بسام خلف
الحوار المتمدن-العدد: 2342 - 2008 / 7 / 14 - 08:59
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
لا أحد يشك في إخفاق المدرسة الليبرالية في الانتشار في الوطن العربي. لا توجد على المستوى الجماهيري. تواجد ضعيف جدا بين صفوف الطلبة و انقطاع النخبة عن النشاط الثقافي و الفكري يتزايد يوما بعد يوم.
محاولة مني للوقوف عند أسباب هذا الإخفاق سأعتمد على:
1/ مقالة للأستاذ عبد الخالق حسين بعنوان "إشكالية الليبرالية العربية" – موقع الأوان
2/ مقالة للأستاذ شاكر النابلسي بعنوان "بين الدين و الأصولية الدينية"– موقع الأوان
3/ مقالة للأستاذة رجاء بن سلامة "للذكر مثل حظ الأنثيين" و رد الأستاذ أبو يعرب المرزوقي
4/ قراءة لمسيرة الأستاذ محمد الشرفي
قبل الشروع في مناقشة الموضوع أريد أن أوضح ما يلي:
*اختياري لهذه الأمثلة ليس لتكون برهانا و دليلا على ما سأقدمه بل للتوضيح فقط. و بالتالي هي ليست عملية انتقائية أهدف من ورائها إفحام أو إسكات الأخر.
*أعني بالمدرسة الليبرالية هي المدرسة الحداثية التي تنادي بالديمقراطية و حقوق الإنسان و الحريات. و بالتالي فهي لا تستثني اليساريين الغير الثوريين.
-1-
تناول الأستاذ عبد الخالق حسين في مقالته "إشكالية الليبرالية العربية" أسباب صعود الليبرالية و انتعاشها في النصف الأول من القرن العشرين ثم أسباب تراجعها بعد ذلك.
ابتدأ الأستاذ مقالته بإبراز دور المفكرين من أمثال رفاعة الطهطاوي و محمد عبده و طه حسين و غيرهم من مفكري بلاد الشام و العراق و شمال إفريقيا في نقل ما شاهدوه و تعلموه في الغرب إلى وطنهم. مما نتج عنه بزوغ نهضة حضارية.
هذا كل ما يقوله الكاتب حول هؤلاء الرواد. مما يجعل القارئ يستنتج أن هؤلاء قاموا بما عليهم و أن العملية التي قاموا بها لا تشوبها أية شائبة.
أقف عند هذه النقطة لأطرح الأسئلة التالية:
1/ هل تعامل هؤلاء المفكرين بنفس الطريقة مع القيم الغربية ؟
2/ هل كانت لهم نفس الرؤيا و التوجه للنهضة بشعوبهم و مجتمعاتهم ؟
بالعودة إلى كتابات هؤلاء الرواد يتضح لنا أنهم يشتركون في نقطة أساسية وهي أخذهم بهذه القيم الغربية و الترويج لها دون استيعابهم للفلسفة التي قامت عليها و جذورها التاريخية. تعددت الكتابات حول الحرية و الحقوق و الديمقراطية, بينما انعدم كليا أو يكاد التطرق إلى مفهوم "العقلانية الغربية" و جذورها. ( مما يفسر شهرة مونتسكيو عند المفكرين العرب- عياض بن عاشور-سياسة, دين و تشريع في العالم الاسلامي). هذا الفهم السطحي و الساذج لهذه القيم نتج عنه اعتقاد خاطئ و خطير, مفاده أنه يكفي الترويج لها دون محاولة تغيير العقليات. بل إلباسها ثوبا محليا تقليديا دينيا سيسهل من استيعابها.
يمثل الشيخ محمد عبده أحسن نموذج لهذا التوجه. فهو لا يرى أي تناقض بين القيم التي أدت إلى تقدم الغرب و بين القيم الإسلامية الصحيحة. و ما تأخرنا إلا نتيجة ترك هذه القيم. أما عن توجه الغرب إلى العلمانية حتى يحقق تقدمه فذلك لأن الدين المسيحي, دين خنوع و تواكل على عكس الإسلام, دين العلم و العمل. على الرغم من بعض المحاولات التي كانت تقف أمام هذا التوجه ( مناظرة فرح أنطون و محمد عبده, جمال الدين الأفغاني و رينون) إلا أنه كانت له الغلبة في الأخير. أصبح الفكر يقتصر على تأويل النصوص حتى تتلاءم مع القيم العصرية. عقل إسلامي بدل عقلانية غربية. سأعود إلى هذه النقطة عندما أمر إلى مقالة الأستاذ شاكر النابلسي.
ثم يمر الكاتب إلى تعداد الشروط الموضوعية حتى تنجح الليبرالية. فهو يعتبر أن للمجتمع حاجات أساسية سيعمل على تحقيقها أولا و هي المأكل و المشرب و التناسل و المسكن و الأمن ثم يمر إلى تحقيق حاجات ثانوية تبتدئ بالتعليم و الحاجات الروحية لتنتهي بالديمقراطية و الليبرالية و الحرية.
لا شك أن هذا الترتيب و المرحلية في المطالب يفتقد الكثير من الدقة. لقد علمنا التاريخ أن الإنسان لا ينتظر أن يشبع و يتناسل و يحس بالأمن حتى يفكر في دينه بل العكس هو الصحيح. كما أننا نلاحظ مجتمعات حققت كل الحاجات الأساسية و لم تنقلب إلى ديمقراطيات ( مثال بلدان الخليج الذي ذكرها الكاتب ) و أخرى يتفشى فيها الفقر و الجهل و معى ذلك نظامها السياسي ديمقراطي ( مثال الهند).
صحيح أن الواقع يؤثر في الفكر فينتج التغيير لكن لا ننسى أن الواقع كذلك يتأثر بالفكر فيأخذ التغيير اتجاها معينا. و ليس بالضرورة تقدما. فلو أخذنا تونس على سبيل المثال, فكل الشروط المادية للتحول الديمقراطي متوفرة و مع ذلك لا تحول في الأفق. (سأعود إلى هذه النقطة لما أتطرق إلى مسيرة محمد الشرفي)
يسترسل الكاتب بعد ذلك في ذكر الأسباب التي أدت الى تراجع الفكر الليبرالي. قائمة طويلة. الفقر, الجهل, النمو الديمغرافي, اضطهاد المرأة, الثقافة العربية الإسلامية , الفساد الإداري , المحسوبية و بطبيعة الحال توحد كل من الأنظمة و التيار القومي و اليساري و الإسلامي ضد الليبراليين.
لن أخوض في هذه المسائل, ألاحظ و أتساؤل فقط. أ ليس الغاية من الليبرالية هي القضاء على هذه الآفات ؟ فان كان شرط تحققها هو انعدام هذه الآفات فما حاجتنا إليها إذن؟
كما أستغرب أن الأستاذ عبد الخالق حسين لم يذكر بتاتا أن للغرب و خاصة للاستعمار دورا في تراجع الفكر الليبرالي.
لا شك في أن عوائق تقدمنا اليوم هي بالأساس داخلية. كما أنه لا شك في أن الإخفاقات التي توالت في مجتمعاتنا بعد الحركات التحريرية هي نتيجة سياسات أنظمة عربية فاشلة. و لكن من الموضوعية أن نقول أن الاستعمار الغربي جاء ليوقف مسارا إصلاحيا حقيقيا ( خير الدين في تونس). كما أن السياسة الإجرامية التي ينتهجها الغرب في كل القضايا العربية تساعد التيارات الظلامية و المتطرفة في ترويج أفكارها المعادية للديمقراطية و حقوق الإنسان
-2-
يعد الأستاذ شاكر النابلسي من نجوم المدرسة الليبرالية العربية. و كتاباته تحظى باهتمام كبير, و كثيرا ما يتهم بالعمالة للغرب. لذا قبل نقد أفكاره وجب التعبير على التضامن معه ضد كل من يستعمل أساليب غير أخلاقية ضده لإسكات صوته و التعدي على حرية تعبيره.
مقالة الأستاذ شاكر النابلسي "بين الدين و الأصولية الدينية" يمكن أن يكتبها أي مفكر إسلامي معتدل كالشيخ راشد الغنوشي أو يوسف القرضاوي مثلا. يكفي تغيير كلمة "أصولية" ب "التطرف". هل يبقى في الفكر الحداثي من شيء عندما يفكر بعقلية الأصولي ؟
يبدأ الأستاذ النابلسي بتعريف الدين على أنه إيمان و الأصولية الدينية عقيدة. و أن الدين يهدف إلى تكوين الصالحين بينما الأصولية تهدف إلى تكوين إرهابيين. ثم يمر إلى شرح أن الخلاف بين الليبرالية العربية و الأصولية الإسلامية هو خلاف في تأويل النصوص. بينما يعتمدوا هؤلاء على الحرفية, يذهب الليبراليون إلى القراءة التاريخية و المجازية. ثم يمر إلى نقد الأشاعرة لإلغائهم "قواعد السببية" بينما يقرها القران. ثم يمر ليعطينا درسا في التأويل الليبرالي للنص. و انتهى في الأخير بمهاجمة كل فكر أصولي مهما كانت الديانة التي ينتمي إليها و حتى نتمكن من صد الطريق أمام هذا الفكر يجب التوجه نحو دراسة الأصوليات دراسة علمية مقارنة.
لن أناقش إلا نقطة واحدة جاءت في مقالة الأستاذ لأنها كفيلة بتوضيح المسلك الخاطئ الذي سلكه من يزعم أنه يمثل الليبراليين العرب.
ينادي الأستاذ بتأويل النص تأويلا تاريخيا و مجازيا.
فهل هذا التأويل يجب أن لا يتنافى مع روح النص و توجه العام و مع أبسط قواعد اللغة كما يقول بذلك ابن رشد الذي استشهد به الأستاذ النابلسي أم لا ؟
هل يمكن موضوعيا إنكار أن السياق العام و روح النص القراني تجعل من الرجل أعلى درجة من المرأة مع مطالبة هذا الأخير بإنصافها ؟ و بالتالي التأويل لا يمكنه تجاوز هذه المسألة.
هل يمكن موضوعيا إنكار أن السياق العام و روح النص القراني تجعل من المسلم أعلى درجة من غير المسلم ؟
نقول و نكرر أن علي عبد الرازق رائد من رواد الفكر الحداثي حيث نادى بالتفريق بين الدين و الدولة. و ننسى أنه اعتمد في ذلك على النصوص الدينية التي أولها بطريقة انتقائية فخدم الفكر الاخواني الأصولي لا العكس.
نعتقد أننا عندما ننادي بإعمال العقل في النصوص فإننا سنسد الطريق أمام الإسلاميين بينما نحن نجدد الفكر الأصولي بإعمال البرهان في البيان و إعادة تأصيل الأصول قدوة بالمعلم ابن رشد كما يقول محمد عابد الجابري.
#بسام_خلف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟