|
العفيف الأخضر المفكر العقلاني المتغيّر
شاكر النابلسي
الحوار المتمدن-العدد: 2347 - 2008 / 7 / 19 - 10:50
المحور:
سيرة ذاتية
-1-
يُعرّف الأخضر نفسه بأنه مفكر عقلاني وحداثي.
عقلاني بالمعنى الفلسفي. ويضع نفسه ضمن تيار العقل النقدي الذي يضع كل فكرة موضوع المساءلة بحيث تعطي البرهان على شرعيتها العقلانية.
وحداثي، لأنه لا يرى مستقبلاً للعالم العربي خارج تبني القيم الحداثية الكونية، مثل الديمقراطية، وحقوق الإنسان، وحق الفرد في المواطنة، والاستقلال النسبي المتمثل بحقه في اختيار قيمه المختلفة عن قيم المجتمع، إلى جانب المساواة بين الجنسين.
وما زال الأخضر في الوقت نفسه منتمياً إلى روح الماركسية كما يفهمها، ولا يؤمن بالنصوص. فماركس لم يكن قديساً كما قال (مجلة "الأهرام العربي" القاهرة، عدد 273).
ووجهة نظر الأخضر في الماركسية مهمة، لأنها تعتبر أن نقد الدين هو أساس كل نقد. وأنه من مفارقات تاريخنا الحديث أن هذا الشرق الذي ولد فيه الدين لم يلد فيه في تاريخه الحديث نقد الدين (في مقدمته لكتاب لينين: نصوص حول الموقف من الدين، ص 6، دار الطليعة، بيروت، 1978). وأن لا طريق إلى الحداثة إلا بمحاربة الكهنة بفلسفة الأنوار. وأن أوروبا لم تدخل ميدان الحداثة إلا عندما نقدت الدين، وتبنّت فلسفة الأنوار. كما تتلخص نظرة الأخضر إلى الماركسية في أن قمة القيم في العصور الوسطى كان الله، ولا شيء غيره. وأن الإنسان الصالح الخيّر هو الإنسان المؤمن بالله والملتزم بوصاياها. وفي المجتمع الرأسمالي، وفي مجتمع الحداثة جاء المفكرون وعلى رأسهم نيتشه، ونادوا بموت الإله. واستُبدلت قمة القيم التي كانت سائدة في العصور الوسطى بالمال. ووجهة نظر الأخضر، هي أنه يحلم في عالم مختلف عن عالم القرون الوسطى ومختلف عن العالم الرأسمالي، وهو أن يكون الإنسان هو قمة القيم.
-2-
إن أهمية العفيف الأخضر كمفكر تكمن في أنه ليس معارضاً وليس موالياً، وإنما هو مفكر نقدي بالمعنى الفلسفي. أي أنه يتفحص القضايا المطروحة عليه بموضوعية لمعرفة سياقاتها ورهاناتها لتنـزيلها في سياقها التاريخي، ضمن الاتجاه أو الاتجاه المضاد. فالاتجاه التاريخي اليوم بالنسبة للعفيف الأخضر هو تحديث الحداثة، وبالنسبة للفضاء العربي – الإسلامي تحديداً، هو الاندماج في العالم الحديث سياسياً واقتصادياً وثقافياً لتبني القيم الحديثة والكونية، بدلاً من قيمه التقليدية والخصوصية. ولا يسعه إذا كان منطقياً مع حداثته أن ينحاز للاتجاه المضاد المنادي بالنكوص إلى ما قبل الحداثة، سواء إلى البُنى والقيم الإقطاعية في الغرب كما هي حال أقصى اليمين الغربي. فالفاشية والنازية والستالينية كانت دعوات للعودة إلى الإقطاع في حالة الفاشية والنازية، وإلى الاستبداد الشرقي في حالة الستالينية. أو إلى النكوص إلى القيم وأشكال الحكم القروسطية كما في حالة الأصولية الإسلامية التي تريد العودة إلى "دولة المدينة"، وإلى الخلافة الإسلامية.
-3-
يعتبر العفيف الأخضر مفكراً متغيراً، ومتطوراً. وهو من يراجع أفكاره من حين لآخر، ويتخلى بكل شجاعة وإقدام عما أصبح من الماضي ومن سقط المتاع. فهو يؤمن إيماناً راسخاً بالفكر المتغير، ويقول أن الحجر هو الذي لا يتغير.
ولقد شهدت مسيرة الأخضر الفكرية عدة "مراجعات" اعتبرها البعض "تراجعات"، وتغيّر في المواقف. وهذا في عُرف الثقافة العربية التقليدية من الأخطاء الفادحة وجريمة يرتكبها المثقف في حق نفسه وفكره. ولكن الأخضر يقول "إن الحجر وحده هو الذي لا يتغير". وتاريخ الأفكار يشهد على مدى تغير الأفكار وتطورها. وأن الإنسان الذي يتغير هو إنسان ديناميكي، يحاول أن يتكيف مع العالم المتغير. فالأخضر يصف نفسه بأنه ليس نرجسياً إلى حد الادعاء بأن قناعته هي الحق. وهو على استعداد لأن يغير قناعاته كلما اتضح له بأنها خاطئة. فهو يعترف بأنه يتغير دائماً. (العفيف الأخضر، الواقعية تفترض قبول التطبيع ومن باب الحمق رفضه، لقاء مع مجلة "الحقائق"، 23/8/2000). فقد كتب الأخضر في العام 1973 كتاب "التنظيم الثوري الحديث" قال فيه إن ما كتبه في العام 1971 عن "كيمونة باريس" كان خاطئاً.
ويعترف الأخضر، بأنه أخطأ عندما ظن سنة 1979 أن انتصار الأصولية في إيران كان تدشيناً للعودة بالعالم الإسلامي إلى القرون الوسطي. ويقول: والحال أني لو كنت منطقياً مع نفسي بما فيه الكفاية لاعتبرتها خطوة حاسمة لتجاوز الإسلام التقليدي والأصولي للانتقال إلى الحداثة تطبيقاً لمبدأ فلسفة التاريخ الهيجلية "التجاوز شرط التحقيق".
فالإنسان ليس كائناً ميتافيزيقياً كما كان عليه عرّاف القبيلة، وكما تصوره المؤسسات الدينية والقومية، ولكن الإنسان كائن تاريخي. والفكر في عُرف المؤسسات الدينية هو العقيدة، وهو ضرب من ضروب الإيمان. ومن هنا كان تغيير الفكر في عُرف المؤسسات الدينية مرادفاً لتغيير الدين. وتغيير الدين هو الرِدة، وحدّه القتل. كذلك تغيير الأفكار الذي يعتبر عاراً كبيراً. ويعتبر الأخضر أن الإنسان الذي لا يغير فكرة من حقبة لأخرى هو إنسان لا فكر له، أو أن فكره مزيف، لا معنى له. ويصبح مجرد عقيدة ثابتة عابرة للتاريخ. ويصبح فكراً يجتر ذاته، كما هو الحال في الفكر الديني الذي يؤكد دائماً بأن السلف الصالح قد قالوا في كل شيء ولم يبقَ للأواخر من شيء يفكرون به أو يقولونه (لم يترك الأوائل للأواخر شيئاً)، و (ما أغلقه السلف لا يفتحه الخلف) وما علينا إلا أن نجتر، ونتغرغر، ونردد، ونطبّق ما جاءوا به، ولا نأتي بالجديد، لأن "كل جديد بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار"، كما يقول الحديث النبوي.
إن من واجب المفكرين الليبراليين، العمل على تدمير هذه الأسطورة، اسطورة الثبات في الفكر وعدم تغييره مهما تغيرت الأحداث والوقائع والمعطيات. إن الفكر الحقيقي لا بُدَّ له أن يتغير. فالإنسان في تعلُّم مستمر، وهو بالتالي في تغيّر مستمر. ثم ما جدوى التاريخ إذ لم نتعلم منه دروس الماضي ونتغير طبقاً لذلك؟
فالإنسان حسب نظرية التطور الحديثة لديه ثلاثة أطوار من الأدمغة. الدماغ الأول وهو الدماغ البدائي الغريزي. والدماغ الثاني هو الدماغ الانفعالي. وفي هذين الدماغين يشارك الإنسان الحيوان. والدماغ الانفعالي أزلي لا يتغير، فاللاشعور الإنساني الحالي هو لا شعور الإنسان البدائي منذ ملايين السنين، فهو ثابت وتاريخي كما يقول فرويد. أما الدماغ الثالث فهو الدماغ المعرفي أو العقل وهو الذي يميز الإنسان عن الحيوان. والدماغ المعرفي أو العقل مكتسب عبر التجارب التي نخوضها في الحياة وعبر الدروس التي نأخذها من هذه التجارب، وبالتالي فإن العقل ليس غريزياً. ومن هنا فهو خاضع للتطور والتغير. فالفكر الإنساني خاضع لمستجدات التاريخ ومتغيرات الزمان والمكان. فالإمام الشافعي (767-820) على سبيل المثال، كان له فقه خاص عندما كان في بغداد، وعندما انتقل إلى القاهرة (815-820) غيّر بعض أفكاره خلال خمس سنوات من إقامته في القاهرة واكتسب فقهاً جديداً.
#شاكر_النابلسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رسالة أمريكية واضحة للشعب العراقي
-
هزيمة الإرهاب وانتصار حرية الشعب العراقي
-
العراق بين المطرقة الإيرانية والسندان الأمريكي
-
لماذا كل هذا الفزع من الاتفاقية الأمريكية - العراقية؟
-
أوباما الصهيوني: مسؤولية مَنْ؟
-
ذكرى هزيمة لم نتعلم منها شيئاً
-
ما هو الدور الأمريكي المطلوب في الشرق الأوسط؟
-
لبنان أكثر حاجة من سوريا إلى السلام مع إسرائيل
-
-المهدي المنتظر- و-الهلوسات- الإيرانية
-
كيف حكم حزب الله لبنان في -أسبوع الاجتياح-؟
-
الخاسرون والرابحون في الشرق الأوسط
-
ما الجديد في حريق لبنان؟
-
ما هي أسباب انتشار الإيديولوجيات الدينية المتطرفة؟
-
الديمقراطية العربية بين الوهم والحقيقة
-
نجود وعائشة: فعلٌ واحدٌ وردُ فعل مختلف
-
هل سيقود الغلاء إلى حرب عالمية ضد الأغنياء ؟
-
ما هي عوائق السلام في الشرق الأوسط؟
-
الإعلام العراقي بين مطرقة الطائفية وسندان الإرهاب
-
الهولوكوست الكُردي وأزمة الضمير
-
-حرب الأفيون- بين إسرائيل و-حزب الله-!
المزيد.....
-
ماذا قالت أمريكا عن مقتل الجنرال الروسي المسؤول عن-الحماية ا
...
-
أول رد فعل لوزارة الدفاع الروسية على مقتل قائد قوات الحماية
...
-
مصدران يكشفان لـCNN عن زيارة لمدير CIA إلى قطر بشأن المفاوضا
...
-
مباشر: مجلس الأمن يدعو إلى عملية سياسية شاملة في سوريا بعد ف
...
-
الإدارة الأمريكية توضح جهودها لـ-تهدئة التوترات- بين تركيا و
...
-
عائلات فلسطينية ترفع دعوى على الخارجية الأمريكية بسبب دعمها
...
-
نهاية أسطورة الاستبداد في المنطقة
-
-ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني
...
-
-200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب
...
-
وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا
...
المزيد.....
-
سيرة القيد والقلم
/ نبهان خريشة
-
سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن
/ خطاب عمران الضامن
-
على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم
/ سعيد العليمى
-
الجاسوسية بنكهة مغربية
/ جدو جبريل
-
رواية سيدي قنصل بابل
/ نبيل نوري لگزار موحان
-
الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة
/ أيمن زهري
-
يوميات الحرب والحب والخوف
/ حسين علي الحمداني
-
ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية
/ جورج كتن
-
بصراحة.. لا غير..
/ وديع العبيدي
-
تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|