|
حلم الاتحاد المتوسطي أصبح اليوم حقيقة
ابراهيم علاء الدين
الحوار المتمدن-العدد: 2345 - 2008 / 7 / 17 - 11:01
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
"حلم الاتحاد المتوسطي أصبح اليوم حقيقة" بهذه العبارة اعلن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي رسميا ميلاد الاتحاد من أجل المتوسط في ختام القمة التأسيسية للاتحاد التي عقدت في باريس الاحد الماضي بحضور 43 دولة تمثل دول الاتحاد الأوروبي والبلدان المطلة على حوض البحر المتوسط. وشارك في القمة الرئيس السوري بشار الأسد ورئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت. كما شاركت كافة الدول العربية المطلة على المتوسط باستثناء ليبيا، بالإضافة إلى الأردن وموريتانيا. وقبل الاعلان واثناء القمة وبعدها ، كرر بعض الكتاب سيمفونيتهم الخالدة التي تحذرمن الاطماع الاجنبية في بلاد العرب ومن مشاريع اعادة الاستعمار والاحتلال ، ومن الهجمة الصليبية ، والمخططات التامرية على الاسلام والمسلمين ، ولو دققنا النظرفي خطاب هؤلاء لما وجدنا أي اختلاف الا بالاسماء فقط عن تلك الخطابات التي زخرت بها الصحافه العربيه في اوائل الستينات حتى منتصف الثمانينات. وكالعادة تزعم موقف المعارضة للاتحاد المتوسطي الرئيس معمر القذافي الذي سارع بالتنبؤ بفشل الاتحاد قائلا "هذا مشروع مخيف جدا. أنا أبشركم بفشله الذريع". واتهم القذافي الاتحاد بالتخطيط لقبول إسرائيل, واعتبر أن المشاريع الاقتصادية التي وعد بها الشمال دول جنوب المتوسط "طعم" وما هي سوى "نوع من الإهانة" لتلك الدول. وسارت على درب القذافي بعض الاقلام لكنها على غير العادة (وهذا ايجابي) كانت محدودة جدا، مع انها حاولت ان تبدوا اكثر تطرفا من القذافي ، مرة في كيل الاتهام كالمعتاد لرؤساء وحكومات الدول العربية، ومرة في التحذير من مؤامرة جهنمية تقودها فرنسا نيابة عن الولايات المتحدة، ومرة بالقول ان الاتحاد كان نتيجة للصراع بين اوروبا والولايات المتحدة. وكعادة هؤلاء فهم لا يرون الا النصف الفارغ من الكأس، فالوسواس الخناس يسكن جنباتهم ويوسوس في صدورهم ، ولا يؤمنوا بالمثل القائل "عدو جاهل خير من صديق عاقل". ولم يرى هؤلاء ان الاتحاد وفق بيانه الختامي يهدف الى تحقيق طموحات مشتركة في بناء السلام والديمقراطية والرخاء ويتعهد بالعمل كي يسود في منطقة المتوسط تفاهم انساني واجتماعي وثقافي . ولم ينصت المسكونين بالوسواس لما تضمنه الييان الختامي من مشاريع اقليمية ينوي اقامتها في المنطقه وان على الدول الاعضاء اعطاء هذه المشاريع الاولوية ومن ابرزها ست مشاريع هي:
مكافحة التلوث في المتوسط.
انشاء طرق بحرية وبرية لتحسين تدفق التجارة بين جانبي المتوسط.
تعزيز الدفاع المدني لحوض البحر المتوسط.
وضع خطة للطاقة الشمسية في المتوسط.
تطوير جامعة متوسطية دشنت في يونيو/حزيران الماضي في بورتوروز (سلوفينيا).
المبادرة للمساعدة على تطوير الشركات الصغيرة والمتوسطة.
وتجاوزت بعض العقول الروح الديمقراطية التي على اساسها انتظمت العلاقات بين دول الاتحاد الذين اتفقوا على تنظيم قمة كل سنتين مرة في الاتحاد الاوروبي ومرة في احدى الدول الشريكة الأخرى، وتشكيل رئاسة مشتركة، تولى الرئيس الفرنسي ساركوزي بشكل مشترك مع الرئيس المصري حسني مبارك رئاسة دورتها الاولى. كما كلفت القمة أمانة عامة لجمع الاموال والاشراف على المشاريع التي يتم اختيارها خلال قمم الاتحاد، وان تبدأ هذه البنى العمل قبل نهاية السنة الحالية 2008. ولم يرى المشككين الذين تسكن عقولهم المؤامرة ان الدول العربية هي المستفيد الاول من هذا الاتحاد ، وانها بذلك تكون قد خطت خطوة هامة على طريق نسج علاقات واضحة بالارتباط بمركز حضاري عالمي سوف يساعدها على مواجهة عدد من مشاكلها ، ويتيح لها التفاعل بشكل متوازن مع دول الاتحاد الاوروبي بما يمكنها الاستفادة من الحيوية الهائلة التي تتمتع بها مؤسسات تلك الدول على مختلف الاصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ويشكل دافعا لرقي الدول العربية وتطورها، ويمكنها من محاصرة الثقافة الماضوية الغيبية العتيدة التي تتوسع وتزداد منابرها كلما استفحل الجهل وسادت الافكار الخرافية اوساط المجتمعات العربية.
فمن المعروف ان التفاعل الانساني يلعب دورا رئيسيا في تحقيق التفاهم بين المجموعات البشرية، ويساعد على انتقال المعارف والخبرات والعلوم بين الشعوب مما يساهم بتعزيز فرص السلام والامن والتعاون من اجل خير الانسانية. ومن غرائب الامور ان يظل البعض يزايد على القيادات العربية وزعماء الامة، ويعتقد انه اكثر حرصا على مصر من الرئيس المصري حسني مبارك او اكثر حرصا على سوريا من الرئيس بشار الاسد، ويختفي الكثير من هؤلاء خلف يافطات المعارضة التي لا تهدف في الواقع سوى الى الوصول الى السلطة، هذه السلطة التي ستكون في زمانهم وفق برامجهم وتجربتهم وخلفياتهم الفكرية والثقافية والسياسية المطروحه والمعروضه في برامجهم اكثر سوءا بما لا يقاس من برامج الانظمة والحكومات القائمة. فعندما يقول الرئيس حسني مبارك أن الاتحاد يشكل قيمة مضافة مهمة في الشراكة الأوروبية المتوسطية. ويشدد على أن قيام الاتحاد يترجم إدراك الدول الأعضاء أهمية المصالح المشتركة بينها وجسامة التحديات الآنية والمستقبلية التي يجب عليها أن تواجهها معا. فانه لم يقل قوله هذا جزافا او على مزاجه، بل يسبق ذلك جهود كبيرة يقوم بها الخبراء والباحثين والوزراء والسفراء وكافة المؤسسات المعنية، وهكذا الامر في سوريا و الاردن. فالحقيقة والواقع يقولان ان هناك دولة مؤسسات في معظم بلادنا العربية ، صحيح ان هياكلها ضعيفة ومتخلفة مقارنة بمثيلتها في اوروبا او امريكا او حتى بعض الدول الاسيوية، لكنها بكل الاحوال اكثر تطورا من الكثير جدا من معظم احزاب وقوى وتنظيمات المعارضة. هذه المؤسسات على ضعفها تتعهد جماعة الاخوان المسلمين بالغائها لو وصلت الى السلطة لانها تعتبر الديمقراطية حتى بابسط مكوناتها كفرا وخروجا على الدين، فما بالنا بجماعات السلف او حزب الخرافة او ولاية الفقيه؟. ومن المؤكد ان احد اهم اهداف الاتحاد ترتبط بقضايا سياسية فالعالم كله يسعى الى اعادة تشكيل الواقع وفق المتغيرات التي تجري وبسرعة هائلة وبلا توقف، ومن المنطقي ان يفوز بالسباق من هو اقوى واكثر قدرة على التحمل. فالجانب السياسي يمثل واحدا من اهم القضايا التي يتضمنها جدول الاتحاد المتوسطي، فقد قال الرئيس مبارك "كلنا نعرف أن أمن حوض المتوسط والشرق الأوسط مرتبط بأمن أوروبا". وأيد رئيس المفوضية الأوروبية رأي الرئيس المصري معتبرا أن "منطقة المتوسط حساسة جدا بالنسبة لأمن أوروبا"، وأضاف باروسو أنه يؤمن بإمكانية نجاح المشروع المتوسطي نظرا للتكامل بين القدرة الصناعية العلمية لدول الاتحاد الأوروبي والطاقة البشرية والموارد الأولية التي تزخر بها بلدان جنوب المتوسط. فما هو برنامج القوى الوطنية الفلسطينية والعربية عموما في هذه المرحلة، اليس تحقيق السلام واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة يأتي في مقدمتها؟. ولما يؤكد البيان الختامي على ان الوفود المشاركة اكدت دعمها لعملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية والترحيب بالمفاوضات غير المباشرة بين دمشق وتل أبيب. الا ينسجم ذلك مع المطلب العربي؟. الا يتهم البعض القيادة الفلسطينية بانها تسعى وراء اوهام حين ترهن موقفها السياسي بعملية السلام مع اسرائيل، واذا كانت القيادة الفلسطينية ومعها العربية تحصل من اتحاد يضم اكثر من 40 دولة لمشروع السلام، الا يعتبر هذا انجازا؟. وقد يقول البعض ان الدول العربية كانت تعول على دعم واضح من القمة لمبادرة السلام العربية. والسؤال هنا وما هي المبادرة العربية اليست مبادرة للسلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين والعرب ؟. ثم لماذا لم يتنبه منتقدي الاتحاد عند تعهد المشاركين بالقمة على جعل الشرق الأوسط منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل. اليس هذا مطلبا عربيا من اهم واخطر المطالب التي تقوده مصر منذ سنوات عديده، وهو موجه بالدرجة الاساسية الى الكيان الصهيوني الوحيد الذي يمتلك هذه الاسلحة، ومؤخرا اصبح التهديد الايراني بامتلاك هذه الاسلحة يثير اقصى درجات القلق في كل عواصم العرب؟. ثم الا يقرأ المنتقدون ان المغرب وتونس وليبيا والجزائر تضع العديد من البرامج والخطط وتنفق الملايين من اجل وقف عمليات الانتحار الجماعي في قوارب الموت التي تنقل المهاجرين غير الشرعيين من افريقيا الى اوروبا؟. اذا الا يعتبر تشديد القمة على الالتزام بمحاربة الهجرة غير الشرعية دعما لبرامج هذه الدول ولوقف عمليات الانتحار الجماعي؟.
الا يعلم المنتتقدون ان العرب والمسلمين خاضوا معارك على مختلف المستويات لدفع ورفض ومواجهة محاولة اليمين المتطرف في امريكا واوروبا الصاق الارهاب بالاسلام والمسلمين؟ اذا الا يعتبر انجازامهما للعرب والمسلمين عندما يعبر البيان الختامي عن الرفض المطلق "لمحاولات إلصاق الإرهاب بأي دين أو أي ثقافة مهما كانت". هذا هو الاتحاد المتوسطي وهذه انجازات قمته الاولى، فهنيئا لكل من ساهم بهذا الانجاز وفي مقدمتهم الرئيس الفرنسي ساركوزي والرئيس التونسي زين العابدين بن علي والرئيس المصري حسني مبارك والملك الاردني عبد الله بن الحسين والرئيس الفلسطيني محمود عباس. وشكرا لتركيا التي شدد وزير خارجيتها علي باباجان على أن بلاده ستؤدي دورا نشطا في مبادرة فرنسا بشأن الاتحاد المتوسطي، معتبرا أن المبادرة ستعزز السلام والاستقرار والتنمية في المنطقة. فاذا كانت مواقف كافة الزعماء العرب المشاركين بالقمة ومعهم تركيا العلمانية بقيادة اسلامية مستنيرة، يرون ان الاتحاد سيعزز فرص السلام والاستقرار والتنمية، فماذا يريد منتقدي الاتحاد وما هي اهدافهم ؟. وهل لديهم اية برامج لتحقيق هذه الاهداف الكبرى ام ان كل دورهم ينحصر فقط في التشكيك بجهود الاخرين؟.
#ابراهيم_علاء_الدين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عصرنا افضل من عصور الخلافة والسلاطين
-
لا يوجد سوى خليفة واحد للمسلمين والباقي امراء للمؤمنين
-
حوار مع حزب الخرافة لكشف الهرطقة والتضليل – 5 من 5) الاخيرة
-
حوار مع حزب الخرافة لكشف الهرطقة والتضليل – 4 من 5)
-
حوار مع حزب الخرافة لكشف الهرطقة والتضليل – 3 من 5)
-
حوار مع حزب الخرافة الاسلامية – لكشف الهرطقة والتضليل (2 من
...
-
حوار مع حزب الخرافة الاسلامية – لكشف الهرطقة والتضليل (1 من
...
-
تحية الى استاذتي الدكتورة نادية الشيوعية المصرية
-
تحالف حماسي ... الهدنة مع العدو اهم من الوحدة الوطنية
-
حزب الخرافه يهاجم السلطة
-
لست مع ابن تيمية في تحريم الكيمياء واعترض على كيمياء اللغة
-
ليس كل انسان .... انسان .. احدهما عنده عقل واحد والاخر اثنان
-
الاسلام السياسي : بالايمان نقضي على الادمان
-
في اجتماع خاص بالكويت .. الهدوء بالعراق يحتاج عشر سنوات
-
ما هي المواصفات والمهام المطلوبة من القيادة الفلسطينية
-
ام انس : من يجلس على المقاعد او الكراسي سيذهب الى جهنم
-
شكرا ابو مازن .. نعم نريدها دولة ديمقراطية ليبرالية..
-
سميره وجدت حلا للصراع الابدي
-
سيدة مصرية : ديار الكفر احسن من ديار المسلمين
-
الفلسطيني طرد الجن (شرلوك) من البدوية ام فهد
المزيد.....
-
إيران تعلن البدء بتشغيل أجهزة الطرد المركزي
-
مراسلنا في لبنان: سلسلة غارات عنيفة على ضاحية بيروت الجنوبية
...
-
بعد التهديدات الإسرائيلية.. قرارت لجامعة الدول العربية دعما
...
-
سيناتور أمريكي: كييف لا تنوي مهاجمة موسكو وسانت بطرسبرغ بصوا
...
-
مايك والتز: إدارة ترامب ستنخرط في مفاوضات تسوية الأزمة الأوك
...
-
خبير عسكري يوضح احتمال تزويد واشنطن لكييف بمنظومة -ثاد- المض
...
-
-إطلاق الصواريخ وآثار الدمار-.. -حزب الله- يعرض مشاهد استهدا
...
-
بيل كلينتون يكسر جدار الصمت بشأن تقارير شغلت الرأي العام الأ
...
-
وجهة نظر: الرئيس ترامب والمخاوف التي يثيرها في بكين
-
إسرائيل تشن غارتين في ضاحية بيروت وحزب الله يستهدفها بعشرات
...
المزيد.....
-
افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار
...
/ حاتم الجوهرى
-
الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن
/ مرزوق الحلالي
-
أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال
...
/ ياسر سعد السلوم
-
التّعاون وضبط النفس من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة
...
/ حامد فضل الله
-
إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية
/ حامد فضل الله
-
دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل
...
/ بشار سلوت
-
أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث
/ الاء ناصر باكير
-
اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم
/ علاء هادي الحطاب
-
اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد
...
/ علاء هادي الحطاب
المزيد.....
|