صلاح بدرالدين
الحوار المتمدن-العدد: 2354 - 2008 / 7 / 26 - 10:50
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
حدثان بارزان في غضون أيام :
الأول : أثار طلب المحكمة الجنائية الدولية اعتقال الرئيس السوداني عمر البشير ردود أفعال رسمية وشعبية والقرار يطرح العديد من التساؤلات من جهة التوقيت والصلاحيات وآلية التنفيذ خاصة عندما يتعلق الأمر " برؤساء " الدول المحميين عادة بجيوش وأجهزة وسلطات والمحكمة الجنائية الدولية تأسست عام2002 وتضم18 قاضيا تختارهم الدول الأطراف في اتفاقية إنشاء المحكمة, ومكتبا للمدعي العام يعمل كجهاز مستقل ومنفصل عنها, وتختص المحكمة بمحاكمة المتهمين بجرائم الإبادة الجماعية ( الجينوسايد ) , وجرائم ضد الإنسانية, وجرائم الحرب, وجريمة العدوان. ولقد بلغ عدد الدول الموقعة علي قانون إنشاء المحكمة حتي نوفمبر الماضي105 دول, و41 دولة وقعت علي النظام الأساسي ولم تصادق عليها, كما وقع علي قانون المحكمة من المنطقة العربية دولتان هما الأردن وجيبوتي, وسحبت دولتان توقيعهما علي قانون المحكمة وأعلنتا عدم رغبتهما في التصويت وهما الولايات المتحدة الأمريكية, وإسرائيل مما أدى ذلك وبصورة غير مباشرة الى سحب ذريعة من أيدي الطغاة في حال اللجوء الى نظرية المؤامرة .
عندما استهدف مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية شخص الرئيس السوداني بالاعتقال ومن ثم تقديمه للمحاكمة عوضا عن رفع الدعوى على نظامه بشكل عام كان يستند غالبا على حقيقة كون النظام السوداني وأشباهه من نظم الاستبداد يحكم ويقاد عبر دكتاتورية الفرد المستندة الى قوانين الطوارىء الأرضية أو الدينية السماوية والمسؤولة عن كل شاردة وواردة في ظروف افتقاد المؤسسات الشرعية اضافة الى سجل هذا النظام الملطق بالجرائم العنصرية وانتهاكات حقوق الانسان ضد السودانيين عامة وشعوب وقوميات وأثنيات واديان غير عربية وغير مسلمة فقد أصبح اتفاق السلام، الذي تم توقيعه في عام 2005 وأنهى الحرب الأهلية بين العرب في الشمال والمسيحيين في الجنوب في خطر، ذلك أن الخلافات الجديدة في العلاقة بين المجموعتين تحولت إلى نزاع مؤقت عام 2007، وبالتالي أصبح من المتعذر حل أزمة دارفور، بل والأكثر من ذلك فقد بدأت المزيد من الأزمات تلوح في الأفق السوداني، فقد تمرد شعب النوبة العام الماضي على مشروع سد يهدد بتدمير موطنهم، كما توقف في 2006 اتفاق السلام بين الحكومة وشعوب البيجا Bejaورشيدا Rashaida في شرق السودان، وبالتالي فإن العام المقبل قد يكون الأكثر أهمية في تاريخ السودان: فإما أن تشهد البلاد انتخابات تعددية حرة ونزيهة وتنهي بذلك عقدين من الحكم المستبد، أو أن تتحلل الدولة وتدفع المنطقة إلى أكثر من كارثة , في عام 2005 -بعد الوساطة من جانب التحالف الذي تقوده أمريكا- وقّع الطرفان اتفاق السلام الشامل. وقد أقامت الصفقة نظام كونفدرالي، وأنشأت حكومة وحدة وطنية في الخرطوم، وهي حكومة ائتلافية سيطر عليها حزب المؤتمر القومي الحاكم بمشاركة الحركة الشعبية لتحرير السودان وقد اشترطت حكومة جنوب السودان، التي قامت في جوبا Juba والتي يسيطر عليها ح ش ت س ، الحصول على نصف الإيرادات الناتجة عن ضخ النفط في الجنوب، كما طالبت بإجراء انتخابات عامة تعددية في عام 2009، بحيث يتم في عام 2011 إجراء استفتاء في جنوب السودان لتحديد ما إذا كان ينبغي له أن الانفصال عن بقية البلاد .
ويعد الرئيس السوداني, الذي حكم السودان19 عاما, أول رئيس دولة تلاحقه المحكمة الجنائية الدولية, حيث إن قانون المحكمة لا يعطي الحصانة لأي شخص حتي ولو كان رئيسا للدولة, ومسألة الحصانة أثارت جدلا واسعا عند مناقشة النظام الأساسي للمحكمة, حيث تنص العديد من الدساتير علي نوع من الحصانة ضد المقاضاة الجنائية لرئيس الدولة, والمسئولين الحكوميين والبرلمانيين, بينما تنص المادة(27) من النظام الأساسي للمحكمة علي عدم الاعتداد بالصفة الرسمية بأي حال من الأحوال للإعفاء من المسئولية الجنائية أو جعلها سببا لتخفيف العقوبة, كما أثيرت مشكلة أخري حول تسليم المتهمين إلي المحكمة الجنائية الدولية علي أساس أن دساتير العديد من الدول تحظر تقديم رعاياها إلي قضاء أجنبي, ولقد تعرضت مناقشة النظام الأساسي للمحكمة لهذا الشأن علي أساس أن التسليم إلي دولة أخري يختلف تماما عن الإحالة إلي المحكمة الجنائية الدولية كهيئة دولية, كما أنها ليست محكمة أجنبية, أو ولاية لقضاء أجنبي بل محكمة تحاكم المتهمين بجرائم ابادة و حرب واستعباد وتعذيب واغتصاب واضطهاد ، احكامها ليست ذات مفعول رجعي ،مدعيها العام لويس مورينو أوكامبو .
.
وحول طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية اعتقال الرئيس السوداني تباينت آراء فقهاء القانون الدولي, ومدي التزام السودان بتلك القرارات, ويري فريق منهم ألا تلتزم السودان بها باعتبار أنها لم توقع علي اتفاقية إنشاء المحكمة الجنائية, وإن كان النظام الأساسي للمحكمة يفرض علي الدولة صاحبة الشأن أن تتعاون مع المحكمة, وفي حالة عدم تعاونها يحال الموضوع إلي مجلس الأمن لاتخاذ التدابير والعقوبات ضدها, ولقد سبق أن أحال مجلس الأمن الجرائم التي ارتكبت في دارفور إلي المحكمة الجنائية, وبالفعل أحالت المحكمة وزيرا سودانيا للمحاكمة, بالإضافة إلي قائد من ميليشيا الجنجويد, ولم يقم السودان بتسليمهم.
وقد اكتسبت محاكمات جرائم الحرب أهمية بالغة في القانون الدولي، وبخاصة بعد محاكمات نورنبيرغ بألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية وتُعد محاكمات نورنبيرغ من أشهر المحاكمات التي شهدها التاريخ المعاصر، وتناولت المحاكمات في فترتها الأولى، مجرمي حرب القيادة النازية بعد سقوط الرايخ الثالث، وفي الفترة الثانية، تمّت محاكمة الأطباء الذين أجروا التجارب الطبية على الناس . وعُقدت أول جلسة في 20 نوفمبر 1945 واستمرّت الجلسات حتّى 1 أكتوبر 1946. عقد الحلفاء جلسات المحاكمات العسكرية في قصر العدل لدى نورمبرغ، ولعل من أهم أسباب عقد الجلسات في القصر المذكور يعود للدّمار الشامل الذي آلت اليه دور المحاكم الألمانية جرّاء قصف الحلفاء الكثيف إبّان الحرب العالمية الثانية. تناولت المحاكمات بشكل عام مجرمي الحرب الذين ارتكبوا فظائع بحق الإنسانية في أوروبا وممارسة العنصرية تجاه الأقوام الأخرى ، ومن أحد الفظائع المرتكبة إنشاء معسكرات الإعتقال للمدنيين الاوروبيين والزج بالمدنيين في تلك المعتقلات التي اتسمت بأسوأ الظروف المعيشية إن عملية إبادة شعب أو (الجينوسايد) هي المصطلح القانوني الذي يصف عملية تدمير الأسس الحيوية لحياة مجموعات قومية. وقد يشتمل الأمر – ولكنه لا يتحتم أن يشتمل بالضرورة – على القضاء على حياة أبناء هذه المجموعة جسديا ً.
الثاني : توقيف رادوفان كراديتش زعيم صرب البوسنة السابق فكراديتش متهم بأعمال تطهير عرقي وجرائم حرب في حق الانسانية ذهب ضحيتها نحو ثمانية آلاف مسلم في سريبرينيتسا عام 1995. واللافت أن المدعي العام الدولي الذي سيقود محاكمته في محكمة لاهاي هو سيرج برامرتز الذي ترأس لمدة ستة أشهر لجنة التحقيق الدولية في جريمة اغتيال رفيق الحريري وكان استقال من هذا المنصب ليحل مكان كارلا دل بونتي في لاهاي التي ادعت على الدكتاتور سلوبوفان ميلوسيفيتش .
بعد توقف الحرب الباردة وهبوب رياح الحرية في العالم تفككت يوغوسلافيا وأعلنت كل جمهورياتها الست استقلالها سنة 1991 وكان كراديتش وسلوبودان ميلوسيفيتش يحاولان إلحاق كرواتيا والبوسنة بصربيا. وقام كراديتش بمساعدة الجنرال راتكو ملاديتش بتطهير البوسنة من الأثنيات غير الصربية والمسلمين.
هذان الحدثان يضفيان نوعا من الآمال على الانسانية المعذبة ويعيدان نوعا من الصدقية على العدالة الدولية التي باتت موقع قلق وشك الشعوب المضطهدة المغلوبة على أمرها والتي تعاني االدكتاتورية والعنصرية والابادة الجماعية ولاشك أن نتائج هذين الحدثين تشكل التحدي الأعظم للبشرية في بداية القرن ومدى قدرة الارادة الدولية على تنفيذ التعهدات المنصوصة عليها في الشرعة الأممية ومواثيق الأمم المتحدة وحقوق الانسان خاصة وأن كلا من طاغية السودان وصربيا ورغم ادانة الأول واعتقال الثاني ما زالا يتحديان العدالة بشكل ديماغوجي منفر .
ان المتهمين حسب لائحة محكمة الجنايات الدولية وحيثياتها ودرجاتها ومضامينها ليسوا من قادة ورؤساء الدول فحسب بل من رموز وقادة المجموعات والمنظمات العاملة تحت شعارات الاسلام السياسي والفكر القومي العنصري في حالة السودان وغيره والعنصرية والمسيحية السياسية في حالة يوغوسلافيا وغيرها وهذه حقيقة ساطعة يجب أخذها بعين الاعتبار لدى تناول هذا الموضوع ومن الملفت أن أول ( رئيس ) دولة وقف الى جانب البشير هو الدكتاتور بشار الأسد وأول المنظمات والحركات التي طالبت بالتضامن مع طاغية السودان هو – حزب الله – اللبناني والاخوان المسلمون فهل هو الخوف من مصيره أم انكشاف العديد من الحقائق الدامغة أم ماذا ؟
#صلاح_بدرالدين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟