أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ياسين الحاج صالح - في -التفكير العضوي- والأساطير والانحطاط...















المزيد.....

في -التفكير العضوي- والأساطير والانحطاط...


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 2344 - 2008 / 7 / 16 - 11:14
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


تبني هذه المقالة على التمييز بين نمطين أساسيين من التفكير: نمط أول متمحور حول ثنائية أنا/ آخر (أو نحن/ هم)، ونمط ثان متمحور حول ثنائية ذات/ موضوع. الأول تفكير منشغل بالهوية والثاني بالمعرفة. ونصادف نمط التفكير الأول في أوساط الجماعات الأهلية والروابط العضوية كالقبائل والطوائف، لكنه واسم أيضا للقوميات بما هي كذلك، أو لكل إطار اجتماعي يتصدر شاغل التماثل مع الذات والاختلاف عن الغير قائمة هواجس نخبه القائدة. ثم إن التفكير هذا ليس نادر الشيوع أيضا في أوساط أية منظمات سياسية واجتماعية حديثة، تميل إلى تعريف نفسها باختلافها عن غيرها أكثر مما بفاعليتها السياسية المفترضة. ومن شأن شيوع ثقافة سياسية خصامية أو حاملة لنظرة صراعية إلى العالم، مثل نظرة الإسلاميين اليوم والشيوعيين في وقت سابق والقوميين العرب غالبا، وكذلك صعود الحساسيات الطائفية في مجتمعاتنا ونظرية صراع الحضارات الأميركية... من شأنها أن تعزز تفكيرا متمحورا حول "الآخر" أو العدو وليس حول الموضوع. في شروط كهذه تنحو المنظمات الحديثة لأن تتماثل مع الجماعات العضوية أو الطبيعية، فتكون بلا اختلافات داخلها وبلا أي تماثل مع الغير.
وفي بيئاتنا الاجتماعية والسياسية يتحدد "عضو" المنظمة بأنه يفكر ضد وليس بالتفكير بـ، "يساجل" ويجتهد لإبطال خطط الخصم المفترض وإفشال مشاريعه والنيل منه، فيتلون تفكيره بالانفعال والهوى والتعصب. ثم إن تفكير "العضو" ليس شخصيا، فهو ذائب في نحن كبرى وناطق باسمها ومتداول لأساطيرها وخرافاتها عن ذاتها و"الآخر" والعالم. ونسمي نمط التفكير هذا "التفكير العضوي" مستفيدين من ازدواج دلالة كلمة عضوي. فهي من جهة نسبة إلى عضو المنظمة، ومن جهة أخرى تحيل إلى الجماعات العضوية التي تلتئم حول روابط موروثة، قرابية أو جهوية أو دينية. فالكلمة ملائمة للقول إن المنظمة الحديثة تشبه التكوينات العضوية التي تتميز بضيق الأفق والعصبوية والانغلاق على الذات، ولا تصلح أطرا للترقي الأخلاقي والمعرفي. وهي مثلها أيضا جسم عضوي، والمنتسبون إليها "أعضاء" الجسم التي قد تتفاوت موقعا ووظيفة، إلا أن الاستقلال والمبادرة الذاتية ليست من صفاتها.
لكن كيف يحصل أن المنظمة الحديثة تنزلق إلى رابطة عضوية مولدة لتفكير عضوي لا لمعرفة موضوعية ولا لتفكير نقدي مستقل؟ قد يعود ذلك إلى أن التكوينات العضوية الموروثة توقفت عن التحلل في بلداننا منذ جيل واحد على الأقل، وذلك بفعل التحول الريعي لاقتصايات الدول العربية، سواء الريع الاستخراجي أو الريع السياسي. وبالعكس تحولت التكوينات الأهلية إلى قواعد لدولة سلطانية جديدة، محتواها الوطني والعام والعقلاني متدن في كل مكان في العالم العربي، إما لمصلحة طوائف أو لمصلحة طغم سلطة مغلقة تشبه الطوائف. وقد نضيف إن الثقافة السياسة العربية والإسلامية ذات بنية صراعية، تفكر كثيرا بالهوية والعدو، بهم ونحن، وقليلا بالموضوع، وقليلا أيضا بالفعل العقلاني (الذي يتوافق مع نمط تفكير ينتظم حول محور منهج/هدف). هذه الثقافة وليدة تجارب راضة في العالم الحديث، لكنها مناسبة أيضا لأنماط السلطة الاستبدادية السائدة في العالم العربي. وبالمقارنة فإن نواة وعي الغرب الحديث متكونة حول "السيطرة على الطبيعة"، أي حول الموضوع، وهو ما يقود إلى تكون ذات منضبطة وسيدة في آن، وإلى الامبريالية عبر إلحاق "الآخر" بالموضوع.
وليست منظماتنا الحديثة خارج هذا الشرط المركب ولا هي في الغالب مدركة له. بل إنها تنحو على العموم لأن تنسخ في بنيتها بنية نظام السلطة القائم. وهي بنية سلطانية تقوم على الطائفية أو على الانتظام المللي للمجتمع وتعالي مركز السلطة فوقه. والسلطانية والطائفية مؤشران على تقدم حاسم للتشكل العضوي في حياتنا العامة على حساب التشكل الوطني العقلاني. وتاليا للتفكير العضوي (الخصامي والطائفي) على حساب شكلي التفكير العقلاني والموضوعي.
لقد أخذ التطييف يغزو المنظمات الحديثة في كل مكان منذ أخذ يغزو الدول في سبعينات القرن العشرين، وإن دوما من وراء قناع حديث. لكن حتى دون ذلك فإن الانسداد الاجتماعي (انتظام أهلي أو عضوي...) والسياسي (سلطانية واستبداد..) والريعية (وما يقترن بها من محسوبية وفساد..) تشل هذه المنظمات وتدفعها إلى توكيد ذاتها عبر الصراع مع مثيلاتها بدل المعرفة والفعل. وهي بذلك تنضم إلى الروابط العضوية التقليدية لتكون إطارا اجتماعيا إضافيا للتفكير العضوي، فيما لا نكاد نميز إطارا اجتماعيا موافقا للتفكير الموضوعي (ذات/ موضوع) ولا للتفكير العقلاني (منهج/ هدف). وبينما يحصل أن يفكر عضو المنظمة أو حتى الطائفة تفكيرا عقلانيا، إلا أنه يفعل ذلك بصورة جزئية وغير متسقة، ودون مرجعية عامة للفعل. أما التفكير الموضوعي فغير متمأسس اجتماعيا، وحتى الجامعات قلما تكون أطر تأهيل أو احتضان فعالة له.
وهيمنة التفكير العضوي والأطر الاجتماعية المولدة له قد تكون العنصر التفسيري الأول في وفرة الخرافات والأوهام والأساطير في حياتنا السياسية والاجتماعية والثقافية. فمن ناحية تنزع المنظمات مثل الدول ومثل الطوائف والأديان إلى تغذية أعضائها بالرسالية وشعور بالاصطفاء لا برهان عليه، ما يولد تفكيرا يجمع بين التمركز حول الذات والتعصب والبدائية. ومن ناحية ثانية لا تتماسك المنظمة دون عقيدة مكتملة متفوقة على غيرها ومعادية لغيرها، ومزيج التفوق والعداء مناسب بدوره للتعصب والوهم. ومن ناحية ثالثة لا تتماسك المنظمة إلا ضد منظمة أخرى، فتنزع إلى أبلسة الغير وتقديس الذات، والأبلسة والتقديس من آليات الأسطرة النشطة. فإذا أضفنا إلى ذلك الهشاشة الاجتماعية والمؤسسية لكل من التفكير النقدي والعقلاني تبدى لنا فائض من الأسطرة، وشح في المعرفة الموضوعية وفي التفكير العقلاني المتسق، وفي النقد الذي يمكن أن يتأسس عليهما.
نركز أكثر على المنظمات الحديثة لأنها حليفة مبدئية مفترضة للنقد والتغيير. إلا أنه يصح عليها اليوم النقد الذي ينطبق على "الدولة" من حيث تدهور محتواها العقلاني والعام. وهو نقد لا يمكن أن يصدر منها هي ذاتها. فأقصى ما قد يصدر عن المنظمة الحديثة في طور انحطاطها العضوي هو "النق"، أي التذمر من الظروف (صيغة محدثة للدهر) والشكوى من المقادير وثلب الزمان والحنين إلى الماضي.
ومع انحطاط الدولة السلطاني والمنظمة الحديثة العضوي ينحط فاعل حديث ثالث: المثقف النقدي. إذ بينما تزداد فرص التفكير النقدي وبروز المثقفين مع تحلل التكوينات العضوية ونشوء فردية ومواطنة وتنظيمات حديثة، فإن فرص النقد في أوضاعنا الراهنة تتضاءل، ولا يبقى منها إلا ما يقترن بالتحلل القصدي من التكوينات تلك والانفصال عنها. وهو ما يقدم عليه اليوم أفراد يقلون أكثر وأكثر. إن المثقف اليوم هو من يمكن أن يجمع في عمله بين دور "المنشق" على النظام الحاكم وإيديولوجيته الجامعة، وبين دور "الصعلوك" الذي ينفصل عن العشائر والطوائف و"الأهل". أي واحد من هذين الدورين لا يكفي.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ماركس لم يكن ملحداً؛ لماذا؟
- مبادئ لسياسة معارضة عقلانية في شروط الكفاف السياسي
- خواطر في شأن نحوس الليبرالية العربية وسعودها
- نظريات الفساد السوري وبرامجها العلاجية المقترحة
- غسان المفح يحاور ياسين الحاج صالح
- سورية والسير على قدم واحدة
- أي موقع للسلطة الدينية الإسلامية في الدولة الحديثة، عندنا؟
- المثقفون والمخابرات والمؤامرات والتنوير...
- المثقفون السوريون والتفاوض السوري الإسرائيلي
- الوطنية التخوينية والتدين التكفيري
- أفحمتُه، أفحمناهم... النقاش كاستمرار للحرب بوسائل أخرى
- في نقد الأهل وأهل النقد
- لبنان: السهل والصعب والغريب!
- لبنان، سورية، إسرائيل وفلسطين: -نماذج مثالية- لدول استثنائية
- في شأن الإصلاح السياسي والهوية الوطنية في سورية
- -التفاصلية- والعلمانية ونقد الشأن الإسلامي
- حزب الله مقاوماً في .. بيروت
- شتاينماير ضد كانط
- جيل عربي ثالث أمام الواقعة الإسرائيلية
- خبز شعير.. عربي


المزيد.....




- الجيش الأوكراني يتهم روسيا بشن هجوم بصاروخ باليستي عابر للقا ...
- شاهد.. رجل يربط مئات العناكب والحشرات حول جسده لتهريبها
- استبعاد نجم منتخب فرنسا ستالوارت ألدرت من الاختبار أمام الأر ...
- لبنان يريد -دولة عربية-.. لماذا تشكّل -آلية المراقبة- عقبة أ ...
- ملك وملكة إسبانيا يعودان إلى تشيفا: من الغضب إلى الترحيب
- قصف إسرائيلي في شمال غزة يسفر عن عشرات القتلى بينهم نساء وأط ...
- رشوة بملايين الدولارات.. ماذا تكشف الاتهامات الأمريكية ضد مج ...
- -حزب الله- يعلن استهداف تجمعات للجيش الإسرائيلي
- قائد الجيش اللبناني: لا نزال منتشرين في الجنوب ولن نتركه
- استخبارات كييف وأجهزتها العسكرية تتدرب على جمع -أدلة الهجوم ...


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ياسين الحاج صالح - في -التفكير العضوي- والأساطير والانحطاط...