوب أفريقيا.

     - يكمن أحد الفروق الهامة في نظرة العالم إلى النزاعين، فنظام الحكم العنصري في جنوب أفريقيا لم يحظَ في أي مرة من المرات بتأييد العالم. فقد تعاون زعماء "الحزب الوطني الأفروكناري"، الذين وصلوا إلى السلطة في انتخابات عام 1948 ووضعوا شعار "الأبارتهايد"، مع النازيين في الحرب العالمية الثانية، وقد جز بعض منهم في السجن لهذا السبب.

     بالمقابل، تعرف إسرائيل نفسها منذ البداية على أنها "دولة ضحايا الكارثة"، مما منحها تأييدا عالميا عارما رغم نجاح حكومات إسرائيل على اختلافها بتبذير هذا التأييد، يمتنع العديدون في العالم عن توجيه اللوم إلى ما تقوم به إسرائيل، خوفا من اعتبارهم لا ساميين وبطبيعة الحال لم يكن هناك ستة ملايين مواطن أفريقي من أصل أفروكناري.

     صحيح أن النظرة إلى إسرائيل بدأت تتغير شيئا فشيئا إلى الأسوأ، ولم يبقَ أي ذكر لصورة "الدولة الصغيرة والشجاعة المحاطة بالأعداء"، ولا من "النظام الديمقراطي الوحيد في الشرق الأوسط". بدأت النظرة إلينا تتحول أكثر فأكثر إلى شعب محتل ومتعسف، إلى دولة "بلطجية" تسحق تحت أقدامها القوانين الدولية والقواعد الأخلاقية. بدأ الجدار الفاصل والحواجز ووسائل الاحتلال الأخرى، بدأت تفتت تأييد إسرائيل إلى شظايا، وامتثالنا أمام المحكمة الدولية سيلحق بنا ضربة قاسية أخرى.

     غير أن هذا كله ما زال بعيدا كل البعد عن نظرة العالم إلى جنوب أفريقيا. إن من يأمل في أن يتسبب ضغط الرأي العام العالمي بالقضاء على النظام في إسرائيل مثل قضائه على النظام العنصري في جنوب أفريقيا يوهم نفسه.

     يمكن لشعوب العالم، بل ويجدر بها أن تأخذ دورا هاما في النضال من أجل القضاء على الاحتلال وإحلال السلام الذي يرتكز على"دولتين لشعبين". لا يمكن لإسرائيل أن تتجاهل، على المدى البعيد، الرأي العام العالمي. وكما قال توماس جفرسون: "لا يمكن لأي دولة انتهاج سياساتها دون احترام الرأي العام العالمي". إلا أن النضال الأساسي هو نضال داخل الجمهور الإسرائيلي، ويقع العبء الأساسي في هذا المجال على كاهل دعاة السلام، الذين ينادون بالعدل والأخلاقيين في المجتمع الإسرائيلي. لا يمكن لأي شخص تخفيف هذا العبء عنهم.



#أوري_أفنيري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اللا سامية – دليل المصطلحات
- العجلة من الشيطان!
- النوم على سرير (برنامج سياسي) مريح
- الأمر المُطلق
- صدام إلى هاغ!
- بالونات
- وما زالت دواليب الهواء تدور
- شجار في ليشبونه
- الخطاب الذي ألقيته في الحفل التكريمي لي ولسري نسيبة بمناسبة ...
- سبعون حورية ليعلون
- مطلوب: شارون يساري
- نقائل السرطان
- من تصدقون؟
- الدرع البشري
- خيانة كامب ديفيد
- بطل الحرب والسلام
- ثورة الضباط
- من سينقذ أبا مازن؟
- صوت لأسيادهم
- نحن الوطنيون


المزيد.....




- رقمٌ قياسيّ لعملة فضية نادرة سُكَّت قبل الثورة الأمريكية بمز ...
- أهمية صاروخ -MIRV- الروسي ورسالة بوتين من استخدامه.. عقيد أم ...
- البرازيل.. اتهام الرئيس السابق جايير بولسونارو بالضلوع في مح ...
- اكتشاف عمل موسيقي مفقود لشوبان في مكتبة بنيويورك
- وزيرة خارجية النمسا السابقة: اليوم ردت روسيا على استفزازات - ...
- الجيش الإسرائيلي يوجه إنذارا إلى سكان الحدث وحارة حريك في ال ...
- أين اختفى دماغ الرئيس وكيف ذابت الرصاصة القاتلة في جسده كقطع ...
- شركة -رايان- للطيران الإيرلندية تمدد تعليق الرحلات الجوية إل ...
- -التايمز-: الغرب يقدم لأوكرانيا حقنة مهدئة قبل السقوط في اله ...
- من قوته إلى قدرة التصدي له.. تفاصيل -صاروخ MIRV- الروسي بعد ...


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - أوري أفنيري - رجل أسكيمو في البنطوستان