مفيد طاهر جلغوم
الحوار المتمدن-العدد: 2348 - 2008 / 7 / 20 - 10:44
المحور:
التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية
تطور الاحزاب الفلسطينية
تعاني الاحزاب السياسية الفلسطينية من مجموعة مركبة من المشاكل والهموم المتعددة، كل مشكلة بحد ذاتها تكفي ان تكون عائقا ومربكا لتطورها. وعليه يتحتم علينا ان نقسم هذه المشاكل الى قسمين: مشاكل داخلية واخرى خارجية، وذلك لسهولة التعامل مع عدد كبير من المشاكل ووضعها تحت المجهر, لنعمل لاحقا على استكشاف المشكلة الابرز .
تتعدد المشاكل الداخلية لكل حزب (او فصيل) سياسي فلسطيني ابتداءاً من العضوية سواء أكانت صغيرة غير متجددة او غير كفؤة , ام كانت كبيرة يصعب السيطرة عليها وكسب ولائها الدائم ،او مخترقة ومزدوجة الولاء . اضافة الى القيادة سواء أكانت التاريخية منها والتي تقف حائلا دون التغير والتطور في بعض الاحيان, او انها تحاول البقاء في مربعها دون تغيير و كأنه قدر على الحزب حتى موت القائد ،او التطلع الدائم نحو القيادة من الكوادر الوسطى مما يبعث التنافس الدائم بين القيادات ، وربما وهو الاخطر انشقاق مجموعة من الكوادر العليا مع بعض العناصر الموالية لها وتشكيل حزب جديد يكون في العادة مناوئا للحزب الام .
ام الاموال فانها ركيزة داخلة هامة سواء في جنيها وما يرتبط بها من شروط او املاءات , او حتى في انفاقها على الاتباع والبرامج , سواء في كثرتها وما يرتبط بذلك من فساد واختلاس , او شحها وما يرافق ذلك من قلة البرامج والاتباع ومن ثم التقوقع كحالة دائمة دون تطور الحزب والعيش في فقر دائم .
ام على صعيد الفكر السياسي والايديولوجيا فانها مربط من مرابط الفرس الهامة كونها تحدد الاطار العام الذي لا يصح الانفلات من مدارته , وحتى لو حدث بعض ذلك لاعتبر مثلبة في نظر بعض الاعضاء ونقيصة كبرى من وجهة نظر الاحزاب الاخرى خاصة المنافسة . بل ان بعض الاحزاب اليسارية على وجه التحديد بعد تسعينيات القرن الماضي ذهب سحرها بتوقف بريق الفكر الماركسي عنها , فاصبحت وكانها بلا ايديولوجيا حقيقة لجذب الجماهير .
اما الديموقراطية فهي شأن داخلي اخر يؤرق بعض الاحزاب , فالفترة بين المؤتمرين العامين السابق والحالي اصبحت عشرات السنين بعد ان كانت سنة او اثنتين , وما ذلك الا تعبير عن عمق الازمة الداخلية للجميع والتي تحول دون اجراء المراجعة الواضحة والمحاسبة والانتخاب والتغيير ...الخ . لان المؤتمر عادة نقطة حسم ديموقراطية داخل الحزب قد لا تحمد عواقبه على البعض ، ولذلك فالتأجيل خير من المفاجات وليتمسك كل بمربعه.
ازاء هذا الوضع وهذه القراءة السريعة للواقع , فان الاحتلال الاسرائيلي كمحدد وتهديد خارجي دائم يشكل عبئا ثقيلا على الاحزاب السياسية بشكل مستمر حتى مع الاحزاب المتسقة مع العملية السياسية , فليست بمنئى عن التهديد الاسرائيلي، لان الاحتلال ما زال جاثما على الصدر الفلسطيني كله . اما الاحزاب المقاومة بالسلاح فان التهديد الاسرائيلي اليومي واضحا وضوح الشمس على القيادة والافراد والمنشأت...الخ. ناهيك عن الاحزاب التي تتخذ المقاومة السلمية طريقا لها فهي الاخرى ليست بمعزل عن هذا التهديد الدائم.
ان هذا التهديد الاسرائيلي على كل الاحزاب لا ينفصل عن التهديد الخارجي او بالاحرى الاملاءات او الضغوطات المستمرة على الاحزب الفلسطينية سواء من قوى عالمية او اقليمية او عربية (والتي جميعها نسميها قوى خارجية وان كانت تختلف من حيث نوع التحالف والضغوط) الا انها جميعها تحت مظلة واحدة وهي سلب او التأثير على الاحزاب السياسية الفلسطينية لقرارها المستقل , وفي هذا الصدد يمكننا التعميم انه لا يوجد حزب سياسي فلسطيني يمتلك قرارات خاصة به 100% بل ان القرارات الحزبية تصدر بضغوطات خارجية (او الاملاء او الشراء) او للمحافظة على علاقات ومصالح للمستقبل , وفي هذا ضرب للمصلحة الوطنية العليا للشعب الفلسطيني بشكل مباشر رغم الاعلان الدائم من الجميع ان الوحدة الوطنية هي الثابت الرئيسي لنا , الا ان التطبيق العملي يكون بإعلاء المصلحة الحزبية والتي عادة ما تكون لارضاء طرف خارجي , وللتضرب الوحدة الوطنية بعرض الحائط مؤقتا .(لانه يمكن تجبيرها عند اي مجبر عربي واخفاء الكسر بلفافة قطن ناصع البياض).
ازاء هذا الواقع المأساوي لاحزاب المقاومة الوطنية نحو التحرر والاستقلال برزت لدينا كثرة عددية هائلة في عدد الاحزاب (والفصائل طبعا) لمقاومة الاحتلال الاسرائيلي , والتي وصلت الى العشرات بل الى المئات مع اطرها الجماهيرية , مما اوجد تعددية واضحة وهي وان كانت ظاهرة ديموقراطية محمودة الا ان هذه الكثرة زادت عن الحد المناسب فهي مثل الحرية قيمة انسانية حسنة ومطلوبة نسعى جميعا اليها لانها عكس العبودية كقيمة سيئة ومذمومة , الا ان الحرية ان زادت عن الحد الطبيعي وتجاوزته اصبحت حرية فوق العادة مما يؤدي بها ان تصبح قيمة سيئة لانه للحرية حدود (بحسب العرف والدين والقانون...) لا يصح تجاوزها.
ونحن في المجتمع الفلسطيني المتعدد الثقافات والاديان والاعراق , ازدادات تعديتنا الحزبية التي فاقت كل التعدديات السابقة وتحولت من ظاهرة ايجابية الى سلبية لكثرة المرجعيات وتضارب الافكار والمصالح.
اما البناء الفوقي للاحزاب الفلسطينية فاصبح هشا ومسمماً في ان واحد . فالعضو الحزبي في ستينات وسبعينات القرن الماضي مثلاً , كان مثالاً للاخلاق والامانة والوطنية والتضحية ... وكل الصفات الحسنة وذلك لحسن عملية الانتقاء واهتمام الحزب باعضاءه وتربيتهم تربية حزبية صارمة تعلي من القيم الانسانية الجيدة وتعاقب على المسلكيات الخاطئة على اعتبار انهم طليعة الشعب والامة لانجاز طموحات الامة كلها. اما اليوم فان العضو يربى (على العموم).
على انه له مصلحة من وجوده في الحزب (فهو مستفيد) , الحزب يدفع له , الحزب يرفع من مكانته الاجتماعية , الحزب يوليه مسؤوليات وطنية ... الخ.
فوجوده في الحزب مصلحة له قبل كل شيء وخصوصا اذا ما كان من اصحاب الاحزاب الحاكمة فالمنافع مستمرة بلا انقطاع , وعليه سيحارب اي منافس لهذه الميزات دون هوادة.
اضافة الى ذلك فالحزب يربي اعضاءه على اعلاء قيمة الحزب فوق كل حزب اخر وفوق كل المصالح الوطنية والقومية(الحزب أولاً) وهي دعوة عنصرية واضحة ادت الى ان يكون عدوي الاول هو الحزب المنافس لي (أي المنافس لمصالحي الخاصة ومكتسباتي) وليس الاحتلال الذي يجثم على صدرالشعب والامة معا.
من هنا نخلص الى ان الاحزاب الفلسطينية من ادناها الى اقصاها , تعاني من مشاكل متعددة مستعصية متفاقمة ومتجددة ... ,تؤثر على الحزب نفسه وتنتقل العدو الى الاحزاب الاخرى ثم تنعكس على المجتمع كله . ولكن تبقى التدخلات والضغوط الخارجية (الدولية والاقليمية والعربية والاسرائيلية) هي المشكلة الاهم لان مخرجاتها تؤثر على الحزب وبرامجه , وعلى علاقاته مع الاحزاب الاخرى، مما يضر بالمصالحة العليا للشعب الفلسطيني ان كانت هذه المخرجات سيئة.
اما الحل لهذه المشاكل فيكون في الورقة التالية.
#مفيد_طاهر_جلغوم (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟