لحسن ايت الفقيه
(Ait -elfakih Lahcen)
الحوار المتمدن-العدد: 2357 - 2008 / 7 / 29 - 10:05
المحور:
المجتمع المدني
يعد تدبير النزاعات واحدا من الوسائل الأساسية لتحقيق الحكامة الجيدة بالمؤسسات الاجتماعية. و لقد كان منتظرا, كما هو مسطر في برنامج الدورة التكوينية لفائدة أعضاء تنسيقية جبر الضرر الجماعي بإقليم الرشيدية من 21 يوليوز 2008 إلى 25 منه, التطرق إلى موضوع تدبير النزاعات ابتداء من اليوم الثالث من أيام الدورة يوم الأربعاء 23 يوليوز 2008 بفندق الرياض . ولم يكن برنامج التكوين مصنفا عن عبث لأن الموضوعين مترابطين ترابطا وظيفيا ونسقيا بحيث يستصحب أحدهما الآخر و يستـلزمه. فلا حكامة جيدة بالمؤسسة الاجتماعية بدون تدبير النزاع و لا معنى لإصلاح ذات البين بين الفاعلين الجمعويين أنفسهم أو بينهم وبين الموظفين في إدارة عمومية مجاورة, و قس ذلك على الجماعات المحلية والمستشارين بمجالسها, ما لم يهدف إلى تحقيق حكامة جيدة تمكن المؤسسة من تحسين أدائها. و فوق ذلك فمنسيقية جبر الضرر الجماعي بالرشيدية التي تضم جمعيات غير متجانسة وظيفيا وممثلي المصالح الخارجية والجماعات المحلية المعنية بالبرنامج, و تشتغل في مجال جغرافي يغطي خمسة مواقع معنية ببرنامج جبر الضرر الجماعي ، في حاجة إلى تكوين في الموضوع . وباختصار يشكل موضوع الحكامة الجيدة موضوع الحصة الأولى من الدورة التكوينية، وتدبير النزاعات موضوع الحصة الثانية ،وحدة معرفية متجانسة ضرورية لتقوية قدرات الفاعلين في الحقل التنموي كافة. و عملا بنفس الأسلوب المعتمد في الحصة الأولى من الدورة التكوينية التي تخص الحكامة الجيدة , فتح المجال أمام المشاركين في الدورة لبسط انتظارتهم بالقصف الذهني للأفكار حول تدبير النزاع. و كل ينتظر من الحصة الثانية أن تركز على أسباب النزاع وطرق تدبيره و الأساليب والحلول الناجعة لحله أو بمعنى آخر التمكن من مناهج تسوية ذات البين عامة وقبل ذلك تم التركيز في معظم أشكال النزاعات على ضرورة الوقوف عند ماهية النزاع. و الملاحظ أن لا أحد من المشاركين في الدورة اهتدى إلى أن للنزاعات إيجابياتها في العمل التنموي و في تحسين الأداء داخل المؤسسة الاجتماعية. و معنى ذلك أن التقدير السلبي للنزاع في حاجة إلى حفر ونقاش. و إجمالا كانت أهداف التكوين كالتالي:
استخلاص مستويات النزاع من حيث الإيجابيات والسلبيات.
تحديد مختلف السيناريوهات الكفيلة بحل النزاع.
تعريف النزاع.
ولمقاربة الموضوع اعتمد منهج يقوم على مبدأ انتقال الأفكار من الأسفل إلى الأعلى ومقارنة أعمال الورشات بعد مناقشتها وتمحيصها مع العرض الإطار الذي أعده المنشطان الأستاذ عبد الواحد الغازي والأستاذ نبيل ايت اصغير.
1. من أجل نزاع يخدم التنمية
لا أحد يتصور أن للنزاع إيجابياته فكل يعتبر الصراع فتنة تقلق راحة الإنسان و تؤثر على الاستقرار و تنتج عنها خسائر في الأموال و الأنفس و تؤدي إلى هدر الطاقات. لذلك لم يخطئ المشاركون لما صوره في نشاط لمقاربة الموضوع في صورة حيوان قوي (الثور) أو مفترس (النمر والأسد والفهد) أو ضار (الذبابة) وخيله بعضهم في صورة ضبابية وعبر عنه آخرون باللون الأحمر والأسود و ظهر لدى البعض في أصوات مزعجة أو رهيبة. والحال أن للنزاع إيجابيته إلى جانب السلبيات التي لا ينكرها أحد. و لما كان لكل نزاع فوائد ما فإن تدبيره واحد من المقاربات التنموية التي لا تقل شأنا عن المقاربة التشاركية أو مقاربة النوع الاجتماعي أو الحكامة الجيدة.
شكل النشاط الأول أرضية لمقاربة مفهوم النزاع بتحديد مجموعة من خصائصه النوعية ومظاهره. فالنزاع يقوم أولا على تعارض الشعور والأحاسيس وتضارب المصالح واختلاف الغايات. ويفيد النزاع في اللغة اللاتينية الصدمة والحرب والشجار وتلك مرادفات للكلمة conflictus.و يمكن أن يكون النزاع بين شخصين اثنين أو فريقين أو بين مجموعة من الأشخاص والفرقاء.
2ـ مظاهر النزاع
تتعدد مظاهر النزاع وتختلف حسب تعدد أسباب النزاع واختلافها.ولكل نزاع مضمونه كأن يقوم على المصالح والمواقع أو حول الأهداف والغايات.و قد يطبعه تعصب الأطراف المتنازعةAntagonistes وتشبتهم بالموقف والرأي والمبدأ وهناك نزاع يطغى عليه سوء التواصل بين الأطراف. وهناك ثلاث عناصر تمظهر النزاع، الأطراف المتنازع وموضوع النزاع والقرب الوظيفي
3 . أشكال النزاع
كثيرا ما يقوم أحد المتنازعين بتضييق الخناق على الطرف الثاني بشتى الأشكال. و في بعض الأحيان ترى فريقين يتعاركان فيدفعك الفضول لتبحث فيما شجر بينهما. والتقاضي أيضا شكل من أشكال النزاع الساخن. وهناك من يدفعه الاختلاف إلى الانسحاب الظاهري من الاجتماع الخاص لمعالجة موضوع ما أو الانسحاب الهاديء. والانسحاب تعبير عن عدم الرضا وإن شئت فهو شكل من أشكال النزاع. ويشكل الإضراب عن الطعام والاعتصام شكلين واضحين للنزاع.و قد يتخذ النزاع شكلا دعائيا كالكتابة على الجدران ونشر الدعاية الزائفة وقد يرقى إلى تخريب الممتلكات والمزروعات والضرب والجرح والقتل. فمن النزاع ما هو كامن Latent ومنه ما يتخذ شكل العداوة الواضحة والبغضاء . و في جميع الأحوال لا بد من التدخل لحل النزاع.
4 ـ انعكاسات النزاع
يرى المشاركون في الورشات أن للنزاع انعكاسات سلبية و إيجابية. فمن جهة يؤدي إلى هدر الطاقة والوقت والمال ويعرقل التواصل في المؤسسة الاجتماعية مما يحول دون الابتكار والإبداع. فالنزاع يحول المجهودات لتصب خارج الأهداف والغايات.و كلما تم تسوية نزاع ما كلما أعيد وضع القاطرة على السكة لتستمر الحياة الإدارية بالمؤسسة الاجتماعية ويعود روح الانسجام إلى فريق العمل و تتحسن المردودية وترتفع الجودة. و في عرض فريق التنشيط أن النزاع يؤثر سلبا على المردودية و يعرقل العمل و يحرف عمل الفريق عن المسار الصحيح. و يقترح المشاركون في الدورة التسوية المستمرة للنزاعات ابتغاء حث المتنازعين على احترام القانون وبرمجة لقاءات تواصلية و التنشيط المستمر والاحتكام أحيانا إلى الأهداف المتفق عليها. ومن مستلزمات التسوية اختيار وسيط جيد والتنازل كلما دعت الضرورة.
5 ـ أسباب النزاع
من أسباب النزاع في المؤسسة الاجتماعية طبيعتها الهيكلية التي تقوم على النسقية الوظيفية القائمة على الترابط الشرطي للمهام بين الخلايا ترابطا أفقيا وعموديا.فالوظيفة السليمة لقسم الموارد البشرية بمؤسسة اجتماعية ما مشروطة بتخطيط سليم تعده في الوقت المناسب مصلحة التخطيط و بموازاة ذلك لا يستقيم وضع المصالح الأخرى و إن شئت آداء المؤسسة كلها في حال النقص في الموارد البشرية. فهذا الترابط يقوم على التبعية الوظيفية للمهام في إطار الترابط الأفقي لخلايا المؤسسة ومصالحها وأقسامها. فلا تخطيط يستقيم ما لم توفر مصلحة التجهيز ما يكفي من المستلزمات و الإمكانيات و كل المصالح متوقفة عما تعده لها المصالح المالية من إمكانيات تجنبا لندرة الموارد rareté des ressources. فالنسقية بالمؤسسة الاجتماعية قائمة ,كما سبقت الإشارة على الترابط الأفق للمهام بين المصالح. وكل خلل وظيفي بمصلحة ما يؤثر سلبا على المصلحة المجاورة وطالما يحدث شجار وشنآن كبيرين. ولما كان للمصلحة موضعها في تراتبية إدارية داخل المؤسسة الاجتماعية, كأن تكون مشرفة على مصلحة دنيا في مؤسسة من نفس الجنس بدائرة إدارية أو مقاطعة, و يمكن أن تكون هي نفسها مرؤوسة من لدن مصلحة عليا بعاصمة البلاد إو بالولاية التي توجد فيها المؤسسة الاجتماعية فإن لهذا الترابط الوظيفي العمودي طابع النسقية والتسلسل فكل خلل ينشأ بخلية إدارية ما يؤثر على الخلية الرئيسة أو المرؤوسة.ويعنينا أن الترابط الأفقي والعمودي بين اقسام المؤسسة الاجتماعية وخلاياها يشكل سببا من أسباب النزاع في حال اختلال حلقة من الحلقات بفعل صدور أوامر غامضة.
و من أسباب النزاع في مؤسسة اجتماعية ما الاختلافات الشخصية بين الفاعلين القائمة بالطبع على اختلاف تجاربهم ومشاربهم الفكرية وعدم التناسب في المزاج و الرؤية. و بما أن الكثير من المؤسسات الاجتماعية لا تعتمد مؤشرات قياس دقيقة لضبط الأداء الفردي والجماعي ولا توضح مهامها و لا تملك مخططا استراتيجيا للعمل و طالما تشكو من البطء في تطبيق المساطر فإنها تستمر في التخبط في أهوال النزاعات. و نضيف أنه كلما شكت المؤسسة من النزاع كلما ازداد روح المنافسةRivalité ندرة وضعف الاهتمام وقلت العناية وساد الإهمال. فلا بد من حل النزاعات والعمل بفن التنازلات concession و التوافقات.
6 ـ حل النزاع عماد التدبير الجيد
يعد حل النزاع واحدا من مهام مدير المؤسسة الاجتماعية. ولكل مدير أساليبه في الإدارة و ممارسة السلطة الإدارية على مجموع الفاعلين بالمؤسسة. فهناك قيادة استبدادية وقيادة ديموقراطية وقيادة تشاركية ديموقراطية ومن المديرين من تستحوذ عليه اللامبالاة ويعمل بالشعار المشهور دعه يسير.
ويقوم حل النزاع على أسس علم التفاوض الاجتماعي. والتفاوض لقاء بين عدة فاعلين لتسوية خلافاتهم بالطرق السلمية. و يعرف التفاوض أيضا فعل مضاد للتحجر والجمود حيث يحث على العمل المتواصل من أجل تغيير الوضع.
7 ـ مواصفات المفوض الجيد
لما كان التفاوض واحدا من الوسائل الكفيلة بحل النزاعات فإن المشاركين في الدورة ودوا لو وقفوا بعض الوقت عند مواصفات المفاوض الجيد. لأجل ذلك اقترح المنشطان تشكيل ورشتين للاشتغال إرضاء لحاجات المشاركين المعرفية.
و يجمع نتائج الورشات قاسم مشترك يدور حول بعض العناصر كالكفاءة والتجربة والمعرفة الدقيقة للموضوع و الإلمام بالفصول القانونية المناسبة و امتلاك الخبرة واكتساب القدرة على التنظيم.فالمفاوض الجيد من يحسن التواصل مع الغير و يملك القدرة على الإنصات الجيد و يقدر على التحليل السريع للخطاب والخطابة. ولا بد أن يلم بالموضوع و يحيط به و يعرف التشريعات والقوانين المنظمة للمؤسسة المعنية و يتزود بروح اليقظة و يكسب تجربة واسعة في التفاوض والإقناع و يكون على دراية بالاختلاف الثقافي. وله أن يعد العدة بتوفير مجموعة من القوانين والوثائق والمستندات و المحاضر اللازمة لممارسة الإقناع. و قبل ذلك يجب أن يكون مستقيما في سلوكه منفتحا حليما يمتص غضبه بسرعة قوي الشخصية فصيح اللسان.
8 ـ مواصفات الوسيط
يحضر الوسيط في كل النزاعات بين الأشخاص الطبيعيين والمعنويين. وله مكانة خاصة لدى كافة شعوب العالم. وللوساطة مكانة في الثقافة المغربية تسند للشيوخ والمقدمين والأعيان و الفقهاء والمتصوفة. و كانت الزوايا تعتبر إصلاح ذات البين بين الأشخاص والقبائل ركنا من أركانها. وفي القوانين المغربية ذكر لدور الوسيط و أهميته في مدونتي الشغل و الأسرة. و تقضي الوساطة إزالة أسباب الخلاف والنزاع و التقليل من أهميتها من اجل تقريب وجهات نظر و بناء جسر التواصل و إعادة العلاقة إلى حالها السليم. و يشترط في الوسيط أن يكون محايدا مسامحا و ذا مصداقية هادئا يتقن التواصل و يكتم الأسرار و ينشيء الحوار. فالوسيط الجيد هو الذي يحول النزاع بين الطرفين إلى حوار بناء . يؤسس عمله على تشخيص وضعيات تفاوضية تشخيصا جيدا يمكنه من البحث عن تقنيات لتدويب الجليد و إعادة الثقة بين الطرفين المتنازعين. و لا يفلح الوسيط في عمله ما لم يعرف جيدا الأشخاص المتنازعين ويعرفهم أثناء التفاوض بأسمائهم وصفاتهم ووظائفهم موظفا الألقاب عند الضرورة(السيد فلان, سعادة فلان, معالي الوزير). و ليصبح رجل التوافقات داخل الفريق بالفعل لا بد من تدوين المعطيات أثناء المبارة التفاوضية وتسطير نقط الالتقاء والخلاف للبحث عن مقاربة لائقة لحل النزاع.
#لحسن_ايت_الفقيه (هاشتاغ)
Ait_-elfakih_Lahcen#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟