انتشرت في العراق أيام العهد الصدامي البائد نكتة سياسية تقول (( أن صدام حسين دخل على قيادته بحالة هستيرية تنم عن أستعدادة قتل أحد أعضاء القيادة وأرتكاب جريمة القتل بنفسه وهم واقفين خوفاً يرتعدون مما سيصير اليه الحال ، فألتفت اليهم يسألهم من منهم يبدأ اسمه بحرف الطاء فهو خائن ومجرم وعميل وسأنهي حياته هذا اليوم وأنه يريد من هذا الشخص أن يتقدم ليعرف عن نفسه .
كان يقف الى جانب طه محي الدين معروف وطه الجزراوي وطارق عزيز وجميعهم تبدأ اسماؤهم بحرف الطاء ، كان يقف الى جانبهم عزت أبراهيم الدوري .
كانت المفاجأة أن الذي تقدم قبل الجميع كان عزت أبراهيم الدوري ، فأستغرب صدام وسأله ولكن أسمك يبدأ بحرف العين ياعزت !! فقال له صحيح ذلك ياسيدي ولكنك أعتدت أن تناديني ياطرطور فيكون أسمي متضمناً حرف الطاء مرتين لامرة واحدة . )) الأخوة في لبنان لديهم أكلة شعبية تسمى الطرطور ، الا أن كلمة الطرطور في العراق تدل على الشخص الذي لايتمتع بشخصية أو مكانة أجتماعية في البيت أو المجتمع .
هذه النكتة السياسية لم تكن دون أساس أو قاعدة فقد كان المجتمع العراقي يتداول العديد من النكات التي تعبر عن مقدار الكراهية التي يكنها أهل العراق لصدام وعائلته ، وكذلك فأن الجماهير العراقية كانت تعرف مقدار قيمة كل واحد من أعضاء القيادة أمام الطاغية وأولاده ، ولم يكن غريباً على أبناء الطاغية أن يطلقوا تسمية ( العجمي ) على سعدون حمادي لولاح أو أن يطلقوا على طه الجزراوي ( القائد الغبي ) أو طارق عزيز بألقاب لاتليق بأنسان أن يذكرها بالأضافة الى أحتقار الوزير الكذاب محمد سعيد الصحاف وأهانته أمام الناس في أكثر من مناسبة ، الغرابة أن اكثر هذه النماذج تعرف حقاً حقيقة حجمها وقيمتها أمام سلطة الدكتاتور .
ولم يكن أكثر من أهل العراق معرفة بالقيادات المحنطة التي يسميها صدام ( القيادة القومية ) والتي هي في الحقيقة ليست اكثر من خراعات صامتة لاحول لها ولاقوة يستعملها الطاغية متى شاء ووقت الحاجة .
بالرغم من التواجد الفعلي للعديد من هذه الرموز والأسماء في بغداد وحيازتها على جوازات سفر عراقية ذات صفة دبلوماسية وجوازات سفر خدمة ، وبالرغم من المخصصات والرواتب والمنح المالية وبالعملة الصعبة ، الا أن جميع هذه الأسماء يتم سحقها مثل النملة أذا تململت أو تحركت أو خالفت لأي سبب كان دون موافقة أو أوامر القيادة العراقية .
ويمكن أن يكون السيد عفيف الرزاز وكذلك المدعو زيد حيدر مثالا حياً في أمكانية الأختلاف والتعارض بين القائد وقيادته القومية المنضوية تحت خدمته ، ولم يكن جميع أعضاء هذه القيادة يتمتعون بأدنى مقومات الشجاعة في الفكر السياسي والرجولة في نقد تصرفات السلطة أو توجيه اللوم الى صدام وأولاده مع معرفتهم الدقيقة بموبقاتهم وأنتشار فضائحهم على الملأ وتراكم الأخطاء التي يوجب الضمير الحي منهم أن يقولوا كلمتهم ، الا أنهم كانوا يرزحون تحت وطأة الخوف والرعب والأنقياد دون تململ أو رفض جزئي لما يحدث في العراق بأسم الحزب وتحت رحمة عدم وجود خيار لهم في اللعبة السياسية فآثروا الصمت لقاء منافعهم وأغراضهم وأمراضهم الخاصة .
وفي حياة القائد المؤسس ميشيل عفلق وأمينه العام المساعد شبلي العيسمي لم تكن لهم أية فرصة في أبداء آرائهم وأفكارهم سوى بالمديح والأطراء على كل تصرفات القائد الضرورة ، فقد كان تلك اللقطات التي يظهرها التلفزيون العراقي في مناسبات خاصة هي كل مهمة المذكورين المغيبين عن الوعي وعن عالم العراق ، وأن يقتصر أظهارهم في التلفزيون العراقي في المناسبات الرسمية لألقاء السلام والولاء لقائد العراق المنتصر دوما ً
( عليهم وعلى شعب العراق ) ليكملوا مشاهد المسرحية التي يراد اخراجها من العراق لأغراض الأعلام وادعاء الشرعية الكارتونية .
أن ميشيل عفلق أقدم على تغيير دينه شكلاً بأمر الطاغية ، كما أنه قام بتغيير أسمه وربما أسم عائلته بناء على أوامر من الطاغية دون نقاش أو أمكانية للرفض .
من الممكن أن تكون هناك أفكار وآراء وتعارض بين هذه الأسماء التي تتشكل منها القيادة القومية لحزب البعث ( الجناح اليميني في العراق ) وبين السلطة العراقية ولكنها في الحقيقة نار تحت الرماد لايمكن لأي منهم أن يمتلك الشجاعة الكافية للمجاهرة بالنقد والتعارض .
وكان شبلي العيسمي وهو يشغل مهمة الأمين العام المساعد التي توازي مهمة صدام القومية من اكثر الصامتين حتى ندر أن يسمع صوته في العراق ، فقد اعتزل الرجل الدنيا وأصبح حاله حال المقيمين قسراً في بيوتهم حين يتوفر لهم كل شيْ بأستثناء الحرية بعد أن مات ميشيل عفلق وهو ينام تحت وطأة الخوف من سلطة ومخابرات صدام .
ولم يكن للرجل أي دور أو مهمة حقيقية غير أكمال خرز المسبحة أ و انه كان يشكل غطاء شكلي للزعم والأدعاء بوجود حزب قومي في العراق وأن هناك قيادة قومية أنسجاماً مع مادرجت عليه السلطة في الزمن الصدامي من أيجاد شكلي ليس فقط لمنظمات وتنظيمات مهنية بل لأحزاب كارتونية أذ أن المنهج الذي تعتمده السلطة هو تشكيل صور كارتونية من كل ماينسجم لصالح السلطة ويبرر لها المشروعية حتى لوكانت التمثيلية الصورية أو الشكلية في الاخراج .
ويمكن أن تكون حفلات الأعدام وأنهاء حياة الخصوم لتتشكل بعد ذلك محكمة تصدر احكامها على الموتى منهم بقصد أضفاء الشرعية حتى على الموت مثالا حيا على ذلك ، ولهذا فقد وقعت السلطة في العديد من المطبات التي لم تجد لها تفسيراً حين كانت قرارات المحكمة قد صدرت بعد تنفيذ الأعدام بالمتهمين بيومين ، مثلما أو قعت السلطة نفسها بمأزق طلاق أبنتا صدام من المقبورين حسين وصدام ولدي كامل من محكمة الأحوال الشخصية حيث تم درج تاريخ قرار الحكم في يوم جمعة وهو عطلة رسمية للمحاكم ودوائر الدولة في العراق ولاتنعقد المحكمة بهذا اليوم ولاتصدر احكامها مطلقاً .
وفي مداخلة مع قناة الجزيرة القطرية للسيد شبلي العيسمي ذكر فيها بأن الشعب العراقي ربما يضخم الجرائم التي ارتكبها النظام وأن العديد من الأتهامات التي قيلت لاتصلح مطلقاً للنقاش وأن الحزب القومي في العراق سيعيد تشكيل نفسه .
وهذا الكلام معقول وليس غريباً من شخص لم يكن يعرف ماذا يدور في العراق ، وقائد قومي ليس له علاقة بمواطن واحد من أهل العراق أو بالوطن العربي اصلاً ، وأمين عام مساعد لحزب لايتعرف على تفاصيل الحياة العراقية ، وهو معذور حقاً لعدم معرفته بتفاصيل مايجري أو ماجرى في العراق ، كما أن الرجل ليس له أدنى صلاحية أو قدرة على التعبير عن أفكاره أو معتقده ، ولايتمكن من نقد سياسة الحاكم العراقي أو انتقاد اولاده الطغاة الصغار ، فمن غير المعقول أن يتنكر الرجل للنعمة التي كان بها دون مهمة أو عمل ودون أن يكون له يد في كل ماصار اليه الحال في العراق سوى أنه كان مستغلاً ( بفتح الغين ) أسوأ استغلال أنساني ومسلوب الأرادة لكنه كان متنعماً لاخيار له ويتقبل أستلام الهبات والمكافآت في المناسبات العراقية الرسمية حاله حال العديد من الحراس والموظفين الرسميين ومتلقي الهبات العرب ، وكان الرجل يحمل جوازسفر الخدمة العراقي الخاص الصادر من وزارة الخارجية العراقية حاله حال بقية الأعضاء الذين كانوا يتوافدون على العراق ليس لمهمات نضالية أو أجتماعات قومية أو تحليلات فكرية أو تثوير للفكر البعثي أو لمتابعة انبثاق مؤتمر قومي آخر بعد ان نام الحزب وغفا غفوة طويلة مع انه يزعم حكم العراق ، ويبدو أن ظروف العراق لم تكن تسمح بذلك مع أنها كانت تعقد المؤتمرات العربية والأسلامية والثقافية والسياسية ومؤتمرات المغتربين والمؤتمرات العربية والقومية دون توقف وعلى نفقة العراق بالرغم من ظروف العراق التي يزعم صعوبتها .
بقي الرجل مسلوب الأرادة لايستطيع أن يتدخل في أي شأن عربي أو عراقي حيث كانت نهاية الرزاز شاخصة امامه وامام بقية الأعضاء الذين لم يستطع العراق أن يجد بديلاً عنهم منذ بداية أنقلاب 1968 ولحد سقوط سلطة صدام في نيسان عام 2003 .
غير أن الذي لم يكن الرجل يتوقعه أنه كان مراقب من قبل جهاز المخابرات العراقي وتقدم التقارير الخاصة به أولاً بأول الى الطاغية تحسب عليه انفاسه وتحلل كلماته وهمساته ولقاءاته بالرغم من اسمه يخلو من حرف الطاء .
وهكذا زخر العراق برجال من الطراطير الذين ثابروا من أجل تسجيل أسماؤهم بهذا الشكل في تاريخ العراق المعاصر ، الطراطير الذين وظفوا ضمائرهم وحياتهم ليكونوا مطايا للطاغية ليس لأنهم جزء من الدكتاتور أو انهم مفتونين بالدكتاتورية ، انما لأنهم منجذبين الى أن يكونوا طراطير أمام الطاغية وبالونات منفوخة أمام أهلهم وشعبهم .
طراطير في الحزب والدولة وفي المجتمع ، يقينا أن العديد منهم من يعرف حاله ويكابر وخاصة بعد سقوط الدكتاتورية ونهاية الحكم الصدامي في العراق ، يبقى الطرطور متعلقاً بمجد سيده الذي ضاع أذ ليس أعتباطاً أن ينبري أشخاص مجوفين يمتدحون الطاغية ويطعنون في شعب العراق أو من يحاول أظهاره بصورة الحمل الوديع الوطني الغيور ويصمت عن حقائق مروعة كان شعب العراق ضحيتها ومن ثم ينفي أرتكاب الطاغية للجرائم التي لم ينفها نفسه أصلاً ، وهكذا تظهر العديد من الطراطير في الأمة العربية تعبر عن واقع حالها وحقيقتها ولاتستغرب يوماً أذا شاهدت من يهتف بحياة الرئيس المنهزم والهارب من شعبه أويرفع صورته بأعتباره محرر العرب من المحتلين وقائد الأنتصارات التي عجز عن تعدادها القلم ، فالطرطور شخص من لحم ودم ولكنه دون شخصية وتافه ويحتاج دوماً لمن يعرفه بحاله .