إن ملف سنوات الرصاص والملف المالي والاقتصادي بالمغرب يعتبران من الملفات الأساسية التي تدين الدولة المغربية بامتياز لأن عمق المشاكل السياسية والمالية والاقتصادية يكمن بالأساس في محاكمة الدولة.
علاوة على التجاوزات في مجال حقوق الإنسان وانتهاكاتها، هناك ما يمكن تسميته بالجرائم الاقتصادية، حيث مرت بالبلاد بفترة " شرعنة" النهب والاعتناء السريع وتوزيع الامتيازات ارتكازا على مبدأ الولاء وعدم المتبعة. وهذا في وقت انتشر فيه الفقر واستشرى.
وكانت النتيجة هي اقتياد البلاد إلى الهاوية.
ويكفي النظر إلى ملف الضمان الاجتماعي المعروض حاليا على أنظار محكمة العدل الخاصة لتكوين فكرة عن خطورة الوضع الذي عاشتها البلاد مؤخرا، حيث تنص المحاضر على تبذير لحق المؤسسة على امتداد 3 عقود وبلغ ما قدره أكثر من 115 مليار درهم ( 11,5%مليار دولار) أي ما يفوق 85 % من مجموع الديون الخارجية للمغرب إلى حدود 2001. علما أن محكمة العدل الخاصة هذه اجتهدت اجتهادا في الاقتصار على المعاقبة الموظفين الصغار دون الكبار على امتداد وجودها وتقديمهم ككباش فدية. ومن باب الإنصاف الإنساني وجب الآن التفكير في إعادة النظر في جملة من الملفات التي ذهبت ضحيتها عائلات برمتها خصوصا وأن أغلب الملفات اقتصرت على أصحاب " الملاليم" وغضت الطرف على أصحاب الملايير وهذا حيف يستدعي أكثر من وقفة.
فلم يعد يخفى على أحد الآن أنه ساد عدم مقاضاة النخبة المدبرة للمال العمومي حتى في حالة انكشاف الفساد، إذ غالبا ما كان يتم تقديم أكباش فداء لطي الملف، ولعل مختلف القضايا التي راجت أمام محكمة العدل الخاصة مازالت شاهد على ذلك بامتياز. بل هناك من أدينوا على دراهم معدودة في حين ظل الذين لهفوا الملايير أحرارا في أقصى الحالات ظلوا يتمتعون بالسراح المؤقت وهذا مناف للعدل والإنصاف بجميع المعايير الإنسانية والقانونية والأخلاقية والاجتماعية وغيرها والأمثلة كثيرة في هذا الصدد. ومهما يكن من أمر للمغرب في هذا المجال خيارين لا ثالث لهما، إما الاعتراف الرسمي بالتجاوزات لطي الصفحة مع جبر الأضرار ـ سواء في المجال السياسي والمجال الاقتصادي ، وإما المحاسبة الفعلية دون استثناء أحد مهما كان قدره وموقعه، وما دون ذلك فلن يتولد عنه إلا المزيد من خيبة الأمل، وهذا ليس في صالح البلاد ولا العباد.