|
قراءة في:- التوجهات العامة التي اقرتها لجان اللقاء اليساري التشاوري في15و16 اذار 2008 -
حسن عماشا
الحوار المتمدن-العدد: 2350 - 2008 / 7 / 22 - 11:09
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
قراءة في: " التوجهات العامة التي اقرتها لجان اللقاء اليساري التشاوري الذي انعقد في قصر الاونيسكو في 15و16 اذار 2008 " تمهيد:ِ بداية لا بد من ملاحظة: أن اليسار في لبنان- وبمعزل عن الأسباب- ، فقد أي حضور له في صناعة الأحداث أو التاثير فيها على كل الصعد والمستويات: الوطنية، السياسية، أو المطلبية- الاجتماعية. أقله منذ تفكك "المعسكر الاشتراكي" وإنهيار الاتحاد السوفياتي. فضلا عن الالتباسات التي تكدست فوق هوية اليسار ومضامينها الفكرية- السياسية والاجتماعية. هذه حقيقة موضوعية كل تجاهل لها أو قفز فوقها، يؤدي حتما؛ في كل بحث، الى الخروج من العالم الواقعي ، الى عالم الذهن الخيالي ويتوه فيه. دون القدرة على العودة الى الواقع الموضوعي. ولأن "لليسار" وجود مادي تاريخي، عابر للطوائف والمناطق، وقوة يمكن لها إذا ما تم توحيدها وتفعيلها على أسس علمية – تاريخية وكفاحية. أن تحدث فرقا حقيقيا في مجرى الأحداث. ليس بما تملكه كموروث فحسب. بل بما تكتسبه من خلال القدرة على اجتراح الحلول للمعضلات التكتيكية والاستراتيجية التي تفرضها التحديات الراهنة وبالاستناد الى التراث الثوري التحرري التقدمي، المفترض أنها تنتمي اليه. نهتم حين نسمع عن لقاء ما ونترقب أن نجد فيه ضالتنا. إلا أننا في كل مرة نقع في خيبة الأمل والرجاء. ونتأكد من عقم المشاركة في هذه اللقاءات بدءا من صيغة اللقاء وطبيعة العناصر المشاركة – أو غالبيتها – وظروف المكان والزمان التي تنعقد فيها. خصوصا وأنها على مدى عقدين تقريبا من الزمن؛ حافليّن بالأحداث والتحولات التاريخية نلا حظ غياب تام لأي فصيل يساري عن ساحات الصراع الفعلية. ليس في لبنان وحسب بل على أمتداد منطقتنا العربية ولا سيما في ساحات المواجهة المباشرة مع الاحتلال الأمبريالي الأمريكي أو في المواجهة داخل وعلى حدود الكيان الصهيوني. اللهم ألا إذا اعتبرت بعض المنابر والتحركات المرتبطة بمناسبات معينة وذات الطابع الرمزي مواقع تأثير على مجرى الصراع ؟. وحيث لا يرضى أصحابها بأقل من تقديم أنفسهم بإعتبارهم المرجعيات التي تحيط بحركة التاريخ وأنهم وحدهم القادرون على إدارة الصراع بإتجاه الحرية والتقدم والرقي. وبين أيدينا وثيقة صادرة عن أخر هذه اللقاءات. وهي صياغة "جديدة"، لنهج فكري قديم وعقيم. ورغم ثبوت عجزه على مدى عقدين من الزمن. لازال يجتر نفسه دون أن يلاحظ حتى، ان العديد من رموزه التحقت خلف اصطفافات سياسية طائفية، وأيديولوجية عنصرية وبتغطية ورعاية الراسمالية الربوية والريعية. وهذه نتيجة طبيعية لخضوع هذا النهج للوعي السائد وإنعدام الروح الكفاحية. والطبيعة الطبقية للعناصر الطاغية، المكونة من "البرجوازية الصغيرة"، ذات الخصائص الاستهلاكية والفوضوية التي تتسم فيها هذه المرحلة بنيتنا الاجتماعية. والتنصل من أية ضوابط وإلتزامات. بحجة أنها موروثات "العهد القديم". وتتبني مصطلحات ومقولات الليبرالية بصيغتها الطاغية والمهيمنة على العالم بقيادة "المحافظين الجدد".
تتقدم الوثيقة ، بمحاولة لتوصيف الوضع اللبناني على أساس أربعة محاور: المحور الأول: " الهجمة الأميركية وأشكال مواجهتها". المحور الثاني : " أزمة النظام السياسي الطائفي في لبنان". المحور الثالث: " الأزمة الاقتصادية- الاجتماعية في لبنان". المحور الرابع: "أزمة اليسار وسبل الخروج منها".
وفي المحاور الأربعة لم نتبيّن مايشير الى جهد علمي حقيقي في كشف الواقع الموضوعي في ضوء الظروف التاريخية وطبيعة التحديات. حيث اتسمت الصيغة بالعمومية المفرطة، وترداد ممل لما نسمعه ونقرؤه منذ سنوات. والشعاراتية الواعظة والفارغة من اي مضمون حقيقي. دون تحديد لأية ملامح رؤية برنامجية. فضلا عن الخلط بين الوسائل والأهداف فيما خص " الهجمة الأميركية"(!) وتغييب الموقف من الأدوات المحلية المرتبطة بالمخططات والمشاؤيع الأمريكية. من تشيكلات سياسية إجتماعية. وإعتبار أنه " بتفتيت جزء أساسي من دول المنطقة المشار إليها على قواعد عرقية وقومية ودينية وطائفية، كما يحصل حاليا في العراق، ويتم التخطيط لحصوله في لبنان." (والذي وضع في باب "الوسائل" حسب الوثيقة ؟!!). بهذه الصيغة التعميمية يتم الخلط بين الكتل المقاومة للهجمة الأمريكية وتلك التي تتماهى بمصالحها وخياراتها مع الامريكيين وتراهن عليهم فيصبح بحسب هذه الصيغة والمنطق الذي يكمن خلفها ان الجميع أدوات عند الأمريكيين (!!!). وهذا تدحضه الحقائق الملموسة في حركة الصراع. لذا جاء البند الثاني ملتبسا وغامضا في توصيفه للصراع. يبدأ بالقول: " بتحويل الصراع القائم إلى في هذه المنطقة، والذي يضعها في مواجهة العدو إلى صراع مختلف تماما يضع هذه الدول أو معظمها، ولا سيما ما يسمونه دول الاعتدال ذات الغلبة المذهبية السنية، في مواجهة ما سماه الملك الأردني الحالي الهلال الشيعي، وبوجه خاص الدولة الإيرانية،" ليخلص الى تحذير من أن: " مع ما يفضي إليه صراع كهذا، في حال حصوله، من كوارث على كامل البلدان التي قد تنخرط فيه، وذلك لمصلحة الهيمنة الأميركية بالذات، وفي آن معا لمصلحة إسرائيل." فالاقرار إبتدءا بأن الصراع " في مواجهة العدو ".يسقط عبر تضييع وطمس التناقض بين قوى المقاومة، ودول الممانعة في وجه "الهجمة" من جهة. وتلك المتماهية مع المشروع الأمريكي والتي تشكل أدوات ومرتكزات للهجمة من جهة أخرى. ما يؤدي الى موقف مساوي بين التشكيلات السياسية الاجتماعية بحجة أنها ترتكز على قواعد: " عرقية وقومية ودينية وطائفية". فيصبح بالتالي كل هذه التشكيلات تعمل عند الأمريكيين وتختلف فقط من حيث طبيعة الدور الذي تلعبه!!!. وهذا تعبير عن عجز فكري وإفلاس نضالي. لأنه في المثل العراقي الذي أستخدمته "الوثيقة". والذي يوحي بأن الأمركيين نجحوا في العراق ويعيدوا التجربة في لبنان. يتجاهل أن الاحتلال يواجه من قوى تستند الى قواعد عرقية وقومية، دينية وطائفية تقاتل الاحتلال وأخرى تستند الى نفس القواعد وتتعامل مع الاحتلال. لكن كل فريق يستحضر من تراث هذه القواعد ما يساعده في تسويق خياراته. لأن كل حركة لا ترتكز على التراث الشعبي والتاريخ الاجتماعي تحكم على نفسها بالإنعزالية وتبقى ضعيفة وعاجزة عن التصدي للمهام التي تواجهها. ويسهل تصفيتها هذا إن كانت جادة. وينتهي المحور الأول "الى توافق على مجموعة إقتراحات": أولها:" أن يتخذ اليسار موقعه الطبيعي في مقاومته الهجمة الأميركية- الصهيونية المتمثلة اليوم بالاحتلال المباشر والتهديد بالاحتلال والحرب، وأن تتخذ هذه المقاومة كل الأشكال الممكنة: عسكريا، سياسيا، اقتصاديا، وثقافيا. بما يؤكد تلازم النضال الوطني والنضال الاجتماعي كوجهين متلازمين للصراع الطبقي في بلادنا. 2- وضع صيغة ملموسة للعمل المقاوم تستند إلى جبهة تضم القوى اليسارية في لبنان. 3- تنسيق العمل المقاوم في البلدان العربية الذي تخوضه جبهات مقاومة وطنية حقيقية. 4- نشر ثقافة المقاومة بما يؤمن أوسع انخراط شعبي فيها وأوثق التضامن من المدني معها. 5- التوجه الجدي والعملي نحو تأمين أقصى درجات التعاون والتضامن مع حركات المقاومة والنضال المعادي للإمبريالية في شتى بلدان العالم." ما كنا لنعلق على هذه "الاقتراحات" بذاتها. لأنها في كل مفرداتها هي تعبير عن تأملات ذهنية بعيدة عن الوقائع الملموسة. وهي نوايا طيبة في ظاهرها. لكنها تكشف عن اتساع الهوة بين المعبرين عنها ومجريات الصراع الحقيقي. في:" أولها: أن يتخذ اليسار موقعه الطبيعي". هو إقرار بغياب اليسار عن هذا الموقع (إن العود أحمد). لكن الاقتراح الثاني: (راجع المقتبس أعلاه). والى أن يكتشف الداعون والمشاركون في اللقاء إضمحلال ما كن يسمى "قوى يسارية في لبنان". أين تكون وصلت بنا مجريات الصراع والأحداث في لبنان والمنطقة. خصوصا وأن الاقتراح الثاني يسحب نفسه على الاقتراح الثالث. ما يستدعي العودة الى تسليط الضوء على واقع اليسار في لبنان. وحسنا فعل اللقاء أنه وضع " أزمة اليسار وسبل الخروج منها". في محور خاص سوف نتوقف عنده مليا. تجنبا لتشتيت الأفكار. لكن لا بد من الاشارة الى أن الواقع يبيّن أن "الهجمة الأمريكية" باتت في أطوارها الأخيرة وتتخبط حيث ما احتلت بشكل مباشر وتسعى الى ترتيبات وتسويات مع دول الممانعة وقوى حاسمة في النسيج الاجتماعي. هي قوى مقاومة وممانعة حقيقية. أي كانت المآخذ على أدائها، لا يمكن إنكار نفوذها الشعبي وتمثيلها كبريات الكتل الاجتماعية. وأن نقاش هذه "الاقتراحات"- التمنيات- هو ترف فكري الى أن تنعكس أقله في مواقف ملموسة.
أما "المحور الثاني: أزمة النظام السياسي الطائفي في لبنان" الأفكار الرئيسية: - هناك أزمة وطنية شاملة. - أزمة كيان لها علاقة بتكوين البلاد في إطار خطة التقسيم الاستعماري وإعطاء وظيفة اقتصادية وسياسية لهذا الكيان. - عجز القوى الاجتماعية المتعاقبة عن بلورة مشروع الكيان- الدولة في وطن يحظى بإجماع اللبنانيين. - أزمة نظام سياسي يقوم على المحاصصة الطائفية وبالتالي تنظيم الصراع الطائفي على السلطة لإخفاء الصراع الأساسي (الطبقي). - ضرورة الإشارة إلى طبقية الاقتصاد اللبناني ودوره في تغذية ثقافة الطائفية المناهضة للديمقراطية وفكرة المواطنة والسيادة. مرحليا – الإجماع على وجوب تطبيق البنود الإصلاحية في الطائف كلها. استراتيجيا – تجاوز الطائفية وبناء الدولة المدنية مهمة معالجتها بحزمة من الإجراءات: - قانون انتخاب/ التمثيل النسبي خارج القيد الطائفي. - تعليم ديمقراطي شكلا ومضمونا. - الإعلام والثقافة. - القضاء مسألة حاسمة ومهمة/ حماية الحريات والحقوق. - الإجراءات الاقتصادية الضرورية لبناء اقتصاد منتج/ الإنماء المتوازن. - القانون المدني الاختياري للأحوال الشخصية. - اللامركزية الإدارية وقانون أحزاب عصري. - بلورة مشروع لبناء الدولة، قراءة للطائف، وهناك من ألح على الدولة العلمانية. لقد وقع "اللقاء" تحت تأثير الوعي السائد في توصيف "الأزمة في النظام السياسي اللبناني". وتبنى المقولات والشعارات التي تطلقها قوى النظام نفسه في الحركة السياسية. في كل مرة تكون فيها إحدى أطرافها بعيدة عن مواقع القرار. لتعود وتستعمل في وجهها من قبل خصومها. فلا نستطيع أن نلحظ شيىء يذكر، مما يطرحه "اللقاء". عن ما يردده الدكتور سليم الحص وما سمي "القوة الثالثة". على سبيل المثال لا الحصر. و نسمع بعض هذه الشعارات على ألسنة ممثلي "القوات اللبنانية". بل حتى في عظات البطريرك. فضلا عن أننا لم نلحظ أي خيط يربط الأزمة بحركة الصراع في المنطقة وخاصة الصراع العربي الصهيوني. أما " المحور الثالث: الأزمة الاقتصادية- الاجتماعية في لبنان" في محاولة "اللقاء" لتوصيف "الأزمة الاقتصادية - الاجتماعية". وقع بالكامل في أسر المنهج البرجوازي والتقليدي في مقاربة المشكلات الاقتصادية – الاجتماعية. وإذا كان مقبولا وبتحفظ مقاربة المسائل الفكرية – السياسية إنطلاقا من الأفكار المجردة ، وبعض "البديهيات" الأخلاقية والمبادئ العامة المنطقية. أو القيم السائدة في الوعي "المعولم" والشعارات الرائجة مثل: حقوق الانسان، حرية الضمير، دولة القانون، الخ.. في حين أن أية مقاربة علمية للمشكلات أو "الأزمة الاقتصادية – الاجتماعية". لابد وأن تنطلق من معطيات وأرقام يتوقف على مدى صحتها ودقتها. التشخيص الواقعي لطبيعتها مع ضرورة ربطها بالخصائص التاريخية للبنى الاجتماعية والطور الذي هي فيه. في إطار ما تتيحه المؤثرات المحيطة الأقليمية – الدولية. بضوء علاقات الانتاج القائمة في مجتمعنا والوعي المرافق لها، او المنعكس عنها. في ظل ما يواجهها من تحديات سواء على الصعد الوطنية والثقافية والسيادة والاستقلال، أو على صعيد المنافسة ومقوماتها المادية الملموسة. لهذا نجد أنه من غير المجدي التوقف عند هذا المحور بكونه مجرد سفسطة إنشائية ليس إلا. "المحور الرابع: أزمة اليسار وسبل الخروج منه" نصل هنا الى لب الموضوع سوف نتوقف مليا عند هذا المحور رغم كونه جاء في المرتبة الرابعة من هذه الوثيقة. الا أنه يعني "اللقاء" (صاحب الوثيقة) بشكل خاص. علما أننا سبق لنا وعالجنا موضوع هذا المحور في نص موسع تحت عنوان:"أزمة اليسار العربي – اللبناني نموذجا". وهو منشور في موقع "الحوار المتمدن" (*) منذ تشرين الثاني 2004. لكننا هنا سوف نلتزم في مناقشة ما يرد في الوثيقة نفسها تحت هذا العنوان ونتجنب بقدر الامكان الغوص في الخلفيات. تقول الوثيقة: " أسباب الأزمة: - انهيار المشروع الاشتراكي العالمي - هزيمة المشروع التقدمي العربي - فشل مشروع الحركة الوطنية، وكل ذلك بسبب تخلف البنية الاجتماعية العربية واللبنانية (قبائل- عشائر- طوائف) - التدخلات العربية والأجنبية الملتقية على منع نشوء نظام لبناني وطني ديمقراطي مستقل ومقاوم. - غياب الديمقراطية والصدقية وفقدان التمثيل" في "الأسباب" الخمسة التي تعددها الوثيقة لم يأتي في أي منها ذكر عامل ذاتي واحد من عوامل، أو "أسباب"، الأزمة (؟!). لكن قبل مناقشة هذه الـ"أسباب". لا بد أولا من التعريف باليسار المعني هنا. ليس لناحية الهوية الفكرية – الاجتماعية. أنما أكثر تحديدا القوة السياسية التي يتجسد فيها هذا اليسار حيث لابد من التوضيح في أن اليسار كهوية ليس هو موضوع بحثنا أنما البحث هنا، يتناول القوى – أو القوة – السياسية التنظيمية التي أعدت هذه الوثيقة. ونعني بها الحزب الشيوعي اللبناني وبعض أصدقائه. حيث لم يعد غيره من ما سمي يسار في لبنان يمكن ملاحظة وجود له كإطار سياسي – تنظيمي. إلا ما يسمى "حركة اليسار الديموقراطي". وهي لم تكن في عداد المشاركين في اللقاء. إلا أنها بمعظم رموزها تكونت من رحم الحزب الشيوعي. ولا نعلم مدى علاقة عنوانها بسياساتها وتحالفاتها القائمة منذ نشوؤها وحتى الأن. فالذي يعرف علاقة كامل الأسعد بالأشتراكية والديمقراطية، عنوان حزبه، يمكنه وحده أن يجيبنا. تشكل اليسار كتيار سياسي في لبنان إثر هزيمة العام 1967. تاثرا بالنجاحات التي حققتها حركات التحرر الوطني بقيادات وأحزاب شيوعية ويسارية. والتي بدورها استمدة القوة من دعم الاتحاد السوفياتي وإنتشار الحركة الشيوعية العالمية. وإذا كانت الحركة اليسارية العالمية اتسمت بإنقسام حاد توزع بين ولائين، الأول: وجد مرجعيته في الاتحاد السوفياتي. والثاني، في الصين. أما في لبنان لم يكن تيار اليسار متأثرا الى حد أن تشكل ظاهرة. مسألة الانقسام بين المركزين العالميين، إلا أنه كان بين أطرافه عداء مستفحل لدرجة كانت تتقدم التناحرات بينها على العناويين والشعارات التي تكونت على اساسها. وكل طرف كان يقدم نفسه بديلا عن الآخرين. وفي السبعينات من القرن المنصرم كانت المجموعات اليسارية تولد كالفطر وسرعان ما تختفي أو تنقسم على نفسها في أول منعطف والمشترك الوحيد فيما بينها كان عدائها لبعضها البعض والذي يتقدم على أعدائها المفترضين طبقيا ووطنيا. واليسار في لبنان كان نظريا وعمليا. يساران: اليسار الرسمي و الموصوف بـ"الاصلاحي". يتشكل من الحزب الشيوعي اللبناني. والحزب التقدمي الاشتراكي، والى حدّ ما منظمة العمل الشيوعي. وعلى الصعيد العملي كان التيار الناصري والقومي السوري والبعث يعد في صفوف اليسار نسبة الى التلاقي السياسي تجاه القضايا الوطنية- القومية. أما اليسار "الثوري": والذي كان يصعب ملاحظة وجود حقيقي له في الميادين الشعبية إلا كإمتداد لفصائل فلسطينية وبشكل خاص الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وحركة فتح، فكان الأبرز : "حزب العمل الاشتراكي العربي" و"الحزب الشيوعي الثوري" (التروتسكيين). و"اللجان الثورية" التي تحولت الى "رابطة الشغيلة". ومجموعات عديدة صغيرة منها: "منظمة الاشتراكيين الثوريين" و"الحزب الديمقراطي الشعبي". لكنها لم تترك بصمات بارزة في تاريخ الحركة السياسية اللبنانية. مع خروج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان إثر الغزو الصهيوني عام 1982. بدأ يخبو حضور "اليسار الثوري" وإنعدمت فعالياته (إلا من بضع رموز فردية، سجلت حضورا وإن بشكل متفاوت وفي عدد من المجالات الثقافية أو الاجتماعية). ومن بقي منه بقوة العادة عجز عن تجديد نفسه وإستقطاب دم جديد فتكلس وأفلس. عمليا ونظريا. وبات أقرب الى كونه عشيرة في طور الاضمحلال منها الى نواة تأسيسية لبناء تشكيل جديد قابل للحياة. نأتي الى اليسار "الرسمي الاصلاحي". بعد أن نستبعد من البحث هنا: التيار الناصري، القومي السوري، البعث. لأن تشخيص واقع هذه القوى يتطلب بحثا منفصلا وخارج هذا السياق. يبقى لنا أن نلاحظ ما بقي من اليسار ولا نحتاج الى كبير عناء في الوصول الى تحديد واقع اليسار - أو ما بقي منه- لتبيان نقطة الانطلاق للخروج من الأزمة على أساس الواقع الملموس في ضوء التحديات: الوطنية- القومية، الاقتصادية- الاجتماعية في ظل الخصائص التاريخية لمجتمعاتنا ومنطقتنا. ففي حين إنكفأت "منظمة العمل الشيوعي". وغاب أمينها العام السيد محسن إبراهيم عن الحضور السياسي أو الاعلامي مع خروج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان في العام 82. وإنفراط عقد البنية التنظيمية لـ"المنظمة". وإلتحاق العديد من رموزها القيادية وعلى درجات مختلفة بتيار الحريري وأن بعضهم شكل النواة الاساسية لما يسمى اليوم "تيار المستقبل". كان "الحزب التقدمي الاشتراكي". ينهي تحوله الكامل فكريا وسياسيا الى حزب لطائفة "الموحدين الدروز". قد يختلف البعض عند تحديد نقطة التحول في تاريخ هذا الحزب. لكن لا يختلف إثنان عن أنه بات حزبا طائفيا في بنيته وسياساته. بقي لدينا الحزب الشيوعي اللبناني. وإن كان هذا الحزب لازال يتمتع بآلياته التنظيمية وتنتظم مؤتمراته الدورية. فهو عاجز عن تسجيل أي اختراق في الحياة السياسية اللبنانية. بسبب الميوعة الفكرية- السياسية. فضلا عن فقدانه مواقع كثيرة كان يمثل فيها حضورا وفعالية سواء في اطار الحركة النقابية او الثقافية والاعلامية. هذا بجانب إنعدام الوحدة السياسية بين فروعه والتي تميل كل منها بحسب الاتجاه السياسي السائد في منطقتها. والنزف المستمر في الوعاء التنظيمي والذي لا يتم أية محاولة لتداركه الا في مواسم الاستحقاقات الانتخابية سواء الخاصة بأطره. أو العامة البلدية والاختيارية والنيابية. حتى يمكننا القول أن هذا يمثل تقليد يتبعه الحزب الشيوعي في كل المجالات: النقابية، الجمعيات والاندية التي أسسها أو يشارك فيها. بعد الذي تقدم من المشروع السؤال عن أي يسار يحدثنا اللقاء ؟!!!!. وأين هو من المهام المطروحة على عاتقه ؟. نسارع هنا ونقول نعم اليسار الحقيقي موجود بقوة في لبنان. لكنه ليس وجودا فاعلا في اطار موحد يجمع الجهود ويراكماها نحو مشروع تغييري ولو في الحدود التي تتيحها الشروط الواقعية وهي ليس بقليلة الشأن على الاطلاق. لأننا لو دققنا في في مواقع الحراك السياسي الوطني- القومي والاجتماعي والثقافي لوجدنا علامات كثيرة تكشف عن درجة التأثير الفعلي للعناصر اليسارية في مجريات الاحداث وعلى كل الصعد والمستويات. لكن ما تفتقر اليه هذه العناصر هو الرؤية البرنامجية الموحدة واتكامل فيما بينها ضمن أطر تغيير حقيقية تصنع الوقائع الملموسة في مواجهة التحديات الموضوعية. وليس الادعاء اللفظي في التغيير واللهاث خلف أوهام المشاركة في الواقع القائم. أو ادعاء التمايز والهروب من مواجهة التحديات بحجج أقل ما يقال فيها أنها ساذجة لا ينخدع فيها الا المتخلفون فكريا وعديموا الهمة لكي يبرروا تقاعسهم النضالي وافلاسهم الاجتماعي. نعود الى "الأسباب" الخمسة التي تعرضها الوثيقة " انهيار المشروع الاشتراكي العالمي". مما لا شك فيه أن تفكك المعسكر "الاشتراكي" وانهيار الاتحاد السوفياتي. تركا أثرا بالغا على التوازن الدولي. لكن السؤال لماذا عجز اليسار العربي عن الاستفادة من المرحلة التي كان فيها "المشروع الاشتراكي العالمي" في أوج قوته. وحيث نجحت قوى يسارية استندت اليه في التحرر الوطني من الاستعمار والتنمية النسبية بما تتيحه الخصائص التاريخية والاجتماعية لبلدانهم. مثل: كوبا، فيتنام، وغيرهما. ونجحوا أيضا في الحفاظ على استقلالهم الوطني حتى بعد الـ"إنهيار المشروع...". ثانيا: " هزيمة المشروع التقدمي العربي". عن أي مشروع يجري الحديث هنا ؟. إذا كان اليسار في غالبيته العظمى وخاصة الرسمي منه كان من المنظريين للكيان الصهيوني وإعتباره عامل مساعد في تطور المنطقة. أو على الأقل مسارعة اليسار الى التكيف مع التقسيم الاستعماري للمنطقة العربية. ثالثا: " فشل مشروع الحركة الوطنية، وكل ذلك بسبب تخلف البنية الاجتماعية العربية واللبنانية (قبائل- عشائر- طوائف)." هنا تتجلى النرجسية في من يعتقدون أنهم مثقفون ومتحضرون وتقدميون. ويقفزون عن حقيقه بديهية في علم الاجتماع أن مقياس تطور أو تخلف مجتمع ما هو في نخبه الثقافية والاجتماعية. أوليست ألف باء الماركسية. تقول: أن التحليل الملموس للواقع الملموس. هو أساس أي برنامج سياسي جتماعي. فإذا كان " فشل مشروع الحركة الوطنية ... بسبب تخلف البنية الاجتماعية ". على أي أساس وضع أصلا ؟!!!. هذا من الناحية النظرية. اما من الناحية العملية أليس تسعة أعشار القوى التي كانت تشكل "الحركة الوطنية" هي التي كونت السلطة برعاية سوريا على قاعدة "وحدة المسار والمصير". بعد الحرب الأهلية. وعلى فرض أن "الحركة الوطنية" انتصرت وبشكل حاسم في الحرب الأهلية فهل كانت الأوضاع مغايرة كثيرا عن ما هي عليه الأن؟. إن اي التفاته سريعة على القوى السائدة أو على الأقل صاحبة التأثير الحاسم في مجرى الأحداث نجد أنها هي عينها التي كانت تلعب الدور الأساسي في "الحركة الوطنية". وإن كان بعضها لم يكن ينضوي في الاطار الجبهوي لـ"الحركة الوطنية". مثل "حركة أمل" وتيار المستقبل والذين لم يستحوذا على النفوذ السياسي والشعبي من حساب النفوذ المباشر للحركة الوطنية بل ورثا النفوذ الذي كان لمنظمة التحرير الفلسطينية. رابعا:" التدخلات العربية والأجنبية الملتقية على منع نشوء نظام لبناني وطني ديمقراطي مستقل ومقاوم." وهنا تتجسد السذاجة والطفولية السياسية. فهل هناك بلد في العالم بمنائ عن التدخلات الاقليمية- الدولية ؟. كان ذلك فبل العولمة واشتد بعدها. أما القول بأن التدخلات "ملتقية على منع نشوء نظام وطني ديمقراطي مستقل ومقاوم." فهو غير صحيح تاريخيا وواقعيا. أولا: لأنه ينفي التناقضات الاقليمية والدولية. ثانيا: أن لبنان المقاوم حقق انتصارات تاريخية في مقاومة العدو الصهيوني. وفي كل الحروب التي خاضها كان من الدول العربية من وقف معه ومن وقف ضده كذالك على المستوى الأقليمي والدولة. ثالثا: إن كان لبنان بحسب معدي هذه الوثيقة،" (قبائل- عشائر- طوائف)." من في لبنان سيقيم "النظام الوطني الديمقراطي"؟!!. قبل الحديث عن الـ"منع". خامسا:" غياب الديمقراطية والصدقية وفقدان التمثيل". أين ذهبوا ؟، وكيف نستحضرهم!. أليس لـ"الديموقراطية" شروط مادية وتاريخية ترتبط في مستويات تطور علاقات الانتاج. ودرجات معينة من التطور الاقتصادي ورسوخ المكتسبات الاجتماعية على الصعيدين الحقوقي ومؤسسات المجتمع المدني. ومتى حلّت الأخلاق محل المصالح في السياسة للحديث عن "غياب .. الصدقية". وأما "فقدان التمثيل" وهم يحاول معدي الوثيقة تسويقه بإعتبار أنهم أكثر تمثيلا من القوى السائدة، فيما لو صح التمثيل. وهذا يعكس ضحالة فكرية وإفتقار الى الحد الأدنى من علم السياسة والاجتماع البرجوازي. فكيف الحال ونحن بصدد نقاش مع أناس يفترض أنهم ينتمون الى مدرسة فكرية تملك أعظم وأدق علم للتشكيلات الاجتماعية ونعني به "المادية التاريخية".
"مظاهر الأزمة: غياب وضعف الرؤية المشتركة والبرنامج المشترك والعمل المشترك، وتهميش دور اليسار وسط طوفان الغرائز الطائفية والمذهبية المهدّدة بالانزلاق إلى حرب مذهبية. الخروج من الأزمة: صوغ رؤية وبرنامج موحّد عبر الممارسة المشتركة المعتمدة على مهام ملموسة ومباشرة، تشكل عصبا يستظل الأهداف الكبرى الخاصة بالتغير، وتحافظ على استقلالية اليسار وسط تحالف وطني ديمقراطي منفتح على التيارات القومية والإسلامية المستعدة لقبول منهجية اللقاء والأهداف المشتركة. عمليا: متابعة الحوار وتوسيعه ليشمل القوى السياسية وأطر المجتمع المدني بإشراف لجنة خاصة للمتابعة." نترك هذا القسم الأخير من الوثيقة دون تعليق احتراما لعقل القارئ العزيز. لكن رغم كل ما تقدم أعلاه لا زلنا نؤمن بأن الدور التاريخي المناط بحركة اليسار الحقيقي يمثل حاجة موضوعية للارتقاء في نضال جماهير شعبنا وامتنا التواق الى الوحدة والحرية والتقدم الاقتصادي- الاجتماعي. ووحده اليسار الحقيقي المنتمي الى تراثه العالمي قادرا على إيجاد الحلول للمعضلات الاستراتيجية والتكتيكية وقيادة النضال الوطني التحرري والنضال الاقتصادي الاجتماعي لصالح الجماهير الشعبية وتحريرها من أسر التخلف والاقطاع السياسي الطائفي والمناطقي. على أساس التحديات الملموسة وبعيدا عن الاسقاطات التأملية التي لا تلامس قضاياها الحية والمتعالية عن همومها الفعلية. ملاحظة: إن الاقتباسات المنقولة أعلاه جميعها تم نسخها كما هي عن الموقع الرسمي للحزب الشيوعي اللبناني. (اقتضى التنويه) 21/حزيران/2008 حسن عماشا
#حسن_عماشا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الوضع اللبناني: بين وهم التسوية والعجز الوطني(أولى أسباب الا
...
-
المستنقع الآسن
-
الكيان اللبناني : أزمة تكوين
-
ما بعد 12 تموز هل يجوز استمرار خطاب ما قبله؟
-
مبروك زواج الانعزالية
-
حركة 14 اذار تجمع قوى الانعزال ورموز الافلاس الوطني-القومي
-
-في مناسبة العيد الرابع لانطلاق موقع -الحوار المتمدن
-
خلوة مع النفس
-
مساهمة في تصور اولي
-
برسم الثوريون المفترضون
-
بصدد المسألة التنظيمية
-
حزب ام حركة؟..اشكالية، الاطارالناظم
-
نداء الى الشيوعيين اللبنانيين
-
الموت في التيه...¨سقط جورج حاوي شهيدا..
-
أزمة اليسار العربي: اللبناني نموذجاً وضرورة ولادة جديدة
المزيد.....
-
أمريكا تكشف معلومات جديدة عن الضربة الصاروخية الروسية على دن
...
-
-سقوط مباشر-..-حزب الله- يعرض مشاهد استهدافه مقرا لقيادة لوا
...
-
-الغارديان-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي ل
...
-
صاروخ أوريشنيك.. رد روسي على التصعيد
-
هكذا تبدو غزة.. إما دمارٌ ودماء.. وإما طوابير من أجل ربطة خ
...
-
بيب غوارديولا يُجدّد عقده مع مانشستر سيتي لعامين حتى 2027
-
مصدر طبي: الغارات الإسرائيلية على غزة أودت بحياة 90 شخصا منذ
...
-
الولايات المتحدة.. السيناتور غايتز ينسحب من الترشح لمنصب الم
...
-
البنتاغون: لا نسعى إلى صراع واسع مع روسيا
-
قديروف: بعد استخدام -أوريشنيك- سيبدأ الغرب في التلميح إلى ال
...
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|