أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ضمد كاظم وسمي - صيرورة الفكر .. وتفكيك الانسان















المزيد.....

صيرورة الفكر .. وتفكيك الانسان


ضمد كاظم وسمي

الحوار المتمدن-العدد: 2347 - 2008 / 7 / 19 - 09:02
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


للنظر الى أبعاد معينة بغية فهمها يتطلب الأمر مقاربتها من منظور مقارن يبلور رؤانا المركبة عندما يتم تشغيل هذا المنظور لإستدعاء علائق المعنى في إطار النظرة النقدية وجدليتها المصوبة نحو التضاد والإختلاف ذلك (( فإن المعاني يمكن أن تفهم على نحو وافٍ فقط في ضوء الإشارة الى التضادات والإختلافات المحددة التي تزيح المعاني المرتبطة بها )) .. ولكي نستحضر ما بعد الإنسان لابد من إستجلاء مفهوم ما بعد الحداثة في سياق التجاذبات النقدية مع إطروحة الحداثة وما قبل الحداثة من تطورات فكرية أسست في ما بعد لما وصلت اليه الموجة العولمية من آلية فكرية في العالم مع دينامية إجتماعية في العالم الغربي ..
يمكن القول أن الكائن الإنساني كان محكوماً ومحدداً بالفكر اللاهوتي الذي يركز على الحياة الأخروية ، ويشل من إرادة الإنسان بوصمه بالإثم والذي يتطلب منه صرف كل همه في سبيل التطهر إنتظاراً ليوم الدينونة لمحاسبته على عمله الدنيوي المدنس .. ثم حكم الإنسان بالفكر الماورائي الذي يرى أن وجوده وأفعاله مخلوقة له من قبل القوى القصوى على حد وصف أرسطو أي قوى خارجة عن إرادة الإنسان وإمكاناته .
بعد ذلك ومع بزوغ عصر النهضة الأوربية والتطورات التاريخية الكبرى حل الفكر الحداثي الذي يبنى على أساس أن الإنسان جوهر فكري هو عين ذاته .. يفكر بعقله المستقل ، له وعيه الناضج ويمارس سلطته على الطبيعة والأشياء بملئ إرادته ومطلق حريته . وقد ترافق المد الحداثي مع نشوء العلمانية التي إرتبطت بظهور البرجوازية حيث حررت الإنسان من هيمنة الكنيسة ، فالعلمانية هي : (( الإيمان بإمكانية إصلاح حال الإنسان من خلال الطرق المادية دون التصدي لقضية الإيمان سواء بالقبول أو الرفض )) حسب تعريف جون هوليوك ( 1817 – 1906 ) ، حيث نما الفكر البراغماتي الذي هدف أولاً الى تعظيم الإنتاج كهدف لوجود الإنسان الذي إنتهى الى موجات إستعمارية في الخارج وقيام الدول القومية في الداخل مبتناها الفصل بين العلم والأخلاق .. وفي مرحلة لاحقة أعتبر الإستهلاك هو الهدف النهائي لوجود الإنسان فيما لاح في الأفق من أن آلية السوق (( الخالية من القيم )) صارت تهدد سيادة الدولة القومية وكذلك تهددها مشكلات تفكيكية (( مثل ظهور النزعات الأثنية )) فيما تم إستبدال النموذج الإستعماري العسكري بنماذج أخرى كالإستعمار الإقتصادي والثقافي .. الخ . لقد أجاد هيجل عندما أرجع ولادة الحداثة الى الفيلسوف الفرنسي ديكارت الذي أسس مفهوم الكوجيتو : (( أنا أفكر، إذن انا موجود )) ، ذلك أن الحداثة كانت قد بنيت على أساس الأنسنة والعقل (( لأن الحداثة الأوربية تأكيد للذات الإنسانية وثقة في قدراتها على إنتاج الحقيقة وتفسير الكون ووضع نظم الحياة )) .. وبعد فترة الإنبهار بالعقل الإنساني التي أعقبت ديكارت والمبالغة في قدراته المعرفية والثقة المطلقة فيما عرف ﺒـ (( الخرافة العلمية )) وما أعقبها من ثورة صناعية / تكنولوجية .. ما لبث أن أعاد الفكر الغربي من خلال صيرورات الحداثة وتهويماتها ، أعاد النظر في وثوقية العقل من خلال دراسة آلية التفكير وحدود إشتغاله (( لقد أرهق الإنسان من جراء عبادة الأصول والنماذج والنصوص ، وما يحتاج اليه هو الخروج من عصور القداسة ، القديمة والحديثة ، التي أوصلت الى هذه النهايات الحافلة بفضائحها والحارقة بعنفها وتوحشها )) .. حيث جاء كانط في القرن الثامن عشر يحمل أزميلاً لنقد العقل ، وفي القرن التاسع عشر ظهر ماركس وغيره .. صاباً جام نقده على المجتمع الصناعي الصارخ الطبقية كاشفاً عن إختلالاته الإنسانية الكبيرة .
مع بداية القرن العشرين ، بعد ما إتضح أن ما أنجزته الحداثة من إطاحة بالمرجعية الميتافزيقية لتقيم بدلاً عنها مرجعية العقل (( بوصفه مرجعاً أحادياً للحقيقة الفلسفية ومنبع التنظير للنظم السياسية )) ، فضلاً عن أن مرجعية العقل هذه لم تحقق للبشرية مطالبه في العدل والتحرر ، رغم إنجازاتها العظيمة .. لذلك كله كان لابد من مراجعة نقدية معمقة لثوابت الحداثة وأقانيمها وخاصةً (( الأنسنة )) .. وهكذا ولد مشروع ما بعد الحداثة بوصفه نقداً للحداثة ونفياً للذات الإنسانية ونقضاً لأحاديّتها العقلية ، وبذلك خلصت ما بعد الحداثة الى (( محاولة لتفكيك الأشكال السائدة ، القديمة والحديثة ، ذات الجذر الديني واللاهوتي ، أو ذات المنشأ العلماني والناسوتي ، وذلك من أجل فهم مأزق المذاهب الأنسية والكشف عن فضائح المشاريع التحررية التي يجسدها الدعاة والمثقفون أكانوا تقليديين أم حداثيين )) على حد تعبير المفكر علي حرب .
وقد رافق ذلك تبدل في الأولويات في المجتمعات الغربية .. إذ مع إشتداد هيمنة الفكر النفعي الذي يوجه المد العولمي من خلال تضخم الشركات متعددة الجنسيات .. صار الإستهلاك الهدف النهائي للوجود ومحركه اللذة الخاصة .. بالإضافة الى ظهور إهتمامات جديدة مثل قضايا البيئة ، والإصلاح السياسي المفروض من الخارج .. أن ما بعد الحداثة .. يمكن النظر اليها من الزاوية التاريخية لتدل على تحولات شهدتها المجتمعات الغربية منذ النصف الثاني من القرن العشرين ، كثورة المعلومات والإعلام ، والإستنساخ والتعامل مع الجينوم البشري .. الخ .
أما من زاويتها الفكرية فتمثل (( مجموع الإنتقادات التي وجهت الى الحداثة كبنية فكرية وكنظام فكري مغلق .. أي نقد أساطير الحداثة .. بإرتكازها على العقل وتمجيدها المطلق للإنسان وتصنيمها للتاريخ وللحتمية التاريخية وإنكارها للمتخيل والرمزي )) كما يقول المفكر د. محمد سبيلا .
إن إعتبار مفاهيم كالشعور والعقل والحرية دلالات مطابقة لحقيقة الذات الإنسانية بحسب الفكر الحداثي ، أمر يرفضه الفكر ما بعد الحداثي ، إذ يذهب سغموند فرويد الى إلغاء الكائن الإنساني على أساس تلك المفاهيم ليجعله محكوماً بمحددات لاشعورية ، مثلما فعلت الماركسية عندما أعتبرت العامل الإقتصادي عاملاً محدداً وموجهاً للإنسان .. (( الماركسية بهذا المعنى إمتداد نقدي للحداثة الغربية )) . إن ما بعد الحداثة تطرح إن الإنسان يخضع في سلوكه وتفكيره لشروط خارجة عنه (( وفي هذا السياق يقول التوسير محدداً التاريخ بكونه ( عملية بدون ذات ) ، أي ثمة بنية من الشروط والمحددات المادية هي التي تتحكم في توجيه حركة التاريخ وتعيين إتجاهه ، وهي بنية خارجة عن إرادة الإنسان ! )) كما يقول د. الطيب بو عزة .
يمكن إلتماس أهم تجليات ما بعد الحداثة في تغييب ونفي الإنسان من خلال (( تذويبه في بنيات شارطة ومتحكمة فيه ، سواء أكانت بنيات نفسية أو إقتصادية )) أو على مستوى النظريات الجمالية كدعوة – موت المؤلف – كما هو الحال مع نظرية النص التي قدمها رولان بارت . فقد رأى بارت بأن المؤلف ينتهي الى بنية لغوية تشكل النص .. مما يعني إختفاء المبدع وظهور القاريء الفاعل الذي يمسك بالنص تأويلاً ورؤى .. وعليه فأن أنظمة النص ستشتغل بعيداً عن قيود ( الناص ) . يمكن القول أن نظرية (( موت المؤلف )) عند بارت نمت من المقولة الفلسفية (( موت الإنسان )) والتي بدورها نجمت عن نظرية نيتشه الشهيرة : (( موت الإله )) .. إن هذه النهايات تعكس فكرة أساسية تتمثل في غياب الفاعل الحاسم من جهة وسيادة السيرورات والصيرورات من جهة ثانية .. كما إن مصطلح ما بعد الإنسان لايفهم (( هنا بالمعنى البيولوجي ، بل بالمعنى الأنطولوجي ، أي لايشير الى كائن من نوع جديد ، بقدر ما يشير الى شكل إنسي جديد )) .. هذا الشكل الجديد للإنسان يصبو لتجاوز الأشكال الأنسنية السابقة سواء أكانت حداثية أم قديمة لأنها أستنفدت إمكانياتها من خلال مهامها الزائلة سواء أكانت مهام إلهية أم رسولية أم إنقاذية أم متعالية ... الخ لأن مهمة الإنسان الجديد هي مهمة وسطية كما يصفها علي حرب .. يمكنه من خلال هذه المهمة التعامل مع نفسه وغيره والواقع والطبيعة بوصفه جزءاً من موجوداتها من أجل التغيير فكراً وعملاً سواء بخلق الفرص أم بتجديد الوسائل أم بإبتكار المهام ، عبر تفكيك الأنسنة المستنفدة .. وتهشيم أصنام العقائد وفك أسر الهويات والتحرر من إستعمار الأصول والنماذج ، وتكسير القوالب . فالإنسان الجديد (( يقف على التخوم ويقيم على المفترقات ، ويتردد بين المواقف والخيارات ، أي بين مروحة الإمكانات . والإمكانات تتضاعف اليوم ، بشكل لاسابق له ، مع التطور المذهل والخارق ، في تقنيات الإتصال ومنظومات الأرقام التي تتيح للإنسان ، عبر لعبة الأعداد المفتوحة على التشكيلات اللامتناهية ، خلق عوالم إفتراضية ، باتت شرطاً لممارسة الوجود على سبيل الفاعلية والراهنية )) .



#ضمد_كاظم_وسمي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طيف الاصيل
- امريكا .. ولغة الرمال
- الوجودية .. واشكالية الماهية
- مقاربة الدين والعلم
- رواتب الموظفين
- فشل السياسة الخارجية للنظام العربي
- المكافأة
- نقد العقل السياسي العربي / النظام العربي : بين الدولة الامني ...
- لغة الحضارة
- الاسئلة الصادمة
- وجل الاحلام
- ازمة المثقف .. الاصولية المؤدلجة .. الخانق السياسي .. الذات ...
- عالم المرأة
- الاختلاف بين التنميط العولمي والاقصاء القومي
- العولمة النيوليبرالية
- الحداثة .. واشكالية الخصوصية
- اورهان باموك : ظل الذكريات وتكامل الحضارات
- نقد العقل العربي / النخب الفاعلة والاحادية الفكرية
- السياسة الامريكية وتقسيم العراق
- نقد الفكر العربي/المشروع النهضوي اعادة تشكيل الوعي العربي


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ضمد كاظم وسمي - صيرورة الفكر .. وتفكيك الانسان