منذ قيام مجلس الحكم وليومنا هذا والاحاديث تتوالى من قبل القوى السياسية العراقية وايضا الاطراف الدولية وكذلك الامم المتحدة على ضرورة اجراء انتخابات ديمقراطية حرة في العراق عام 2004 . لابل تعدى الامر الى مطالبة بعض الاطراف السياسية المعترضة على مجلس الحكم العراقي، وبعض المراجع الدينية المطالبة بانتخاب لجنة صياغة الدستور، وكل طرف يدلو ما بجعبته، دون ان يحدد لنا احد من هذه الاطراف الدولية او العراقية او المراجع الدينية كيف سيكون شكل الانتخابات هذا ؟ واي قانون سيعتمد لمنح حق التصويت ؟ واي قانون سيعتمد لفرز الاصوات وحساب النسب؟ وما هي شروط الترشيح؟ ولاي جهة تقدم هذه الترشيحات أي من هي الجهة التي تصادق على اقرار اسماء المرشحين و تحدد يوم الانتخابات وفرز هذه الاصوات؟ الوضع الامني ؟ العراقيون في الخارج؟ العراقيون الذين نزعت عنهم الجنسية؟ وغيرها الكثير من الاسئلة ؟؟؟؟
ان ابرز المشاكل التي تواجه المواطن العراقي اليوم واولها على الاطلاق ، والمختلف عليها ايضا، مع بعض الاطراف او الجماعات التي تحاول اثارة الرعب والارهاب في الشارع العراقي، هي مشكلة الامن ، حيث لازال الوضع الامني قلقا هنا وهناك، بسبب ماتقوم به او قامت به القوات المحتلة للعراق من اجراءات لم تعد على الاطلاق متوافقة مع ما ينص عليه القانوني الدولي في الزام الدولة المحتلة بالعمل للحفاظ على الامن ، بل ان ما جرى كان العكس، حيث جرى اتخاذ اجراءات ساهمت باثارة الفوضى الاقتصادية والامنية، لا بل وغضت الطرف عن الا نتهاكات الفظة التي قامت بها العصابات المتطرفة خصوصا في المناطق الفقيرة، لحقوق البشر. والتي دلت على غياب الاجراءات العملية في احتواء الاوضاع الاقتصادية والامنية ، ومثالا على تلك الاجراءات كان حل الجيش وخلق هذا الكم من البطالة التي كان يمكن تجاوزها ، والامر الاخر هو تاخر المؤسسات القانونية من اخذ دورها الفعلي في الشارع العراقي والذي ساعد على تسلط بعض العصابات سوى منها المتخصصة بالسلب والنهب، او تلك المتطرفة سوى كان هذا التطرف سياسيا او دينيا ، او تلك الجماعات التي تنفذ بها بلدان خارجية سياستها داخل العراق، او غيرها في العمل على ايجاد مواقع لها هنا وهناك على حساب حرية المواطن الفردية وايضا على حساب امنه وكرامته ، اما الامر الثالث فهو مشكلة الاوضاع الاقتصادية أي العوز الاقتصادي والذي رغم تحسنه الطفيف عبر زيادة المرتبات لبعض فئات الشعب وصرفها بانتظام ، الا انها لم تفي بالغرض المطلوب مقارنة بما سبق حيث كان الغالبية هم موظفون دولة .
ان هذه المشكلات الملحة في الشارع العراقي هي بحاجة ماسة للمعالجة السريعة والفعالة عبر ايجاد الحلول لها، ولا يمكن لهذه الحلول ان تاتي من السماء ولكنها تاتي باعادة الامن، والتي تعد قبل كل شيء مهمة من مهام كل العراقيين، وعليها يكون تاسيس طرح فكرة الانتخابات صحيحا جزئيا حيث بالضرورة يجب ان تكتمل الصور الاخرى والتي ساتطرق لها هنا.
ان المشكلة الاخرى التي يتناساها البعض وقد اعترض عليها البعض ايضا ، هو قانون الجنسية العراقية ، والتي جرى سحبها من الاف مؤلفة من العراقيين وعلى اختلاف تلونهم الديني والقومي والسياسي؟ والسؤال هنا اذا تمكن نظام القمع والارهاب المنظم في العراق من سلب هؤلاء المواطنيين حقهم المشروع بالوطن، وقسم الجنيسة العراقية بعثماني وغير عثماني ؟؟ فهل سيحل مجلس الحكم هذه الاشكالية العويصة ام سيؤكدها مباركا من المراجع، التي احتجت على ازدواجية الجنسية الان؟؟ ولم تنتهي هذه الاشكالية بهذه الحدود فهناك مايقارب 4.5 مليون عراقي خارج العراق وهم كما يعرف الجميع هرب اغلبيتهم من العراق بعد ان واجهو الموت مابين اسواره التي احالها الدكتاتور وكل من ايده الى جحيم ، طالبين الامن والحياة في بلدان اخرى ، وقسم كبير بقى يخوض الصراع مع هذه الدكتاتورية باشكال اخرى حاملين هموم ومعاناة ابناء شعبهم من اجل خلق تضامن شعبي عالمي معهم ومن اجل فضح الارهاب والقمع المنظم في العراق؟ فهل سيلغي المطالبين باجراء الانتخابات في عام 2004 حق هؤلاء ؟ وكيف سيؤمنون لهم امكانية المشاركة بهذه الانتخابات الموعودة؟ حيث اسقطت الجنسية العراقية عن الكثير منهم؟؟؟
ان المشكلة الاساسية التي علينا ادراكها هنا هي ان الدستور العراقي يجب ان يكتب وباشراف دولي ويجب ان يحترم هذا الدستور القوانين والمواثيق الدولية وخصوصا منها الاعلان العالمي لحقوق الانسان وكل الاتفاقيات والعهود الاخرى المتعلقة بحقوق الفرد التي شرعت من الامم المتحدة وان يجري توقيعه من قبل الاطراف العراقية كافة والتعهد باحترامه والالتزام به قبل الشروع بالانتخابات التي هي بالتاكيد هدف وامل كل عراقي ، وكخطوة على طريق اشاعة الحرية والديمقراطية في العراق.
فاذا كان البعض ينطلق من ارضية انه يضمن الفوز بالانتخابات وهذا الفوز بالتالي يمكنه من صياغة الدستور وفق قناعاته الحزبية او الطائفية او القومية او الدينية ، فهذا يعني اننا امام طموح دكتاتوري سيخلق بالتاكيد نظام قمعي جديد في العراق .
ان ما عاناه الشعب العراقي من كابوس وفترة مظلمة اتسمت بالقمع المنظم والارهاب اليومي والمقابر الجماعية والالاف من المفقودين، وما رافق ذلك من تخريب الاقتصاد والحياة الاجتماعية وادخال البلد والشعب بحروب داخلية وخارجية، يجب ان يعلمنا جميعا درسا واحدا الا وهو وجوب احترام حقوق المواطن العراقي بغض النظر عن انتمائه القومي او الديني او الجنسي او السياسي والتاكيد على حماية الحرية الشخصية في التطور الجسدي والفكري والذهني للانسان، واعتقد ان هذا يجب ان يكون الحجر الاساس في الدستور العراقي والذي يجب ان يعزز بتضمين المناهج الدراسية تدريس حقوق الانسان كمادة دراسية وكي تكون ثمارها ايضا النهوض بالوعي الحقوقي لدى ابناء الشعب، وبهذا فقط يمكن ان نعمل على وقاية الاجيال القادمة وقطع الطريق امام أي تسلط دكتاتوري جديد تحت أي شعار كان على مقدرات ابناء الشعب العراقي.
انه خيار صعبا جدا ، وهذا يتطلب ان تكون القوى السياسية العراقية على درجة من الوعي الوطني والحضاري والرافض لاي دكتاتورية او الزام حسب منهجية هذا القوة او تلك ، بل العمل على ايجاد المشترك بينها. لهذا تعد هذه المهمة صعبة المنال الان، مقارنة بما نراه على ارض الواقع من قمعا للحريات على يد القوى المتطرفة..
والاشكالية الاخرى هي على أي احصاء سيعتمد اصحاب الراي الداعي للانتخابات الان ؟؟ وهذا الامر لا يمكن تجاوزة اولا لان النظام السابق لم يجري أي احصاء للنفوس في العراق بشكل كامل وصحيح وعلمي ؟ ناهيك عن ان تلك الاحصاءات جرت على اساس قانون للجنسية في العراق يعد الفريد بكل هذا العالم الغريب حيث لم يوجد في كل هذا العالم ان يحتاج المواطن حامل الجنسية لشهادة جنسية!! ناهيك عن التقسيمات التي احدثها قانون الجنسية بين ابناء الشعب العراقي؟؟ وعلية فهناك الكثير قد حرم من حقه أي حق التعبير الذي كان مصادرا بغض النظر عن هذا الامر او غيره.
لقد اجتهد البعض من اعضاء مجلس الحكم داعمين السيد علي السيستاني في حل قضية التعداد السكاني باستخدام البطاقة التموينية متناسين عن قصد او دونه ، كم عدد العراقيين الذين يملكون هذه البطاقة الولا ، و متناسين حق العراقييين في الخارج. ثانيا ، وكم التزوير في تلك البطاقات التموينية!! ومن هنا ياتي تسهيل الامر باجراء انتخابات على طريقة ماهو ممكن، ماهو الا تسفيه لمبدء على غاية من الاهمية ، ولا يعنيني هنا من هم الذين سيفوزون بهذه الانتخابات.
وربما الاشكالية القديمة الحالية الجديدة كيف يمكن اجراء انتخابات يمكن لنا ان نثق بها على انها تعبيرا عن راي المواطن العراقي في ظل القمع والرعب المسلط علية الان من قبل العصابات المسيطرة في الشارع العراقي سوى كانت هذه عصابات قد لبست ثوب السياسة او ثوب الدين او غيرة؟. حيث قبل التفكير بالانتخابات يجب ان يوفر الامن لهذا المواطن والغذاء واحترام حريته الشخصية في الاختيار لا احتلال المدارس وبث الرعب تحت حجج ان الموسيقى حرام وعلى الرجال اطالة اللحي، وما شابهه من تلك الشعوذات والبدع التي يقوم بها البعض الان دون أي رادع ، وبدلا من المطالبة بتقديم هؤلاء لمحكمة ، يطالب احد اعضاء مجلس الحكم باستيعاب هؤلاء وتفهمهم!
ان ما يثير الشك في الساحة العراقية هو الكم الهائل للقوى السياسية والدينية السياسية وليس هذا هو المشكلة بحد ذاته وانما المشكلة العراقية واساسها يكمن في ضعف الانتماء الوطني لدى العديد من هذه القوى والتي هي واجهات لقوى او دول منها مجاورة ومنها ربما بعيدة ، وهذا كان له دور كبير جدا في عدم اتفاق القوى العراقية يوما ما على برنامج موحد لمواجهة النظام الدكتاتوري على ما هو مشترك وحد ادنى وربما كانت هذه ممكنة وتحققت في بداية الثمانينات الا انها ورغم عمق الماساة العراقية وشدة القمع والارهاب الدكتاتوري لم تخلق على الجانب الاخر اتفاق وطني على الحد الادنى وهذه المشكلة للاسف لازالت قائمة بل وتتفاقم ؟ ان المسؤولية تقع الان على كل الوطنيين العراقيين الحالمين بعراق ديمقراطي يضمن حرية الفرد، المواطن، عراق يضمن الحرية الشخصية من أي اعتداء وتحت أي شعار ، عراق دون لجان للقمع ودون تسلط طائفي ، الدفاع عن وطنهم من اجل الامن والاستقرار اولا وترتيب الاولويات الواجب القيام بها، وعلية اتمنى ان تعطي او تثير هذه الملاحظات او الاراء النقاش بين اوساط المثقفين والكتاب وذوي الاهتمام من العراقيين كي لا نغرق بحكم دكتاتوري قمعي اخر.
19-1-2004
كريم الربيعي/ ناشط في حقوق الانسان