|
شبح الانسحاب الأميركي من العراق!
عبد الحسين شعبان
الحوار المتمدن-العدد: 2347 - 2008 / 7 / 19 - 10:49
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
انتظر البنتاغون (وزارة الدفاع الأميركية) طويلاً ليعترف مؤخراً بأن العنف الطائفي في العراق تحوّل إلى حرب أهلية (2007)، ورغم الحديث اليوم عن تحسّن الوضع الأمني نسبياً، فإن هذا التحسن لا يبدو مستقراً. فقد اخترق في البصرة والناصرية ومدينة الثورة (الصدر) في بغداد وديالي ومؤخراً في العمارة، وقد تطول القائمة ومحافظات أخرى، ولا ندري كيف سيتم التعامل مع حالات مماثلة، فالحسم العسكري كما تبيّن الأحداث قد لا يكون الطريقة المثلى لتحسين الأوضاع الأمنية والسياسية، ما لم يصاحبه توجه سياسي يقوم على أساس توفير مستلزمات سليمة للانتقال إلى الصراع السلمي بدلاً من الصراع المسلح، وهذا يحتاج أولاً وقبل كل شيء إلى نزع سلاح الميليشيات بصورة كاملة من المحسوبة منها على الدولة (لواء بدر) وجماعة الصدر، إلى حدود معينة رغم أن خطابهم معارض، أو على أتباعها (جماعة الصحوات) واحتكار السلاح من جانب المؤسسات العسكرية والأمنية التابعة للدولة، لا سيما بعد التوصل إلى تحقيق مصالحة وطنية حقيقية في ظل جدول زمني لإنهاء الاحتلال. ومثل هذا الاعتراف، سواء القائم على معطيات أميركية بوجود حرب أهلية أو عكسها «تحسن الوضع الأمني»، لا تشكل مصالحة بين السياسة والواقع، لا سيما للرأي العام الأميركي، فما زال الرئيس بوش يصرّ على أن سياسته في العراق كانت صائبة وأن العراق يسير في الطريق الصحيحة رغم المصاعب والعقبات، لكنه تمكّن من التخلّص من نظام الرئيس السابق صدام حسين وأجرى انتخابات طبقاً لدستور دائم تم الاستفتاء عليه وفي ظل توافق وطني نسبي، رغم أن المصالحة الوطنية لم تتحقق، فإن العراق ينوي التوقيع على معاهدة مع واشنطن للتخلص من الفصل السابع الخاص بالعقوبات من ميثاق الأمم المتحدة والشيء بالشيء يُذكر إذ إن الرئيس العراقي جلال الطالباني، والي المعاهدة الأميركية- العراقية، يطالب ببناء قواعد عسكرية أميركية ويقول إن العراق بحاجة إليها وإلى المعاهدة الأميركية- العراقية لمنع تهديدات دول الجوار (خلال مقابلته مع ماكين المرشح الأميركي للرئاسة من الحزب الجمهوري). باختصار، إن الرئيس بوش لا يريد الاعتراف على عكس البنتاغون، بأن انسحاباً منظماً يمكن أن ينقذ قواته من المأزق التي هي فيه ومن الورطة التي وقع فيها. ولا يفكر الرئيس بوش في أن الانسحاب قد يكون أكثر الحلول ملاءمة لتحقيق السلام الحقيقي في العراق، أو أحد أقل الحلول مأساوية، خصوصاً وأن استمرار الوضع كما هو عليه يعني أن وجهة الصراع الغالبة ستبقى مسلحة في الواقع وستكون بين دولة محتلة وشعب محتلة أراضيه، في حين أن الانسحاب سيحوّل الصراع إلى منافسة على السلطة بين فرقاء عراقيين في داخل العراق، وهو بلا أدنى شك صراع سياسي ولا يمكن طبعه بطابع ديني أو طائفي، حتى وإن رغب أمراء الطوائف. وهنا يمكننا استبعاد تنظيم القاعدة من معادلة الصراع السياسي، حيث سيبقى المتصارعون يمثلون كتلاً سياسية متداخلة حيث لا يستطيع أحد ادعاء تمثيل الشيعة أو تمثيل السنة، وباستثناء الحركة الكردية التي تكوّنت قياداتها تاريخياً وعاشت مرحلة التناحر الإلغائي بين 1994-1998، فإن الأطراف الطائفية لا تزال في لبّة الصراع حالياً سواء كان صراعاً شيعياً- شيعياً بين جماعة مقتدى الصدر ولواء بدر أو مسلحين تابعين للحكومة التي يتزعمها حزب الدعوة أو جماعة حزب الفضيلة، أو صراعاً سنياً- سنياً بين الحزب الإسلامي وجماعة الصحوات أو مع تنظيمات القاعدة أو بين مسلحين آخرين، ولعل هذا الصراع هو صراع على النفوذ والسلطة وقد ينتهي على طريقة المصارعة الرومانية، بحيث يموت أحد الطرفين ويصل الطرف الثاني إلى الإنهاك حد الموت. وإذا ما انحسر نفوذ القيادات والجماعات الطائفية بحكم احترابها من جهة وبحكم فشلها السياسي من جهة ثانية واقترن الأمر ببدء انسحاب القوات الأميركية من العراق في إطار جدول زمني، فإن الصراع السياسي سيتخذ شكلاً جديداً لا سيما بعد انتهاء الحرب الأهلية، حيث لا يوجد كهنوت أو فاتيكان في الإسلام، كما لا يوجد زعيم واحد للسنة كمرجعية أو للشيعة، حيث إن المرجع الديني للشيعة مهما عظمت مكانته وعلت منزلته لا يمكنه ادعاء تمثيلهم لأن المرجعية تعددية، ولا يمكن اختزالها بأحد المراجع، الأمر الذي يطرح على بساط البحث تطور الصراع ما بعد سيناريو أو شبح الانسحاب الأميركي المنظم من العراق، واحتمال قيام الأمم المتحدة مع تعاون دولي لإملاء الفراغ والإتيان بحكومة تكنوقراط مستقلة لفترة محددة متناظرة مع الانسحاب ومتزامنة مع عمليّة سياسية من نوع مختلف. لكن موضوع الانسحاب يثير تداعيات مختلفة، فمن جهة هناك من يربطه بانخفاض موجة العنف، ومن جهة أخرى هناك من يتشبث ببقاء قواعد عسكرية في إطار معاهدة أمنية وعسكرية وسياسية واقتصادية تسهم في تنظيم العلاقات بين واشنطن وبغداد وتشكل ضمانة ضد التدخلات الخارجية أو احتمالات قيام انقلابات عسكرية داخلية وبهدف حماية النظام السياسي القائم. ولا شك أن ربط الانسحاب بانخفاض نسبة العنف يعني فيما يعنيه عدم تحديد سقف زمني لإنهاء الاحتلال طالما أن التراجع في موجات العنف أمر نسبي، فليس بإمكان أحد (الرئيس الأميركي بوش أو رئيس الوزراء البريطاني براون أو حتى الرئيس الإيراني نجاد) تأكيد أو نفي أن تحسناً ملموساً قد حصل حتى الآن لا سيما وأن بعض الأمور لا تزال تراوح مكانها وأن بعض الخسائر البشرية مستمرة. أما التشبث بحماية النظام من أي خطر خارجي أو داخلي فهو الآخر أمر نسبي، وضمانة أي نظام هي التسلّح بشعبه وثقته به وبقدرته على مواجهة المخاطر والتحديات التي تواجهه وأي دعم خارجي سيكون عاملاً مساعداً إذا افترضنا مثل هذا الدعم خارج دائرة الاحتلال وظروف عدم التكافؤ وعيوب الرضا كالإكراه والتدليس والغش التي تفسد استقلال الإرادة حسب اتفاقية فيينا لعام 1967 حول قانون المعاهدات، وبالتالي ستكون معاهدة بين طرفين أحدهما قوي غاز والآخر مغزوّ. قد تكون ظروف الانسحاب هي التي تمهد الأرضية لانخفاض موجة العنف، لكن الانسحاب قبل توقف العنف قد تنظر إليه واشنطن باعتباره هزيمة أو فشلاً في تحقيق مشروعها التي قامت بغزو العراق واحتلاله من أجله. ولهذا السبب فإن واشنطن تراهن على الانتصار وليس الهزيمة، وهذا هو خيارها الذي لا تزال متشبثة به رغم كونه خياراً مكلفاً، وكذا إذا كان انسحابها مدروساً ومنفذاً بطريقة حاذقة وفي إطار تعاون دولي ومساندة إقليمية بما فيها تعهدات من إيران بعدم التدخل مقابل الانسحاب وبضمان عربي وإقليمي بإعادة الإعمال من جانب دول الجوار: تركيا والمملكة العربية السعودية، والأردن وبمشاركة مصر ودولة الإمارات وفي ظل اعتراف دولي سيكون الطريق الأسلم والأكثر ضماناً لا سيما لسمعة الولايات المتحدة التي تدحرجت على الأرض على المستوى الدولي، ولعل هذا الخيار قد لا يكون بعيداً (2009) لو فاز الحزب الديمقراطي ومرشحه أوباما.
#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شارل مالك الكبير ولبنان الصغير
-
بوش وحصاد الشرق الأوسط!
-
في دلالات الحوار الكندي - الإسلامي: فكرة الهوية والخصوصية!
-
المنفى والهوية والحنين إلى الأوطان
-
جيفارا والحلم الغامض
-
التويجري الكبير والحقيقة الخرساء
-
النمو الاقتصادي والتنمية الإنسانية: تأصيل المفاهيم!
-
قمّة روما والأمن الغذائي
-
المعاهدة العراقية-الأميركية: هل التاريخ مراوغ؟
-
ماذا بعد وثيقة الإعلام العربية؟!
-
مفارقات العدالة الدولية
-
أزمة الرهن العقاري الأميركي... ما انعكاساتها على العالم العر
...
-
مهنة الدبلوماسية!
-
حرية التعبير وتحديات الإصلاح والديمقراطية
-
الإعلان العربي للمواطنة
-
الصمت الآثم: «المبشرون» وغسل الأدمغة!
-
حقوق الإنسان: الهاتف الغيبي!!
-
الجولان والوساطة التركية
-
حقوق الإنسان: اعتذار أم حالة إنكار؟
-
الأمم المتحدة والضحايا الصامتون!
المزيد.....
-
صدق أو لا تصدق.. العثور على زعيم -كارتيل- مكسيكي وكيف يعيش ب
...
-
لفهم خطورة الأمر.. إليكم عدد الرؤوس النووية الروسية الممكن ح
...
-
الشرطة تنفذ تفجيراً متحكما به خارج السفارة الأمريكية في لندن
...
-
المليارديريان إيلون ماسك وجيف بيزوس يتنازعان علنًا بشأن ترام
...
-
كرملين روستوف.. تحفة معمارية روسية من قصص الخيال! (صور)
-
إيران تنوي تشغيل أجهزة طرد مركزي جديدة رداً على انتقادات لوك
...
-
العراق.. توجيه عاجل بإخلاء بناية حكومية في البصرة بعد العثور
...
-
الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا استعدادا لضرب منطقة جديدة في ضا
...
-
-أحسن رد من بوتين على تعنّت الغرب-.. صدى صاروخ -أوريشنيك- يص
...
-
درونات -تشيرنيكا-2- الروسية تثبت جدارتها في المعارك
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|