كنت قد طرحت من خلال حلقات اربع وجهة نظري حول تجربتي في قيادة الحركة القومية وعلى رأس فصيل من فصائلها حوالي اربعة عقود ، ورؤيتي لكيفية الحل المطلوب لمعالجة الازمة الراهنة بجوانبها الفكرية والسياسية والتنظيمية وكنت قد أشرت الى مركزية العامل الذاتي ودوره الاساسي في حياتنا السياسية والحزبية ، وافضلية التصدي لمهام – التعامل معه أولا ، وفي سياق ذلك كنت قد شرحت اسباب متطلبات التغيير والتجديد في حركتنا كوطنين سوريين ومناضلين في حركة التحرر الوطني ، ويسار قومي ديموقراطي ، كما حاولت توضيح المضمون القومي والوطني لخطوتي في التنحي عن رئاسة حزب الاتحاد الشعبي الكردي وعلاقتها بمجمل الظروف والتطورات المحيطة من داخلية وخارجية ، والمستجدات الاقليمية والدولية حيال القضية الكردية ومسألة التغيير الديموقراطي، وقد طرحت ايضاً حقيقة وجود أزمة متفاقمة ومستعصية في حركتنا عموماً ، واحزابها ومنظماتها بشكل خاص ، وانني بهذه الخطوة أحاول المساهمة في حل تلك الازمة بالتعاون مع جميع المعنيين ، وخاصة في مجال رسم المنهج النظري والخط السياسي وتشخيص المخارج بصورة حاسمة وشفافه وفي عملية نقاشية نقدية متواصلة حتى تكون خطوات المعالجة صائبة وفاعلة ، وذلك بالاقتران مع خطوات عملية على ارض الواقع وهذا ما قمت به مفتتحاً طريق حل الأزمة وبدأت بذلك من نفسي أولاً ، بحيث استطيع الزعم بان مبادرتي شكلت قاعدة الانطلاق لمرحلة جديدة في الثقافة الحزبية السائده في المجمتع الكردي ، وخرق للتقاليد الموروثه البالية بشان تسلط الافراد بدل المجموع على الاحزاب وعلى مصادر قرار الحركة السياسية ، وقد أكدت في خطوتي على عدم قدسية أحد كائنا من كان وليس هناك شئ خارج النقد والتقييم في العمل القومي والشأن العام ، وأن المجال مفتوح لاعادة النظر في الاطر التنظيمية والسياسية والمواقف واعادة تشكيل ماهو في خدمة المصالح القومية والوطنية .
اصطفاف جديد :
احداث العراق ما بعد التحرير وتطورات القضية الكردية هناك وهاجس فرض التغييرات في بلدان الشرق الاوسط ومن بينها سورية ، مضافا اليها ظهور بوادر تحركات سياسية كردية في سورية على شكل تظاهرات ونهوض جماهيري مرتقب واعادة بناء في الحركة القومية تشمل البرامج والوسائل النضالية والقيادة ، وتوجه جاد ومسؤول
لا عادة تعريف اليسار القومي وتوحيد صفوفه من جديد تحضيرا لمواصلة لنضال وذلك كجزء من ارادة التصدي لمهام معالجة العامل الذاتي في الحركة السياسية الكردية ، هذا المشهد العام بعواملة الداخلية والخارجية وبآفاقه المستقبلية دفع صناع القرار في بلادنا الى الانكباب على الملف الكردي في المنطقة وفي المقدمة ملف الحركة القومية الكردية في سورية وذلك ليس من اجل التعامل معه ايجابياً أو ايجاد الحلول للقضية الكردية بل بهدف المواجهة وادارة الازمة بطرق أخرى على الصعيدين الداخلي والاقليمي وبشكل خاص في اطار دفع عملية التنسيق الامني مع
تركيا وايران وقد كانت زيارة الرئيس الاسد الى تركيا خير تعبير عن هذه الاستراتيجية المعادية للكرد والحركة القومية الكردية .
على الصعيد الداخلي انبثق عن – استراتيجية المواجهة – نوع من الاصطفاف لم تكتمل فصوله بعد ، ترعاه السلطة الشوفينية ووضعت له برنامجاً – نظرياً واعلامياً - يكاد ينحصر في تكتيك يهدف الى الترويج لعدم أصالة كرد سورية وعدم تاريخيتهم وكونهم لايسكنون ارضهم ومتسللون ، وان دعاة الحقوق القومية بينهم ماهم الا حفنة من – الانفصاليين والشعوبيين والجواسيس – يعتمدون على القوى الخارجية وخاصة الولايات المتحدة الامريكية كما فعل ذلك قبلهم أكراد العراق الذين – خانوا – وطنهم . وأن الاكراد يمكن أن يتمتعوا بحق المواطنه اذا كان سلوكهم حسناً وكانوا مواطنين صالحين . يتشكل هذا الاصطفاف من مستويات مختلفة بينهم الرافض لاي وجود كردي أو القابل كحد اقصى بحق المواطنه ، ويقوم اليمين القومي الكردي في هذه التشكيلة بدور – حصان طرواده – بتسهيل مهمة الشوفينيين باسم – الاعتدال – ولكي لا نذهب بعيدا نقول بدءً من مظاهرة مناسبة اليوم العالمي لحقوق الانسان في دمشق عندما نجح بدعم مباشر من السلطة واعوانها في افراغ المظاهرة واهدافها ومضمونها من أي قيمة قومية أو وطنية ديموقراطية وانتهاء بالطاولة المستديره المثيره للجدل .
معلوم لدى أي متابع أن الخطوة التمهيدية الاولى باتجاه وضع اسس ذلك الاصطفاف الجديد قد بدأت عندما وصل اللواء محمد منصوره معاون رئيس شعبة الامن السياسي في سورية والمدير السابق لجهاز الامن العسكري في القامشلي قبل عدة اشهر الى مدينة – الحسكة – واستدعى عددا من الملاكين والوجهاء الاكراد الذين صودرت املاكهم لاسباب قومية عنصرية وطلب منهم التنازل القانوني عن تلك الاملاك لقاء تعويض ( عملية التعريب ) وذلك باسلوب التهديد والوعيد ومن الواضح ان مهمته كانت سياسية – امنية في اطارها الشوفيني وليست – عقارية - لأنه عبر خلال حديثة عن امتعاضه ورفضه لمطالب الحركة القومية الكردية ( للمزيد من الاطلاع راجع مقالة السيد سيبان الملا المنشورة في صفحة : قامشلو. كوم ) .
أعقب ذلك وبأوقات متفاوته صدور مقالات مختلقه ومزورة عن عدد من الشوفينيين من ازلام السلطة ومن بعض نظرائهم الاكراد وذلك بسرد قصص من بنات افكارهم وعلى لسان آخرين اكراد دون الافصاح عن اسمائهم
وهم يشتمون العرب ويكفرون بالوطن ويدعون الى اعلان دولة كردية في سورية ويؤيدون اسرائيل الى آخر المعزوفه ( للمزيد راجع مقالة ( حوار مع صديقي الكردي ) – للمدعو مروان صباغ وهو سرياني بعثي من الحسكة – منشوره في صفحة : عامودا. كوم ) وكذلك ( مقالة : كركوك مدينة كردية أم غنيمة حرب ؟ ) للمدعو تركي علي الربيعو ) وهو شوفيني استئصالي من القامشلي).
وفي الفترة نفسها عقد أحد العاملين في الحركة الآشورية ندوة في مدينة القامشلي أبدى فيها رفضه لحق تقرير مصير الشعب الكردي ولكلمة كردستان وطالب بالغاء الانتماء القومي لصالح الاندماج الوطني ولم يفته الاشادة بالتيارات الكردية المعتدلة التي لا تستخدم كلمة كردستان .
وكانت المعزوفة الاخيرة من كورس ( الطاولة المستديره ) التي اعلن فيها السيد حميد درويش عن اتهام المناضلين الكرد المنادين بحق تقرير مصير شعبهم بالجواسيس وتهجمه على المتظاهرين الكرد في دمشق والذين يقبع عدد منهم في السجون والمعتقلات وأدوا واجبهم القومي بكل شهامة ورجوله بدفاعهم عن حقوق ابناء الشعب الكردي ومن بينهم حقوق – حميد درويش نفسه - الذي لم يتجرأ على طرح المطالب القومية الكردية التي يطمح الى تحقيقها الشعب الكردي بكل طبقاته وفئاته الوطنية بل كان طرحه أقل بكثير حتى من بعض المحاورين العرب، و اوضح بأن سقف المطالب الكردية لايتعدى اعادة الجنسية الى المحرومين منها من المواطنين الكرد الذين حرموا منها منذ اكثر من ثلاثين عاما . وانتهت ( الطاولة ) مثل سابقتها بتكرم الحضور بالسماح لحق المواطنه للاكراد اسوة بغيرهم وذلك كأفراد ، وبتصنيف الحركة الكردية بين انفصاليين لهم صلات بالخارج ومعتدلين يمثلهم – حميد درويش - .
مستجدات لمصلحة التغيير :
من الواضح أن السلطة الحاكمة ومهما دفعت بأزلامها وجماعاتها وكتابها من العرب والاكراد على طريق نفي وانكار الوجود القومي الكردي التاريخي وموطن ابائه واجداده وتشويه حقائق الصراع الفكري الكردي – الكردي الناشب والمحتدم الملازم لظهور الحركة السياسية الكردية منذ بداياتها والظاهر الى العلن منذ الخامس من اب عام 1965 كمحرك اساسي وراء الكفاح القومي لشعبنا وذلك باختزاله الى تقسيم مزاجي مضلل بين انفصالي ومعتدل فانها لن تستطيع وقف عجلة التطور أو مصادرة الوعي القومي لدى الملايين من كرد سورية أو ايقاف حركتهم القومية ونضالهم السياسي المشروع في سبيل تحقيق هويتهم واحترام خصوصيتهم وانتزاع حقوقهم المشروعه في تقرير مصيرهم السياسي والثقافي في اطار سورية ديموقراطية موحده .
نقول ذلك لأن الزمن والمستقبل بالضد من المفاهيم الشوفينية ولان العصر الجديد يحمل مفهوما متقدما لحل المسألة القومية حسب مبدأ حق تقرير المصير ولان القضية الكردية في كل مكان تحولت الى واقع معاش ومقبول
باتجاه ايجاد الحلول السلمية ، وتحولت الى قضية الساعة ومادة النقاش على الصعد المحلية والاقليمية والعالمية, وان المناضلين الكرد لن يترددوا في كل لحظة بطرح قضيتهم العادلة اينما كانوا دون خوف أو خجل من الآخرين ، وجاء الوقت الذي يجب فيه وضع النقاط على الحروف ومصارحة الصديق والشريك والشقيق باحقاق كل ذي حق حقه والتعايش في علاقات الاعتراف والاحترام المتبادلين ، لنأخذ اشقاءنا في كردستان العراق مثالا لتلك الصراحة والشجاعة في تمسكهم بالفدرالية الكردستانية كحل يرتضيه شعب كردستان بارادته الحره رغم مواقف الاخرين
الاعتراضية ، ولنأخذ شعب جنوب السودان المتمسك بمبدأ تقاسم السلطة والثروة مع الشمال ، ولنأخذ مواقف شعوب وقوميات يوغسلافيا السابقة وغيرها وغيرها . ان كل هذه الحقائق والمستجدات تشكل حافزاً لليسار القومي
الكردي في سورية لاداء مهامه وتوفير مستلزمات شروط مواصلة النضال بشكل موحد لأن قيادات اليمين القومي غير مؤهلة للتحاور باسم الكرد ولاتعبر عن ارادة الشعب الكردي . لذلك اكرر ندائي مرة اخرى وبالحاح بضرورة اجراء التغييرات في الفكر والممارسة والقيادة بصورة عامة وعلى صعيد اليمين القومي والقيادات – المتردده – الاخرى المترنحة بين اليمين القومي واليسار القومي بشكل خاص حتى تتم معالجة العامل الذاتي اولاً والانتقال الى انجاز المهام والعوامل الاخرى . واتوجه بشكل خاص الى مثقفينا وكتابنا ومبدعينا بان يبارحوا مواقع الترقب والانتظار والفرجة من النوافذ على ساحة الصراع , وان يغادروا نهائيا اوهام المفاهيم الذرائعية كالقول : " لا دخل لي بما يجري ولست معنيا بما يدور " فمذ متى اتخذ مثقفوا الشعوب المضطهدة المناضلة جانب الحياد بين الحق والباطل ؟ وهل هناك – مستقل – في القضايا المصيرية من فكرية وثقافية وقومية ؟ او ليس الارتداد القومي والانحراف عن المبادى الوطنية وتشويه ارادة الشعب الكردي من صلب قضايا الثقافة القومية التي يجب التصدي لها ومناقشتها ؟ الا تلاحظون ان الساحة الكردستانية عموما لم تشهد في تاريخها مثل ما يجري الان من تناول نظري شامل تاريخيا وحقوقيا للقضية القومية الكردية ؟ فماذا تنتظرون ايها السادة الكرام ؟