|
المفهوم المادي للتاريخ: هل هو بديل لدراسة الواقع والتاريخ السوداني؟
تاج السر عثمان
الحوار المتمدن-العدد: 2346 - 2008 / 7 / 18 - 11:02
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
دراسة المفهوم المادي للتاريخ أو مناهج دراسة التاريخ الأخري ليست بديلا لدراسة التاريخ والواقع السوداني. ففي رسالة انجلز الي شميدت بتاريخ:5/8/1890م، يقول: ( ان للفهم المادي للتاريخ اليوم مجموعة منن الاصدقاء الذين يرون فيه حجة لئلا يدرسوا التاريخ ، وهكذا يتكرر الوضع نفسه الذي قال فيه ماركس عن الماركسيين الفرنسيين اواخر السبعينيات (من القرن التاسع عشر) اعرف شيئا واحدا هو اني لست ماركسيا)( ماركس وانجلز: المؤلفات، المجلد 37، ص 370). والمفهوم المادي للتاريخ في جوهره مستمد من فهم الظروف الواقعية والحياة الانسانية متنوعة وخصبة ومتجددة من الصعب حشرها في نموذج، بل تتعدد النماذج وفقا لتنوع وخصوبة الواقع والحياة الانسانية، ستظل دائما الهوة موجودة بين النظرية والواقع، سيظل السؤال: ماعلاقة الاطار النظري بالواقع وما علاقتة بالمجتمع السوداني؟ وسيظل دائما الواقع اغني واعمق من كل نظرية، وجوهر الديالكتيك هو التحليل الملموس للواقع الملموس. العلم لايعرف الكلمة النهائية، ويبدأ العلم بالمشكلات، ويعمل علي بناء النظرية التي تحل المشكلة ، وكل نظرية جديدة ذات شأن تثير مشاكل جديدة تحتاج لنظرية علمية جديدة لحلها. * المجتمع السوداني شأنه شأن المجتمعات الانسانية الاخري مرّ بمراحل تطور مختلفة بدءا من العصور الحجرية واكتشاف الزراعة وتربية الحيوانات / ومرّ بحضارات عرفت عرفت الزراعة والرعي وتربية الحيوانات والصناعة الحرفية والتجارة وقيام المدن واللغة المكتوبة وبناء الاهرامات التي تظهر من الآثار الخالدة لحضارات نبتة ومروي وعرفت التفاوت الاجتماعي والدولة التي تنوعت وتطورت وتوسعت في اشكال متنوعة. كما عرفت الديانات الوثنية والديانات التوحيدية( المسيحية والاسلام)، وتفاعل مع العالم اخذا وعطاءا. دراسة تطور المجتمع السوداني تتطلب الذهن المفتوح لمعرفة خصوصيات تطوره وتمايزه عن المجتمعات الانسانية الأخري. فمثلا: عند دراسة الدولة السودانية ناخذ في الاعتبار تاريخية الدولة وخصوصية تطورها بفعل اختلاف الثقافات والجماعات الاثنية والعوامل التاريخية المختلفة( انظر علي سبيل المثال: تاج السر عثمان: الدولة السودانية: النشأة والخصائص، الدار العالمية 2007م). وعند دراسة نظام الرق نأخذ في الاعتبار السمات والخصائص التي ميزت دور الرق في النسيج الاقتصادي والاجتماعي لتشكيلات ماقبل الرأسمالية في السودان، دون الانطلاق من استنساخ النموذج الاوربي أو البلدان الشرقية الاخري.(انظر علي سبيل المثال وثائق الرق التي نشرها الاستاذ محمد ابراهيم نقد في كتابه: علاقات الرق في المجتمع السوداني1995). الطبقات: معلوم أن الفضل لايرجع لماركس في اكتشاف وجود الطبقات، ولا حتي اكتشاف الصراع فيما بينها. فقد وصف المؤرخون التطور التاريخي لهذا الصراع بين الطبقات، ووصف الاقتصاديون البورجوازيون التشريح الاقتصادي لهذه الطبقات، كل مافعله ماركس، انه اثبت أن وجود الطبقات، انما يرتبط بمراحل تاريخية بعينها لتطور الانتاج، وهذا ما تؤكده مسيرة تطور المجتمع السوداني الذي عرف اول انقسام طبقي- كما أشار علماء الآثار- منذ: 3000 ق.م في حضارة كرمة حيث ظهرت طبقة الحكام(ملوك، كهنه، اداريين، موظفين، وطبقة الشعب التي تتكون من المزارعين، الحرفيين. وبعد ذلك تطور التركيب الطبقي في الحضارات السودانية اللاحقة المختلفة، سواء كان ذلك في تكوينات ما قبل الرأسمالية في السودان أو في السودان الحديث. والدراسة في هذا الجانب خصبة ومتنوعة، فيما يتعلق بالتركيب الطبقي في السودان، وتتطلب الدراسة الميدانية واستخلاص نتائج من الواقع وبذهن مفتوح، دون اقحام مصطلحات الطبقات الاجتماعية، والتي نشأت وتبلورت مع تبلور الرأسمالية في اوربا. المهم دراستها في اطار خصوصية وتطور المجتمع السوداني ونشاطه الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، وهذا ميدان خصب ورحب وبلا ضفاف للدراسة. الأرض: والارض في السودان التي تشكل ركيزة العمل الأساسية في مجتمع زراعي رعوي، وكيف تجلت وتطورت وتنوعت اشكال ملكيتها في السودان؟. كيف كانت خصوصية نظام الاقطاع في السودان، وما هي الاشكال التي تجلت فيها تشكيلات ما قبل الرأسمالية في السودان؟. وتشكل وثائق الأرض التي نشرها د. محمد ابراهيم ابوسليم: (الفور والأرض)، (الفونج والارض)، ( الارض في المهدية)، اضافة للوثائق الموجودة في مصلحة الاراضي والمحاكم، مادة خصبة للدراسة. الرأسمالية السودانية: ضرورة دراسة نشأة وتطور الرأسمالية في السودان، لمعرفة خصائصها ومصادر التراكم الرأسمالي، ومعلوم أن السودان شهد ظهور بذور نمط الانتاج الرأسمالي في فترة الحكم، عندما ارتبط السودان بالسوق الرأسمالي العالمي عن طريق تصدير سلعتي: الصمغ والعاج، وكذلك سياسات النظام الوحشية في جباية الضرائب والتي ادت الي اقتلاع الالاف من المزارعين من اراضيهم وسواقيهم، ليجدوا انفسهم عاملين باجر في المصانع التي أنشأها الاتراك مثل: مصانع الصابون والذخيرة..الخ، اضافة لاتساع ظاهرة التعامل بالنقد بعد ادخال المحاصيل النقدية( القطن، النيلة..الخ)، ثم بعد ذلك تطورت الرأسمالية في الفترات التاريخية المختلفة، حتي ظهور الرأسمالية الطفيلية أو التداولية في مايو، والطفيلية الاسلاموية التي توسعت في فترة الانقاذ.وهناك الدراسة التي تم انجازها في المؤتمر الرابع وصدرت ضمن وثيقة: الماركسية وقضايا الثورة السودانية حول الرأسمالية السودانية ومصادر التراكم، كما انجزت د. فاطمة بابكر دراسة ميدانية حول الرأسمالية السودانية، ونشرتها في كتاب بعنوان: الرأسمالية السودانية: اطليعة للتنمية وهو جهد مقدر وممتاز، كما انجز: تاج السر عثمان دراسة عن: الرأسمالية السودانية: النشأة والخصائص، ونشرت في حلقات في صحيفة الرأي الاخر، كما انجز د. صدقي كبلو دراسة عن الرأسمالية الطفيلية ونشرت في كتيب صدر عن دار عزة للنشر 2007م. المجتمع المدني: من المهم دراسة التطور الباطني للمجتمع المدني في السودان(أو المدنية السودانية)، دون النقل الاعمي للمصطلحات الوافدة من اوربا والتي نبعت من ظروف مختلفة، ومن خلال ديالكتيك التفاعل بين الخصوصية والعالمية. - دراسة الاستمرارية في الثقافة السودانية وأثرها وتفاعلاتها وتشابكها مع التطور الاقتصادي والاجتماعي. - دراسة تجربة الدولة الدينية في السودان الحديث: دولة المهدية، دولة نميري بعد قوانين سبتمبر 1983م، وتجربة الدولة الدينية في نظام الانقاذ الحالي. - دراسة سمات وخصائص التنظيم السياسي والنقابي في السودان( احزاب، نقابات، اتحادات، ...الخ). - دراسة سمات وخصائص الطبقة العاملة السودانية. - الثورة السودانية: ميدان خصب للدراسة من خلال تراكم المقاومة البطيئة عبر السنين الي الانتفاضة الشاملة، كما حدث في الثورة المهدية، وثورة اكتوبر1964م ، وانتفاضة مارس- ابريل 1985م، لمعرفة سمات وقوانين تطور الثورة السودانية، باعتبار تلك التجارب تعتبر رصيدا وارثا هاما في مقاومة الانظمة الديكتاتورية والاستبدادية. - المؤسسة الدينية في السودان: صوفية، طائفية، وثنية، ودورها في مسيرة تطور المجتمع السوداني، ودراسة وظائفها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وغير ذلك من المحاور التي تتطلب الدراسة بذهن مفتوح. وخلاصة الأمر، كما كان يقول انجلز: ان المفهوم المادي للتاريخ ليس بديلا للدراسة المستقلة لواقع وتاريخ كل مجتمع، وهذا هو جوهر المفهوم المادي للتاريخ.
#تاج_السر_عثمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حول قرار المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية الخاص بالرئيس
...
-
ماهي طبيعة قضية دارفور؟
-
الأزمة في دارفور:من مؤتمر صلح 1989 الي ملتقي الفاشر - فبراير
...
-
ماهي اللوحة الخماسية؟ وهل يصح تعميمها علي كل المجتمع البشري؟
-
ماهي دلالات تمرير قانون الانتخابات بالاغلبية الميكانيكية؟
-
منهج ماركس في بناء نظريته عن المجتمع(2)
-
ما الجديد في فكرة السودان الجديد؟
-
منهج ماركس في بناء نظريته عن المجتمع
-
سياسات الذاكرة في النزاعات السودانية: تعقيب علي محاضرة بروفي
...
-
هل تبشر الماركسية بالجبرية الاقتصادية؟
-
سوق عطبرة(اتبرا)
-
تعقيب علي محاضرة د.فاروق محمد ابراهيم:رسالة الي المؤتمر الخا
...
-
حوار حول اسم الحزب
-
بمناسبة الذكري ال 37:دروس انقلاب 19/يوليو/ 1971م
-
نشأة وتطور المنظمات المدنية السودانية
-
المسألة القومية في السودان
-
حول تجربة العمل الثقافي في الحزب الشيوعي السوداني
-
اثار الثورة العلمية التقنية علي تطور الفكر الانساني: اعادة ا
...
-
الماركسية والحل التلقائي لقضية المرأة
-
نشأة وتطور الطبقة العاملة السودانية:الفترة:1900- 1956
المزيد.....
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
-
اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
-
مؤتمر«أسر الصحفيين المحبوسين» الحبس الاحتياطي عقوبة.. أشرف ع
...
-
رسالة ليلى سويف إلى «أسر الصحفيين المحبوسين» في يومها الـ 51
...
-
العمال يترقبون نتائج جلسة “المفاوضة الجماعية” في وزارة العمل
...
-
أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع
...
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|