أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - قاسم حسين صالح - في سيكولوجيا الفساد المالي والاداري 1-3















المزيد.....

في سيكولوجيا الفساد المالي والاداري 1-3


قاسم حسين صالح
(Qassim Hussein Salih)


الحوار المتمدن-العدد: 2352 - 2008 / 7 / 24 - 10:53
المحور: المجتمع المدني
    


توطئة
في 4/ 12/ 2003 نشرت جريدة" الصباح " خبرا" يقول ان مجلس الحكم قرر تشكيل هيئة لمكافحة الفساد المالي والاداري في الوزارات والدوائر ، ضمت خمسة اعضاء من هذا المجلس اختيروا بالاقتراع السّري لتبدأ عملها بصغار الموظفين ( ! ) وصولا" الى أكبر موظف .
وفي 11/ 1/ 2004 طلب بريمر الحاكم المدني للعراق أن يتم تعيين مفتشين عامين يتبعون النموذج الموجود في الدول الغربية للقضاء على هذا الداء ( الفساد المالي والاداري ) الذي خلفته سياسات النظام السابق .
ولقد مضى خمس سنوات على التخلص من ذلك النظام يفترض ان تكون تلك الاجراءات قد ادت الى تحجيم تلك الظاهرة . لكن واقع الحال يشير الى ان هذه الظاهرة انتشرت اكثر ، وان " الداء " الموروث من النظام السابق تكاثر كالسرطان الخبيث في النظام الجديد وصار في حال اسوأ .
• فهل كان هذا الداء بالأصل وباءا يصعب القضاء عليه؟
• ام ان اساليب العلاج التي اعتمدت كانت غير فاعلة ؟
• ام ان القائمين على علاجه كانوا غير متخصصين ، أو أن نواياهم ما كانت صادقة ؟
• ام أن الفساد اذا شاع صار امرا" عاديا" بين الناس ؟.


تحليل سايكولوجي
يقصد بالظاهرة ( اجتماعية ، سياسية ، ثقافية ... ) أي فعل ايجابي أو سلبي يتحول الى نمط سلوكي يشترك في ممارسته عدد كبير نسبيا" ويلفت اليه انتباه عامة الناس .
ونرى ، نحن السايكولوجيين ، انه لابد ان تكون هنالك اسباب مشتركة تدفع هذا الجمع من الافراد الى ممارسة هذا النوع من السلوك .
وبما ان الفساد المالي والاداري صار باعتراف الجميع ظاهرة في النظام الجديد نقلت العراق الى المراتب الاولى بين الدول الفاسدة في العالم ، فأنه لابد ان تكون لها اسبابها الظرفية والموضوعية .
سنركز في هذا التحليل على الاسباب السايكولوجية ونوجز أهمها بالآتي:

1. التطبيع النفسي
بدأ الفساد المالي يزحف على مساحات القيم الاخلاقية للمجتمع العراقي بعيد الحرب العراقية الايرانية . وكان ان بدأ بالمؤسسة العسكرية تحديدا" ، بين الضباط وميسوري الحال من المجندين والمساقين رغما" عنهم الى جبهات الحرب ، بدفع رشا ( وهدايا ) الى آمريهم بهدف الحفاظ على الحياة ، أو لممارسة اعمالهم التي تدر عليهم رزقا" أوفر من رواتبهم التي كانوا " يتبرعون " بها لمن يؤمن لهم اجازات اسبوعية أو شهرية أو دائمية من الضباط والمسؤولين الحزبيين وبين العاملين في اللجان الطبية العسكرية .
وسبب آخر يتعلق بالمؤسسة العسكرية ، هو ان القيادة السياسية السابقة اغدقت بشكل غير معقول على القادة العسكريين فملأت صدورهم بأوسمة الشجاعة ( وكل وسام يتضمن مكافأة مالية كبيرة ) فضلا" عن قطع اراضي وسيارات وهدايا ، فخلقت بذلك فئة ثرية جدا" من العسكريين ولدّت لدى الضباط الآخرين الشعور بالحيف والغبن دفع بكثيرين منهم الى ان يأخذوا " حقهم " من الدولة بالرشوه والاختلاس وأخذ الهدايا من الجنود .
وفي سابقة لم تحصل في تاريخ الحروب ، ان تخرج دولة من حرب كارثية استمرت ثماني سنوات وتدخل في حرب كارثية جديدة ، قام النظام العراقي السابق بغزو الكويت وحصلت حرب الخليج الثانية ، وانهار الجيش وسقط النظام في 14 محافظة ، وكان ما كان مما انت تعرفه جنابك. وتتابعت الحروب وما تزال مستمرة من 28 عام .
وما نجم عن ذلك ان الحروب الكارثية ، لا سيما اذا كانت غير وطنية أو غير مبرره ، تؤدي الى تهروء أو تخلخل في المنظومات القيمية الاخلاقية للمجتمع تفضي الى ممارسات أوسع لحالات الفساد المالي . ولأن هذه الممارسات استمرت زمنا" يزيد على ربع قرن " عمر جيل !" فقد حصل تطبيع نفسي " لقبول " هذه الظاهرة .
ونخلص الى نتيجة سيكولوجية هي أنه حين يضطر الناس الى قبول أو غض الطرف عن سلوك كانوا في السابق يرفضونه ، ويجدون انفسهم غير قادريين على تغييره ولا مسؤولين عن تسبيبه ، فأن هذا السلوك يشيع بينهم ، مصحوبا" بآليات تبريريه من قبيل ( وما حيلة المضطر الا ركوبها ) أو آليات اسقاطية " الآخرون فاسدون " ، وممارسة أزدواجية القيام بالفعل وأدانته باللسان لخلق حالة من التوازن النفسي .

2. العوز والحاجة
يعد عقد السبعينات من القرن الماضي هو الأفضل من حيث المستوى الاقتصادي والمعيشي للعراقيين ، والأفضل من حيث ان الفساد المالي كان بحدوده المعقولة ولم يشكل ظاهرة بالرغم من ان النظام السابق عمد في بداية ذلك العقد الى اعادة توزيع الثروة .
ويعد الحصار { الذي عانى منه الشعب وليس النظام } بسنواته الثلاث عشرة هو الذي اكمل الانقلاب الذي حصل في هيكلية الهرم الاقتصادي للمجتمع العراقي .
ففي دراسة ميدانية لكاتب هذا الموضوع اجريت في العام 1997 بعنوان { المكانتان الاجتماعية والاقتصادية للمهن في المجتمع العراقي قبل الحصار وبعده } تبين منها ان الاستاذ الجامعي الذي كان في قمة الهرم الاقتصادي مع الطبيب والتاجر والمهندس ، تراجعت مكانته الاقتصادية في سنوات الحصار من المرتبة الرابعة الى المرتبة الرابعة والعشرين ، وجاء بعد مصلّح الراديو والتلفزيون! . وصعد الحمّال الذي كان يحتل المرتبة الأخيرة في الهرم الاقتصادي ليتقدم على معلم المدرسة الابتدائية.
وحصل ان الطبقة الوسطى بالمجتمع التي تضم العاملين في قطاعات التربية والتعليم والثقافة والاعلام وصغار الموظفين .. ابتلعتها الطبقة الفقيرة وصار المجتمع العراقي منقسما" اقتصاديا" الى فئتين :
اثرياء جدا" مستحدثين يشكلون فئة قليلة ، وكادحين وفقراء ومعوزين يشكلون الجماهير المسحوقة . وحصل ان دفعت حالات العوز الاقتصادي الى ان يبيع عدد من اساتذة الجامعة سياراتهم وحتى كتبهم ، واضطر قسم آخر منهم الى ان يشتغلوا بسياراتهم الخاصة " سواق اجرة " . وحصل ان اضطر بعض المدرسين الى ان يفتحوا " بسطيات .. جنبر " لبيع السجائر على المارة من الناس بينهم طلبتهم !. وكان الراتب الشهري للموظفة الجامعية عام 2001 يساوي ثمن شراء {شحاطه ونعال بلاستيك} وكانت بعض المعلمات من صاحبات العوائل { تحل عليهن الصدقه } .
مقابل ذلك ، كان المحسوبون على النظام من المسؤولين الكبار يعيشون ثراءا فاحشا ويودعون اموالا طائلة في المصارف الأجنبية . وكانت صفقة { النفط مقابل الغذاء } قد فتحت الأنفاق الخلفية السّرية للفساد المالي ، وكان معظم العراقيين على درايه في حينها بما عرف فيما بعد بفضيحة الكوبونات .
وبرغم ما حصل من تعديل لرواتب الموظفين بعد 9-4-2003 الا انه لم يكن عادلا لأنه اعتمد على مدة الخدمة . ففي سبيل المثال ،كانت عاملة التنظيف بالقسم الذي اعمل فيه ( علم النفس بجامعة بغداد ) قد تقاضت راتبا أعلى من التدريسي حامل الماجستير بالقسم."*"


والنتيجة السيكولوجية التي نخلص اليها هي أن واقعا" كهذا من التضاد بين ثراء باذخ وترف خرافي لأقلية ، وبين عوز أذلّ أعزّة وبؤس أشقى أكثرية يعزون سببه لمن هم في السلطة ، عمل على تخدير " الضمير الآخلاقي " لدى من هم في مواقع المسؤولية الذين اعتقدوا ان الناس ينظرون لهم انهم سبب شقائهم ، فأوغلوا في الفساد ما دام انهم صاروا في موضع التهمة . فيما عمد آخرون الى ادخال " ضميرهم الأخلاقي " في حالة سبات لحين انقضاء الأزمة ، يتم بعدها " التكفير " ما دام الله غفور رحيم !

وبعكس ما كان يأمله الناس ،فان حالات العوز والحاجة ازدادت بعد التغيير لاسيما بين الكسبة والعمال والفلاحين ، وتفاقمت البطالة بين الشباب بشكل خاص وسجلت أرقاما قياسية لم يشهدها تاريخها في العراق .وصار الكثير من الرجال في حال تعس ،فأصعب حالة نفسية واعتبارية على الرجل ،أمام أسرته بشكل أخص ،أن يبحث عن عمل فلا يجده .
يضاف الى خيبة أمل المعوزين والمحتاجين في الذين انتخبوهم ليمثلوهم في البرلمان أنهم وجدوا في معظم الذين استلموا السلطة بعد التغيير لا يختلفون من حيث ممارستهم للفساد المالي والثراء السريع عن الذين أطيح بهم في النظام السابق ، حتى صاروا يتبادلون القول فيما بينهم ( كنا بسارق واحد فصرنا بجموعة سرّاق ). ومن المفارقات المخجلة ان اتهمت ( عمائم ) بالفساد والتهريب وان الاتهامات جاءتهم من( عمائم ) قبل أن تأتي من ( أفندية ).

_________________________________________________

"*" لتوثيق ما نقول : قمت، بوصفي رئيس أول رابطة تتشكل على صعيد أساتذة الجامعة (رابطة أساتذة جامعة بغداد ) بمقابلة معظم رؤساء مجلس الحكم بصحبة وفد كبير من الاساتذة ( بينهم رئيس جامعة بغداد الدكتور موسى الموسوي ، والدكتور حسين أمين ، وعميد كلية الادارة والاقتصاد الدكتور جاسم الذهبي الذي استشهد فيما بعد ) نطالب بمساواة الأستاذ الجامعي العراقي بأقرانه في دول الخليج . وحصل في مقابلتنا لرئيس مجلس الحكم الدكتور عدنان الباججي نهاية عام 2003 في بيته بشارع الأميرات بالمنصور أن سألني عن المبلغ الذي نطالب به فأجبته أن المعيار يكون بالعودة الى سنوات السبعينات حيث كان يتقاضى الأستاذ الجامعي ما يساوي ألف وخمسمائة دولار ، فاعترض وزير التخطيط في حينه الدكتور مهدي الحافظ وقال ما نصه :" للعلم ان العراق بلد فقير !"، فكان ما كان من الردّ الذي يتذكره جيدا لأنه حصل امام نخبة من الأكاديميين والسياسيين ، وعلّق عليه الباججي بلطافة الدبلومسي قائلا :"دكتور قاسم ، يبين السره راح يجيني ".



أ.د. قاسم حسين صالح
رئيس الجمعية النفسية العراقية



#قاسم_حسين_صالح (هاشتاغ)       Qassim_Hussein_Salih#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دور وسائل الاعلام في اشاعة ثقافة تأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة
- هيئة النزاهة تستخدم جهاز كشف الكذب
- الشخصية العراقية ..وسيكولوجيا الخلاف مع الآخر
- الاتفاقية العراقية الأمريكية ..وسيكولوجيا الورطه !
- نحو بناء نظرية في الابداع وتذوق الجمال في العالم العربي (الح ...
- في سيكولوجيا الدين والتعصب
- دروس من 9 ابريل / 4- العراقيون ..وسيكولوجيا الانتخابات
- دروس من 9 أبريل 3- تبادل الأدوار بين السنّة والشيعة
- دروس من 9 أبريل- تحليل سيكوسوسيولوجي
- دروس من 9 أبريل / 1- سيكولوجية الاحتماء
- الكراهية والتعصب ..واذكاء الشعور بالمواطنة /مدخل لثقافة المص ...
- الكراهية والتعصب..واذكاء الشعور بالمواطنة(مدخل لثقافة المصال ...
- الكراهية والتعصب..واذكاء الشعور بالمواطنة (مدخل لثقافة المصا ...
- الكراهية والتعصب ..واذكاء الشعور بالمواطنة (مدخل لثقافة المص ...
- دور وزارة التعليم العالي ....
- مؤتمر الخدمات النفسية والرعاية الأساسية عقب الكوارث ، الرؤى ...
- حوار مع فرويد - 5
- حوار مع فرويد -4
- حوار مع فرويد -3
- حوار مع فرويد - 2


المزيد.....




- الأمم المتحدة: السودان يواجه أكبر أزمة نزوح في العالم
- هآرتس: ربع الأسرى الفلسطينيين في سجون -اسرائيل- اصيبوا بمرض ...
- اللاجئون السودانيون في تشاد ـ إرادة البقاء في ظل البؤس
- الأونروا: أكثر من مليوني نازح في غزة يحاصرهم الجوع والعطش
- الأونروا: إمدادات الغذاء التي تدخل غزة لا تلبي 6% من حاجة ال ...
- الاونروا: الحصول على وجبات طعام أصبح مهمة مستحيلة للعائلات ف ...
- الأمم المتحدة: السودان يواجه أكبر أزمة نزوح في العالم
- منظمة حقوقية يمنية بريطانيا تحمل سلطات التحالف السعودي الإما ...
- غرق خيام النازحين على شاطئ دير البلح وخان يونس (فيديو)
- الأمطار تُغرق خيام آلاف النازحين في قطاع غزة


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - قاسم حسين صالح - في سيكولوجيا الفساد المالي والاداري 1-3