أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالرزاق جبران - هاجس الكتابة في القصة القصيرة ..هواجس امراة لمصطفى لغتيري نموذجا















المزيد.....



هاجس الكتابة في القصة القصيرة ..هواجس امراة لمصطفى لغتيري نموذجا


عبدالرزاق جبران

الحوار المتمدن-العدد: 2342 - 2008 / 7 / 14 - 08:39
المحور: الادب والفن
    


من الصعب، أن نتحدث عن التحولات التي تعرفها القصة القصيرة في المغرب، دون الحديث عن فعل الكتابة ذاته. فالقصة مغامرة سردية تدخل في جدل مع أنساق الكتابة المعروفة، رافضة الاعتراف بالحدود بين الأجناس، وهذا يجعلها تبني عالما مهجنا، يفرض تعاملا خاصا، على مستوى التلقي.
استطاعت القصة القصيرة في المغرب، تجاوز البناء التقليدي للكتابة ،وتأسيس عوالم سردية متنوعة ، استنسخت الأساليب القرائية المترهلة ، وفرضت ، على النقد ، بنية نصية مشاكسة هدمت تصورنا اللساني للدال والمدلول ، واستبدلته ب " الدال فقط ، وبهذا يصعب الحديث عن دال ومدلول ، عن شكل ومضمون . فنحن أمام دال متعدد مدلوله و غائب ، وهذا يعني أننا أمام محطة تثير سؤال الكتابة في علاقته بالمرجعيات المتعددة ."(1). ويفرض تصورا نقديا جديدا ، يتجاوز القراءة الكلاسيكية ، التي تركز على المضامين ، والتي تمطط النص ، لتحشره في قالب الإيديولوجية ، دون الانتباه إلى دلالة الشكل ، وأيضا إلى سلطة القارئ ، الساخرة من أساليب التفسير غير المقنعة ، والتي تهتم بمفهوم الكتابة ككينونة خلاقة تعيد بناء العالم ، في علاقات مستحدثة ، يستحيل على غير التفكيك والتأويل ، التسرب إلى أعماقها الدفينة .
1- لعبة الكتابة: قليلا ما ننتبه إلى خطورة فعل الكتابة، في بداياتنا الحالمة والموهمة. نسعى نحو مصيدتها دون وعي . اندفاعنا لا حدود له . ما نفكره في لحظة استلابها لذواتنا ، هو جمالية عالمها السحري . نتقدم نحوها مسلوبي الإرادة.ليست هناك قدرة على المقاومة . عندما نلج أحراشها ينتابنا إحساس كاذب بالسعادة. نقرع الحروف كما تقرع الأجراس، ونصنع بيوتا لغوية نستكين إليها، نستريح في فيافيها من تعب العالم، لكن ونحن نجوب مدنها وغاباتها، نكتشف المتاهة ، نحس بالخدعة ، نحاول التراجع ، فلا نملك قوة الفعل . سقطنا ، أولا و أخيرا ، في المصيدة ، والتفت خيوطها الذهبية حول أجسادنا . شلت قدرتنا على التفكير ، وحول وعينا إلى مرايا متعددة الأضلاع.لكي نقاوم سجننا اللغوي ،نقبل اللعبة. نمارس اللعب وفق الآليات التي تقدمها لنا. في هذا النوع من اللعب ، التذاذ ، وأيضا انكسار ، وانفصال . وفيه أيضا اتصال و تلاحم. التذاذ ، لأننا نجعل ذواتنا أكثر استعابا للكلام ،قادرة على طي العالم في أشكال كتابية ، تتخذ من الغرابة صورا مركبة للسخرية والتفكيك أيضا . وانكسار لأن اللعبة أكبر مما نعتقده . فيها تنشرخ الذات نصفين ، واحد يمارس الحياة في ماديتها مذعنا لسلطتها ، قد يغضب ، لكن غضبه لاقيمة له ، فالحياة – في حقيقتها - ليست سوى سلطة سالبة لوجودنا. أما النصف الثاني، فهو التفكيك ذاته لهذه الحياة . تفكيك يستمد كينونته من الكتابة. وهنا يطرح سِؤال له أهميته ، أية كتابة هذه ، التي تستطيع تفكيك و خلخلة بنية الحياة ؟ هل هي كتابة النظام المؤسساتي التي تسجن القدرات الإبداعية في قمقم القوانين التاريخية واللسانية ؟ أم هي كتابة العمق المتحرر و المتمرد على القيود، والتي يسميها ، الناقد المغربي محمد برادة ،" كتابة الفوضى" ؟ إن ملابسات الواقع الذي نعيشه اليوم، تدعو إلي إعادة النظر ، والتأمل الابستيمولوجي في كل مكونات حياتنا التي تشابكت وتداخلت ، لدرجة لم نعد قادرين على فهم فوضاها . وفي هذا المستوى أصبح هذا النوع من الكتابة هو " الفوضى الوحيدة الممكنة وسط السديم الذي صعقتنا حقيقته ومشاهده العنيفة المتتالية .."(2). فكتابة الفوضى تمارس قراءة العلائق ، المتحكمة في وجودنا المتوهم ، محاولة إيجاد معنى لكل مايربك إدراكنا لهذا الوجود . بل أكثر من ذلك، تسعى إلى تأويل التفاصيل التي تزيف علاقتنا بالمجتمع و السلطة. "فالكتابة وهي تمارس فوضاها من منظور مضاد لنظام التكريس والتعليل والأمثلة ، تكون خطوات نخطوها استشرافا للغات وأشكال وحقائق يراد لها التغييب والوأد والتهميش ، تكون كتابة الفوضى بهذا المعنى جزءا من الفعل المغير ، وتحافظ على خصوصيتها وفاعليتها بقدر ما تحافظ على المبادأة النقدية والتمرد على التدجين .. التمرد على القائم والظاهر ، والتمرد على المرئي المتراص .."(3) . بهذا المعنى نفهم التفكيك و نمارسه.
في هذه العملية تكون اللعبة أكثر تعقيدا ، وفيها تتحقق المتعة الحقة . ونحن في مصيدة الكتابة ، نتمرس على الرؤية بالقلب و العقل . العين لا أهمية لها ، قيمتها بصرية ، سطحية ، غير نفاذة . أما عدسة القلب فقارئة ومشرحة ، تتسلل إلى المكامن القصوى للمعنى ، تنبش عمق الدوال الشعرية وتفجر التآويل الخفية ، من أجل بناء كينونة صادقة ، وبذلك تمهد الطريق للعقل المركب ، الذي ينظم سلطة التأويل ، ويعطيها مشروعيتها العلمية .
في هذا المستوى من اللعبة ، تتحول المصيدة إلى فضاء للمغامرة والانتشاء ، تتماهى مع الذات ، فتصبح الذات والكتابة شيئا واحدا، وهما معا، يصبحان صوتا بلاغيا للحياة ، وهنا السحر المولد للرؤى المحتملة . وهنا ، أيضا ، يتحقق مفهوم الاتصال و التلاحم ، مع الكتابة كعلامة والواقع كمرجع .
عندما حاول صاحبا " نظرية الأدب " ، التنظير للكتابة الأدبية ، وجدا أنفسهما مرغمين على استكناه سر الكتابة ، والجمع بين الأهداف و المتعة ، هكذا نفهم كلامهما : " يجب على الأدب ، دائما أن يكون ممتعا ، يجب عليه دائما ، أن يمتلك بنية وهدفا جماليا وتلاحما ومفعولا ، يتوجب على الأدب ، طبعا ، أن يكون على صلة ، معترف بها ، مع الحياة ، وان كانت الصلات شديدة التنوع . يمكن السمو بالحياة أو الاستهزاء بها أو مناقضتها. فالأدب في كل الحالات انتقاء من الحياة ، ذو طبيعة نوعية هادفة . وعلينا أن نحوز معرفة مستقلة عن الأدب لكي نعرف ما يمكن أن تكون عليه صلة عمل معين ب"الحياة". "(4) .
كل أجناس الكتابة لها صلة بالحياة ، لكن في هذه الأجناس نجد، أيضا اختلافات في الصلة . وربما كانت الأنواع السردية أكثر ارتباطا بها ، فهي ليست قارئة للحياة فقط ، بل وخالقة لها .
إن الكتابة السردية ، تعتمد في رؤيتها للحياة إبدالات لغوية عميقة ، فهي منظمة ومفككة ، مركبة ومقومة ، هي ليست واصفة ، إنها بانية للعوالم الملتبسة وغير الملتبسة . هكذا يكون السرد سيد المتعة ، سيد العوالم المفتوحة أمام الذوات المتعلقة به . انه الوسيلة الممكنة للرحيل ، من الذات إلى الذات ، من الحياة إلى الحياة ، ليست هناك حواجز ولا حدود ، فقط ، هناك شعرية اللغة ، وحصافة العقل ، وفعل الديمومة الخلاق .
2- هاجس القصة القصيرة :
في الدرس السردي الحديث ، يتم التمييز بين القص الخالص والقص التطبيقي . معتبرا القصة ، قصا خالصا ، والرواية ، قصا تطبيقيا . ويحدد الفرق بينهما ، في اتساع فضاء السرد . فالأول يكثف اللحظة و يوحد الشخصية والحدث أيضا . أما الثاني فيتخذ الاسترسال وسيلة ، حيث تبئير اللحظة ، وتوسيعها إلى لحظات ، وتشذ ير الشخصية و الحدث . من هنا اعتبرت القصة ، أكثر قدرة على التقاط لحظات الحياة الدقيقة جدا .لكن ، في ظل هذه الفوضى ، التي يعرفها عالمنا العربي المعاصر ، كيف تلتقط القصة مآسينا ؟ وهل يكفي توصيف حياة القهر ، كي تصدق وظيفة القص؟
حاولت القصة المغربية ، منذ السبعينات ، تشكيل وقائع الحياة وفق منظورات سردية قادرة على احتواء سياقات تخضع للنظام واللانظام في نفس الآن . وهذا ما اصطلح عليه بكتابة التجريب حينها ، وربما كان ذلك من حسنات القصة في تلك الفترة . فالمبدعون حاولوا تجاوز هفوات البدايات الستينية ، وربطوا العملية الإبداعية بالتحولات الجذرية التي فرضها الواقع العربي عامة ، والمغربي خاصة . مما دفعهم إلى خلق أشكال قصصية مختلفة بناء و مضمونا . أشكالا لا تعترف بسلطة الإطار ، ولا بالتبعية . لقد غدت " تجربة القصة القصيرة بالمغرب مرآة لأنماط التجريب واستنبات عناصر سردية انتمت إلى أنواع أدبية أخرى مثل المسرح والشعر والفن السينمائي وبنية الأسلوب الكاريكاتوري والبلاغة اليومية وأشكال الحكي التراثي .. وغيرها " (5) وبذلك أصبحت للقصة رغبة في إعادة قراءة الحياة من عمق الذات ، لا من خارجها. متحملة فوضاها ، وتركيبيتها . لقد " فرضت القصة نفسها خارج حدود الجنس الأدبي، المستمد لمعاييره من سجل النقد الغربي . غدت القصة ملتصقة بما يشتمل عليه وجودنا من صراع وحيرة وتمزق وتعدد في الرؤية والطموح إلى احتضان الجوهري من الأشياء.. لم يعد الواقع بمفهومه التبسيطي، الاستنساخي هو ما يثير اهتمام القصاصين المجددين ، وإنما أصبح الواقع يعني ، أيضا ، المحسوس والمتخيل والمتذكر ، يعني : الوقح والمألوف والمتطرف من الأحداث والمواقف ، ويعني : الذات الموزعة والمشتتة والظروف المادية القاسية ، كما يعني احتمال تصوير الأمور على غير ما تسير عليه وبافتراضات لا محدودة . " (6).
فالقصة المغربية ، بهذا الإجراء الجرئ ، وفي أتون مغامرة الكتابة ، المتداخلة المسالك ، والمحفوفة بالمخاطر ، وبحكم وعيها الجديد ، الذي فرضته مآزق الحداثة ، نجحت في إحداث " قطيعة ابستمولوجية تم بموجبها استبدال الواقع بالمتخيل ، والتاريخ أو التكون بالبنية ، والإبداع أو الإنتاج بالكتابة ، والشفافية بالكثافة ... "(7) هكذا انتقلت من القراءة المباشرة للأحداث ، إلى التفكيك ، وإعادة البناء ، يؤطرها في ذلك المتخيل الذي يتخذ الانزياح أسلوبا . وبذلك غدت مدخلا " للتمرد على سجن خطابات السلطة وبلاغاتها ... معبرا إلى إعادة تشييد فضاء رحب يستعيد المخيلة الموءودة، ويحتفل بنكهة اللغة الطازجة وطراوة المعرفة الكاشفة .. أن نقص ، معناه أن نلملم أطراف المشتت ، والمتلعثم ، و المتآكل ، و المنقسم ، و الوقح ، والملتصق بالجلد والذاكرة ، لنعيد نسجه وتوليف عناصره واستثماره وفق ما يجعل النفس ترتج بحقيقتها وبحقيقة مجتمعها .. " ( .
إن هذا الفهم المتطور للكتابة القصصية ، رفع عملية التجريب إلى الذروة ، وجعل المغامرين الجدد ، الذين ظهروا في الثمانينيات و التسعينيات ، والذين يمتد أثرهم للآن ، رفقة الجيل الجديد ، يحفرون أبعادا ملغومة ، أبدلت فعل التواصل الأحادي الجانب ، بالتواصل المتعدد لأن " النص القصصي ( لم يعد ) (9) نصا تواصليا بالمعنى المألوف، انه على الأصح يولد إمكانيات متعددة للتواصل أثناء القراءة، بفعل علاقاته الداخلية وطاقته الكبرى في مجال التدليل وبحكم أنه يعيش في الماضي والحاضر والمستقبل محافظا في ذات الوقت دائما على طاقته التدليلية فانه يكون معرضا على الدوام لتعددية القراءات."(10) ، أي أن النص ، ولج دائرة الوعي بقوة حضور المعرفة الابستيمية ، التي لا تكتفي بالتوصيف ، بل تسعى إلى صياغة الأسئلة المحمومة والمفجرة للصمت والحلم ، في نفس الوقت . من هنا نستطيع أن نؤكد ، مع ادوار الخراط بأن " القصة القصيرة ( ...) صياغة للسعي نحو المعرفة ، ونحو التواصل في هذه المعرفة : تشكيل لإدراك مشترك وكامن لأهوال الحياة والموت ومتعاتها : بنية متعينة لأسئلة وأشواق ، إجابتها في السؤال نفسه ، وتحققها في التوق نفسه ، أي أنها صياغة للسعي نحو المستحيل بكل ما هو في طوع الإمكان ، بل بما يتجاوز الإمكان بشرط التعريف (...) ففيها ، ادن ، مسحة من عمل النبوءة بالمعنى الأشمل ، أي بمعنى الرؤيا ، والعرفان ... " (11) .
إن هذا التحول الذي عرفته القصة القصيرة ، انعكس على مستوى التلقي ، وفرض قراءة من نوع خاص ، قراءة تهدم وتبني ، تعيد صياغة الذوات ، وفق منظورات فلسفية لا تنطلي عليها الخدعة الرمزية . وبما أن " القصة القصيرة بالذات شكل مخادع ومراوغ جدا " (12) فهذا يدفع بالمتلقي إلى التسلح بأنواع معرفية خصيبة ، لها إمكانية التحاور مع السابق واللاحق ، من أجل إنتاج معرفة نصية موازية للسرد القصصي .
يتضح من كل هذا ، أن المتلقي في القصة ، أصبح له دور آخر ، غير ذاك الذي كان له في الماضي . فهو الآن ، لا يتجه نحو نهاية القصة بدافع الملل ، باحثا عن النتيجة أو الحل ، مهملا المراحل السردية ، كما يحدث في الغالب مع الرواية . فقد أصبح يعي أن القصة تخلق حميمية خاصة معه . فكل بنية تكوينية فيها ، لها وظيفتها وأثرها . ولعل هذا هوا لسر في نجاح تلقيها .
طبعا ، نتحدث هنا عن القصة التي تملك " قصصيتها " ، أقصد أدبيتها المتماسكة ، وهذا يتطلب من المتلقي الانتباه والحذر في ربط علاقته بها، تماما، كما يتطلب من الذي " يقص قصة أن يعتني بما يحدث ، وليس بالنتيجة فقط."(13) . فالعملية ، بهذا المعنى مركبة ، وتحتاج إلى رقيب سردي ، مفترض أو فعلي ، يعتني بفعل الكتابة ، باعتباره نسقا وسياقا . وهذا يستوجب منا ، كمتلقين أن لا نبحث عن الماصدق في القصة، ف " كل شئ في القصة صحيح ماخلا القصة كلها " (14) ، لذا علينا أن نلتذ ببلاغتها ، ونستوعب رسالتها و ندرك حكيها ، وهذا هو الأهم ، وماعداه ، مجرد كلام عن الكلام .
3-الداخل إلى البحيرة :
أ-التقديم طريق أبيض:
العنوان المرتبط بالبحيرة ، جزء من سؤال احتفائي، بالقاص: مصطفى لغتيري ، ورد في سياق كلمة تقديمية لأحد رواد القصة المغربية، وأقصد بالضبط " المعلم " أحمد بوزفور . والمعروف في الأوساط المغربية ، أن هذا القاص ، بابتسامته الفلسفية الساخرة ، كان دائما يمد يد الإبداع ، لكل من يرغب بالتورط في عالم الكتابة .
تحاشى أحمد بوزفور في تقديمه المقتضب للمجموعة وظيفة التوجيه ، التي تقوم بها المقدمة عادة ، متناسيا ، في نفس الوقت ، ريادته للقصة المغربية ، التي تخول له سلطته الأبوية ، لو شاء ذلك . يفتتح، تقديمه ل" هواجس امرأة " (15) بالجملة التالية : " هواجس امرأة ، بحيرة قصصية تحتفي بالجدل " (16) والملفت أنه وسم المجموعة ب " البحيرة " لينفث فيها بعدا رمزيا . فما يميز البحيرة ، هو العمق الذي يخفي في أحشائه كنوزا غير متاحة إلا للغواص المتمكن والمجرب ، ثم إن العمق يستلزم الوعي بالمخاطر المحتملة ، والتي قد تؤدي إلى نتائج غير منتظرة. والقصة القصيرة هي هذا العمق الذي يربك كل حسابات المتلقي الحاذق . أما الجدل المشار إليه فحدده في بنية الصراع التي يولدها السرد،إلا أن الذي يجب أن نفهمه هو جدل الأفكار والرؤى والتصورات، إنه" جدل روحي إذا صح التعبير: توتر في العلاقة الإنسانية لا ينتهي إلى مركب جديد يطور الجدل بقدر ما يدور حول نفسه ليحافظ على نار الجدل مشتعلة."(17) وهذا يفيد أن البناء السردي في المجموعة يرتكز على فعل الحركة الخلاق ، الذي ينطلق من الذات ، الراغبة في تأسيس ، لا فضاءها المتخيل فحسب ، بل عوالمها المعرفية والجمالية أيضا . وواضح أنه اعتبر بنية الصراع المخصبة لنصوص المجموعة ، النواة الداخلية التي تسم العوالم المتخيلة ، والتي يسعى القاص إلى نحتها على غير مثال . كما أشار إلى بنية المتلفظ السردي الذي يرتكز – في نظره- على الجملة الطويلة : " وجمل الأستاذ مصطفى لغتيري طويلة كأعناق الزرافات ، تتمدد كل جملة منها بالنعوت والأحوال والظروف وأدوات الشرط والربط ، وتتحرك على أرض القصة كما يتحرك المحراث " (1. ومن المؤكد أن المحراث ، يرتبط في الثقافة الميثولوجية بالذكورة ، ويفترض أرضا بكرا ، لم توطأ ، تحتاج إلى " فحولة " لغوية خاصة . ولعل هذا ما جعل المعلم الداهية يطرح السؤال : " هل ذلك لأنها تزرع معنى لم ينبت بعد ؟ "
إن الأسئلة التي يتم تفجيرها في التقديم ، لا تعلن احتفاءها بالمتورط الجديد ، فحسب ، بل تنبه المتلقي إلى الفخاخ المبتوتة في ثنايا " القص " ، خاصة وأن الإشارة إلى الجمع بين القدامة والحداثة الأسلوبيين ، تنبئ على أننا أمام قاص يحترم التاريخ السردي ، ويرغب في تجاوزه من خلل الإضافة إليه . وأيضا ينسل مقنعا باتفاق ضمني ، بينه وبين المحتفي الذي خط بدهائه طريقا أبيضا نحو القصة القصيرة ، خال من النتوءات والمفاجآت الخطيرة .
وربما كانت هذه المجموعة ، من بين السرود القصصية القليلة ، التي تجمع بين سلطة الحكي ومحاولات التجريب ، وإن لم تكن مستغرقة بالشكل الكافي . وكأن الهاجس الحقيقي لدى القاص هو : كيف يبني قصة مغربية لها هوية سردية متماسكة ، ومستقلة . ولعل وعيه الحاد بكون القصة ليست ترفا ، وإنما هي حفر في الذات والعالم ، ومحاولة لاستقراء الواقع بكل حيثياته ، لا من أجل طرح بديل ، ولكن من أجل بناء السؤال المفكك للظواهر ، هو الذي فتح أمامه مسارب سردية ، اتخذت من الجملة الطويلة قنطرة للوصول إلى المتلفظ الوصفي ، و أ يضا إلى استغلال الامكانيات البلاغية ، لكن بأسلبة هاجسها التخييل .
المجموعة، ككل، تعتمد تكسير أفق الانتظار الذي يوهم به السارد المتلقي . فما من قصة في المجموعة تسلم نفسها لسلطة التلقي التي يرسمها المتلقي بذكائه الخاص .إنها وهي تراهن على التواصل ، ترهنه بالتكسير والتجريب . ففي القصة الأولى مثلا (19) ، المرأة لا تستطيع إقناع الزوج ، بوجهة نظرها في محاولة الإنجاب مرة أخرى ، لتكسير رتابة الذكورة . وفي الوقت الذي يعتقد فيه المتلقي ، منذ بداية القصة ، أن اتفاقا ما قد يحصل بينهما ، تكون النهاية مخالفة لتوقعه . كذاك في قصة " أبدا لن أعود " (20)، فالروح التي انعتقت من سجن الجسد ، ترق لطفلتها فتحاول العودة إلى سجنها ، إرضاء لعاطفة الأبوة ، غير أنها تخيب ظن المتلقي ، فتصر على الحرية ، كمعطى تم تحقيقه بعد معاناة . إن عملية التكسير هاته ، جعلت السرد القصصي يؤسس لبلاغة التقابل . فلا شئ في الحكي يأخذ بعدا واحدا ووحيدا . فهناك ، دائما، نوع من الحوار الفلسفي اللذيذ بين القيم المتصارعة ، والتيمات التي تساهم في تماسك البناء ، وتعطي لبعد الكتابة سحره المرآوي ، الذي لا يكتفي بالإنعكاس ، وإنما يرقى إلى مستوى التذويت ك " آلية أساسية ( ...) تقدم الأشياء والعوالم وكل المادة القصصية من خلال تصور الذات.."(21).
ب- العنوان الرئيس وهاجس المعنى :
دون الدخول في متاهات " علم العنونة"، نشير فقط إلى أن الدراسات الأدبية الحديثة ترى في العنوان عتبة أساسية ، هي بمثابة نص مصغر يمتلك مفاتيح النص الكبير الذي يتوجه . وكل مقاربة تهمشه ، تبقى ناقصة ، إن لم نقل : غير ذات قيمة . فالعنوان هو الكثافة الإسمية التي تعطي للنص هويته ، " وهو أيضا شبكة دلالية يفتتح بها النص ويؤسس لنقطة الانطلاق الطبيعية فيه . والعنوان بوعي من الكاتب ، يهدف إلى تبئير انتباه المتلقي ، على اعتبار أنه تسمية مصاحبة للعمل الأدبي ، مؤشرة عليه . " (22) والاهتمام به لا يأتي من باب الترف الفكري، وإنما من كون أن أي عمل كتابي- في الغالب الأعم- لايمكن أن يكون غفلا منه. أضف إلى ذلك امتلاكه لبعد مرجعي يضئ أبعاد السرد ويهئ خيط التواصل بين البات و المتلقي، إنه" مرجع يتضمن بداخله العلامة والرمز، وتكثيف المعنى، بحيث يحاول المؤلف أن يثبت فيه قصده برمته كليا أو جزئيا ، إنه النواة المتحركة التي خاط المؤلف عليها نسيج النص، دون أن تحقق الاشتمالية وتكون مكتملة، ولو بتذييل عنوان فرعي. والعنوان بهذا المعنى يأتي باعتباره تساؤلا يجيب عنه النص إجابة مؤقتة للمتلقي، كإمكانية الإضافة و التأويل "(23). وإذا كان الأمر كذلك ، فلابد من خلخلته لاكتشاف الخيوط الدلالية التي تدخل في النسيج العام للنص.*
إختار مصطفى لغتيري لمجموعته ، عنوان القصة الأولى " هواجس امرأة " كمشير علاماتي رئيس . وهذا يطرح أكثر من سؤال : لماذا هذا العنوان وليس غيره ؟ وهل لاختياره ما يبرره ؟ خاصة وأن المجموعة تضم عناوين أخرى لها قيمتها البلاغية والرمزية .
إذا انطلقنا من معنى الهاجس ، فإننا سنفهم السبب الذي جعل القاص يختار عنوانه هذا . أشرنا سابقا إلى أن الهاجس الأساسي عند الكاتب هو بناء عالم قصصي خاص به ، قد يتقاطع مع كتاب آخرين ولكن لا يتماثل . ويبدو ، من خلل ، فلتاته اللسانية أن الكتابة ليست ممارسة حرفية ، وإنما مغامرة حبلى بالمخاوف والارتباكات ، يقول : " أنا لا أرغب بأن أغامر في تجربة غير مضمونة النتائج "(24). ولكنه رغم مخاوفه يلقي بنفسه في جب الكتابة وعزاؤه الوحيد هو التحدي:" لماذا لا نجرب ؟ لدي إحساس عميق بأن محاولتنا لن تذهب سدى " (25) ومن المعروف أن تجربة الكتابة قاسية ، ومِؤثرة على الذات والجسد . فهي عملية نحت تهد لحظة البناء ، أو كما عبر عنها هو نفسه : " إنني أفقد السيطرة على كياني شيئا فشيئا . قشعريرة تغزو جسدي . إنها تتسرب إلى كل خلية من خلاياه .. إحساس بالنهاية يعتورني .. أشعر أنني أهوي إلى القاع . شعور بالاختناق يحاصرني . لم يعد لذاتي أي حضور. "(26) من هذه اللحظة بالذات ، تبدأ عملية التيه ، حيث الخواطر و الأفكار تفتح طرقا سردية يضيئها التمويه اللغوي والبلاغي . إن الهاجس ليس حالة اضطراب نفسي ، إنه حرقة معرفية اختارت حمى الابداع لتحليل المعيش وفق رؤيا متمردة . وإذا ربطنا الشق الأول من العنوان - آخذين بعين الاعتبار سياق الغلاف – بالشق الثاني الذي يحيل على المرأة في صيغة التنكير ، تأكد لنا أن معجمة المرأة تتقاطع و معجمة الكتابة في دلالة الأنوثة و العمق الدلالي الذي لايمكن التوصل إليه إلا بالحفر في طبقات المعنى . وإذا كانت الكتابة متعددة الأبعاد ، متنوعة الأنساق ، فهذا يؤدي إلى استعصاء تلقيها بأدوات بسيطة ، بل إن خلق حميمية ما معها ، لا يتحقق إلا بصعوبة ، ويحتاج إلى قدرة تأويلية متميزة تحترم الحدود . معاناة العلاقة مع الكتابة ، شبيهة إلى حد كبير بالعلاقة مع المرأة . فهذه الأخيرة تشكل عالما شديد التعقيد ، يحتاج حياة كلها لإدراك خفاياه . فكلمة امرأة التي وسمت العنوان ، خطت بخط بارز ، طريق الانزياح الذي خرج بها من حيز الدلالة الاعتيادية ، إلى دلالة جديدة ، أسها هو الاحتمال الدلالي االمبئر للأسئلة ، ثم إنها – دائما – كانت تتقنع تحت اسم حكاءة أسطورية ، هي شهرزاد ، ولعل صورة الغلاف أوضح تعبير على ذلك . وهذا يجعلها معادلا موضوعيا للحيرة و لحلم الكتابة . هكذا يمكن ترجمة " هواجس امرأة " ب " هواجس الكتابة " .
ج- العناوين الداخلية وهاجس التسمية :
إذا أخذنا بعين الاعتبار أن كاتب القصة – عامة – لا يفكر ، بداية ، في كتابة مجموعة ، وإنما تكون رغبته كتابة قصة واحدة مكتملة . ومع التراكم ، يأتي التفكير في عملية الجمع ، فهمنا حينها كيف تتم عملية بناء عناوين القصص التي يخفيها الغلاف ، وبعبارة أدق ، تتوارى وراء العنوان الرئيس. وما يثير في مجاميع القصة القصيرة عامة، هو كون القصص تكتب مفردة ، وتنشر في الجرائد أو المجلات ، بعناوين رئيسة، تعطيها هوية مستقلة، لها سلطة إشارية تفرض نفسها على المتلقي، غير أنها لحظة الجمع ، تتحول من قيمتها الهرمية إلى قيمة تابعة ، وخاضعة للتبويب ولكي تتوضح لنا الصورة أكثر، يكفي أن نلاحظ الترسيمة التالية:
العنوان الرئيس: [ نص مصغر]

العنوان الداخلي : [ نص مصغر]
يحتوي العنوان الرئيس، العنوان الداخلي ، ويمارس عليه سلطته المطلقة . إنه حارس الدلالة ، الذي لا يسمح بالقفز على قوانينه التنظيمية . عنه تتفرع، خاصة إذا كان وعي الكتابة ينطلق من مفهوم المتوالية القصصية. وبذلك يصبح الممر الأساسي للمتلقي، فعبره يتسلل للتعرف على العناوين المتخفية وراءه. ثم إن العنوان الرئيس ليس فقط عتبة أولى، يكفي تجاوزها، لتنتهي مهمتها. منطقيا، تسجيه قوانين عامة تمتح وجودها من اللسانيات بكل فروعها تقريبا، والبلاغة بكل تنويعاتها الأسلوبية المتاحة، والمتخيل بكل أبعاده، وباختصار الجهاز الثقافي الإنساني بكل حمولته التاريخية والمستقبلية. كل هذا يلزم المتلقي بمعرفة هذه القوانين كي يستطيع الولوج إلى دائرة التواصل والتأويل، ويدرك البعد التفاعلي الذي يتولد عبر شبكة من العلاقات الإشارية والدلالية. إذا استوعبنا كل هذا، فهمنا أن العنوان الرئيس ، في الوقت الذي يتحاور فيه مع النص، يفتح قنوات تناصية مع العنوان الداخلي، حيث يبدو وكأنه ينفث فيه روحه الدلالي، ليثبت وجوده المطلق. وأيضا في استجابة العنوان الداخلي للحوار الجدلي، إثبات لروح العلاقة النصية والعنوانية التي لا يمكن التغاضي عنها. والخطاطة التالية- ربما كانت- أكثر وضوحا:
العنوان الرئيس

العنوان الداخلي

الـنــــص
في القصة القصيرة لا يقوم العنوان الداخلي بالوظيفة التجزيئية التي ترتب فقرات أو فصول النص. إن الوظيفة الأساسية التي يتحمل تقلها إحالية، تتجه نحو سابق هو العنوان الرئيس، ولاحق هو النص. ومادمنا أمام مجموعة، فإن السابق واحد، واللاحق متعدد. وهذا يؤكد أن مقولات التنظير الغربي تبقى نسبية، قد تنسجم مع حقول اشتغالها في اللغة التي أنتجتها. أما في اللغة العربية فإن الاشتغال يحتاج كثيرا من المرونة، استجابة لروح الإبداع المختلفة والمتنوعة، والتي تحمينا من الإسقاطات المجانية. نستنتج أن العنوان الداخلي، في " علم العنونة " لبنة أساسية لتنظيم الكتابة. وهو إلى جانب وظيفة التسمية ، يقوم بوظيفة ترميزية ، غايتها التكثيف وإثارة الفضول . إنه بلغة المجاز الطعم الذي يوقع المتلقي في مصيدة الانزياحات المحيرة .
غير أن ما يلاحظ على أغلب كتاب القصة ، هو ضعف الاهتمام ببنية هذا العنوان ، وكأن الغاية لديهم هي التسمية فقط ، والتي غالبا ما تأتي مجتزأة من النص ، مما يجعله أقرب إلى الاعتباط ، منه إلى القصدية . بالإضافة إلى كل هذا ، عدم الأخذ بعين الاعتبار، دلالة الجمع بين دفتي كتاب ، والذي يلزم المبدع بالتجانس النصي ، الذي لن يكون تاما ، إذا لم يتم استحضار التجانس العنواني . طبعا هناك من يهتم بإبداعية العنوان ، ويعتبرها بنية أساسية في الكتابة، لذا يهتم بنحتها ، ويلمعها بوسائل أسلوبية دالة على قيمتها السميائية ، من أجل أن تحقق أثرها كعتبة** .
في هذه المجموعة : كيف تم بناء العناوين ؟ وهل تمثل نصوصا مصغرة تهئ القارئ لولوج دلالة النصوص الكبرى التي تتوجها ، أم هي مجرد تسميات تؤدي وظيفة إعلامية ؟ وما العلاقة بينها وبين العنوان الرئيس ؟

الـقــــصــة الــعــنــوان نــوعـــــــــه تــركـيـبـه دلالــتـــه
1 هواجس امرأة مركب جملة إسمية الحيرة والتردد
2 مصير شجرة مركب جملة إسمية الرغبة في الاستمرار
3 الإسكافي مفرد جملة إسمية حكم القيمة الخاطئ
4 ديالكتيك العشق مركب جملة إسمية ابتذال الحب
5 في رحاب الانتظار مركب شبه جملة الأمل
6 الثعبان مفرد جملة إسمية العلاقة بالطبيعة
7 البطاقة مفرد جملة إسمية الشؤم
8 أبدا لن أعود مركب جملة فعلية الانعتاق
9 امتدادات لا نهائية مركب جملة إسمية الكابوس
10 سيادة الرئيس مركب جملة إسمية وهم السلطة
11 أيام في الجحيم مركب جملة إسمية التطهير
12 الزقاق مفرد جملة إسمية وطأة الذكرى
جدول : 1
يقدم (ج1) صورة أولية لبنية العناوين الداخلية .
وأول ملاحظة نسجلها هي هيمنة العنوان المركب في ثمان قصص ، في حين استقلت أربع قصص بالعنوان المفرد .
الملاحظة الثانية : تركيبيا وردت الجملة الإسمية في عشرة عناوين . وشبه الجملة الدالة على الظرف في عنوان واحد ، وكذاك الجملة الفعلية .
الملاحظة الثالثة: العناوين كلها ذات بنية موضوعاتية مرتبطة بالمقصدية السردية .
الملاحظة الرابعة: للعناوين خاصية سردية واضحة ترتبط بسرودها .
الملاحظة الخامسة: تركز العناوين في دلالتها على الشخصية ، متخذة الفضاء ذريعة للتخفي والتمويه.
الملاحظة السادسة: دلاليا تؤسس هذه العناوين لمتوالية نصية – وإن كانت باهتة – يمكن تلخيصها في: حيرة الذات وهي تواجه عوالمها الممكنة.
من خلل ما سبق ، نسجل أن هذه العناوين تتعالق دلاليا مع النصوص التي تسمها، مما يجعل وظيفتها-إلى جانب التسمية- تلخيصية بامتياز، وهذا – للأسف- غيب وظائف العنوان الأخرى. ورغم ذلك فإن هذا لا ينقص من قيمتها.
الملاحظات السابقة، تنبهنا إلى أن العناوين الداخلية تتعالق مع العنوان الرئيس دلاليا، ليس لأن هذا الأخير يظهر في مكانين مختلفين، بل لكونه يفجر طاقات دلالية تنتشر شظاياها في النصوص التي تسمها العناوين الداخلية. لنتأمل هذه الترسيمة:
العنوان الرئيس: هواجس امرأة



هواجس امرأة مصير شجرة الإسكافي ديالكتيك العشق في رحاب الانتظار الثعبان البطاقة أبدا لن أعود امتدادات لا متناهية سيادة الرئيس أيام في الجحيم الزقاق



العناوين الداخلية
يتمركز العنوان الرئيس حول دلالة الهاجس الارتباكية، حيث التردد قيمة كبرى تنعكس على ما هو لساني واستعاري. وهذا جعله يتسلل إلى العناوين الداخلية مستغلا فضاءاتها من أجل تبئير دلالته. وبذلك يضمن وجوده كسلطة مركزية قادرة على التواجد في كل النصوص القصصية التي يتسيد عليها. فما من عنوان داخلي لا يحيل على الحيرة ، والمصائر التي تتآكلها مآسي الحياة. من الهواجس إلى ظلمة الزقاق تدخل الذات الساردة أو المسرود عنها، في متاهات مفخخة بالأسئلة، فلا تجني من وراء ذلك سوى الدوار و العذاب.
د – لغم الابتداء السردي :
للمتلفظ السردي الابتدائي أهمية بالغة ، فهو ليس عتبة لغوية لها مرجعية تركيبية . إنه الجملة السردية الأولى في النص ، والتي تفتح باب الحكي أمام المتلقي ، وتدعوه إلى تخطي العتبة ، لتزج به في فضاءات غامضة ومعقدة. وبالتالي فجملة الابتداء كما تسمى في النقد الحديث " هي التي تبعث الحركة في الكتاب ، توجهه، تقوده. وفي بعض الأحيان تلخصه أو تعيد إنتاجه"(27). ليس في هذا القول أية مبالغة، لأنه ينسجم تماما مع وظيفة جملة الابتداء. فهذه الأخيرة تتجلى أهميتها في عملية الانتقال بالمتلقي من الواقع المادي الذي غالبا ما يشل حركة التفكير فينا، إلى عالم المتخيل الذي يساعدنا على ترتيب أشيائنا وفق رؤيا جديدة. إن" الجملة العتبة هي العبور من الصمت إلى الكلام، من الماقبل إلى المابعد، من الغياب إلى العمل الأدبي، من العدم إلى الوجود"(2. وهي بذلك تهيئ ميثاق التلقي لكي تضمن للمحكي تقبله واستمراره . ويعني هذا أن دورها " هو البحث عن افتتاح السرد وعقد ميثاق القراءة مع المتلقي. " (29).
إن اهتمامنا بالبداية ليس مسألة تقنية فحسب ، بل لأنها تؤدي وظائف متعددة و" تهئ لحالة شعورية وعقلية من خلال محاولة توجيه القارئ إلى نوع من التلقي المطلوب، والذي يتيح له استقبال معظم مكونات الرسالة اللغوية، الخفية منها والمعلنة، وذلك عن طريق الإيحاء بمناخ ما أو استدعاء مجال تناصي بكل ما يجلبه معه من المواصفات والتقاليد الفنية والفكرية التي تصوغ اتجاه التعامل مع النص."(30)، وبذلك تؤدي إلى إضاءة مسارب السرد المموهة، وتهب المتلقي أدوات مساعدة، كي يخوض المغامرة في نوع من الاطمئنان المريب، الذي- حتما- سيقوده إلى رؤى مقعرة تحتاج كثيرا من التأمل، وقوة تأويلية قادرة على تفكيك العلاقات وتركيبها. " إن البداية في هذا السياق تكون مرشدا للقراءة والقراء، وتشكل وظيفة استراتيجية، لأنها مرآة ذات أنواع ووظائف تولد انفعالات وشعورا وأفق انتظار."(31)، بالإضافة إلى كل هذا تساهم في إضاءة المعنى ومنح النص هويته الأجناسية. ولعل من بين الوظائف الأساسية التي تقوم بها ، الوظيفة الإغرائية والدرامية (32)، لأن هدفها كان- دائما- ومازال هو السيطرة على ذاكرة التلقي، ومنحها هوية سردية.
وإذا ، كيف تشكل قصص المجموعة بداياتها ؟

الـقـصــة الــعــنــوان مــلــفــوظ الــبــدايــة
1 هواجس امرأة - لم تخبرني برأيك في الموضوع .
2 مصير شجرة كان الوقت قد جاوز الظهيرة بقليل ... بين الحقول .
3 الإسكافي شعور بالقرف يكتسحني ... يداهمني .
4 ديالكتيك العشق حين رفعت القينه عقيرتها تصدح بصوتها... ألوانه بشكل رائع .
5 في رحاب الانتظار ارتدى الخبر في بدايته ثوب الإشاعة .
6 الثعبان تملكتني فجأة نشوة مشبعة بالحبور وأنا مستلق على ظهري .
7 البطاقة كعادتي عندما أتيه في المدينة... يعتريها بعض الضيق .
8 أبدا لن أعود حينما أعلن الطبيب أن فلانا قد فارق الحياة... شخصا عزيزا .
9 امتدادات لامتناهية كانت السيارة تلتهم المسافات ... حدود الهوس .
10 سيادة الرئيس نوافذ المكتب تشرف على بناية ... كل الطبقات .
11 أيام في الجحيم أكوام بشرية متكدسة.
12 الزقاق السكون مطبق على العالم من حولي .
جدول 2
تتوزع البدايات في "هواجس امرأة" بشكل غير متكافئ. فالبداية السردية هي المهيمنة، إذ استغرقت سبعة نصوص، وتليها البداية الوصفية بأربعة نصوص، أما البداية الحوارية فجاءت في نص واحد. يدفعنا هذا إلى استنتاج أولي: هناك نوعان من الابتداء، إذا أخذنا بعين الاعتبار، البداية الحوارية كصورة تنويعية على السرد:
1- بداية سردية،تسرع فعل الحكي، وبذلك تورط المتلقي مباشرة في فخاخها .
2- بداية وصفية، تعطل الحكي ، وكأنها تهئ المتلقي للمغامرة السردية.
ففي الحالة الأولى لا يترك السارد للمتلقي مجالا للتفكير في الخطوة التي يجب عليه أن يتخذها أمام عتبة البداية الملغومة. يسحبه إليه، بقوة الحكي، ثم ينومه سرديا، كي يزج به في فضاء المتخيل الذي ينسخ كينونته ويحوله إلى مسرود له لايملك سلطة الاحتجاج أو الرفض.أما في الحالة الثانية فإن السارد يقدم نفسه كواصف لايهتم بما يحدث، يعرض موصوفاته بقليل من الحياد غير الظاهر، مما يدفع بالمتلقي إلى السقوط في فخ السرد إراديا ودون حماية مسبقة. إن الحالتين معا، تساهمان في تحقيق التواصل، إبتدائيا، بين المرسل و المرسل إليه الواقعيين، وسرديا بين سارد متخيل، ومسرود له استنسخت هويته، فوجد نفسه اضطراريا ، متورطا في عوالم المتخيل المركبة.
على مستوى التركيب يهيمن الفعل بصيغتي الماضي والمضارع على عشر بدايات، أما البدايتين المتبقيتين فقد لبستا الإسمية بشكل مطلق. ضمن العشر بدايات نجد بدايتين تتخذ من الفعل الناقص "كان" نواة لبنيتها، مما يجعلها سليلة البنية السردية التقليدية التي يصارع السرد الحديث من أجل التخلص منها: ف" كان الوقت قد جاوز الظهيرة بقليل.." مثلا، تناظر بداية الحكي القديمة:" في قديم الزمان كان "الوقت قد..". غير أن هذا لاينفي جدة الكتابة القصصية، وربما كان القاص يتقصد ذلك. ومهما يكن فإن الابتداء بفعل ناقص، وإن كان غارقا في التقليدية، فيه نوع من الطرفة الحكائية التي تمنح الحكي صفة الشفاهية وبالتالي تحول المتلقي من قارئ بالعين إلى قارئ بالسمع.
بالنسبة للبداية ذات التركيب الاسمي، فوظيفتها الأساسية تثبيت الصورة المأساوية للفضاء الذي تدور فيه الأحداث، وهي بذلك تقحم المتلقي- الذي تحول إلى مسرود له- في دائرة درامية لن يتخلص منها إلا بانتهاء الحكي." فأكوام بشرية متكدسة."(القصة11) و" السكون مطبق على العالم من حولي"(القصة12) لايمكن أن تكونا بدايتين عاديتين، فحمولتهما الدلالية والمرجعية تبئر دلالة الصراع الداخلي الذي تعانيه الذات الفاعلة والمنفعلة مع موضوعها. بل إن بداية(القصة 11) هي الأكثر تميزا، لانفتاحها على البعد الغرائبي الذي، ربما، كان يطمح للوصول إلى العجائبي***.
أيضا يتبدى لنا أن الفاعل في تسع بدايات هو السارد الشخصية (هيمنة ضمير المتكلم)، وهذا يضفي عليها صبغة اعترافيه. أما الثلاث بدايات المتبقية فيهيمن عليها السارد العالم بكل شئ( ضمير الغائب) ، المتحكم في خيوط السرد، والذي لا يترك لمحكيه الحرية في الانفلات، ولا للصدفة مجالا. وما يشفع له استبداديته، هو بناءه لمتلفظ سردي منسجم مع النسق الحكائي، يهدف إلى تقديم وجهة نظر ساخرة عن واقع تشيأت فيه القيم فلم يعد مستساغا.
تبقى هناك مسألة تحتاج إلى توضيح: البداية في النص السردي ليست مقننة وفق نظام ثابت، فملفوظها ليس مرتبطا بالجملة اللغوية، كما هي معروفة في علم اللغة، بل إنه يستجيب لنسقية المحكي التي قد تفرض ملفوظا يتكون من جملة واحدة أو أكثر من جملة " إن الملفوظ... ليس شيئا آخر سوى تتابع للجمل التي تكونه."(33). من هنا يتوضح لنا أن البداية السردية تعلن عن بداية الحكي من أول جملة، إن لم نقل لفظة، في حين مع البداية الوصفية، لا يبدأ الحكي إلا عند توقف السارد عن الوصف. ولعل الترسيمة التالية تكون أكثر وضوحا :



بدايات" هواجس امرأة"




بداية سردية بداية وصفية

هيمنة الفعل حضور الإسم
(10.9.8.7.6.5.4.3.2.1) (12.11)



الماضي المضارع النعت الحال


السارد الشخصية السارد من خلف
(12.11.9.8.7.6.3.2.1.) (10.5.4.)


بداية عادية بداية غرائبية
(12.10.9.7.6.5.4.3.2.1.) (11.8.)

إغرائية درامية
كاستنتاج أخير، نلاحظ أن البدايات العادية في السرد عامة - سواء أكان قصة قصيرة أو رواية أو نصا رحليا**** - تقوم بوظيفة إغرائية، أما الوظيفة الدرامية فغالبا ما ترتبط بالبدايات الغرائبية أو العجائبية. ويرجع ذلك إلى كون الهدف الأسمى عند محترفي السرد هو خلق لغة تواصلية جديدة يثبلها المتخيل.. لغة مهمتها تشريح الذات ، وتأويل العالم.
ه- قفل الانتهاء:
لملفوظ النهاية، هو أيضا، قيمة كبرى لا تقل، في أهميتها، عن ملفوظ البداية. و " من المعلوم أن بداية ونهاية نص ما هي مواقع استراتيجية حيث يتمركز المعنى وحيث يبتدئ ويتم الأثر المتوقع."(34).
ومما يثير الاستغراب أن الدراسات التي تنتمي إلى النص الموازي والتي اهتمت بعتبات الولوج إلى النص، تفصيلا و تفكيكا، لم تول عتبة الخروج منه الأهمية التي تستحقها، باستثناء بعض الإشارات التي ظلت غامضة وغير كافية. وكأن هذه العتبة لا تقوم بأي دور، سوى إغلاق باب السرد المتوهم. مع العلم أن وظيفتها لم تكن، في تاريخ السرد الحديث، هي الإنهاء أو التوقف عن الحكي. فهي كانت- دائما- فعل مواربة يهيئ المتلقي لفضاءات سردية جديدة ، ويعني هذا أن " النهاية تتحكم في كل ما يسبقها"(35). بل إنها إعلان عن بداية متخيل إستحداثي يبنيه التلقي، كاستمرار لأثر سابق تم التخلص منه، ولو مؤقتا.
وإذا كانت البداية بوسائلها اللغوية والبلاغية تسعى إلى توريط المتلقي في محكيها. فإن النهاية تنسج ورطة مزدوجة، قطباها: التأويل ، الذي يستحضر - بقوة- تاريخ السرد الملتبس . والمتخيل المتعدد ، الذي لا يستقر على حال واحدة . فهي توهم المتلقي بتوقف الحكي، من جهة ، وتورطه في متخيل مفتوح ، من جهة ثانية .
إن ملفوظ الانتهاء ليس هو تلك الجملة السردية الأخيرة ، التي تأتي – دائما – في أسفل النص ، والتي تحدها إحدى علامات الترقيم المؤكدة للنهاية . إنه الملفوظ الذي يتحكم فيه التعدد الجملي ،والذي يخضع لسلطة السياق . وهذا يحوله إلى علامة إحالية على سابق هو النص ولاحق هو متخيل المتلقي . إنه يخلق احتمالات كثيرة للتأويل تتحرك بين ظاهر، سبله واضحة ، لأنه يمثل صورة المحكي كما هو مقروء ، وكما هو خاضع لقانون الكتابة السردية ، وباطن ميزته الأساسية، التواصل مع خارج النص ، مما يمهد لبناء متخيل مواز للنص، يقدم صورة لقارئ متفاعل مع المكتوب، راغب في الإبدالات النصية الناقصة والتي لا يقدمها النص المركزي ، وبذلك يفرز نصوصا بديلة ، وإن كانت منذورة للفوضى . وطبعا لا يمكن تحقيق ذلك إلا إذا كان " المتلقي للسرد(...)ينطلق من النص السردي ثم يقرنه بما يعرف من النماذج السردية "(36). من هنا يصبح مبدأ التفاعل القرائي مفهوما ، وذا بعد إجرائي. غير أن الأهم في العملية هو تفجير الطاقة الإبداعية لدى المتلقي. لنتفحص هذه الترسيمة :


تاريخ الأدب ملفوظ البداية الــنـص ملفوظ النهاية
سابق ------------ ------------ لاحق المتخيل
تاريخ السرد لاحـــــــق ســـابـــق

تنبني هذه الترسيمة على مفهوم التعالق ، كمكون بنائي في التلقي. فالنص الأدبي عامة ، والسردي خاصة لا يمكن أن يوجد خارج هذه الدائرة ، بل لا يمكنه أن يعيش معزولا عن السياقات الثقافية المتنوعة والمعقدة . وجوده رهين الوعي ب" تعلق السابق باللاحق"(37). وإذا كان هذا هو قدر النص، فإن قدر المتلقي مأساوي، لأنه مطالب بعدة معرفية قوية، تستحضر التاريخ النصي بكل حيثياته ، وتستوعب ذاكرة اللغة ، لأن " كل كلمة أدبية تشد إليها بدرجة قوية أو ضعيفة مستمعها أو قارئها أو ناقدها ، وتعكس في متنها اعتراضاته أو أحكامه أو وجهات نظره المسبقة "(3.
يتبين من خلل الترسيمة أن النص في علاقة تفاعل-نصي مع ملفوظي البداية والنهاية. غير أن الأول يسحب النص نحو نصوص سابقة عليه في الوجود ، في حين الثاني يسحب النص مع ملفوظ البداية وسابقه نحو نص لاحق موجود بالقوة في متخيل المتلقي. وهذا يجعل من ملفوظ النهاية مكونا احتوائيا. وظيفته الأساسية الامتصاص والتوليد، أي امتصاص السياقات الدلالية الداخلية والخارجية دفعة واحدة، ثم توليدها في أشكال مركبة، تستجيب لقوة المتخيل لدى المتلقي.
من المؤكد أن القارئ على اختلاف درجاته، يصطدم بالنهايات النصية، ويسائلها، لكن الأكيد أنه يتعامل معها في حدود أنها تمثل نهاية مادية مغلقة أو مفتوحة. وربما كان هذا اللبس في التعامل معها راجعا إلى العادات السيئة المكتسبة في تاريخ التلقي، خاصة على مستوى السرد. فالمتلقي المتعود على هذه العادات، متسرع، يتجه نحو آخر النص، لأنه- في نظره- فيه تتجلى الحقيقة، وهذا فهم مغلوط، كثيرا ما أفقد النص خاصيته الإبداعية، والمتلقي متعة الكشف عن المكامن الدافعة للخلق. فملفوظ النهاية هو أس البناء، ولهذا يتوجب علينا استقراءه في حذر، لأن كل أسرار النص كامنة فيه. بهذا الوعي تصبح الترسيمة أسفله، ذات قيمة كبرى :



ملفوظ النهاية: الــنــص : ملفوظ البداية: سابق : تاريخ الأدب والسرد




لاحـق: مـتـخـيـل الـتـلـقـي

من كل ما سبق نستنتج أن لملفوظ النهاية وظائف يؤديها، منها :
- الوظيفة الدلالية: إن النص بعتباته وسياقاته الداخلية والخارجية أيضا، ينسج عوالم دلالية ذات أبعاد مركبة، تشتغل وفق نظام شعري، غايته خلخلة الكينونة، من أجل الكشف عن مكانيزمات العلاقة الجامعة بين الكائن وكينونته، وبناء رؤيا للعالم تستوعب التحولات الفاعلة في الحياة. وإذا كانت هذه هي مهمة النص الأساسية، فإن ملفوظ النهاية هو العتبة التي تختزل العملية برمتها، مما يعني أن هناك إمكانية قراءة النص انطلاقا منها. ينبهنا هذا، إلى أهمية هذه الوظيفة وخطورتها. فهي تزج بالمتلقي في أتون الأبعاد الدلالية المقعرة، وتنزاح به عن"القراءة(...)العادية (التي)تتم من اليمين إلى اليسار أي من البداية إلى النهاية(نحو)القراءة الثانية التي يمكن أن نسميها القراءة العالمة(...)(التي)تتم من النهاية إلى البداية، من اليسار إلى اليمين."(39) إن التعامل مع هذه العتبة بوعي قرائي ممنهج، يدفع التلقي إلى مستويات تفكيكية كبرى، غايتها جعل المتلقي يمتلك المقدرة الإنتاجية التي لا تتوقف عند حدود الدلالات النصية المعطاة، بل تخترق الحدود، والحواجز لتصل إلى ما وراء الدلالة، حيث يصبح المتلقي-هو أيضا- متورطا في عملية الإبداع. وبذلك يلغي سلبيته ويتحول إلى"متلق منتج، قادر على فهم الخطاب الأدبي وتأويل بنياته النصية، وعلى إنتاج الدلالة بالوصل بين ما هو موافق وما هو مفارق في هذا الخطاب، بين الصريح والضمني، بين المبنين وما هو قابل للبنينة."(40). وطبعا يؤدي هذا الفهم بالمتلقي إلى إدراك القوة الإنتاجية لملفوظ النهاية.
- الوظيفة التأويلية: إن الغاية من أية قراءة هي الوصول إلى الإمكانيات الدلالية التي يبطنها النص المقروء. وطبعا لن يتحقق ذلك في غياب الوعي بأهمية العتبات، وخاصة، عتبة الملفوظ الانتهائي. فهذه الأخيرة، وسيلة مساعدة على الانتقال من الظاهر إلى الباطن، من داخل النص إلى خارجه، أي إلى المرجعيات المؤطرة له. ولذا فهي تتحول من الانتهاء إلى الابتداء، لأن المتلقي يتخذها كبداية للسفر نحو عوالم مجهولة يكون قد أوحى بها النص، ولم يجلها. فسبر العمق الدلالي لملفوظ النهاية، هو البوابة التي يعبرها المتلقي نحو التأويل الذي لا تكون غايته اكتشاف المعنى الخفي، أو البحث في العلاقات المنتجة للمعنى، أو ضبط النظام الصارم الذي يسيج النص، وإنما بناء نص مواز للنص الأصلي، في إطار تقابل مدرك للصيرورة الإبداعية، ولحضور الذات المتلقية كعنصر منفعل وفاعل في النص، غايته ليست إعادة الإنتاج وإنما الخلق والإبداع"لأن النص لا وجود له بدون مساهمة ذاتية وسياق ما"(41). وأيضا لأن استمرار وجوده رهين بمدى فاعلية القارئ ودوره في منح النص روحا جديدة تقاوم الزمن وتستجيب لـ"طبيعة النص الأدبي(التي)تستدعي فعلا تأويليا وإبداعيا من جانب القارئ"(42). إن ملفوظا انتهائيا من مثل:"- سأفكر جديا في الموضوع."(القصة1)، لا يمكن أن يكون قفلا سلبيا للنص. فهذا الملفوظ تكسير لأفق انتظار محتمل، قيد عملية التلقي، من جهة، ورج التقليد القرائي المتعود من جهة أخرى. إن التفكير الجدي في الموضوع يطرح لا جدية التفكير السابق، وهذا يعني أن التواصل بين الزوج والزوجة كان مزيفا وغير صادق، مما يؤسس لعلاقة تنافرية بينهما. هل هذا المعطى المتوصل إليه هو غاية هذا الملفوظ ؟ أعتقد أن وراء السياق السردي، دعوة للمتلقي كي يشارك في التفكير وبجدية غير مشابهة لتفكير الزوجة، وهنا دعوة للمقارنة بين نمطين من التفكير، نمط ذكوري وآخر أنثوي، لكن المشكلة التي ستحير المتلقي تتمثل في ما يلي: الأنثى ترغب في الأنثى، في حين الذكر لا يفصح عن رغبته، ويتظاهر بالحياد. إن الرغبة الأنثوية، هي استمرار لسلطة الجنس، فلا يمكن لأية امرأة أن تعيش دون أن تنعكس صورتها في ابنتها، وكأن المسألة مرتبطة بذلك الصراع الأبدي والخفي بين إسمية الرجل ولا إسمية المرأة. إن هذا الملفوظ يحث المتلقي على خلخلة الفضاء السردي للتحكم في الخيوط الدلالية المفتوحة على التآويل اللانهائية التي يرشح بها النص وتستجيب لرؤيا المتلقي، وتهيئه لاقتحام عالم المتخيل.
- الوظيفة التخييلية : إن الوظيفتين السابقتين تمهدان الطريق، نحو المتخيل. فالمتلقي إذ يتواصل مع النص السردي يجد نفسه مقحما في عوالم لم يفكر فيها من قبل. وانطلاقا من كون" التفاعل الفني تفاعل تخيلي"(43)، فهذا يفرض أحد خيارين، إما رفض هذا النوع من التواصل، وبالتالي رفض النص، أو القبول بالأمر الواقع، والمغامرة في إعادة تكوين الذات، وبناء نص متخيل مواز.والخيار الأخير صعب، لكنه هو الصائب، لأنه ينزاح بالمتلقي عن القراءة الاستهلاكية التي تعيد الإنتاج، ويضعه في عمق القراءة المنتجة. إن المتلقي بشكل عام، عندما يتواجه مع النصوص يملأ فراغات تعن له. ومادام الأمر كذلك، فهذا يعني أن حس الإبداع حاضر لديه، سواء أوعى ذلك أم لم يعه. فالنص- كان دائما- يسعى إلى"إقامة تفاعل تخيلي وإبداعي بينه وبين المقصد أو المتلقي"(44). نؤكد- اعتبارا لكل ما سبق- أن ملفوظ الانتهاء هو الجسر المتين الذي يمر منه المتلقي إلى المتخيل.وبما أنه يكون قد أمسك بالدلالة وأولها، فهذا يعني أن السبيل لبناء نصه الموازي أصبح سالكا.
نعود إلى مجموعة "هواجس امرأة" ونتساءل كيف تم سبك ملفوظاتها الانتهائية؟

الـقـصـة الـعـنـوان مـلـفـوظ الـنـهـايـة
1 هواجس امرأة - سأفكر جديا في الموضوع.
2 مصير شجرة حينها تسللت الشجرة إلى خياله، وقد كستها خضرة يانعة...(إلى) اجتثاتها.

3 الإسكافي ولم تمض سوى لحظات حتى كنت أتمدد تحت ظلال...(إلى) ما لا نهاية.

4 ديالكتيك العشق - أجيب لي زوج ، ما كتسمعش.
5 في رحاب الانتظار الشاحنات تستمر في طريقها مخلفة سحابة من الغبار...(إلى) بائسة.
6 الثعبان ثم انسحبت لتبتلعها إحدى الغرف، فيما اتجهت نحو الصغير...(إلى) لا قيمة لها.
7 البطاقة - خذ كتابك، لقد نسيته عندنا الليلة الماضية.
8 أبدا لن أعود يعتريني حزن يستوطن أعماقي. أحمله بين ثنايا ذاتي...(إلى) جزءا من كياني.
9 امتدادات لا متناهية تظللني زرقة السماء، وشبح المرأة يترصدني...(إلى) المدى اللامتناهي.
10 سيادة الرئيس لملم كيانه وانسل خارج القاعة وكأنه هارب من عقاب...(إلى) وجبروته.
11 أيام في الجحيم - هذه الحكمة أنا قائلها. وهي سبب هذا العذاب الذي لا نهاية له، ولا رحمة منه.
12 الزقاق - كنت ستقع . انتبه جيدا فالزقاق يعج بالحفر.
جدول 3
يقدم لنا الجدول(3) إمكانية تصنيف ملفوظ النهاية إلى قطبين أساسيين:
- الأول: ملفوظ انتهائي حواري: حيث نلاحظ أن خمسة قصص (12.11.7.4.1.) تنتهي بملفوظ سردي حواري، مما يجعلها أكثر انفتاحا على سياقات جديدة، يتحول فيها المتلقي من مسرود له إلى سارد مطالب بإنهاء القصة أو إبداع نص جديد يكون موازيا للنص المقروء.
-الثاني: ملفوظ انتهائي سردي-وصفي: ويحتوي سبعة قصص(10.9.8.6.5.3.2.) وفيه يبئر السارد إما موضوعة محكيه أو عنصرا من عناصر القوى الفاعلة التي تؤثت الفضاء السردي.
والملاحظ أن كلا الملفوظين يحتوي أنواع انتهائية تضفي عليهما مسحة بلاغية، مما يثريهما دلاليا وجماليا. وهذا يؤكد أن الملفوظين معا لا يمكن أن يوجدا خارج الأسلبة السردية، التي تساهم في لفت الانتباه إلى قيمتهما الدلالية. لذا غالبا ما نجد المجاز هو الوسيلة المهيمنة على نسقيتهما، وهو الآلة المحركة لأبعاد التأويل لدى المتلقي. وكأن السارد وهو يضع لبنات محكيه يبث فخاخا ملغومة هنا وهناك، كي يفجر رغبة التواصل العادي ويستبدلها برغبة القراءة الحذرة، الساعية نحو مقصدية معرفية تتخذ المتخيل سلاحا للدفاع عن تصوراتها السابقة واللاحقة. جاءت الأنواع الانتهائية على الشكل التالي:
- ملفوظ انتهائي درامي يستغرق أربع قصص(12.11.8.5.).
- ملفوظ انتهائي ساخر يضم ثلاث قصص(10.7.4.) .
- ملفوظ انتهائي عادي يحتوي خمس قصص(9.1.2.3.6.).
تساعدنا هذه الملاحظات على ضبط ملفوظ الانتهاء وفق الترسيمة التالية:


ملفوظ الانتهاء في" هواجس امرأة"


ملفوظ انتهائي حواري ملفوظ انتهائي سردي-وصفي


درامي ساخر عادي درامي ساخر عادي
(12.11) (7.4) (1) (8.5) (10) (9.6.3.2 )
واضح أن الملفوظ الانتهائي العادي هو المهيمن ، وهذا له ما يبرره في السرد القصصي عامة. ففي معظم النصوص التي قرأتها تأتي النهاية انسيابية، وكأن السارد يحاول التسلل من عالمه المتخيل بأقل خسارة ممكنة، أو ربما التخلص من سلطة الحكي المدمرة للذات. ولا تخرج المجموعة عن هذا الهاجس، فأن تبدأ حكاية أمر سهل، لكن أن تنهيها فذلك أمر جد مستعص. إن هيمنة ما هو عاد لم يمنع الملفوظ الانتهائي الدرامي والساخر من بصم السرود التي ينتميان إليها، وهذا يعني أن السارد-رغما عنه- يحاول صياغة ملفوظ تواصلي أكثر دينامية، يهدف إلى توريط المتلقي في العملية السردية، بحيث يتحول ما كان انتهائيا، لدى السارد إلى ملفوظ ابتدائي لدى المتلقي.
4- أقنعة الارتباك:
قبل البدء في عملية التفكيك الداخلي للمجموعة، أرى من اللازم تعريف القارئ بمضامين المجموعة - التي تتكون من اثني عشر قصة - كي يكون على بينة من عملية التفكيك . ويتابع معنا بشئ من الانتباه ، إلى أين سيقودنا التأويل.
في " هواجس امرأة " يتخذ السرد من الحوار ، وسيلة للحكي . وهي بذلك تدخلنا من أول جملة حوارية في صلب الموضوع المؤرق للزوجة التي تعيش على حلم إنجاب " بنت " . هذه الرغبة تصطدم بموقف الزوج الرافض ، والذي يسعى إلى إقناعها بلا جدوى المحاولة من جديد ، مادامت المرات السابقة كانت فاشلة ، إذ جاءت النتيجة بعكس رغبتهما وأنجبا طفلا ذكرا . ولذا ينصحها بالتبني ، كحل بديل . غير أن المثير في هذه القصة ليس الموضوع في حد ذاته ، وإنما حركة الشخصيتين معا . فالزوجة والزوج – رغم استغراقهما في الحوار ، الذي يبدو جادا – يتيهان في عوالم مختلفة . هي تركز على الصراع الخفي بين العنكبوت والذبابة . أما الزوج فانتباهه منصرف نحو النافذة ، يراقب العالم الخارجي الذي من خلله يقدم لنا ثلاثة نماذج مختلفة : بائع النخال ، الكلب الذي يبصبص بذيله للكلبة وهو يتبعها ، والسيارة التي تمرق في الشارع . وفي النهاية يفتح الزوج النافذة لتنسل منها الذبابة التي لم يكن مهتما بوجودها " فيما زوجته رمقته بنظرة يمازجها عتاب لا يكاد يعلن عن نفسه، " (45) واعدة إياه بالتفكير في موضوع التبني المقترح .
القصة الثانية " مصير شجرة " تبدأ بجملة سردية زمنية ، تؤطر الشخصية الفاعلة في الحكي . تنبني الشخصية على فكرتين أساسيتين : الأولى ، أمنيته في أن تمطر لإنهاء أيام الجفاف القاسية . الثانية ، عزمه على قطع الشجرة . وفي غمرة الصراع النفسي ، تخبره طفلته بأن البقرة تلد ، يستبشر خيرا ، و" حينها تسللت الشجرة إلى خياله ، وقد كستها خضرة يانعة تغازلها قطرات الندى بلطف أيقظ في دواخله حنينا دفينا ، جعله يتراجع عن قرار اجتثاتها."(46).
مع " الإسكافي" ينطلق السرد من حكم القيمة ، فالسارد الذي هو الشخصية ، يرفض الإسكافي ، ويشمئز منه دون أي مبرر . غير أنه سيضطر إلى اللجوء إليه لإصلاح حذائه ، يتعامل معه في البداية بحذر شديد ، ليجد نفسه متورطا معه في حوار يفيض إنسانية ، وبذلك تغير موقفه منه ، ونشأت بينهما صداقة جميلة ، عبر عنها السارد بعفوية صادقة " .. كنت أتمدد تحت ظلال شجرة إنسانيته الوارفة ، وأنا أخوض معه في حديث تمنيت من أعماق قلبي لو يستمر إلى ما لانهاية"(47).
" ديالكتيك العشق" قصة يلعب فيها التجريب دورا لا بأس به . يقسمها السارد إلى ثلاث لحظات :
1- القضية : وترسم حالة عشق مثالي بين الخليفة وجاريته ، حيث استغلال لحظات السعادة المتاحة بمتعة والتذاذ .
2- نقيض القضية: تجسد الرغبة الجسدية كبديل للحب . فالشخصية الرئيسية ، لا ترى في المرأة غير الجنس ، ترغب في ممارسة كبتها ، بدعوى الحب ، وترفض الحوار الثقافي الذي يتم طرحه . وعندما تصر المرغوب فيها على الامتناع يتم طردها من البيت .
3- التركيب : يركز السارد على ابتذال الحب . فالرجل يلتقي المرأة في الحانة ، يساومها ، فتلبي رغبته .
تتخذ " في رحاب الانتظار" خبر بناء مدرسة ومستوصف في قرية نائية موضوعة سردية لتفجير معاناة الأهالي من الفقر والجهل . وفي الوقت الذي يكبر فيه الأمل بين الجميع ، وتبدأ الأحلام في مداعبة الصغار ، ينطفئ الأمل ، تمر الشاحنات " .. في طريقها مخلفة خلفها سحابة من الغبار التي حجبتها لمدة من الزمن لم تكن كافية لينتشل أهل القرية أنفسهم من براثن الصدمة التي أخرست الألسن ، وجعلت الدماء تفر من وجوه الصغار وهم يشيعون الشاحنات بنظرات بائسة ." (4.
قصة "الثعبان" تحكي عن أسرة ذهبت في نزهة إلى البادية . الأب انتابه شعور لذيذ بالعودة إلى مرتع طفولته، لكن الزوجة بعد أن أرعبتها سحلية ، معتقدة أنها ثعبان قررت إنهاء النزهة ، خوفا على نفسها وأطفالها ، في حين أحس الأب " بصفاء جواني يلقي بظلاله على الذات العطشى إلى الانفلات من صخب الحياة ، حتى ولو كان هذا المخلوق ثعبانا حقيقيا لا مجرد سحلية حقيرة لا قيمة لها ." (49).
تقدم قصة "البطاقة" ، صورة ساخرة للمثقف الليبرالي ، غير القادر على التخلص من الأفكار الخرافية التي يحبل بها المجتمع . يخرج السارد في جولة بالمدينة دون هدف ، بداخله إحساس بأن حدثا ما سيقع له . يتوقف عند بائع كتب قديمة ، يشتري بعض الكتب ، ثم يقفل راجعا إلى بيته . يتصفح الكتب المشتراة فيجد في واحد منها بطاقة مكتوب على ظهرها " الشؤم وسوء العاقبة لمن دخلت بيته هذه البطاقة " يحاول تجاهلها لكنه لا يستطيع ، فيقرر التخلص منها بأية طريقة . يذهب إلى أقرب مقهى له، يضع الكتاب الذي يحتوي البطاقة على الطاولة، مدعيا نسيانه. في الصباح ، أتاه طفل صغير ، مد له يده وهو يقول : " خذ كتابك . لقد نسيته عندنا الليلة الماضية "(50).
" أبدا لن أعود " متبلة بالغرائبي الذي لم يصل إلى مستوى الفانطستيك . روح تنعتق من سجن الجسد ، تتأمل جنازتها ، فترق للزوجة النائحة ، لكنها تبعد فكرة العودة ، بعد أن حققت الخلاص .وأثناء حمل الجسد البارد إلى المقبرة ، تلفت نظرها طفلة باكية ، فتتحرك فيها حاسة الأبوة ، وتفكر في الرجوع لسجنها ، لكنها عوض ذلك ، تحلق " بعيدا في المدى الفسيح حيث يغدو الأسر ذكرى طمر جزء منها في تلابيب الجسد .."(51).
" امتدادات لا متناهية " تتم فيها صياغة البنية السردية بنفحة خرافية . فالسارد يتوقف بسيارته ، للاستراحة من تعب الطريق ، قرب شجرة ينبع من أسفلها جدول ماء . وما كاد يسترخي ، حتى نبهه رجل لايعرفه ، بأن الشجرة مسكونة . وفجأة ظهرت أمامه امرأة جميلة ترتدي ثوبا أبيض . يصعق لحضورها ويعجز عن الكلام . تشير إليه بأن يتبعها ، فيفعل بلا إرادة ، تغوص في البركة ، وهو يتبعها ، تصدر عنه صرخة استنجاد قوية ، يهتز لها كيانه ليجد نفسه في مكانه ، ويدرك أنه عاش كابوسا . يسرع في الرحيل : " .. ركبت السيارة وانطلقت في طريقي، ألتهم المسافات ، تظللني زرقة السماء ، وشبح المرأة يترصدني بلا كلل .. "(52).
تحكي " سيادة الرئيس " عن رئيس جماعة انتخب بالأغلبية . لايهمه من منصبه إلا السلطة التي منحته القوة والجبروت . وجوده المتوهم أصبح رهينا بسحر الكرسي . يفكر في ماضيه الملوث ، فيرى أنه يستحق هذا الكرسي ولن يتنازل عنه مهما كانت الظروف . تأتيه دعوة لحضور ندوة فيلبيها ، ليكتشف أن المحاضر كان معلمه . يتضاءل وينكمش ، فتاريخ الكسل والعقاب ينتصب أمامه ، وكأنه الحاضر : " لملم كيانه وانسل خارج القاعة وكأنه هارب من عقاب يترصده .. وما إن استقبله الفضاء الرحب حتى شعر ببعض الانتعاش ، وأحس بالصبي يضمحل داخله رويدا رويدا ، لينتصب في أعماقه الرئيس بكل قوته وجبروته ."(53).
" أيام في الجحيم" قصة مهداة إلى الشاعر العملاق أبو العلاء المعري كاعتراف بالجميل ، لأنه اقتبس إطار رسالته المشهورة . السرد هنا غرائبي . فالسارد يدخلنا دون تمهيد فضاء الجحيم ، لنكتشف معه ألوانا من التعذيب مثيرة . يفتح كتابه بيسراه ليتعرف على نبتة الشر الكامنة فيه . يلقى في جحيم النار ، فيلتقي امرؤ القيس الذي قال في دنياه " اليوم خمر وغدا أمر " . يدين الشاعر أمة السارد بقوله " هذه الحكمة أنا قائلها . وهي سبب هذا العذاب الذي لا نهاية له ، ولا رحمة منه ."(54).
" الزقاق " آخر قصة في المجموعة . ينفتح السرد فيها على زقاق مظلم ملئ بالحفر، يعبره السارد . في عملية العبور، تتوالد الهواجس والذكريات . يحاول أن يخرج من مأزق الزقاق بأقل خسارة ، فيجد نفسه في مأزق الذات ، حيث تعبر كل الذكريات . صورة واحدة هي المهيمنة ، امرأة لا يستحضر ملامحها ، تتخذ أشكالا مختلفة . كلما حاول استحضار ما يؤشر على معرفته بها ، ذابت كالسراب . في لحظة التيه هزه صوت خشن :" كنت ستقع . انتبه جيدا فالزقاق يعج بالحفر ."(55).
إن هذا التصرف – الذي أعتبره مشينا – سيساعدنا على التواصل ، أنا والمتلقي ، وبالتالي سيورطه معي نصيا في هذه القراءة النقدية ، وإن كان لن يتحمل معي بعض الهفوات التي قد يسقطني فيها السياق السردي الذي أتعامل معه . وربما كان التعرف على المضامين باختزال شديد ، ليس أمرا مؤذيا . ولكن مهما يكن ، فإن الفعل في حد ذاته يبقى كلاسيكيا وغير مقبول .
4 - 1- حيرة السارد :
تضع القصة القصيرة متلقيها أمام معضلة التمييز بين السرد القصصي والسرد الروائي. وغالبا ما يتم التمييز بينهما على أساس قيمتي التكثيف في الأول والاسترسال في الثاني. وأنا أعتقد أن المسألة تحتاج إلى وقفة خاصة، اعتبارا لكون كل جنس سردي يؤسس لخطاب مختلف له نظامه وقوانينه. غير أنه في هذه اللحظة بالذات نؤكد على نقط الالتقاء بين السردين بشكل عام ، تاركين التمايزات إلى حين آخر. لذا سنركز على وضعية السارد، لأنه في نظرنا هو المحرك الأساسي لخيوط اللعبة السردية. فـ"السارد يرفع ستارة، وعلى القارئ أن يسهم في الفعل كما لو أنه كان حاضرا حضورا فيزيقيا . وتتأكد ذاتية السارد من خلال قدرته على خلق ذلك الإيهام."(56)، والإيهام المقصود في النسق السردي هو ذلك التماهي الذي يحصل بين ذاتين مختلفتين واحدة تنبثق من عالم المتخيل في اتجاه القارئ بغية السيطرة على حواسه، وسلبه القدرة على التمييز بين ذاته الحقيقية وذاته التي حاصرها التخييل فغذت متخيلة. والثانية يفرزها الواقع المادي، حيث تأتي محملة بكل أسلحتها المعرفية لحماية حواسها، وبالتالي تفكيك بنية السرد للكشف على الأقنعة التي يتخفى وراءها السارد الذي" يقيم بطريقة ما، فضاء داخليا يجنبه الدخول إلى العالم الغريب عنه من خلال خطوة عاثرة تنكشف عبر النبرة المغلوطة التي يلجأ إليها من يتظاهر بأن ذلك العالم مألوف لديه"(57).
ومعلوم أن للسارد في السرديات الحديثة ثلاث وضعيات أساسية، فهو إما ذات خارجية مسماة، لها وجود حقيقي، أو ذات داخلية تتخذ مكانة عليا، تمكنها من معرفة العالم السردي بكل أبعاده، أو ذات داخلية مشاركة في الأحداث تقف عند حدود ما تعرفه الشخصيات الموازية لها في العملية السردية(5. غير أن التطور في المجال السردي، استبعد الوضعية الثلاثية، واستبدلها بوضعية ثنائية، اعتبارا لقوة حضورها. فجيرارجنيت يرى أن السارد إما غائب أو حاضر، لذا ميز" بين نوعين من المحكيات: محكي يكون فيه السارد غائبا عن الحكاية التي يحكيها، والمحكي الذي يكون فيه السارد حاضرا باعتباره شخصية في الحكاية"(59) وهذا يفترض " إجراءين جوهريين يرتبطان بالسارد والشخصية على وجه الخصوص، فيسمي جنيت الاختيار الأول، أي المحكي الذي يكون فيه السارد غائبا عن الحكاية "براني الحكي"Hétérodiégétique ، بينما يسمى الاختيار الثاني، أي المحكي الذي يكون فيه السارد حاضرا من حيث هو شخصية "جواني الحكي"Homodiégétique ."(60). إن الوضعيتين معا تمثلان الصيغة السردية الأسمى في عوالم الحكي، حيث يطغى السارد الغائب في المحكيات القديمة وفي السرد الكلاسيكي، بينما يهيمن السارد الحاضر في السرد الحديث. والوسيلة الوحيدة للتمييز بينهما تتمثل في لعبة التضمير. فالأول يتخذ من الضمير"هو" قناعا يتوارى خلفه ليوهم المتلقي بفعله الحيادي، في الوقت الذي يحرك فيه خيوط اللعبة وفق مشيئته هو. أما الثاني فيتخفى وراء ضمير" أنا"، إما كصوت يتكفل بالسرد فقط، أو كشخصية تشارك في الأحداث. وإذا كان السارد الغائب واضح المعالم، سهل الانكشاف من أول متلفظ سردي، فإن السارد الحاضر يخلق أكثر من التباس، إذ يتقاطع مع السيرة الذاتية من جهة، ويحيل- في أول وهلة- على المؤلف الحقيقي. ولكشف قيمته السردية المتخيلة يحتاج المتلقي إلى إمكانيات نقدية تساعده على لَمِّ كل المؤشرات التي يحفل بها النص، والتي تحدد وظيفته كسارد لا غير. ف"السرد في صيغة الضمير المتكلم "أنا" وسيلة لتخييل صوت الكاتب، تدعم احتمال وقوع الحكاية المسرودة."(61). وهذا يعني أن هناك خيطا رفيعا يفصل بين المؤلف المادي والسارد المتخيل، أو كما يرىw.kayser "السارد شخصية من خيال مسخ فيها الكاتب"(62).
إن التعامل مع السارد بنوعيه يطرح إشكالا يحتاج إلى تفسير. فإذا كان السارد المقنع بضمير "هو" مألوفا لدينا كمتلقين، إذ ندرك وظيفته الوسيطية منذ البدايات الأولى للفعل السردي، ونعي مهمته ك"شخصية متخيلة أو- كائن من ورق- شأنه في ذلك شأن باقي الشخصيات... يتوسل بها المؤلف، وهو يؤسس عالمه الحكائي لتنوب عنه في سرد المحكي، وتمرير خطابه الإيديولوجي، وأيضا ممارسة لعبة الإيهام بواقعية ما يروى."(63). فإن السارد المتقمس لضمير "أنا" يضعنا أمام التباس محير: من يقوم بالسرد؟ وهل الضمير "أنا" يحيل على المؤلف أم على شخصية متخيلة محايدة؟
إذا تأملنا البناء السردي عامة، وبشئ من التأني سنلاحظ أن السارد الغائب حاضر في السرود التي يهيمن فيها ضمير المتكلم. ومادام الاتفاق حاصلا على مهمة الوساطة التي يقوم بها، فهذا يمنحه سلطة أكبر للظهور في أية صورة يرتئيها دون أن يهتم بالدلالة الإيحالية التي قد يوقع فيها متلقيه. وسواء أشارك في الأحداث أم لا، فهو الوحيد القادر على إيقاف حكايته أو تمطيطها. ودون أن نلغي علاقته الشعرية بالمؤلف، نؤكد على أن قوته تأتي من عالم المتخيل الذي يؤطره، ومن الرؤية السردية التي يقوم بتبئيرها، فتزج به نحو الاحتمالات التأويلية التي يفرضها التلقي. إن السارد الحاضر هو في الغالب شخصية فاعلة في محكيها "ولعل في هذا ما يطرح علينا سؤالا وجيها: هل تؤدي الشخصية بهذا المعنى دورها المباشر في استقلال عن أي سارد، أم أن وجودها الشخصي هو في المحصلة النهائية من وجود سارد يحايثها؟ وبعبارة أخرى : هل يكفي أن تتكلم الشخصية في العمل الأدبي بضمير الأنا حتى ينتفي دور السارد الثاوي خلفها؟"(64).
إن السارد الحاضر يمتح وجوده من سارد يقف خلفه، فهو الذي يهمس له مسروده، ويرسم له خططه. وربما كانت هذه الصيغة هي البديل للصيغة التقليدية المستهلكة، حيث الضمير "هو" هو السيد المطلق.
لا تخرج "هواجس امرأة" في بنيتها السردية عن التقليد الحكائي المتعارف عليه. فساردها يراوح مكانه بين الغياب والحضور، ويكفي أن نستقرئ الجدول الرابع ليتأكد لنا ذلك:

رقم القصة السارد الغائب السارد- الشخصية الرؤية السردية
1 + - تركز على أن لا فرق بين الإنجاب والتبني.
2 + - = = الرغبة في الحياة.
3 - + = = حكم القيمة الخاطئ.
4 + - = = ابتذال الحب.
5 + - = = الحلم الذي لا يتحقق.
6 - + = = الحنين إلى الطبيعة.
7 - + = = صراع الذات بين الخرافة والحقيقة.
8 - + = = الرغبة في الانعتاق والتحرر.
9 + - = = صراع الذات بين الخرافة والحقيقة.
10 - + = = وهم السلطة.
11 - + = = العالم الداخلي للذات.
12 - + = = كابوس الذكرى.
الجدول 4
من خلل الجدول الرابع يتبين لنا أن السارد الحاضر يهيمن على سبع قصص من المجموعة (12.11.10.8.7.6.3.)في حين يستغرق السارد الغائب خمس قصص (9.5.4.2.1.). واعتبارا لكون كل قصة من المجموعة كتبت مفردة، ونشرت معزولة في جريدة أو مجلة، فهذا يفرض اختلافا في طبيعة السارد، سواء أكان حاضرا أو غائبا. غير أن ما تفصح عنه قصص المجموعة هو سكونية الساردين معا في مجموعة من السرود التي يتحملان تبعتها. ولا يمكن أن نؤول ذلك بكون القاص يؤسس لمتوالية قصصية، لأن ذلك يحتاج إلى تقنيات أكثر تعقيدا. وإذا كانت السكونية السردية ملازمة- في أغلب الأحيان- للسارد الغائب، فإن السارد الحاضر مطالب بأن يستجيب لطبيعة السرد الذي يقوم به كشخصية فاعلة"تتصرف، تشاهد، تعلم، وتتكلم ضمن وعبر التخييل، وضمن وعبر السرد"(65). فلا يعقل أن تتكرر نفس البنية، مع أن المسرود يختلف. إن السارد الحاضر يعاني من أزمة كينونة، إن صح التعبير. فالإحساس بالقرف ملازم له في كل النصوص التي يتواجد بها،"إحساس بالقرف يكتسحني"(القصة3)، لذا فهو دائم البحث عن لحظة خلاص من هذا التعفن الذي يملأ العالم من حوله(القصة8). هذا النوع من الإحساس والرغبة في الخلاص أسقطاه في حالة من التنميط السردي السالب، الذي لا يدفع بالأحداث نحو الذروة، بل يجعلها تتحرك ببطء وفق تسلسل زمني أفقي ثابت.فالسرد ينطلق من نقطة البداية في اتجاه النهاية، طوليا، دون الانتباه إلى الوقفات الزمنية التي تحقق للقصة إيقاعها. ففي القصة الثالثة مثلا يبدأ السارد من حالة التقزز التي يشعر بها كلما مر بدكان الاسكافي، ثم ينتقل بشكل سريع إلى السبب الاضطراري الذي سيدفعه إلى ولوج الدكان، ليجد نفسه في حوار حميمي مع الشخصية التي كانت مقرفة في نظره، وتحولت لسبب تواصلي محض إلى شخصية محببة، وفي هذه اللحظة بالذات يوقف السارد سرده، وكأن المشكلة، في العملية ككل هي حكم القيمة السلبي الذي نسقطه-مجانا- على أناس لا نعرفهم. وربما كانت الفكرة ذات قيمة أخلاقية جميلة، غير أن السارد لم يستغلها بالقوة اللازمة، مما جعل حضوره والشخصية المقابلة له، باهتا. إن أهمية السرد القصصي تكمن في الجمع بين ما هو أفقي وعمودي، وهذا لا يتأتى إلا إذا حرص السارد على خلق أبعاد أعمق لمحكيه.
وإذا كنا ندرك أهمية صوت السارد اللابس لضمير الأنا، فهمنا أن مهمته المزدوجة تفرض عليه التحول من حالة إلى أخرى استجابة لنوعية المحكي الذي يقدمه، وهذا ما لا يحصل سرديا. فهذا السارد ينتقل عبر الحيز المكاني، محافظا على نفس الرغبة في الانعتاق من إحساسه المبهم. فهو لا يوضح لنا طبيعة هذا الإحساس ولا أسبابه، يتجه مباشرة نحو الحدث الذي يرغب في إبلاغ مجرياته إلى المتلقي قصد إشراكه في نفس المعاناة. وكأنه يرغب في التخلص من مهمة ثقيلة لا غير، وهذا ما لا يتوافق مع طبيعة السرد في القصة القصيرة. فأهمية اللحظة التي يتم التركيز عليها لا تظهر شعريتها إلا في العلاقات المتداخلة للعناصر المكونة لبنيتها العامة.
هناك قصتان استطاعتا أن تغير الأجواء التي سجن فيها السارد نفسه، لأن الانتقال فيهما تم عبر الزمان والمكان أيضا. فالسارد في القصة الثامنة يتحرر من دناسة الجسد كوعاء أرضي غير محتمل، ويترحل في الفضاء روحا شفافة، مطهرة من إحساسها القديم. وهي في هذا الوضع، تقوم بمراقبة عالم الناس، تتعاطف، وتحن، لكنها ترفض العودة، وتعتبر أن ما حققته من خلاص أسمى من تلك القيم الإنسانية المزيفة: "وأنا أحلق في الفضاء أنظر إلى الرجال وهم يحملون الجسد. يرتفع صوت القراء أكثر ليعلن عن اللحظة التي سيبتلع فيها اللحد البارد جسدا أكثر برودة. تنسكب قطرات من الدمع الساخن على وجنتي الطفلة.يعتريني حزن يستوطن أعماقي. أحمله بين ثنايا ذاتي، وأحلق به بعيدا في المدى الفسيح حيث يغدو الأسر ذكرى طمر جزء منها في تلابيب الجسد، بيد أن طرفا منها تعلق بي، بل أصبح جزءا من كياني."(القصة8). فالسارد في هذه القصة، لا يكتفي بالخروج من سجن الجسد، بل يتوقف ليتحقق من الأثر الذي تركه هذا الخروج في عالم الناس، مما ساعده على الإمساك بصورة المرأة النائحة والطفلة الباكية والفقيه المهئ لطقوس الجنازة والناس الحاملين الجثة إلى مثواها الأخير وحفار القبور. وهو بهذه الطريقة استطاع أن يقدم لوحات استعارية أغنت قصصية القصة. ونفس الشئ حققه في القصة الحادية عشر، إذ يجد نفسه في عالم آخر حيث الحساب والعقاب، يحاور شخصيات غريبة، ترمي به في أعماق الجحيم، وهناك يلتقي امرأ القيس الذي يعاني العذاب بسبب مقولته " اليوم خمر وغذا أمر" ، ومن الجلي أن السارد يستغل التناص ليدخل في حوار مع أبي العلاء المعري، سنكشف عن أبعاده في المقبل من التحليل.
أما بالنسبة للسارد الغائب فقد استغل سلطته المطلقة في توجيه دفة السرد. فسروده كلها تنطلق من لحظة الفعل لدى الشخصيات،
الهــوامـش :
1- حسن المودن : الكتابة والتحول ، ص 80، منشورات اتحاد كتاب المغرب ، طبعة نونبر 2001 ، مطبعة فضالة – المحمدية – المغرب .
2- محمد برادة : دراسات في القصة العربية / وقائع ندوة مكناس / الطبعة الأولى 1986 / مؤسسة الأبحاث العربية – بيروت – لبنان .
3- ن . م . س : ص 19 .
4- رينيه ويليك و أوستن وارين ، نظرية الأدب ، ص 221 ، ترجمة : محيي الدين صبحي ، مراجعة : د. حسام الدين الخطيب ، الطبعة الثانية 1981 ، المؤسسة العربية للدراسات والنشر – بيروت – لبنان .
5- عبدالرحيم المودن : معجم مصطلحات القصة المغربية ، ص 21 – 22 ، طبعة 2001 ، منشورات دراسات . سال ، دار نشر المعرفة ، مطبعة المعارف الجديدة .
6- محمد برادة : م . س ، ص 11 – 12 .
7- رشيد بنحدو :الرواية المغربية بين أسئلة القراءة وأجوبة الكتابة. ضمن كتاب : من قضايا التلقي والتأويل ، ص 74،جامعة محمد الخامس ، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط . سلسلة ندوات ومناظرات رقم 36 . الطبعة الأولى 1994 – مطبعة النجاح الجديدة بالدار البيضاء .
8- محمد برادة : م .س ، ص 19 .
9- الإضافة من عندنا .
10 – حميد الحمداني : نظرية التلقي ، إشكالات وتطبيقات . ص 129 ، جامعة محمد الخامس ، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية ، الرباط . سلسلة ندوات ومناظرات رقم 24. الشركة المغربية للطباعة والنشر . دون تاريخ .
11- ادوار الخراط : الحساسية الجديدة ، مقالات في الظاهرة القصصية ، ص 127 الطبعة الأولى 1993 دار الآداب – بيروت – لبنان.
12 –ن. م . س : ص 125 .
13 – رينيه ويليك : ن . م . س : ص 224 .
14 – ن . م .س : ص 222 .
15 – مصطفى لغتيري : هواجس امرأة ، مجموعة قصصية ، منشورات وزارة الثقافة والاتصال، سلسلة الكتاب الأول ، الطبعة الأولى 2001 مطبعة دار المناهل .
16 – ن . م . س : ص 5 .
17 – ن . م . س : ص 5 .
18 – ن . م . س : ص 6 .
19 – ن . م . س : ص 7.
20 – ن . م . س . ص 43.
21 – حسن المودن : م . س . ص 82 .
22- شعيب حليفي : هوية العلامات ، في العتبات وبناء التأويل ، ص 11. الطبعة الأولى يناير 2005 دار الثقافة للنشر والتوزيع . مطبعة النجاح الجديدة – الدار البيضاء .
23_ ن . م . س : ص 12 .
* إن الدرس النظري حول العنوان، في النقد العربي الحديث، يبقى هشا على مستوى التطبيق، ويرجع ذلك إلى غياب أدوات التفكيك القادرة على خلق جسور تأويلية بين سياق سابق وآخر لاحق. ثم إن العنوان كنص مصغر، يكون محفوفا- دائما- بحواجز شعرية، تلزم المتلقي بالانتباه إلى كل العلائق المحتملة. لمزيد من التوسع أنظر:
_ عبدالرزاق جبران: بلاغة الموت، ضمن: الهوية والثقافة، كتابات حول كازانتزاكي1 ، كتاب جماعي، الطبعة الأولى أبريل 2000 ، مطبعة دار القرويين- الدار البيضاء- المغرب.
-Charles Grivel: Production De L interet Romanesque; Mouton 1973. –Leo Hoek: La marque Du Titre; Ed: Mouton; 1973.
-Gerard Genette: Seuils ; Ed; Seuil; 1987.
24 - مصطفى لغتيري : م . س . ص 8 .
25 -ن . م . س : ص 8 .
26- ن . م . س : ص 66
27-Raymond Jean: Commencements Romanesques.In:Positions et oppositions sur
le Roman Contemporain;Actes et Colloques Nr:8 Strasbourg ; Ed:Klincksiek 1979.P129. -Raymond Jean: Commencements Romanesques. P:129. 28
29 - شعيب حليفي: الرحلة في الأدب العربي، ص134 ، الطبعة الثانية، أبريل 2003 ، دار القرويين ، الدار البيضاء – المغرب. 30- صبري حافظ: البدايات ووظيفتها في النص القصصي، ص 141 ، مجلة الكرمل، عدد 21-22 ، سنة 1986 ، نيقوسيا. 31– شعيب حليفي : الرحلة في الأدب العربي، مرجع سابق ص142.
32– شعيب حليفي : هوية العلامات . مرجع سابق ، ص 97 .
** أحمد بوزفور في " ديوان السندباد " و مجموعته الأخيرة " ققنس " الأمين الخمليشي في " اشتباكات" . محمد الهرادي في" ذيل القط". ربيعة ريحان في" ظلال و خلجان". مصطفى لغتيري في " شيء من الوجل"



#عبدالرزاق_جبران (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- تونس.. التراث العثماني تاريخ مشترك في المغرب العربي
- حبس المخرج عمر زهران احتياطيا بتهمة سرقة مجوهرات زوجة خالد ي ...
- تيك توك تعقد ورشة عمل في العراق لتعزيز الوعي الرقمي والثقافة ...
- تونس: أيام قرطاج المسرحية تفتتح دورتها الـ25 تحت شعار -المسر ...
- سوريا.. رحيل المطرب عصمت رشيد عن عمر ناهز 76 عاما
- -المتبقي- من أهم وأبرز الأفلام السينمائية التي تناولت القضية ...
- أموريم -الشاعر- وقدرته على التواصل مع لاعبي مانشستر يونايتد ...
- الكتب عنوان معركة جديدة بين شركات الذكاء الاصطناعي والناشرين ...
- -لي يدان لأكتب-.. باكورة مشروع -غزة تكتب- بأقلام غزية
- انطلاق النسخة السابعة من معرض الكتاب الفني


المزيد.....

- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالرزاق جبران - هاجس الكتابة في القصة القصيرة ..هواجس امراة لمصطفى لغتيري نموذجا