|
مقاومة الثقافة والمجتمع المدني
جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 2343 - 2008 / 7 / 15 - 10:12
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لم يحدث في التاريخ كله أن قام مثقف بسطو مسلح على محلات تجارية ...أو حاول القيام بإنقلاب عسكري مثل إنقلاب الضباط الأحرار في مصر ومثل إنقلابات السوريين والعراقيين على الهاشميين المؤسسين لسوريا الحديثة والعراق الحديث ...ولم يحدث في التاريخ أن قام مثقف أو شاعر بقضايا فساد إداري كبير أو صغير ذلك أن الشعراء والأدباء والمثقفون لا يدخلون ضمن دائرة الإجرام العام والمشبوه لأن أدمغتهم وأحاسيسهم ومشاعرهم تمنعهم من أن يريقوا نقطة دم واحدة أو أن يسمحوا لأنفسهم بالتسبب للغير بالأذى أو أن يكونوا سببا لآلام الآخرين . فلماذا تحاصرهم الحكومات العربية وتعاملهم معاملة الزعران ؟؟؟ ولماذا تعاملهم الحكومات العربية معاملة المجرمين ؟؟؟
ففي لغة الثقافة ليس لتلك المعاملات أي مبرر ولكنها في لغة السياسة تجد مبررات كثيرة رغم أن المبررات السياسية لا تخضع للمنطق وعلى العكس من ذلك تخضع تحاليل علم الإجرام تخضع فعلا للعلم والمنطق الإستدلالي ولتجارب معامل البحوثات العلمية التطبيقية البحتة . ورغم كل ذلك يصر السادة السياسيون أن رأيهم هو الأصح وإن على المثقف العربي أن يموت جوعا قبل أن يموتوا هم من قلة الفساد الإداري الكبير والصغير .
وفي ذات يوم ..إستيقظت من نومي باكرا أو إن صح التعبير إستيقظت من حلمي باكرا جدا فعدت لطبيعتي بعد أن ذهبت عني نشوة السكر والهذيان ونظرت شمالا ويمينا فلم أرى غير أجساد تحمل أكياس الإسمنت وأيادي تحمل عصي المكانس في الشوارع وأصوات من ماتورات السيارات وكل شيء على حاله حتى أن الحالة القديمة للمجتمع العربي كانت أفضل منها بعد الحلم .
حلم الإنسان أو المواطن العربي مازال على حاله حتى أن حاله القديمة أفضل ويجب علينا أن نلمس كل هذا الشيء في كل شيء بدءا من المزارات القديمة ومرورا بالأدب روالفنون بكافة أشكاله وإنتهاءا بالمرأة وحقوقها . ما الذي حدث للإنسان العربي ؟ إنه من المفترض بنا أن نتقدم للأمام لا أن نرجع للخلف فحياتنا كلها رجوع للخلف ولكن ما هو السبب في رجوعنا للخلف ؟ أعتقد أن السبب في ذلك هو إستبداد الحاكم العادل بالإنسان العربي . هذا الحاكم العادل الخيالي الرومنسي الذي يوفر للإنسان العربي كثيرا من الأمور فهو الذي يفكر عنه !! وهو الذي يصلي من أجله !! وهو الذي يبتكر ويخترع في كل يوم وسيلة جديدة يرفه بها عن كاهل المواطن العربي ! وهو الذي ينام كثيرا لكي يصحو باكرا ليعمل ويجد وينشط من أجل الإنسان العربي !! وهو الذي يفاوض ويعقد الإتفاقيات عن الإنسان العربي وبالتالي فهو يتعب كثيرا ولا يريد من الإنسان العربي أن ينشغل ذهنه بمثل تلك الأمور السياسية التافهة فهو يكفل له حلا لجميع معضلاته دونما حرج ودونما أن يكلف المواطن العربي مشقة التفكير !!
إن الينابيع الثقافية القديمة قبل إستقلال الدول العربية كانت أفضل بكثير مما عليه هي اليوم وهكذا يبدو أن تجفيف مواقع الثقافة وينابيعها سنة محببة عند العرب وحكامهم وصياصيهم وعلوجهم . ومن يقرأ قصة النهضة العربية في بواكيرها الأولى سيعرف أن الثقافة كانت أفضل وأن حرية الرأي كانت أفضل ولقد قال مرة مصطفى أمين : كنت قد أعتقلت في حكومة مصطفى النحاس أكثر من 40 مرة وكنت أخرج كل مرة بكفالة مالية أما في عهد عبد الناصر فإنني أعتقلت مرة واحدة مدة 8 سنوات . إن ينابيع الثقافة جافة جدا أما ينابيع الدين والمساجد والكنائسفإنها منتشرة وتزداد في كل يوم رطوبة بينما تزداد مواقع الثقافة جفافا ويزداد المثقفون حصارا وآلاما وهم في كل يوم يمشون على درب الآلام الحزينة .
وإن دور الرعاية الدينية بثت في الآونة الأخيرة حملة شديدة وهجومية متسلطة ومقرفة بحق المسلسلات التلفزيونية العاطفية وخصوصا مسلسل (نور) ومسلسل (سنوات الضياع ) لما يحمله المسلسل الأول والثاني المدبلجان من معان عاطفية جياشة . وليس هنا موضوع المسلسلات التلفزيونية ولكن الموضوع هو محاولة تجفيف كل المواقع الثقافية والتي تضخ قلب وعقل الإنسان العربي بالرومنسية وبالحياة الكريمة وبالتالي تسعى الحكومات العربية من أجل تجفيف منابع الثقافة تسعى بكل ما أوتيت من قوة متخلفة إلى محاربة أي وسيلة تغير المجتمعات العربية من مجتمعات دعائية كذابة وهدامة إلى مجتمعات مدنية مسالمة .
والمجتمع المدني لا يمكن لنا أن نحققه بدون الولوج في أعماق النفس وتغيير أنماط تفكيرها . وتغيير سلوكيات الإنسان العربي بحاجة أليوم إلى طريقة جديدة تتغير بها أساليب إنتاجه والمجتمع العربي كله بحاجة لأن يدخل المصانع والشركات ليتخرج فيها كما يتخرج طلاب الجامعات في الجامعات . وبهذه الحالة سوف تتغير أنماط التفكير أما بخصوص المساعدات الأمريكية وغير الأمريكية المالية والإقتصادية فإنها لن تغير شيئا من حياة الإنسان العربي بل على العكس سوف يزداد المجتمع تخلفا وتراجعا إلى الوراء .
أما بناء المصانع فإنه سيؤدي بنزول المرأة للعمل سواء أكانت بحاجة للعمل أم ليست بحاجة له وعندما تزداد نسبة العاملين فإننا سوف نقف على ظاهرة تتكافء بها نسبة المتعلمين مقارنة بنسبة العاملين بغض النظر عن مستويات التحصيل العلمية الإكاديمية , والمهم في المسألة أن الكل يعمل والكل يطالب بحقه وبحقوقه المدنية الجديدة ولسوف تظهر طبقة ليس بها فرق بين الذكر والأنثى .
إن نسبة إزدياد البطالة في المجتمعات العربية هي نسبة أحيانا مفتعلة أو أن بها نسبة إفتعال كبيرة تقف وراءها أجهزة قمعية تقمع نزول المرأة العربية للعمل في المصانع ولهذه الأسباب لا توجد رغبات نسوية بالعمل بسبب تجفيف منابع الثقافة المدنية من خلال حملات تطهير ضد نزول المرأة للعمل بجانب الشباب الذكور وبهذه الحالة تزداد نسبة تراجع الشباب عن العمل لأن عمل الشباب من بنات وشباب بجانب بعضهم البعض يعمل على إزدياد نسبة الرضى الوضيفي عند غالبيتهم وتصبح لديهم قابلية للعمل بعد أن كانت شهيتهم للعمل مسدودة غير مفتوحة , أما بنزول البنات للعمل فإن الشهية تزداد إقبالا للعمل مثلها مثل الشهية للطعام . ولماذا لا تريد الحكومات العربية المساواة بين الجنسين ؟
لأنها في الأصل تعمل على تجفيف مواقع الثقافة والحرية والمساواة , وهي عمل ثقافي مدني سوف يمتد أو أن هنالك مخاوف من إمتداده حتى يصل مواضيع سياسية محرمة شرقيا .
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
علماني في مكة والمدينة : وقفة تأمل بشعاب أبي طالب
-
علماني في مكة والمدينة8
-
علماني في مكة والمدينة7
-
القضية الفلسطينية في الأراض السعودية
-
علماني في مكة والمدينة 6
-
علماني في مكة والمدينة 5
-
علماني في مكة والمدينة 4
-
كعبة الحجاج بن يوسف الثقفي
-
علماني في مكة والمدينة3
-
علماني في مكة والمدينة 2
-
علماني في مكة والمدينة
-
هوايتي جمع القبلات
-
من يحيي المعاني إذا ماتت ؟
-
رائحة إبط الرجل تنظم الدورة الشهرية للمرأة
-
الإستعمار للمواطن العربي أفضل
-
العبقرية ليست للعرب
-
الثقافة التي تطعمنا الخبز أو خبز المسيح
-
بابلوف في المخابرات1
-
هل سيبقى بوش حمارا؟
-
هل سيبقى بوش حمارا ؟
المزيد.....
-
قائد -قسد- مظلوم عبدي: رؤيتنا لسوريا دولة لامركزية وعلمانية
...
-
من مؤيد إلى ناقد قاس.. كاتب يهودي يكشف كيف غيرت معاناة الفلس
...
-
الرئيس الايراني يدعولتعزيز العلاقات بين الدول الاسلامية وقوة
...
-
اللجوء.. هل تراجع الحزب المسيحي الديمقراطي عن رفضه حزب البدي
...
-
بيان الهيئة العلمائية الإسلامية حول أحداث سوريا الأخيرة بأتب
...
-
مستوطنون متطرفون يقتحمون المسجد الأقصى المبارك
-
التردد الجديد لقناة طيور الجنة على النايل سات.. لا تفوتوا أج
...
-
“سلى طفلك طول اليوم”.. تردد قناة طيور الجنة على الأقمار الصن
...
-
الحزب المسيحي الديمقراطي -مطالب- بـ-جدار حماية لحقوق الإنسان
...
-
الأمم المتحدة تدعو إلى ضبط النفس وسط العنف الطائفي في جنوب ا
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|