صلاح عودة الله
الحوار المتمدن-العدد: 2355 - 2008 / 7 / 27 - 01:27
المحور:
حقوق الانسان
ان الحرية حق لا يعطى بل يؤخذ...لقد كثرت المعتقلات"الأمنية والسياسية" في بلاد العرب والسبب واحد, وهو ان"النظام الحاكم أمر من الله" لا يمكن مواجهته أو حتى انتقاده..! لقد قرأت في الفترة الأخيرة الكثير من المقالات والتي تناولت ما جرى من احداث قمع للمساجين في سجن صيدنايا العسكري السوري, ورغم كل التعتيم الإعلامي الذي فرض وكالعادة في سوريا حول القضية، أكدت مصادر حقوقية سورية وقوع عشرات القتلى والجرحى في المواجهات التي حدثت بين معتقلين سياسيين والشرطة العسكرية في هذا السجن, وذلك خلال اعتصام نفذه معتقلون إسلاميون, وتعود خلفية هذا الاعتصام إلى مطالب السجناء بتحسين شروط إقامتهم في السجن، الوضع الصحي السيئ، ظروف محاكماتهم وأحكامهم الجائرة والمعاملة السيئة التي يعاملون بها.
وبالرغم من انها المرة الاولى التي يشهد فيها سجن صيدنايا تحرك بهذا الحجم الذي حدث، نرى ان جميع وسائل الإعلام السورية الرسمية وبكافة انواعها، تجاهلت ما جرى في هذا السجن وعمدت كعادتها إلى التعتيم المطلق على الحادث. كما تجاهلته وسائل الإعلام الخاصة أيضا وذلك إما لقربها من النظام الحاكم، أو خوفا من الإغلاق والحجب وبالتالي المسائلة الأمنية التي لا ترحم,لأنه من المفروض على الجميع"تأليه" النظام وتقديسه كقدسية الأديان بل انه اقدس منها, فالأجهزة الامنية تحتكر المعلومات ولا تسمح لأحد بنشرها إلا بإذن مسبق، كما هو شائع في سوريا وكل البلاد العربية من المحيط الى الخليج.وهنا وفي هذا السياق استذكر ما قاله شاعرنا الراحل والعظيم نزار قباني واصفا اجهزة القمع المخابراتية العربية: "ذهب الشاعر يوماً إلى"الله".. ليشكو له ما يعانيه من أجهزة القمع.. نظر"الله"تحت كرسيه السماوي وقال له: يا ولدي هل أقفلت الباب جيداً"؟؟...نعم فأجهزة القمع تلاحق كل انسان مخلص يحاول ان يعبر عن رأيه المتواضع وابداء وجهة نظره في موضوع معين يخص وطنه وزعيمه.
وكعادتهم تابع السوريون ما يجري في بلدهم من خلال الفضائيات ووسائل الإعلام الخارجية كالعربية والجزيرة وال بي بي سي العربية، بعد أن فقدوا الثقة بوسائل إعلامهم المحلية ، التي لا تتمتع بمصداقية تذكر, وتنهج نهج التعتيم الشديد على كل القضايا التي يقوم بها النظام الحاكم وأعوانه. كنت اتوقع ان العهد الذي يتلقى به المواطن العربي اخبار ما يحدث في بلاده من مواقع اخبارية اجنبية قد ولى وبدون رجعة, الا ان توقعاتي هذه باءت بالفشل وسيببقى اعلامنا العربي تبعيا وغير مستقل. ومن الجديرذكره أن سجن"صيدنايا" الذي بني عام 1987، يقع في قرية صيدنا الجبلية شمال العاصمة السورية دمشق ، ويتكون من ثلاثة أجنحة يتألف كل منها من ثلاثة طوابق. ويتسع السجن لحوالي خمسة آلاف سجين، و في حالة الازدحام، يمكن ان يصل هذا العدد"وبقدرة قادر" الى عشرة آلاف سجين. ويعرف هذا السجن بأنه سجن لمعتقلي الرأي والسياسيين من كافة التوجهات والمعتقدات المخالفة والمناهضة للنظام الحاكم. ان كتبة هذه المقالات هم"طبعا" من المعارضين للنظام الحاكم في سوريا والمقيمين خارج وطنهم, ومن يجرؤ من المقيمين داخل الوطن على انتقاد النظام الحاكم او احد اتباعه فالسجون مفتوحة على ذراعيها ومن يدخلها لا يخرج منها وان خرج فالى"مثواه الأخير" وهذا هو حال باقي الدول العربية..! وكما قال الشاعر الكبير مظفر النواب في قصيدته"في الحانة القديمة": "عفواً يا مولاي فما أخرج من حانتك الكبرى إلا منطفأً سكران..أصغر شيء يسكرني في الخلق فكيف الإنسان؟ سبحانك كل الأشياء رضيت سوى الذل,وأن يوضع قلبي في قفص في بيت السلطان..وقنعت يكون نصيبي في الدنيا.. كنصيب الطير, ولكن سبحانك حتى الطير لها أوطان.. وتعود إليها..وأنا ما زلت أطير.. فهذا الوطن الممتد من البحر الى البحر..سجون متلاصقة..سجان يمسك سجان"..!.
كان حكيم يسير مع تلاميذه على جبل التاي، فرأى امرأة تنوح على قبر، فأسرع باتجاهها، ولما اقترب أرسل أحد تلاميذه ليسألها: إنك تولولين وتنوحين نواح من عانى أحزانا على أحزان؟ فأجابت نعم هو كذلك! إنها أحزان على أحزان؛ فقد قتل النمر والد زوجي في هذا المكان، ثم قتل النمر زوجي هنا أيضا، والآن قتل النمر ابني بالطريقة نفسها.
قال الحكيم: لماذا لا تتركين هذه المكان؟ فكانت إجابتها:"إنه لا يوجد حكومة ظالمة في هذا المكان".! قال الحكيم:تذكروا يا بني إن الحكومة الظالمة أسوأ من الوحوش الضواري..! (عن كتاب: السلطة، لراسل).*
انتهت قصة النمر على جبل التاي، وختمت لك قصة هذه المرأة وتلك العائلة ذات الضمير الحي، والعزة العالية، حيث تقبل الموت بأنياب السباع ولا تقبل جوار الطغاة من حيوانات البشر الأدنين، طغاة البشر يقتلون الروح، وينشرون المهانة والمذلة ولا يقبلون بغير ذلك..."وظلم ذوي القربى أشد مرارة..على النفس من وقع الحسام المهند"..! ان ما جرى في سجن "صيدنايا" وغيره من السجون السورية ليس حكرا على النظام الحاكم في هذا البلد العربي الأصيل, فهو يحدث كل يوم في سجون كثيرة ولكن باسماء اخرى وفي كافة البلاد العربية وبدون استثناء. ان غياب الحريات يعتبر سمة من بين السمات التي تشترك فيها مختلف البلدان العربية، وهو أحد عناصر التجانس السياسي بين مختلف رقاع هذا العالم. ورغم التفاوت بين حالة وأخرى حسب خصوصيات التطور التاريخي وتنوع التركيبة الاجتماعية للسكان، فإن الوضع العام يكاد يختزل اليوم في الانحسار الكبير لهامش الحريات دون مؤشرات واضحة على أفق تطور ما، على عكس ما يحدث في مناطق أخرى في آسيا وحتى في أفريقيا والتي نتهمها زورا وبهتانا بالتخلف وفي الحقيقة نحن المتخلفون. ان إشكالية غياب الحريات في العالم العربي هي في صلبها غياب الوعي بقدر الفرد كإنسان وكمواطن، وعدم تجلي وظهور هذا الوعي كواقع مجتمعي فاعل حتى لدى النخبة المثقفة في المجتمعات العربية. انه لمن الواضح إذن أن مسألة غياب الحريات في العالم العربي ليست مرتبطة فقط بالأنظمة التسلطية والقمعية والتعسفية القائمة، بل هي في عمقها مسألة وعي بالذات تشكلت عناصره عبر التاريخ الاجتماعي، وما زال يتفاعل بصورة سلبية مع الظرف والواقع السياسي الحالي في مجتمعاتنا.
إن الطاغية قبل أن يقوم بسجن مخالفيه أو ارهابهم، يكون قد ألم به الخوف ، واستولى عليه الهلع والذعر، وحل الذل أعماقه، فرأى الخلاص من رعبه ومن خوفه وذلته أن يقيد حريات الناس، وأن يظلمهم جزاء ما أخافوه, وهكذا يتصرف الحكام العرب الطغاة..! وهنا استذكر القصة الاتية: جاء في قصص قدماء العرب أن الوباء قدم يوما إلى قرية، فوقف له على بابها شيخ حكيم وقال له: أما لك أن تترك أهل هذه القرية وحالهم، فهم لم يرتكبوا ذنبا ولم يعصوا الله في مشيئته ولم يعتدوا على أحد، فقال الوباء للشيخ المسن: لا تقلق، فأنا لن أقيم طويلا في هذه القرية ولن ينال الداء أكثر من أربعين شخصا. وبعد شهر، التقى الوباء بالشيخ وهو خارج من القرية فبادره الشيخ: "ألا يكفي أنك جئت بالأذى بل وتزيد على أذاك بالكذب، لقد قتلت 400 شخص من أبناء القرية". فأجاب الوباء:"لا تظلمني أيها الحكيم، أنا لم أتعرض لأكثر من 40 شخصا، أما الآخرين فقد قتلهم الخوف والفزع"...! ان الظالم يحكم ببطنه الجشع، وقلبه الهلع، وأوهامه السخيفة، ووُجد ليجعل من الإنسان قادرا أن يقارن بين المستويات البشرية حين تسقط لتحل تحت الظالم الأدنى من الحيوان، والمستويات العليا التي تسائل حاكمها على زيادة ثوب فقط عن المواطنين، أيام عمر، فيحضر ابنه ليقر لهم أن الثوب الزائد كان قد تنازل عنه عبد الله بن عمر لوالده، وتلك المستويات العليا من مجتمعات بشرية راقية معاصرة وعزيزة فقيرة الموارد فاغتنت، وتساوت وعدلت، فارتقى فردها العامي البسيط على كل متكبر متجبر عربي جاهل سخيف، وهوى الخيرون والأفذاذ والسادة ممن يعيشون تحت رعب الجاهلين المتوحشين المستغلين واللصوص في بقاع عالمنا العربي الحزين المهزوم بسبب المفسدين التابعين والمضبوعين لأسيادهم. وخرج الجميع من التاريخ بل أخرجوا منه، وأصبحوا مجرد سكان ثقلاء الظل أذلاء مستعبدين لا وجود لهم يسكنون فوق الأراضي الغنية، لا يتوقع منهم أحد موقفا ولا سياسة ولا مشاركة في إدارة أراضيهم، فضلا عن غيرهم، وفي كل يوم تنتقص سيادتهم، ويزداد الفقراء فقرا على فقرهم, وليضعوا ما كان يجب ان يملكوه في جيوب الأغنياء"مكره أخاك لا بطل", وينعطف المتوحشون الفاسدون الظالمون المتخلفون على الضعفاء والسادة ينهبونهم ويذلونهم ويقيدون حريتهم، وقد رفع قدرهم المتنبي لمرتبة الثعالب:"وقد بشمن وما تفنى العناقيد"...!** يقتلني في اليوم الواحد مئة مرة, وفي كل مرة بمئة سلاح, سؤال عجزت الانسانية عن الاجابة عليه ولا يزال مطروحا في كل زمان وفي كل مكان:كيف يمكن لشخص واحد, حاكم مستبد ومغرور ومتكبر وقاس ودموي أن يستعبد أمة كاملة من البشر, ويلتف حوله لحمايته آلاف من كلاب السلطة الجلادين, ويتحول الصمت بين الجماهير إلى فضيلة ونصيحة ثمينة وطريق آمن؟ مستبد واحد قد يكون أضعف من بعوضة, وأجبن من فأر, وأحط من حشرة, وأغبى من حمار, يشير بسبابته فيتسابق لارضائه وحوش كاسرة, وتتم تصفية مئات من البشر المظلومين دون أن تتغير تعبيرات وجه أو تتحرك تحتها عضلة واحدة؟ "والظلمُ من طَبْعِ الجبانِ فكلّ طاغيَةٍ جبان".. (بدوي الجبل). "أيها السجناء في كل مكان، ابعثوا لي بكل ما عندكم من رعب وعويل وضجر إنني أعِــدّ ملفاً ضخماً عن العذاب البشري لأرفعه إلى الله، فور توقيعه بشفاه الجائعين وأنات المحرومين, لكن جلّ ما أخشاه أن يكون الله أميا"..! "سأدخن همومي وجراحي كما لو كنت في نزهة على شاطئ البحر ووراء القضبان اعقد لقصائدي شرائط وجدائل مدرسية بيضاء وأطلقها من النافذة، ثم أتابع خطوات السجان وهو يذهب ويجيء أمام زنزانتي كأنها آثار قلمي..".(محمد الماغوط).**** منذ قرابة ثلاثة عقود، كتبَ محمد الماغوط قصيدته والتي اقتطفت منها المقطع السابق، وكان الظلم العربي في بداياته الخجولة المتواضعة، لم يكن قد تحوّل إلى مؤسسة حقوقية معترف بها في أكاديميات المخابرات أو في المدارس الفكرية لتجار المخدرات. كان الظلم في تلك الأيام يثير الاستنكار لدى الناس، كان من العسير على مخلوق يعمل في أجهزة القمع أن يجد فتاة تقبل به زوجاً ، أو أن يجد أباً يرضى لابنته هذا المصير المؤلم. وصرنا إلى زمن تحوّل فيه الجلاد إلى فارس أحلام، صار الأب يفتخر أن صهره مسؤول في أحطّ وأحقر المؤسسات التي أنتجها الفكر البشري ، ألا وهي أجهـــزة الأمن والمخابرات ! أليسَ صحيحاً أن هناك موتى يجب قتلُهُم ؟ سيكتب التاريخ أن النصف الثاني من القرن العشرين كان العصر الذهبي للمافيا العربية التي تسلقت كراسي الحكم فأهلكت الحرث والنسل وجعلت من الناس خولاً ومن أموال الشعب دولًا، هزئت هذه المافيا بجميع القيم، أذلّت الجميع، وجعلت الخيار واضحاً وضوح الشمس في رابعة النهار : إمّا... وإمّا! لم يعرف تاريخ النوع الإنساني منذ خروج الإنسان من الغابة قمعاً وإرهاباً كالذي عرفه في العقود الأخيرة من السنين في هذا الشريط الممتد بين الرباط وجبال كردستان، الجنرال فرانكو(الزعيم الاسباني) يعتبر تلميذاً مبتدئاً غبياً إذا قيس بأي جنرال عربي استولى على السلطة، تشاوشيسكو(رئيس رومانيا السابق والذي اعدمه ابناء شعبه) يعتبر من أئمة الديموقراطية والعدالة والنزاهة إذا قورن بأي حاكم عربي ، سواء كان من أهل اليمين أو من أهل اليسار، لذلك يحق لهذه الأمة أن تفتخر بهذا السبق على جميع الدكتاتوريين في العالم. لكننا ما زلنا مصرين ان نقول:
من منا لا يتذكر صورة نيقولاي تشاوشيسكو على الأرض مسترحما أحذية الجماهير والأطفال بعد أن كان قبلها بساعات يحرك شعبه كله من شرفة قصره؟
من منا لا يتذكر محمد رضا بهلوي, صاحب عرش الطاووس, وهو يبكي في مطار طهران بعد أن ظن الايرانيون أن العناية الالهية نسيتهم بين أيدي "السافاك"؟ مئات الألوف من السجناء السياسيين قضوا ويقضون عشرات السنين في سجون الدول العربية دون محاكمة، ومئات الألوف من الذين اختاروا المنفى هرباً من سياط القمع والإذلال، والملايين من الناس على الأرض العربية تعيش كالأنعام، لا تعرف لون السماء لفرط ما انحنت منها الرقاب . أطفال ولدوا في السجون وبقوا فيها مع أمهاتهم، وأطفال أصبحوا رجالاً قبل أن تتاح لهم فرصة رؤية آبائهم، فهذه بلاد المفقودين والمخطوفين والسبايا. الديكتاتور العربي ، مهما كان الاسم الذي يطلقه على نفسه أو يطلقه عليه الناس، ديكتاتور متخلف أمي لا يقرأ، ولو قرأ هذا الديكتاتور التاريخ لتغير الأمر، فالظلم مرتعه وبيل، والسكرة بخمرة السلطة تعقبها ورطة، وعندما ينفجر غضب الشعوب فانه سيكنس جميع الطغاة فلا يُبقي منهم ولا يذر، عندما يأتي اليوم، وهو آت لا ريب فيه، لن يجد أصحاب القصور قبراً على هذه الأرض، سيحاسبون عن كل ما جنته أيديهم، يومها لا ينفع مال ولا بنون، لن تحميهم يومها السيارات المصفحة ضد الرصاص ولا جيوش واشنطن، يومها سيكون الأمر كما قال الجواهري في قصيدته التي رثى فيها أخاه جعفر :سـيُحا سَبون فلا وراءٌ يحتوي ذنباً ، ولا شُرَطٌ تحوم أمامُ..سينكـس المتجبرّون رؤوسَـهم حتى كأن رؤوسَــــهم أقدام ..! ان الأمر لا يكمن في الحديث عن الحرية ولكن الأجدى هو أن تمارس هذه الحرية وبصورتها الصحيحة، وأن تعيش في كيان تتمايل الحريات مع أنفاس أهله، فيقوم هذا الكيان بتحويل خوفهم أمنا، وظلمهم عدلا، وهمسهم جهرا، ومشكلة العرب أنهم من رواد الحديث عن الحرية، يصفونها كامرأة حسناء لم تخطر على قلب بشر، ويتغنون بها كنشيد تعتق بحنين عشاق دجلة والفرات، لكنهم يرددونها بالموال العراقي المميز الذي يكتنفه حزن الرافدين من كل جانب، فلا تكاد تفرق اليوم بين أفراح العراقيين وأحزانهم، ومع الأسف هذا هو حال المجتمعات العربية مع الحرية. أن تعيش الحرية وتمارسها، يعني أن تحرث الأرض وتقلبها رأسا على عقب من أجل وطن آمن يزهو باستقراره السياسي والاجتماعي، وتختفي من لغته وقاموسه مفردات القتل ومهنة بل حرفة الانتقام، يحكمه القانون الذي لا يفرق بين انسان وانسان ويقوم بافساح فرص التفكير بمستقبل زاهرللجميع وبدون استثناءات، يحبو به الطفل الصغير من دون وجع الرصاص، وترسمه الفتاة اليافعة بحبر السلامة من قهر الفراق، ويقرأ فيه الرجل الناضج سورة التوحيد من أجل وطن واحد يحتضن الجميع دونما تمييز ضد فرقة أو طائفة..ولكن وعلى قول من قال: لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها..ولكن احلام الرجال تضيق..!*** اننا لا نعرف إن كان القدر هو الذي يقوم بأخذ مجتمعاتنا العربية من ألم إلى ألم ومن يأس الى يأس زمن انكسار الى انكسار، أو انه العدو الذي قام بجمع قواه مستغلا ضعفنا، وحوّل أمننا إلى خوف، لكن كل ما نعرفه أن الشعوب العربية استمرأت الظلم والهوان في الوقت الذي يضج ديوانها ألأدبي بأشعار الحرية والكرامة، وتملأ مدوناتها التاريخية قصص العزة والأنفة، وتعلو فيها نصوص المنعة الذاتية ، فيما ينافي الواقع تلك الحكايات والدعوات والنصوص، حتى لتبدو للناظر أقرب إلى العناوين منها إلى الأحلام، ولا نقول مجرد أوهام تجري على الأرض. ما بين الحديث عن الحرية وممارستها،توجد مسافة زمنية طويلة وهامة جدا، اسمها" إرادة الإصلاح"،والتي إن توفرت لأمة من الأمم، نهضت من كبوتها، وقارعت الصعاب في سبيل تحقيق الحضور والتفوق، وإن غابت تلك الإرادة، انتقلت الأمة إلى واقعها القصصي التاريخي الذي يتغنى بالنصوص وحكايات الأجداد، بينما واقعها يحوم في دوامة التأخر الثقافي والسياسي والديني. وهذا التنازع بين الفكرة المثالية والواقع المتخلف، تحول من حدث طارئ إلى ثابت داخل المجتمعات العربية، حتى تحولت كل المشاريع النهضوية، أو التي استهدفت النهضة في العالم العربي إلى مشاريع هامشية أو معطلة. واختتم هذه القراءة بما يلي: يروى عن الحكيم الصيني"كونفوشس" عندما سأله أحد تلاميذه: ما هي الأشياء التي يجب أن يوفرها الحاكم إلى رعيته حتى يستتب له الأمر؟ فقال له"كونفوشس" هي ثلاثة:
لقمة العيش ، الأمن ، وثقة الناس في عدله و عدم الظلم.
فسأله التلميذ فإذا كان لنا أن نستغني عن واحد منهما فما هو؟ فرد الحكيم"الأمن", فسأله التلميذ, فإذا كان لنا أن نستغني عن أحد الشيئين الباقيين فأيهما نضحي به؟ فقال له في هذه الحالة نستغني عن"القوت", لأن الموت كان دائماً مصير الناس, وقد يميت فقدان القوت بعضا منهم, لكنهم إذا فقدوا الثقة في"عدله", فلن يبقى شيئا يحيون من اجله لأن العدل هو أساس الحياة الكريمة.
وصدق في ذلك فان العدل هو اساس الحياة بل ان قيام السموات والارض يعتمد عليه..وعند غياب العدل وفواته وشيوع الظلم..فلا تسأل عن كآبة الدنيا وظلمتها..ويا لعذاب البشريه والعمران والحضارة.." فالظلم مؤذن بخراب العمران" كما جاء في مقدمة ابن خلدون. وأريد ان أذكر النظام الحاكم في دمشق بما يلي: انطلاقا من معايشته لمآسي وآلام أمته الإسلامية والعربية خلال الفترة الاستعمارية العصيبة من تاريخها جسد شوقي في قصائده شعورا قوميا خاليا من الإقليمية الضيقة، فيوم "ثورة دمشق" التي جابهها المستعمرالفرنسي بقوة كان له موقف مشرف فقال:سلام من صبا بردي أرق ودمع لا يكفكف يا دمشـق**وللأوطان في دم كل حـــر يد سـلفت ود ين مستحـق...ومن يسـقي ويشـرب بالمنـايا إذا الأحرار لم يسقوا ويسقوا**ولا يبنـي المـمالك كالضحـايا ولا يدني الحـقوق ولا يحـق...فـفي القـتلى لأجيـال حياة وفي الأسرى فدى لهمو وعـتق**وللحرية الحـمـراء بـــاب بكـل يـد مضرجـة يـدق..!! فهل من متعظ..؟ لماذا الصمت الأحمق والمخيف والذي ليس له أي تفسير آخر غير الموافقة الضمنية على استمرار المعتقلات, وتقبيل حذاء الحاكم, والسجود أمام كلاب السلطة في السجون والمعتقلات ومنحها شرعية نهش أجسادنا جميعا؟ إن شرعية الطاعة والاعتراف بالحاكم ينبغي أن ترتبط فورا وبدون شروط باغلاق نهائي لكل المعتقلات والسجون,والافراج عن سجناء الرأي والضمير والصحفيين والكتاب والمثقفين والأحرار والمتمردين والمعارضين.
لماذا وممن نخاف يا أمة "الضاد"؟
من هذا الرجل الوحيد المريض الدموي والضعيف الذي يتألم ويبكي ضعفه عندما يخلو بنفسه, ولا يفهم كيف لملايين من البشر أن يطيعوه, ويحولوا الحياة اليومية إلى جحيم من أجل اسعاده؟
ألم نفهم بعد أننا نصنع الطاغوت, نعبده, ونسجد له, ونخاف منه, ثم نطلب منه أن يستعبدنا أو يغتصبنا أو يعذبنا عذابا أليما؟
ترى من يقرأ هذه الكلمات ثم يطوي الصفحة, ويتمتم بتهكم بأن لا فائدة في المقاومة, وأن الجبن والرعب أكثر أمنا وسلامة من التكاتف والتلاحم والتضامن والاتحاد من أجل ان نقول وبصوت مرتفع :ان هذا اليوم هو يوم المطالبة باغلاق جميع المعتقلات العربية وبدون استثناء؟
ترى من يقرأ هذه الكلمات ويقول بأنها أضغاث أحلام أو جنون شاعر, وأن الصمت فيه أمن للعائلة والأسرة والأولاد؟
لو علم الناس ان الحاكم المستبد أشد ضعفا وخوفا وفزعا وهلعا مما يتخيل أي جبان أو صامت لما بقي على الأرض العربية معتقل واحد..!
فهل نحن في زمن ( العبودية المختارة ).. ؟. وهل يصدق فينا قول من قال:إذا كان رب البيت بالدف ضاربا** فشيمة أهل البيت كلهم الرقـص..! وهل لم نسمع في مأثورنا الواسع" من استغضب ولم يغضب فهو حمار"..؟
***************** * عاش الفيلسوف وعالم الرياضيات البريطاني برتراند راسل زهاء قرن من الزمن (1872-1970)،ألف خلالها قرابة 70 كتابا و العديد من المقالات العلمية بل أكثر من هذا ، كان في واجهة الصراع السياسي حيث يعبر عن مواقفه و آراءه التي دفع ثمنها غاليا
يعد كتاب"السلطة" أهم مؤلفات راسل في مجال التنظير السياسي .في هذا السياق كان راسل يشاهد فضاعة النزعة القومية لمعاصريه ، فبدأ يتأمل في الطبيعة و حدود السلطة السياسية . لذلك و في كتابه السالف الذكر حدد 3 أدوار أساسية : دور الرأي في خلق و تدمير السلطة ، السلطة داخل التنظيمات المعاصرة و أخيرا الوسائل الأخلا قية و التربوية القادرة على قهر و إخضاع السلطة.
عموما ، يعد برتراند راسل علامة فلسفية كبرى في تاريخ الفكر و رمز للفيلسوف المناضل الذي ينخرط ويتخد مواقفا من إشكالات عصره في العديد من المجالات و على رأسها المجال السياسي. ** بيت من اشعار ابو الطيب المتنبي يعبر من خلاله عن نهب مصر منذ مئات السنين وهو احد ابيات قصيدة قالها في هجاء" كافور الاخشيدي" حاكم مصر انذاك:عيد بأية حال عدت يا عيد**بما مضى أم لأمر فيك تجديد...نامت نواطير مصر عن ثعالبها**فقد بشمن وما تفنى العناقيد...العبد ليس لحر صالح بأخ**لو أنه في ثياب الحر مولود...لا تشتر العبد إلا والعصا معه**إن العبيد لأنجاس مناكيد. نامت نواطير مصر عن ثعالبها**فقد بشمن (أي اصابتها التخمة) وما تفنى العناقيد.. لقد اصابت التخمة الثعالب ولكنها لا تتوقف عن أكل عناقيد العنب فيما الجائعون يزدادون جوعاً ويلتهم الاغنياء ثمار البلد وان الثعالب"الحكام الطغاة" لا تكتفي بأكل كروم العنب ولكنها تفسد مالا تستطيع أكله. *** في أحد اللقاءات والحوارات والتي اجراها محمد كريشان"قناة الجزيرة" مع محمد حسنين هيكل والتي تحدث فيها ألأخير عن الوضع في العالم العربي والاسلامي وبالتحديد إيران والعراق وفلسطين اذكر ان كريشان قال لهيكل:لا يمكن أن ننهي اللقاء دون كلمة عن مصر؟وبحكمة أجاب هيكل: آه.. كنت راغب الا أتحدث في موضوع مصر، لكنك وأنت تتحدث عن مصر افتكر بيت شعر يقول:"لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها...ولكن أحلام الرجال تضيق"..! ان السعادة والحرية امران ينشدهما الناس جميعا وإنهما يفيضان عليهم من نفوسهم و قلوبهم , ولا يأتيانهم من خارج هذه القلوب أبدا , وان الشقاء والعبودية اللذين يحيطان بهم ويهربون منهما لهما امور تصيب هذه النفوس و القلوب كذلك. وبيت الشعر المذكور هو لعمرو بن الأهتم المنقري, وهوشاعر مخضرم وهو القائل:ذريني فإن البخل يا أم هيثم**لصالح أخلاق الرجال سروق...ذريني فإني ذو فعال تهمني** نوائب يغشى رزؤها وحقوق...ومستنبح بعد الهدو دعوته** وقد حان من نجم الشتاء خفوق...فقلت له أهلا وسهلا ومرحبا** فهذا مبيت صالح وصديق...وكل كريم يتقي الذم بالقرى** وللخير بين الصالحين طريق...لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها** ولكن أحلام الرجال تضيق. **** الشاعر محمد الماغوط: يتحدث الماغوط في كتاب (اغتصاب كان وأخواتها) عن حياته الشخصية . يبدأ من سلمية التابعة لمحافظة حماة السورية حيث ولد عام 1934 حين كانت هذه (قرية نائية وباسلة لا مدينة، ورجالها لا يتورعون عن ضرب أشجارهم بالسَّوط، لأنها لم تثمر في الوقت المحدد). وعنها يقول: (أعتقد أن ماركس كان ينبغي أن يولد في السلمية وليس في ألمانيا، ليخترع نظريته في الصراع الطبقي وتوفي في دمشق في 3-4-2006
ويعتبر الماغوط أحد أبرز الأدباء والشعراء الحداثيين في العالم العربي ، فضلا عن ريادته في الكتابة والـتأليف المسرحي . وأدى الفنان دريد لحام في الثمانينات عدداً من مسرحياته، منها "غربة"، "كاسك يا وطن" و"شقائق النعمان". ويغادر الماغوط قرتيه نهائياً عام 1955 إلى واحد من أبرز عناوينه في دمشق، سجن المزة، أو (متحف الرعب) كما يسميه الكتاب. وفي السجن سيتعرف إلى أدونيس في زنزانة مجاورة، الذي سيقدمه في ما بعد شاعراً في إحدى جلسات مجلة (شعر) بقصيدة (القتل) التي كتبها في السجن على ورق التبغ على أنها مذكرات شخصية لسجين.
#صلاح_عودة_الله (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟