|
الاختراق المر للحزن العراقي
إبتهال بليبل
الحوار المتمدن-العدد: 2353 - 2008 / 7 / 25 - 10:16
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
التقيت اليوم في مقر عملي بزميل لي ، كان السواد يكتسح جسدهُ ، أحتضن هذا اللون ملابسهُ ، وملامحهُ ، وعندها دار حديث بيننا عن العمل ، حيث انهُ عَلم بطلبي للانتقال إلى مقر آخر ضمن دائرتي ، وكان يحاول أقناعي بعدم ترك مكاني ومحاولة الانتقال ، فشرحتُ لهُ أسباب اللجوء إلى اتخاذ أمر الانتقال ، وبعد ذلك ، سألتهُ عن أحوالهُ وعن كمية الحزن التي يحملها ، إذ أنهُ ومنذ فترة قليلة جداً ، قد فقد أخ له نتيجة المعارك الأخيرة التي حصلت في مدينتهُ ( الثورة سابقاً ) ( مدينة الصدر حالياُ ) ، وكيف أنهُ منذ ذلك اليوم إلى ألان تغير فيه كل شيء ، بدا كأنه فاقداً للأمل ، وعندها ردَ عليٌ بقول ، يازميلتي والله أقول لكي أنني أعيش في حالة من الموت لم أعشها في حياتي أنني متعب جداً ، والسبب وفاة أخي ، لو دخلتي منزلنا اليوم لوجدتي الحزن فيه يصول ويجول الكل يبكي ليل نهار أمي تنوح نياحُ يفطر القلوب ويمزقها ، كل من في المنزل يكره الحياة أخي الأصغر يقول لا نريد من أحد أن يعزينا نحن مجرمين ولكي نكون أوفياء لآخونا المتوفى يجب أن تخرج جنازةً أخرى من منزلنا ، وأبي يبكي لفراق أخي لأنه لم يشاهده أو يحظر جنازتهُ بسبب سفرهُ خارج البلاد ، ليكمل حديثه لي مستطرقاً ويقول لي ، تَصوري أن أبي يطلب مني الذهاب إلى المقبرة ، والجلوس أمام قبر أخي والاتصال به عن طريق الهاتف النقال ، ليطلب مني بدورهُ جعل الهاتف قريب من قبر أخر ليسمع كلماتهُ وهو يحدثهُ ، فيقول لهُ يأبني سامحني لأنني لم أحضر جنازتكَ ، يأبني أرحم شيخوختي وقلة حيلتي وتأكد أنني على موعد قريب معك َ ، أنني على موعد قريب وأكون بجانبك .. كان يتحدث ، بلوعة ، وهو لا يعلم إن قلبي كان ينزف بحرقة ، لأنني لم أفارق عيناهُ وهو يتحدث وكيف أنها تتقافز من لون إلى لون ، إلى أن استقرت على لون أجدهُ شبيهاً بلون الفجيعة ، كادت دموعي تنفر من عيني ، وتخذلني ، لكنني قمعتها بشرود ذكي ، كنت لا ارغب أن يعلم أحداً ، بوجعي وبما شاهدتهُ عيناي من جراح في هذه البلاد ، ربما يقول أحدهم ، إنها تتحدث عن الأوجاع والأحزان فقط ، وربما يضحك آخر وربما يبكي غيرهُ ، لكني أقول حقيقة أن الحزن هو فعل يتسم بالقوة والإكراه يُحدث أضراراً معنوية كبيرة للذي يقع عليه هذا الحزن ،وإضرارا مادية ، وانأ هنا أستبعد الإضرار المادية وأحاول التحدث فقط عن الإضرار المعنوية . أن الحزن الذي يحدث وحدث على مجتمعنا لم يحصل في أي بقعة من بقاع العالم ، ونحن نعلم إن أسبابه معروفة لدينا ولا داع للتطرق إليها ، لكن هذا الحزن ، قد ولد مشاكل جمة وكبيرة أثرت وتأثر على الوضع العام ككل ، فعلينا أن نتصور ماسينتج عنه من مشكلات قادت أفرادنا إلى العنف والجريمة ، كما إن هناك أسباب تتداخل في توليد نتائج لهذا الحزن ، منها الاقتصادية والتربوية والسياسية ونتيجة لهذا التداخل فأن أمر معالجة الحزن يكون متنوع أيضا ، إن الحزن لم يكن وليد الظروف التي نعيشها كما يتصور البعض بل كانت له امتدادات في العراق ، ينطوي على ظواهر اجتماعية على جوانب منها دور للظروف والحالات الداخلية والخارجية في نشوئها. ومن الصعوبة البالغة، إن لم يكن من المستحيل، رسم خط فاصل بين الحزن والحالات الداخلية والخارجية. وأثر كل مكون من المكونات الاقتصادية والسياسية والعقائدية والثقافية والنفسية في نشوء هذه الظاهرة ، يختلف ضعفًا أو قوة عن آثار المكونات الأخرى . للبشر عموما درجات في الحزن مختلفة. وتحدد تلك الأنماط عوامل كثيرة الأهم منها هي الحاجات الاقتصادية والبيولوجية والنفسية والتهيئة الاجتماعية التي تشمل التنشئة والعلاقات. وشخصية الفرد العراقي معقدة. ومعنى هذا إن لديه عقد متآصلة في نفسيتهُ ويتوارثها من جيل إلى جيل ، وتتأثر شخصيته بالعوامل الطبيعية وبالعوامل الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والنفسية، ولها آثار مختلفة في سياقات اجتماعية وتاريخية متغيرة. فتكون شخصيته في التعامل مع الآخرين بحدة وعصبية موقدة حد الانفجار لآي ، استنفار يحركه بطريقة سلبية أو لا يتوافق مع متطلباتهُ أو رغباتهُ . إن المستنفر منه يكون طبعا متأثرا بينه وبين العوامل الأخرى ، فابسط أنواع المعيشة باعتباره كبشر غير متوفرة لديه ، وهنا أقول عن الكهرباء وفقدانها ، وكيف أننا في هذا الجو الذي تكون فيه درجات الحرارة أكثر من خمسون درجة مئوية ، كيف يتعايش مع هذه الأجواء وكيف بحال المريض والمعاق وكبير السن ، حسناً ربما يتعايشون مع هذا الوضع محاولين استخدام الماء ، ولكن عبثاً أذكر الماء وأين هو ؟؟ إضافة إلى غلاء الأسعار والمعيشة المريرة وتحمل مسؤولياتها ، وهموم العمل ومعاشرة الانتهازيين والظلام وحديثي النعم ، والشد الذي يصاحبنا عند محاولة استكمال أي معاملة أو مهمة تتصل بدوائر الدولة حيث وجب علينا أخذ كمية كبيرة من المهدءات ، عندما نصحو صباحاً ، على الرغم من أننا لا ننام ليلاً بسبب اختفاء الكهرباء ، هل هذه العوامل لها دور على نفسية المواطن العراقي أم لا ؟؟؟ منذ فترة ليست بعيدة كان لي بحكم عملي لقاء مع أحد الأطباء النفسانيين ، فسألتهُ عن حالة الكآبة التي تجتاحني وعن حالة الملل والحزن ، أتعلمون ماذا كان جوابهُ إلي ؟؟!! قال أنها حالة جداً طبيعية للمواطن العراقي ، وإذا كنت لا تعانين من هذه الحالات ، فمعنى ذلك أنكِ غير طبيعية وتعانين من أزمات نفسية ... تصوروا الأمر، في العراق الأمر الطبيعي يكون غير طبيعي ... كنا نستغرب سابقاً ، ونتعجب عندما نسمع أن هناك أشخاص مدمنين على المهدءات أو أشخاص يحاولون الانتحار ، لفشلهم في الاستمرار في الحياة ، وأيضا نستغرب كيف أن شخص قتل شخص غايةً في المال ، وكيف أن الأب قتل أبن له أو زوجة أو عصبية مفرطة لكسر الإغراض أو حرق المنزل وهكذا ، أن سبب الاستغراب هو أن هذه الأحداث لم تحصل ألينا ولم نتعايش معها لكن اليوم أصبحت تلازمنا وتشكل ظاهرة ملازمة لدينا على مر الأيام والأوقات . أي الكلمات هذه التي ستترجم أو تعكس ملامح أيامنا وأحوالنا ، من الصعب حقاً أن نكتب عنها ، أن ضنك الحبال وحشرجة الأنفاس هو مايتجرعهُ العراقيون اليوم ، أما عن ذلك الوحش الأرعن الذي أسمه الحزن فسيأتي يوم يُقتل رغم شاطئ الخلود السرمدي الذي رسا به على سواحلنا ، وسيأتي يوماًَ لسفن القراصنة التي تحملهُ نحلق بها ونغرقها في أوحال ألغزي والعار الأبدي ، لذا كان لازماً علينا أكمال المشوار علٌنا نبلغ بعض غايتنا .
#إبتهال_بليبل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قرارات إيجابية وتطبيقها سلبي
-
مسلسل سنوات الضياع وتأثيره على الديمقراطية
-
الجات مكان لا سقف لهُ
-
شبح غلاء الاسعار .....يُعمق ثلاثية ( الفقر والمرض والجهل )
-
ليلة من ليالينا ...
-
تزوير بزي رسمي
-
التأريخ قوة لايميزها الشعب
-
أرض الجهل وبذرة الخوف تُثمر العنصرية
-
حروب بقوانين لعبة الشطرنج ..
-
(2)تعاليم الدين الجديد بلسان ( أبو المنصب )
-
العراق هو الموت والحياة والحياة فيها الموت والقيود
-
(1)تعاليم الدين الجديد بلسان ( أبو المنصب )
-
الجزء الثالث / قبعة الدين للمرأة .. سلسلة تقاليد سياسية محلي
...
-
الجزء الثاني / قبعة الدين للمرأة ، لتقاليد سياسية محلية
-
قبعة الدين للمرأة ، سلسلة لتقاليد سياسية محلية
-
الدكتورة نادية (( روح أنثى ملوكية )) ، تعقيباً على مقالة الك
...
-
تَصفيات بوجوه أخرى
-
- مفاهيم خفية- مع أوضد ؟؟
-
البطالة والفقر والتنمية الاجتماعية
-
الشر رديف الحياة
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|