|
اللاجئون وأوروبا: بين «مزدوجين»!
عبد الحسين شعبان
الحوار المتمدن-العدد: 2356 - 2008 / 7 / 28 - 10:46
المحور:
حقوق الانسان
لم يتمكن القانون الدولي الإنساني، والاتفاقيات الدولية لحقوق اللاجئين لعام 1933 وعام 1951 وملحقها لعام 1967 ومن ثم اتفاقية ماستريخت لعام 1992 واتفاقية امستردام لعام 1997 (بخصوص الاتحاد الأوروبي) التي دخلت حيز التنفيذ عام 2004 من تأمين حقوق اللاجئين، لاسيما للأعداد المتزايدة منهم، خصوصاً وقد شهدت التسعينات وما بعدها ارتفاعاً هائلاً في عدد اللاجئين من بلدان الجنوب الفقير إلى بلدان الشمال الغني، وبخاصة دول الاتحاد الأوروبي، بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية، حيث ازدادت نسبة الذين يعيشون تحت خط الفقر عالمياً، ويعانون من الجوع إلى نحو 900 مليون إنسان وأن هناك نحو مليار و300 مليون إنسان يتقاضون أجوراً لا تزيد عن دولار واحد في اليوم، حيث تنتشر البطالة والأمية والتخلف والنظرة الدونية للمرأة والأقليات وتدهور حالة حقوق الإنسان. إن فكرة أوروبا دون قيود ودون حدود لم تتحقق رغم كل النجاحات، عبر تأسيس الاتحاد الأوروبي وتوحيد العملة وانتقال البضائع والبشر وحق الإقامة والعمل وتوحيد بعض القوانين، فما تزال تعترضها عقبات كثيرة رغم مؤشرات التراكم والتطور التدريجي على جميع الأصعدة، خصوصاً وأن هذا الأمر تفرضه الحاجة والمصلحة والمشترك الأوروبي والإنساني، لكن وجود اللاجئين يصبح عقبة أمام هذا التطور، لاسيما انتقالهم واستخدامهم أراضي البلدان المنضوية تحت علم الاتحاد الأوروبي، معبراً للوصول الى البلدان التي يريدون الوصول اليها، لاسيما بوجود الفيزة الأوروبية الجماعية (شنغن) التي يمكن بموجبها الانتقال بين دول الاتحاد الأوروبي. ولعل هذا الامر أحد وجوه المسألة وأحد تفرعاتها وليس جوهر المشكلة. فهناك الأسباب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والصحية والتربوية والتطهير العرقي والديني والمذهبي التي كانت وراء هذه الأعداد الغفيرة من اللاجئين، الذين تتحمل أوروبا والغرب بشكل عام مسؤولية اضطرارهم إلى ترك أوطانهم، لاسيما نظام العلاقات الدولية الذي لا يتسم بالعدالة وإخضاع شعوب البلدان الفقيرة إلى الاستلاب ونهب ثرواتها ومحاولة فرض الهيمنة عليها، إضافة إلى مسؤوليات حكومات البلدان التي يفرّ منها اللاجئون، خصوصاً أن البيئة السياسية والاقتصادية والاجتماعية قد شكّلت عنصراً طارداً بما فيها لأصحاب العقول والأدمغة المفكرة أحياناً، أي أن أسباب الهجرة داخلية وخارجية، وهناك هجرة قسرية وهجرة طوعية. ورغم دراسة حالة اللاجئين من طرف عضو واحد في الجماعة الأوروبية بفحص طلب اللجوء وعدم قبول طلب الملتمس القادم من بلدان أوروبية أخرى تمنح اللجوء، لكن تلك المواقف بما فيها الاتفاقيات الدولية لم تحدد موقفاً متكاملاً وشاملاً من الناحية الإنسانية إزاء تطور مشكلات اللاجئين والمهاجرين، رغم وجود بعض النصوص القانونية، خصوصاً في موضوع البحث عن الهوية ومسألة الاندماج والمواطنة المزدوجة وثنائية الجنسية لاحقاً. وإذا كان اللجوء حق إنساني يكفله القانون الدولي والاتفاقيات والمعاهدات الدولية، فإن هذا الحق يقتضي أن تحترمه الدولة المضيفة والمستقبلة، إذ عليها كفالة طالب اللجوء وعدم إعادته قسراً إلى بلده، طالما شعر هو أو تعرض للاضطهاد السياسي أو الديني أو القومي أو لأية أسباب أخرى، فإعادة طالب اللجوء إلى بلده التي غادرها هرباً، واحتمال تعرضه إلى التعذيب أو أي شكل من الأشكال التي تحط بالكرامة يرتب مسؤوليات على الدولة المستقبلة والمضيفة التي تعيده إلى بلده أو البلد الذي جاء منه. ولعل مسألة احترام حقوق الإنسان بالنسبة للاجئين تعتبر ذات أهمية كبرى. فبسبب غيابها اضطر هؤلاء إلى الهجرة، كما أنها تؤثر على حياتهم في المهجر أيضاً، بل إنهم شديدو الحساسية إزاء خرقها أو التجاوز عليها، ولذا فإن احترام دول الشمال حق اللجوء والوفاء بتعهداتها والتزاماتها في ميدان حماية اللاجئين والمهاجرين والمنفيين وحقوق الإنسان بشكل عام مسألة في غاية الأهمية، وهو ما ينبغي لدول الشراكة أو الاتحاد الأورو متوسطي لاحقاً تنفيذه، لاسيما من جانب دول الشمال بوضعه موضع التنفيذ. وعلى دول الجنوب واجب احترام حقوق الإنسان، وإعادة النظر بقوانينها وأنظمتها وممارساتها التي تنتهك هذه الحقوق، والتعامل مع المجموعات البشرية الكبيرة من طالبي اللجوء من مواطنيها الأصليين، ليس باعتبارهم أعداءً -وإن اختلفت بهم الطرق السياسية أو المناهج الفكرية أو المنحدرات القومية أو الدينية أو غيرها- وإنما هم مواطنون اضطروا إلى الهجرة أو المنفى أو اللجوء لأسباب موضوعية، وليس لكونهم أعداء الوطن أو طابوراً خامساً، كما تنظر بعض الأنظمة إلى معارضاتها واللاجئين خارج الوطن. ولا بد هنا من مدّ الجسور، وأخذ مصلحة البلدان الأصلية وعلاقاتها مع الدول المضيفة بنظر الاعتبار، وتفعيل الثقافة الجديدة بالثقافة الأصلية، وتشجيع الحوار الثقافي والمعرفي والمشترك الإنساني، وفقاً لأسس حضارية تقوم على أساس احترام تعددية الهوية، واحترام الخصوصيات.
وهنا لا بدّ لدول الجنوب من التوقيع على اتفاقية جنيف لعام 1951 وملحقها لعام 1967 حول حقوق اللاجئين، وجميع الاتفاقيات الخاصة بحقوق الإنسان. في حديث لوزير العدل والشرطة السويسرية أرنولد كولر بخصوص اللاجئين قال: «لو كنّا مكانهم لكنا فررنا نحن أيضاً»، فحين يندلع الصراع وتشتغل آلة الحرب وينشب النزاع المسلح وتفعل آلة القمع السياسي أو الديني أو القومي أو الجنسي فعلها، لم يبقَ أمام هذه الكتل البشرية غير الرحيل. لعل جواب الوزير السويسري هو الذي كان يقف وراء فلسفة المشرّع الدولي يوم أبرم الاتفاقيات الخاصة بحقوق اللاجئين سواءً اتفاقية العام 1933 أو العام 1951 أو ملحقها عام 1967، وهو ما تدعو لاعتماده منظمات حقوق الإنسان ومؤسسات المجتمع المدني، ليس فقط لسواد عيون اللاجئين من دول الجنوب فحسب -رغم مسؤولية أوروبا الدولية- ولكن بسبب المبادئ التي تدعو إليها، لاسيما وأن «دولة الرعاية» الأوروبية التي قامت على أساسها: «دولة الحماية» وفضاء الحريات المدنية والسياسية تستند إلى تراث فكري وثقافي طويل ومتراكم وأصبح جزءًا من صيرورة أوروبا وكيانها، حيث ترك آثاره الإيجابية على الصعيد الكوني، الأمر الذي لا يستطيع المجتمع الدولي ولا المجتمعات الأوروبية ولا أي شخص متحضّر بشكل عام التساهل معه تحت أية حجة أو ذريعة. • باحث ومفكر عربي صحيفة العرب القطرية بتاريخ 21/7/2008
#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السودان ومحنة العدالة الدولية
-
أوهام التنمية العربية
-
شبح الانسحاب الأميركي من العراق!
-
شارل مالك الكبير ولبنان الصغير
-
بوش وحصاد الشرق الأوسط!
-
في دلالات الحوار الكندي - الإسلامي: فكرة الهوية والخصوصية!
-
المنفى والهوية والحنين إلى الأوطان
-
جيفارا والحلم الغامض
-
التويجري الكبير والحقيقة الخرساء
-
النمو الاقتصادي والتنمية الإنسانية: تأصيل المفاهيم!
-
قمّة روما والأمن الغذائي
-
المعاهدة العراقية-الأميركية: هل التاريخ مراوغ؟
-
ماذا بعد وثيقة الإعلام العربية؟!
-
مفارقات العدالة الدولية
-
أزمة الرهن العقاري الأميركي... ما انعكاساتها على العالم العر
...
-
مهنة الدبلوماسية!
-
حرية التعبير وتحديات الإصلاح والديمقراطية
-
الإعلان العربي للمواطنة
-
الصمت الآثم: «المبشرون» وغسل الأدمغة!
-
حقوق الإنسان: الهاتف الغيبي!!
المزيد.....
-
نتنياهو وغالانت والضيف: ماذا نعرف عن الشخصيات الثلاثة المطلو
...
-
زاخاروفا تعلق بسخرية على تهديد أمريكي للجنائية الدولية بشأن
...
-
ما هو نظام روما الأساسي الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية؟
-
كيف ستؤثر مذكرات الاعتقال بحق نتنياهو وغالانت على حرب غزة ول
...
-
إسرائيل تقصر الاعتقال الإداري على الفلسطينيين دون المستوطنين
...
-
بين فرح وصدمة.. شاهد ما قاله فلسطينيون وإسرائيليون عن مذكرات
...
-
عشرات آلاف اليمنيين يتظاهرون تنديدا بحرب الإبادة في غزة ولبن
...
-
2024 يشهد أكبر خسارة في تاريخ الإغاثة الإنسانية: 281 قتيلا و
...
-
خبراء: الجنائية الدولية لديها مذكرة اعتقال سرية لشخصيات إسرا
...
-
القيادي في حماس خليل الحية: لماذا يجب علينا إعادة الأسرى في
...
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|