|
تكتيك عبد الكريم قاسم ضد نفسه 4
جاسم المطير
الحوار المتمدن-العدد: 2352 - 2008 / 7 / 24 - 10:46
المحور:
سيرة ذاتية
يمكن القول ، أولا ، أن النظام الداخلي الذي قدمه طالبو تأسيس الحزب الشيوعي العراقي كان خلاصة لتجربة الحزب في مسيرته السرية الطويلة التي امتدت حتى تلك الفترة أكثر من ربع قرن وكانت تمثل تحوله إلى مرحلة العلنية المأمولة ووسيلته في تحقيق برنامجه العملي كما ان النظام الداخلي كان يمثل وسيلة الحزب في تجديد نفسه ، في زمن الثورة ، على اعتباره مصفاة الاستمرارية التنظيمية لوجوده بين صفوف الجماهير . وقد تضمن النص تحديد الأساليب التنظيمية في بنائه الداخلي للتعبير عن خصوصيته وعن استقلاليته فجاء في المادة الأولى يدعى حزبنا بالحزب الشيوعي العراقي مركزه العام في بغداد ويؤلف له فروعا في باقي الألوية . كما جاء في المادة الثانية أن الحزب الشيوعي العراقي هو اتحاد جهادي اختياري يضم الشيوعيين من العمال والفلاحين والمثقفين وسائر أبناء الشعب الذين تجمعهم وحدة الإرادة والعمل ، والحزب الشيوعي هو الطليعة الكفاحية المنظمة للطبقة العاملة في العراق التي تعتبر تحالف العمال والفلاحين حجر الأساس في وحدة نضال الطبقات المعادية للاستعمار والإقطاع وفي اتحاد جميع القوى الوطنية والديمقراطية . كما أن الحزب الشيوعي يعمل من اجل وحدة كفاح الشعب العراقي بقوميتيه الرئيسيتين العربية والكردية وأقلياته القومية والدينية كالتركمان والكلدان والآشوريين والأرمن على أساس الاعتراف بالحقوق القومية والنضال من اجلها وهو يحترم التقاليد الاجتماعية والدينية لكل أبناء الشعب ويعمل على إحياء التقاليد الثورية والوطنية والقومية . والحزب الشيوعي يعمل بثبات من اجل صيانة الجمهورية العراقية من مؤامرات الاستعمار والإقطاع وعملائهما ومن اجل تعزيز الاستقلال الوطني وانجاز الحقوق الديمقراطية للشعب ومن اجل التعاون الوثيق مع كافة الشعوب العربية في كفاحها التحرري ضد الاستعمار والصهيونية ومن اجل المساهمة في الدفاع عن قضية السلم في العالم . كما نص النظام الداخلي بتفصيل عن القضايا التنظيمية ابتداء من شروط عضوية الحزب وشروطها وانتهاء بواجبات وتشكيلات اللجنة المركزية .كما نص على الاسترشاد بالنظرية الماركسية – اللينينية . كان الميثاق الوطني والنظام الداخلي قد أرسلا من قبل وزارة الداخلية إلى مديرية الأمن العام في 11- 1 – 1960 أي بعد يومين من تقديم الطلب من قبل زكي خيري ورفاقه ، وقد نشطت مديرية الأمن ، ليلا ونهارا ، لتقليب ودراسة ملفات 97 مناضلا شيوعيا ضمتهم قائمة الموقعين على طلب التأسيس وتأييد المؤسسين . ورغم أن جميع نصوص الميثاق والنظام الداخلي للحزب كانت تحمل كل دلالات وإشارات وعناوين ووسائل الدفاع عن ثورة 14 تموز وصيانة الجمهورية ونشر مبادئ التحالف العميق من اجل تحقيق الحرية والتقدم وتنشيط الحياة الثقافية والفكرية والسياسية إلا أن مديرية الأمن العامة قامت بمراجعة الوثيقتين والأسماء الشيوعية من منطلق البحث عن نقاط سلبية ترسخ لدى القارئ الرسمي في وزارة الداخلية حججا في سياق رفض الطلب وإيقاف سلسلة الإجراءات الأصولية عليه . كانت تريد التماس أي عذر لرفض الطلب حتى لو كانت هذه الأعذار سطحية أو مفتعلة . ولا شك أن كلمات وردت في الوثيقتين قد أغاضت المسئولين في الداخلية والأمن مثل الحرية الديمقراطية التقدم . ترى هل كانت خطة مديرية الأمن لتسويق مبررات رفض طلب الحزب الشيوعي من مسئوليتها ومن وضعها أم أنها كانت بتوجيه من وزير الداخلية بموافقة عبد الكريم قاسم أو من دون موافقته ..؟ بالرغم من أن المناخ العام في وزارة الداخلية ومديرية الأمن العامة كان معاديا لطلب الحزب الشيوعي غير أن الشيوعيين كانوا متفائلين لثقتهم بان اجازة الحزب الشيوعي ستجد صداها لدى عبد الكريم قاسم لسبب رئيسي ان الوسط السياسي الذي خلقه الحزب الشيوعي في الشارع العراقي ، منذ يوم الثورة وحتى يوم تقديم الطلب مرورا بجميع المحن التي مر بها عبد الكريم في محاولة اغتياله ، كانت تتضمن قوة جماهيرية دفاعية أولى عن الثورة والنظام الجمهوري وقيادة عبد الكريم قاسم نفسه . لكن مديرية الأمن العامة واصلت عملها طيلة شهر كامل تقريبا مع وثائق الحزب الشيوعي للاستفادة منها في موقف أضافي ، جديد ومعاد ، يحول الحرب الباردة القائمة آنذاك بين الحزب وعبد الكريم إلى حرب ساخنة قابلة للانفجار في المستقبل أو على الأقل استخدام قرار رفض الطلب كوسيلة من اجل مزيد من التباعد بين الطرفين لكي يتواصل الصراع بينهما بما يخدم ، في نهاية المطاف ، أهداف القوى المعادية للشيوعية وعبد الكريم قاسم وثورة 14 تموز . لم تستطع قراءات مديرية الأمن للوثيقتين الحزبيتين من كشف أية مخالفات قانونية فيهما و في طلب الحزب الشيوعي لإجازته . لذلك لجأ المدير العام عبد المجيد جليل إلى اعتماد مظاهر تثير الغموض والالتباس في مضمون تقريره عن رفض الطلب كما عاود في مطالعته اختلاق ألوان من الآراء والوقائع والأكاذيب لتحقيق مقاصده الأنانية والعدائية والعقيمة . (1) كانت أولى محاولاته في الجواب على كتاب وزارة الداخلية المرقم 56 المؤرخ في 11 – 1 – 1960 هو تسمية طالبي تأسيس الحزب الشيوعي بــ" الزمرة " وكانت كلمة الزمرة المنقولة عن ترويج بعض الصحف المعادية للشيوعية مثل صحيفة الفجر الجديد والثورة وغيرهما وكان في هذه التسمية يسعى إلى التقليل من شان جماهيرية الحزب الشيوعي وجماهيرية ونضالية مقدمي الطلب . (2) افتعل نقطة أخرى لم تكن مطلوبة بموجب قانون الجمعيات الذي نص على بنود معينة التزم بها تماما مقدمو طلب الحزب الشيوعي ، غير أن مدير الأمن العام اعترض بالقول : ( لم تقدم الزمرة معظم أسماء أقطاب الحزب الشيوعي مما يدل على أنهم يحملون نيات أخرى في أعمالهم وأنهم غير مطمئنين إلى سياسة الحكومة ..) . من الواضح ، هنا في هذه النقطة الاعتراضية ، عدم قانونيتها بصورة مطلقة . إلا أنه أراد استخدامها كوسيلة من وسائل تحريض عبد الكريم قاسم ضد الحزب . وقد بدا واضحا من هذه النقطة الدور الأخلاقي الرديء الذي اختاره لخداع وزارة الداخلية وعبد الكريم قاسم . (3) اندفع المدير العام باتجاه وضع مزيد من الأحجار على طلب الحزب الشيوعي فقد ورد بمطالعته (إن هذه الزمرة ومؤيديهم قد شجعت أعمال العنف والإرهاب التي حدثت في أنحاء العراق في صيف 1959 ولقد أدانتهم المحاكم العرفية والعسكرية والمدنية ونال بعضهم جزاءه ولا يزال الباقون ينتظرون دورهم في المحاكمات كما أنهم رفعوا الشعارات غير الوطنية التي لا تمت إلى تربة الوطن بشيء وهم في ذلك قد ساهموا في إحداث البلبلة والتشويش مع الطامعين والرجعيين والمدسوسين وتحريض الفلاحين لخرق القوانين والأنظمة لإحراج موقف الحكومة الوطنية نتيجة لما حدث بسبب قلة الحاصل الزراعي والإنتاج .) . (4) يبدو انه كان مطلوبا من مدير الأمن العام عبد المجيد جليل أن يرفع بطاقة حقده الصفراء ضد الحزب الشيوعي لكسب رهانه بإقناع وزير الداخلية برفض الطلب وقد أبدى " رقة قلبه " على دعوة الزعيم عبد الكريم بتجميد الأحزاب حيث لم ينفذ الحزب الشيوعي رغبة الزعيم فمضى يذكر بمطالعته : ( لم تذعن هذه الزمرة إلى نداء الزعيم المنقذ عبد الكريم قاسم بتجميد نشاط الأحزاب بل بالعكس فأنهم اخذوا يشككون في أعمال الحكومة الوطنية وينشرون المقالات المدسوسة خاصة في جريدتي اتحاد الشعب وصوت الأحرار وقد شكلت الجبهة الوطنية وصاروا يحملون التواقيع لتأييدها بداعي أنها قامت بعلم من الزعيم والحكومة وكان الغرض من ذلك إحراج موقف الحكومة الوطنية وإظهارها مقصرة في سياستها ) . (5) لم يكتف مدير الأمن العام من إثارة الزعيم عبد الكريم ضد الحزب الشيوعي بل حاول توسيع دائرة الإثارة فصاغ ادعاء ميكافيليا لكي يدخل مزيدا من المسئولين الحكوميين إلى مضمار الرافضين لطلب تأسيس الحزب الشيوعي فقال بمطالعته : ( إن هذه الزمرة كانت السبب في تفرقة الشعب وإيجاد التكتلات بين أبنائه بعد أن أخذت تنشر الأكاذيب والتهم الباطلة ضد المسئولين والموظفين وتشكك في جميع المواطنين كما أنها وصمت كل من لا يسير في ركابها ويذعن لإرادتها بالخائن والمتآمر وكان ذلك سببا لبعث الرعب والخوف واستغلال الطامعين في الداخل والخارج للنيل من الجمهورية الخالدة ) . (6) وختم مدير الأمن العام مطالعته بإعادة التذكير بموقف وبيان اللجنة المركزية تموز 1959 الذي تناول اعترافا بأخطاء جرت في الشارع العراقي وقد استغل المدير العام هذا البيان للتشويش على وزارة الداخلية بدفعها إلى رفض طلب الحزب الشيوعي فقال : ( أرادت هذه الزمرة استغلال الثورة لخدمة مصالحها بعيدا عن تربة الوطن وبعد أن فشلت في خطتها أعلنت في صحفها اعترافها بالأخطاء التي صدرت عنها ولا يستبعد أن يعودوا في المستقبل إلى أكثر مما قاموا به بعد أن يمهدوا السبيل لها ويعملوا لتنفيذها سرا بواسطة أقطابهم غير المذكورين وعلنا بواسطة الحزب .). ******************** يتبع
#جاسم_المطير (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تكتيك عبد الكريم قاسم ضد نفسه 3
-
معضلة الذاكرة .. وقصة الهروب من سجن الحلة ( الحلقة الأخيرة 2
...
-
تكتيك عبد الكريم قاسم ضد نفسه (1)
-
معضلة الذاكرة .. وقصة الهروب من سجن الحلة .. 23
-
معضلة الذاكرة .. وقصة الهروب من سجن الحلة .. 21
-
معضلة الذاكرة .. وقصة الهروب من سجن الحلة ... الحلقة العشرون
-
معضلة الذاكرة .. وقصة الهروب من سجن الحلة 20
-
معضلة الذاكرة .. وقصة الهروب من سجن الحلة .. 19
-
معضلة الذاكرة .. وقصة الهروب من سجن الحلة .. 18
-
معضلة الذاكرة .. وقصة الهروب من سجن الحلة .. 17
-
معضلة الذاكرة .. وقصة الهروب من سجن الحلة ..16
-
معضلة الذاكرة .. وقصة الهروب من سجن الحلة .. 15
-
معضلة الذاكرة .. وقصة الهروب من سجن الحلة .. 14
-
يا نوري المالكي .. خذ الحكمة من باريس ..!!
-
معضلة الذاكرة .. وقضية الهروب من سجن الحلة .. 13
-
يا نوري المالكي سيلاحقك العار إلى الأبد إن لم تفصل وزير التر
...
-
معضلة الذاكرة .. وقصة الهروب من سجن الحلة .. 12
-
معضلة الذاكرة ... وقصة الهروب من سجن الحلة 11
-
هزات متبادلة بين مايوهات مجاهدي خلق وفيلق القدس .. العراق هو
...
-
معضلة الذاكرة .. وقصة الهروب من سجن الحلة المركزي .. 10
المزيد.....
-
كيف يرى الأميركيون ترشيحات ترامب للمناصب الحكومية؟
-
-نيويورك تايمز-: المهاجرون في الولايات المتحدة يستعدون للترح
...
-
الإمارات تعتقل ثلاثة أشخاص بشبهة مقتل حاخام إسرائيلي في ظروف
...
-
حزب الله يمطر إسرائيل بالصواريخ والضاحية الجنوبية تتعرض لقصف
...
-
محادثات -نووية- جديدة.. إيران تسابق الزمن بتكتيك -خطير-
-
لماذا كثفت إسرائيل وحزب الله الهجمات المتبادلة؟
-
خبراء عسكريون يدرسون حطام صاروخ -أوريشنيك- في أوكرانيا
-
النيجر تطالب الاتحاد الأوروبي بسحب سفيره الحالي وتغييره في أ
...
-
أكبر عدد في يوم واحد.. -حزب الله- ينشر -الحصاد اليومي- لعملي
...
-
-هروب مستوطنين وآثار دمار واندلاع حرائق-.. -حزب الله- يعرض م
...
المزيد.....
-
سيرة القيد والقلم
/ نبهان خريشة
-
سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن
/ خطاب عمران الضامن
-
على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم
/ سعيد العليمى
-
الجاسوسية بنكهة مغربية
/ جدو جبريل
-
رواية سيدي قنصل بابل
/ نبيل نوري لگزار موحان
-
الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة
/ أيمن زهري
-
يوميات الحرب والحب والخوف
/ حسين علي الحمداني
-
ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية
/ جورج كتن
-
بصراحة.. لا غير..
/ وديع العبيدي
-
تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|