|
رسالة إلى د. وليم نصَّار.. مع التحية والإكبار! (رداً على مقاله -رسالة إلى فتح وفصائل اليسار الفلسطيني-)
محمد أحمد المدهون
الحوار المتمدن-العدد: 2351 - 2008 / 7 / 23 - 11:24
المحور:
القضية الفلسطينية
لا أدري إن كان يستقيم جمع فتح واليسار (كبرنامج وممارسة سياسية) في رسالةٍ واحدة، تـُُرسل بمضمونٍ واحد، لنفس الجهتين المتناقضتين!. عموماً، يقولون:"المكتوب مبين من عنوانه"، وأقول: صدقتم.. عنوان رسالة الدكتور بانت من عنوانها!
لم يكذب الشهيد الأديب غسَّان كنفاني حينما قال إن ما تقوم به بعض الشركات التجارية لتسويق منتجاتها، من إرفاق منتجٍ صغير كهدية للزبون عند شراء منتجٍ كبير، يجب أن يُتــَّبع أيضاً عند بيع الكتب. فبعض الكتب، عند شرائها، لا بد أن تكون هدية الزبون معها حاوية قمامة –يعني زبالة الله يعزك!- كي تـُُلقي هذا الكتاب فيها فوراً، أو أن تكون الهدية سياطاً، تجلد به ظهرك، معاقباً نفسك على إضاعة وقتك وعقلك بقراءة كتابٍ كهذا..
لم أتوقع يوماًَ أن أكتبَ للرفيق وليم نصار كما سأكتبُ له، وعنه، ولأجله، اليوم في مقالتي هذه. ولم أتخيَّل أنني سأردَّ على من كتب الشطر الثاني والأهم من اسم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، بين مزدوجين، هكذا: الجبهة الشعبية "لتحرير فلسطين"!.
ولولا أنني أردُّ على رجلٍ تحاربه أمريكا وإسرائيل، وهو يحاربهما، ويكفينا ما سجله من نقطة عزٍ وكرامة قبل شهرين، عندما رفض استلام جائزة مهرجان الموسيقى في كندا، وضحى بـ60 ألف دولار –سعر قائد أو قائدين أو ثلاثة.. لا أدري، لكنه سعر عدد من قادتنا يا رفيق اليوم!- وبيانو من الذهب الخالص، لأنَّ من ستسلمه الجائزة تحمل جنسية الكيان المسخ الذي يحتل أرضنا، وأرادت بذلك أن تُظهر وكأن العرب رضخوا أخيراً لنا، تحت مظلة الفن والموسيقى، وصافحنا أكثرهم "إرهاباً"!.
لولا ذلك كله، ولولا أنك وليم نصار ذاته، الذي جعل إله الكنعانيين (ايل) مقطوعةً موسيقيةً تُحكى على إيقاعاتها أكثر مجازر الصهيونية بشعبنا ألماً، و"أم سعد".. تعرفها يا رفيق، تلك التي كتب عنها غسَّان، وجسَّدتها أنت موسيقى!. أخطأت يا رفيق.. لعلها الزلة، الكبوة، الهفوة.. تلك التي لا بدَّ أن يقع أحدهم فيها!. نحن "سفينة الورود" و"نشيد الحب" و"الزعتر الأخضر" و"مقاومة"، نحن من عزفتنا موسيقى، وعجزتَ عن إنصافنا -رغم عظمة قلمك وبراعته- مقالاً.
نحن أبناء الحكيم.. تعرفه؟، أليس كذلك؟!.. هذا الذي قلت عنه يوم رحيله: "في الحادي عشر من كانون أول/ديسمبر، صبيحة أحد طلق كوجه طفل يغفو على ثدي أم ترضع الخير، وُلدنا. وفي كل عام، أيها المسافر في دمنا والمبحر في شريان الذاكرة، أرتديك لحما وعطرا، أجدد صلتي بك وأخبئ طيفك في بؤبؤ العينين، وحين تضيق بي الأرض والسماء، ويجافيني أو ينساني أخوة ورفاق لي أحبهم، أراك وحدك نورا للحب ومصدرا للفجر الندي."
أقول: لولا ذلك كله، لقلتُ عن مقالك الأخير، ما قاله غسَّان عن ذاك الكتاب.
د. وليم..
قيادات الضرورة والأمر الواقع، تحكمنا اليوم، في غزة وفي الضفة، ولم ولن يكونوا قادة الجبهة، ولو كانوا كذلك لما كانت جبهةً شعبيةً لتحرير فلسطين.. كم هو مؤلمٌ هذا الوصف عندما تصفنا إياه، وكبيرُ قادتنا صغيرُ موظفيهم، وقادتهم يحكموننا وهم "مُقالون"، أو يحكموننا بـ"دون ثقة المجلس التشريعي".
لم نخوِّن ولم نشوه شريحةً كبيرةً من شعبنا.. وفعلها غيرنا، أولئك من تدافع عنهم، فقتلونا ليحكمونا، وبعد ذلك ارتهنونا واحتجزونا كرهائن سياسيين، لتنفيذ أجندتهم الخارجية التي تموَّلهم، وتاجروا في السوق السوداء بقوت عيشنا.. بملحنا، بوقتنا، بحريتنا، ببنزين سياراتنا!
هنا يكون الصمت اشتراكاً في المجزرة الكبرى التي ترتكب بحق شعبنا.. بمجزرة شعبٍ محتل، تحكمه حكومتان، وقريباً رئيسان، لا يملك مشروعاً وطنياً في أيٍ من جناحي وطنه!
الصيف الحار لا تروق للكتّاب فيه الكتابة، وكما وصفه طه حسين، هو فصل الكسل والملل، بينما فصل الشتاء هو فصل الجد.. من يكتب هذا المقال، لا يمكن أن يكون هو نفسه كاتب المقال عن الحكيم في يناير الماضي.
استمطرتَ أفكارَك استمطاراً، في وقتٍ خلت فيه سماؤك من الغيوم.. ولأنك استمطرتها، جاءت مسمومةً ملوثة، تشوبها ضبابيةٌ لا لبس فيها، وينقصها الكثير من الوضوح!
اسمح لي أن أجيبك على أسئلتك الآن:
ألم تفز حماس ديمقراطيا بتلك الانتخابات؟ -بلى، فازت حماس ديمقراطياً بتلك الانتخابات، لكنها شوَّهت الديمقراطية فيما بعد. حماس استـُُـقبلت بكل رحابة صدرٍ من قبل الرفاق في الجبهة الشعبية، وسُجل للجبهة أنها كانت أكثر الفصائل الفلسطينية قرباً من مشاركة حماس في حكومتها الأولى، أثناء المشاورات الشكلية التي عقدتها هذه الأخيرة مع بقية الفصائل، كما سُجل تماماً على فتح –التي تقول إن الجبهة وقفت إلى جانبها وهي الخاسر- أن أحد نوَّابها خرج على الملأ في اليوم التالي لنتائج الانتخابات، وقال إن فتح لا يمكن أن تشارك في حكومةٍ رئيسُها من حماس، هذا ناهيك عن التموج الجماهيري الذي ساد في حينها داخل الأوساط الفتحاوية. لكن انعدام مفهوم الشراكة لدى حماس هو ما ذهب بها إلى سد الطريق على الجبهة بالمشاركة، حينما شعرت أنها باتت وشيكةً، على الرغم من الموافقة التي أبدتها على ما طالب به الرفاق، بأن يكون اتفاق القاهرة 2005 وما يتعلق من بنوده بمنظمة التحرير، هو الناظم لهذه الحكومة، بعيداً عن مطالبة حماس بالاعتراف بمنظمة التحرير كممثلِ شرعيٍ ووحيد للشعب الفلسطيني –وهي كذلك إذا ما أُصلحت كما نصَّت الاتفاقيات الوطنية- كما طالب غير الجبهة بذلك!
ألم يتحقق لليسار الفلسطيني أمنيته بالديمقراطية وانتهاء هيمنة فتح؟ -هيمنة فتح التي تتحدث عن انتهائها، خلفتها هيمنة أخرى، هي هيمنة حماس. لم تكن كل المشكلة في فتح كفتح، والمشكلة أيضاً ليست في حماس كحماس، لكنها تكمن في تفرد حزبٍ واحد في السلطة، بسبب النظام الانتخابي الذي يدعو إلى السخرية والاستهزاء، ولا أدري أي نظامٍ انتخابيٍ هذا الذي يُشطر ويقسم على وجهين!، وهو الذي أفرز لنا حماس.. وتذكر دائماً: السلطة المطلقة، مفسدة مطلقة.
ألم تؤكد حماس أن موقعها في السلطة هو لخدمة كل الشعب الفلسطيني دون استثناء وليس لخدمة أطر تنظيمية وحزبية وفئوية ضيقة؟ أكدت ذلك عبر ماكينتها الإعلامية، التي يبدو أنك شديدُ التأثر بها، لكنها على الأرض –التي لا تعيش عليها أنت، ولا تتحسس ما يعانيه أهلُها- كانت النقيض من ذلك تماماً. هذا بعض ما فعلته حماس على الأرض: *حماس قتلت ما يربو عن 500 فلسطيني، كي تخلصَ غزة من أتباع "دايتون"!، قتلت أبناء الفقراء والمحرومين والمعوزين والجياع، الذين لا يعرفون أصلاً كيف تُكتب أسماؤهم، بحجة أن كبيرهم عميلٌ ومزروع. طبعاً بلا محاكمة!. حماس.. حاكمتهم، وأصدرت أحكام الإعدام بحقهم، ونفذتها.. هكذا، لأجل أن تحكم. * حماس انتهكت حق التجمع السلمي لأهل القطاع مئات المرات خلال عامٍ واحد.. حماس يا رفيقي منعتنا من إحياء ذكرى النكبة لأننا لم نأخذ الإذن من شرطتها، تماماً كما تفعل شرطة "إسرائيل" مع أهلنا في الجليل.. حماس منعتنا واعتقلتنا لأننا أردنا إحياء ذكرى أسرانا ونحن نرفع علم فتح وعلم الجبهة وأعلام فصائل العمل الوطني بجوار علم فلسطين.. * حماس هي من اعتقلت الصحفيين والإعلاميين.. حماس هي من لم يسلمْ منها قادةُ العمل الوطني فاختطفتهم في وضح النهار.. حماس هي من توزع صكوك الغفران كما تشاء، فتقول لهذا أو لذاك إنه ممنوعٌ أو مسموحٌ له أن يدخل غزة!
لماذا لم يبادر اليسار الفلسطيني ويتلقف طرح الحكومة الفلسطينية الجديدة بدلا من المساهمة في تعميق الشرخ الوطني الفلسطيني؟ ولماذا وحتى تلك اللحظة لم يقم اليسار الفلسطيني بدراسة أماكن الخلل لمعرفة لماذا ابتعد هذا اليسار عن نبض الشارع الفلسطيني؟ -الحكومة الفلسطينية الجديدة؟!، أي حكومةٍ منهم؟!.. حكومة المحاصصة التي أسست للخطيئة التي ارتكبت في حزيران 2007؟ أم حكومة سلام فياض التي تنفذ خارطة الطريق بكل حذافيرها في الضفة المحتلة، وتنتزع سلاح المقاومة، وتشتريه من مقاومينا بالدولار؟ أم الحكومة المقالة التي اختطف عناصر شرطتها المراهقون د. رباح مهنا من منزله في ساعات الفجر الأولى؟!
أما لماذا ابتعدنا عن نبض الشارع الفلسطيني، فلأننا دفعنا ثمناً باهظاً على مواقفنا المبدئية التي لم نتخلَ عنها، ولأجل دماء شهدائنا وعذابات أسرانا وآهات جرحانا لن نتخلى عنها. لأننا لم نُرتهن لقوةٍ إقليميةٍ هنا أو هناك، تُغدق علينا المال سرابيلاً مُسربلة، ليل نهار، فنغزو شعبنا بثقافة الكوبونة وكيس الطحين والتفريغ والوظيفة. لأننا لم نسعَ لأن نكون حزباً حاكماً في سلطةٍ وهميةٍ لا يستطيع رئيسها أن يخرج من معبرٍ على حدودها إن لم يعترفْ بمحتلي أرضه وقاتلي شعبه!
لماذا لم تتقبل حركة فتح الهزيمة الانتخابية وبدأت حربها مدعومة من أمريكا وأوروبا "الديمقراطيتين" على الحكومة الفلسطينية الجديدة، بدلا من العمل على إعادة ثقة الشعب الفلسطيني بها تمهيدا لانتخابات مقبلة؟ -نزاعاً وصراعاً واقتتالاً على كراسي! باختصار.. هي الوجه الآخر لحماس. والمحاصصة قد تكون حلاً لرضا إحداهن عن الأخرى، ولأن يقبل أحدهم بأن يطوف حول الكعبة، وأن يسير بين الصفا والمروة، وبجواره من كان يطالبُ برأسه قبل يومين!!
كيف يمكن لليسار الفلسطيني، وتحديدا الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، أن تتبنى مواقف بعض القيادات الفتحاوية من الحكومة الجديدة؟ -أزعجتنا بالحكومة الجديدة يا رفيق!، عن أي حكومةٍ تتحدث؟! قلنا لك.. لا تتأثر بالماكينة الإعلامية.. أعلمُ جيداً أنهم ربما هاتفوك واتصلوا بك وشكروك على موقفك الذي سجَّلته قبل شهرين، فاستمالوا قلبك وإليهم قربوك.. ذاك واجبك، وما فعلوه بعد ذلك واجبُهم..
هكذا أجبتك عن أسئلتك بخطوطٍ عامة، وبعناوين عريضة، ولم أشأ الدخول في التفاصيل، لأنها كثيرة وفاضحة ومزعجة!، وانتظر اليوم الذي نمحو فيه كل هذه التفاصيل من ذاكرتنا المثقوبة! لك التحية رفيقي.. كن أكثر إطلاعاً، كي لا تحيد.. واختمُ بما ختمت به: "والسلام على من قرأ، فانفتحت عيونه."
#محمد_أحمد_المدهون (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فيديو يكشف ما عُثر عليه بداخل صاروخ روسي جديد استهدف أوكراني
...
-
إلى ما يُشير اشتداد الصراع بين حزب الله وإسرائيل؟ شاهد ما كش
...
-
تركيا.. عاصفة قوية تضرب ولايات هاطاي وكهرمان مرعش ومرسين وأن
...
-
الجيش الاسرائيلي: الفرقة 36 داهمت أكثر من 150 هدفا في جنوب ل
...
-
تحطم طائرة شحن تابعة لشركة DHL في ليتوانيا (فيديو+صورة)
-
بـ99 دولارا.. ترامب يطرح للبيع رؤيته لإنقاذ أمريكا
-
تفاصيل اقتحام شاب سوري معسكرا اسرائيليا في -ليلة الطائرات ال
...
-
-التايمز-: مرسوم مرتقب من ترامب يتعلق بمصير الجنود المتحولين
...
-
مباشر - لبنان: تعليق الدراسة الحضورية في بيروت وضواحيها بسبب
...
-
كاتس.. -بوق- نتنياهو وأداته الحادة
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|