|
معاهدة بورتسموث ومعاهدة العراق الجديد
غفار عفراوي
الحوار المتمدن-العدد: 2347 - 2008 / 7 / 19 - 10:46
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
أبرمت معاهدة بورتسموث في السابع والعشرين من كانون الثاني 1948 ، فبعد الحرب العالمية الثانية وجدت بريطانيا نفسها في وضع جديد في الشرق الأوسط وأصبحت تابعة اقتصاديا للولايات المتحدة فكانت تفكر في علاقات خاصة مع الشرق الأوسط وخاصة العراق ، وفي تلك الفترة كانت الحكومة العراقية الضعيفة والمتحالفة مع بريطانيا تسعى إلى الحفاظ على علاقاتها المتميزة معها . عملت بريطانيا على إبرام معاهدة تضمن لها الكثير من الامتيازات في العراق والشرق والأوسط فعمدت بعد استقالة وزارة ارشد العمري إلى إسناد الوزارة الجديدة إلى نوري سعيد ليفتح الطريق أمام صالح جبر الشيعي الوحيد الذي تسلم وزارة في تلك الفترة ليقوم بتنفيذ السياسة المرسومة من قبلها . كانت الأهداف المرسومة لنوري من قبل الإدارة البريطانية هي الضمان المقدم لبقائه في الوزارة رغم المعارضة الشديدة لسياسته الداخلية في البلاد ومن بين تلك الأهداف القضاء على جميع معارضي الاحتلال البريطاني وتوجيه الضربات الشديدة إلى الحزب الشيوعي العراقي الذي وقف بقوة ضد المشاريع البريطانية . ولما لم يتقبل الشارع العراقي إبرام معاهدة مع المحتل ورفضت من قبل القوى والحركات السياسية والدينية طلبت بريطانيا من نوري سعيد تقديم استقالته وإيكال المهمة إلى صالح جبر لإيهام المرجعيات بالورقة الطائفية إلا أن ذلك لم ينجح أيضا بفضل حنكة المرجعية الدينية فقوبلت حكومة جبر بمعارضة شاملة من جميع الحركات الوطنية رغم الأساليب الشرسة التي استخدمت ضدهم من قبل الأجهزة القمعية التابعة للحكومة وتنفيذ حكم الإعدام بحق الضباط الأربعة الذين التحقوا بحركة البرزاني والحكم على قادة الحزب الشيوعي بالإعدام في الشهر ذاته واعتقال العديد من القادة السياسيين وإغلاق الصحف الوطنية وغيرها من اساليب الحكومات الجائرة. وفي تلك الظروف العصيبة التي عاشها الشعب ، شرعت حكومة صالح جبر بفتح باب المفاوضات مع بريطانيا لتعديل معاهدة 1930 التي طالما طالب الشعب بإلغائها -كما يطالب اليوم بإلغاء البند السابع- وحاولت الحكومة التعتيم على المعاهدة وإظهار الايجابي منها فقط إلا أن ذلك لم يمنع من انطلاق التظاهرات العديدة الرافضة لها ورغم ذلك دارت الحكومة ظهرها للجميع ووقعت المعاهدة في 15كانون الثاني في ميناء بورتسموث البريطاني وعلى البارجة البريطانية فكتوريا وكانت تنص على السماح للجيوش البريطانية بدخول العراق كلما اشتبكت في حرب مع الشرق الأوسط (إيران) وكذلك حتمت المعاهدة ان يمد العراق هذه الجيوش بكل التسهيلات والمساعدات في أراضيه ومياهه وأجوائه مما أثار مشاعر أبناء الشعب وجميع القوى الوطنية فقام طلاب الكليات والمعاهد بإضراب شامل استنكارا لتلك البنود المذلة ورافق ذلك تظاهرات صاخبة طافت شوارع بغداد متحدية قرار الحكومة بمنعها وحصلت مناوشات واشتباكات مع الشرطة سادت جميع محافظات البلد كانت فيها قصائد الجواهري تهز المشاعر الوطنية وتثير حماس المتظاهرين رغم قيام الوصي عبد الإله بطمأنة الشارع العراقي والقوى الوطنية ان تلك المعاهدة ليس فيها مساس (بالسيادة العراقية) لكن الشعب استمر بالتظاهر والمطالبة بإسقاط حكومة جبر الذي هدد بالقضاء على جميع (الخارجين عن القانون) ممن يقفون بوجه المعاهدة فقتل وجرح العديد من المتظاهرين من بينهم شقيق الشاعر الجواهري. رفض الجيش أمر صالح جبر بالدخول في معركة الشعب فقرر صالح ونوري الهرب من العراق وأعلن الوصي استقالة الحكومة وأسدل على فصول دامية من تاريخ الشعب العراقي . و اليوم وبعد ستين سنة على معاهدة الذل والخيانة تعلن الحكومة الإسلامية الشيعية المنتخبة عن ضرورة إبرام معاهدة مع القوات الأمريكية المحتلة للخروج من البند السابع وتحقيق السيادة الكاملة على ارض ومياه وأجواء العراق ! تشير مريم الريس إلى أن هناك بندا موقعا من قبل الحاكم المدني بول بريمر ينص على أن القوات الأمريكية تتمتع بالحصانة الكاملة حتى خروج آخر جندي من العراق أو تسليم السيادة بيد حكومة منتخبة والعجيب أن الحكومة والبرلمان لم يشرعا بنقض القرار رغم انه انتفى منذ أكثر من عامين وهذا البند يعتبر اخطر من البند السابع على حد تعبير الريس ! القوى الوطنية والمراجع الدينية واغلب أبناء الشعب يرفضون المعاهدة جملة وتفصيلا بسبب السياسات اللاانسانية واللاخلاقية التي مارسها الجيش الأمريكي والإدارة الأمريكية في العراق على مدى أكثر من خمس سنوات وعدم احترامها لحقوق الإنسان وإدخال العراق في معارك وتناحرات طائفية لم يكن للشعب فيها من يد . وتحاول الحكومة بعد أن رأت الرفض العارم للمعاهدة أن تذر الرماد في العيون وتطالب الجانب الأمريكي على لسان المفاوض العراقي بان يكون (للسيادة العراقية) مجال أوسع في المباحثات رغم ان بعض الأطراف المؤثرة في الحكومة صرحت بان المعاهدة ستوقع سواء رضي الشعب أم لا ! إيران العدو الأول لأمريكا من جانبها تقابل المعاهدة بالرفض أيضا خوفا على مصالحها في العراق والمالكي يزورها ليشرح الموقف من المعاهدة ويعود بأفكار جديدة ، المرشح الجمهوري مكين يصرح بأنه في حال فوزه في انتخابات الرئاسة فانه سيبقي القوات الأمريكية في العراق مائة عام في تجاهل واضح لما ستؤول إليه المفاوضات الجارية والمفاوض الأمريكي يذكّر الجانب العراقي بالدعم الكبير الذي من الممكن أن يقطع عن العراق وتجمّد الأرصدة العراقية في الخارج والمطالبة بكافة الديون المستحقة في حال فشل إبرام المعاهدة مما يدل على أن الفائدة الأكبر من المعاهدة تؤول للجانب الأمريكي وليس للعراق وشعبه كما يزعم الجانبان . وتتعالى الأصوات الرافضة للمعاهدة فيشكل مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري مجموعات خاصة لمقاتلة المحتل ويؤيد المرشد الديني للجمهورية الإيرانية آية الله الخامنئي كل مقاومة ضد الاحتلال الأمريكي والحكومة تحاول ما بوسعها لتجميل بعض بنود الاتفاقية والتركيز على الجوانب الاقتصادية منها مستغلة الحالة المتدهورة التي وصل إليها العراق في الاعمار والبطالة والفساد الإداري ولسان حال المواطن العراقي يقول لماذا لم يقم الأمريكان بالاعمار أو القضاء على الفساد في الفترة الماضية وهل التوقيع هو الذي سيساعد على إعادة الكهرباء وتحلية ماء الشرب وتعيين الخريجين والقبض على المفسدين والسراق والمرتشين ام ان كل ذلك هو تحضير لإبرام مثل تلك المعاهدات . وفي آخر تطور من نوعه حول الاتفاقية صرح المالكي من ابو ظبي بعد لقاءه بالسفراء العرب انه قد تم تعديل الاتفاقية وسيكون التوجه الحالي هو التوصل إلى مذكرة تفاهم إما لجلاء القوات أو مذكرة تفاهم لجدولة انسحابها وبسرعة اتسمت ردود الفعل الأمريكية السريعة على تصريح المالكي بإبداء التحفظ،خصوصا بعد صرح ناطق رسمي باسم تيار الصدر أن التيار سيقف إلى جانب حكومة المالكي في خططه هذه رغم ان التيار لم يخرج بعد من آثار الحملة العسكرية والأمنية التي قادها المالكي ضد أتباعه والتي أسفرت عن مصرع العديد من مريديه واعتقال المئات الآخرين منهم . والسؤال المحير هنا : هل انقلب المالكي ضد أميركا حقا أم هي لعبة انتخابية كما صرح بذلك أكثر من محلل سياسي وصحيفة عالمية ، وهل سيستسلم الأمريكان لإرادته وينفذوا طلب الحكومة بالجلاء أو تحديد الموعد الذي ينتظره العراقيون بفارغ الصبر أم ان السيناريو الذي توقعه الكاتب صائب خليل في مقاله(المالكي وسيناريو السادات) حول مصير المالكي سيكون هو النافذ وهل استطاع المالكي أن يقنع شركاء العملية السياسية الذين لا يرغبون برحيل القوات الأميركية من البلاد خصوصا الأكراد وطارق الهاشمي .. الشعب العراقي بانتظار أجوبة وهذه الأجوبة ستكون جدا خطيرة في كلا الاتجاهين اللهم أحفظ العراق والعراقيين غفار عفراوي(العراقي سابقا) كاتب وإعلامي [email protected]
#غفار_عفراوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بعد حرمانها حتى من مقر يؤويها نقابة الفنانين في الناصرية تشك
...
المزيد.....
-
-لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د
...
-
كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
-
بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه
...
-
هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
-
أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال
...
-
السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا
...
-
-يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على
...
-
نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
-
مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
-
نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|