أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عدنان عاكف - ثورة تموز و - الديمقراطية الملكية -















المزيد.....


ثورة تموز و - الديمقراطية الملكية -


عدنان عاكف

الحوار المتمدن-العدد: 2342 - 2008 / 7 / 14 - 02:13
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


علم ودستور ومجلس أمةٍ
كل عن المعنى الصحيح محرف
معروف الرصافي
كثيرة هي التهم التي توجه لثورة تموز اليوم من قبل البعض من أبناءها السابقين الذين أحبوها وتغنوا بها في الأيام السالفة. وتقف في مقدمة تلك التهم : قطع مسار التطور الديمقراطي للبلاد والقضاء على المؤسسات الدستورية ومنظمات المجتمع المدني. إضافة الى الجريمة الكبرى التي ذهب ضحيتها بعض أفراد العائلة المالكة وفي مقدمتهم " ملك توج بقرار برلماني ( لم تكن شرعيته ضيقة رغم التحفظات الكثيرة ) ".. وقد لخص أحد الكتاب الديمقراطيين الخسارة التي تلقتها المسيرة الديمقراطية في العراق بسبب ما حدث في ذلك اليوم بالكلمات التالية: " لقد هدم العسكر في ذاك اليوم ـ 14 تموز ـ السور الواطئ لدولة القانون.. فقد هـُدم الدستور و استقلال القضاء، و نـُسفت طلائع المجتمع المدني، و قـُلـِّعت بادرات الدولة المدنية، لتحل محلها البيرية في حكم الشعب من خلال أفراد غير مؤهلين لخوض غمار العمل السياسي ".
كل هذه التهم مبنية على أساس ان ( انقلاب) تموز شكل نهاية وبداية. نهاية لعهد من الاستقرار النسبي والتطور في شتى المجالات، وذلك بعد ان، " قطع التطور الطبيعي للتراكم الديمقراطي " ، وبداية لعهد جديد بعد ان " فتح الباب واسعا للهمج والعسكر الهائج ليحل محل القانون ومؤسسات الدولة "...
مشكلتنا نحن القراء مع هذا النمط من الكتابة، ان الأخوة من أنصار ( الانقلاب العسكري ) ينسون ان الغالبية العظمى من القراء اليوم من الشباب الذين لا يعرفون شيئا عن المؤسسات " الدستورية والديمقراطية " التي يتحدثون عنها، ولم يكلفوا أنفسهم ان يقولوا بضعة جمل عن طبيعة تلك المؤسسات التي تم إلغائها في 14 تموز. لم يحالفني الحظ حتى الآن في الاطلاع ولو على فقرة مفيدة واحدة تتحدث عن سمات ذلك الدستور وطبيعة تلك المنظمات المدنية، وكيف تم القضاء على حقوق الإنسان، وما المقصود " بالمراعات التقليدية " لتلك الحقوق!. وهذا أمر يدعو الى الدهشة حقا، إذ يفترض بهؤلاء الأخوة أن يكونوا في مقدمة الضالعين بهذه الجوانب والمهتمين بها. هذا لا يعني باني لا أعرف شيئا حول هذا الموضوع، على العكس تماما، فقد قرأت ما فيه الكفاية. غير ان جميع المصادر التي اطلعت عليها تنتمي الى المعسكر المضاد، الى معسكر الثورة، والتي بمجملها تنفي ان يكون النظام الملكي قد عرف حياة ديمقراطية حقيقية أو عرف مؤسسات دستورية.لا يوجد بين أنصار ( الثورة ) من ينفي ان ثورة تموز قد ألغت الستور الدائم، وليس بين هؤلاء من ينفي ان ذاك الدستور كان من بين الدساتير المتقدمة ، حتى ان باحثا مثل الدكتور عبد الخالق حسين، الذي كرس الكثير من وقته وجهده للكشف عن اسطورة " الديمقراطية الملكية " الخادعة وللدفاع عن ثورة تموز، وصف ذلك الدستور بكونه من الدساتير الديمقراطية في العالم. ولكن ذلك كان على الورق فقط!!
تعالوا نتعرف معا عن قرب على تلك المؤسسات الدستورية التي محقها العسكر ولنبدأ بمجلس النواب الذي بموجبه تم تتويج الملك، والذي " لم تكن شرعيته ضيقة رغم التحفظات الكثيرة "..
في 2 مارس ا1953 جرت مراسيم تتويج الملك فيصل الثاني، ونظمت بهذه المناسبة احتفالات رسمية وشعبية في جميع أنحاء البلاد. عقد العراقيون آمال كبيرة على وصول جلالته الى القصر الملكي، ضانين انه سيقدم على إجراء إصلاحات سياسية، كانت البلاد بأمس الحاجة اليها، ووضع حد لسياسة التعسف والاضطهاد التي انتهجتها الحكومات المتعاقبة،×اصة وانه اعتلى العرش في أعقاب إجراءات قمعية لم تعرفها البلاد من قبل، وأن يضع حدا لتدخل الوصي في كل صغيرة وكبيرة و للتدخل السافر للانجليز في إدارة شؤون الدولة، والشروع بإصلاحات اقتصادية لمعالجة الفقر والبطالة. ولكن سرعان ما تبددت تلك الآمال، بعد ان اتضح ان الملك الشاب لا حول له ولا قوة. قبل التتويج بفترة وجيزة قام السفير البريطاني بزيارة خاصة للوصي، وقدم له تهاني الحكومة البريطانية بمناسبة نجاحه الباهر في قمع ( الفتنة الكبرى) ،التي عرفت في الأوساط الوطنية باسم انتفاضة تشرين 1952، وسلمه رسالة المستر إيدن وزير الخارجية البريطاني، الذي أكد فيها دعم الحكومة البريطانية للجهود المبذولة لإعادة استقرار الأمن ، وأبلغه رغبة حكومته بأن يستثنى حزبي نوري السعيد و صالح جبر من قرار الحكومة بحل الأحزاب السياسية، وعبر له عن أمله في " بأن يكون الوصي حذراً من تعيين (علي محمود الشيخ) كوزير للخارجية، فقد كان احد مناصري (رشيد عالي لكيلاني) عام 1941 غير ان الوصي طمأنه بان الشيخ علي قد عاد الى رشده بعد ان تخلى عن أفكاره منذ عام 1941.
لم يكن حظ مجلس النواب أفضل من حظ الملك الذي توجه. جرت انتخابات ذلك المجلس في 17 كانون الثاني 1953، والبلاد ما زالت لم تتجاوز أحداث انتفاضة تشرين وما ترتب عنها من إجراءات سياسية وقانونية. في لقد أجبرت تلك الانتفاضة وزارتين على الاستقالة خلال اسبوع واحد، مما اضطر النظام الى الاستعانة بالجيش ، وتم تكليف رئيس الأركان نوري الدين محمود بتشكيل الوزارة الثالثة. وكالعادة تم انزال الجيش الى الشوارع وأعلنت الأحكام العرفية، ومنعت التجمعات والمظاهرات، وأعلن عن تشكيل المحاكم العسكرية " المستقلة تماما " عن السلطة التنفيذية. وأقفلت جميع الصحف وعطلت الأحزاب. ومع ذلك فان المظاهرات لم تتوقف، بل على العكس فقد انتشرت لتعم معظم المدن العراقية. وبالرغم من الطابع السلمي لتلك المظاهرات إلا ان لجوء السلطة الى العنف أدى الى سقوط عشرات القتلى والجرحى، فاق عددهم عدد جميع ضحايا أحداث العنف التي وقعت يوم 14 تموز. هذا ما حصل قبل التتويج ببضعة أسابيع. أما ما حدث بعد التتويج بنحو شهر واحد فهي تلك المجزرة الرهيبة التي تعرض لها السجناء السياسيين العزل في سجن بغداد والتي ذهب ضحيتها ثمانية قتلى و 81 جريحا من السجناء. وتلتها بعد شهرين مجزرة مشابه في سجن الكوت، راح ضحيتها ثمانية قتلى و94 جريح.
نعود الى انتفاضة تشرين لنلقي نظرة سريعة على الطريقة التي كانت تحترم بها استقلالية القضاء، التي محقتها ثورة الجهلة في 14 تموز. ومن أجل ان يكتمل المناخ " الديمقراطي"، لا بد من التذكير ان الأحزاب قد عطلت والصحف قد أغلقت والاجتماعات والاضرابات قد منعت بموجب قرار أصدرته القوات العسكرية. في تلك الأجواء تم الاعداد للانتخابات. أعلنت الأحزاب السياسية عن مقاطعة الانتخابات، وكان في مقدمة تلك الأحزاب الحزب الوطني الديمقراطي وحزب الجبهة الشعبية ( حليف الجادرجي )، و حزب الاستقلال، إضافة الى الأحزاب السرية. أما حزب صالح جبر فقد أعلن في البداية عن عزمه على المشاركة، لكنه عدل عن موقفه بعد ان تيقن ان الحكومة باشرت بعملية تزوير قبل ان تنتهي من عملية الاعداد. . وظهر تدخل الحكومة منذ اللحظة الاولى فقد استخدمت وسائل التهديد والوعيد ضد المرشحين غير المرغوب فيهم لمنعهم من الترشيح. كما استدعت متصرفي الالوية الى بغداد لتزويدهم بقوائم مرشحيها. والحق يقال ان هذا الاسلوب في التأثير على الانتخابات لم يكن بدعة من ديمقراطية نوري الدين محمود، بل هو تقليد " ملكي دستوري ديمقراطي " سارت عليه الحكومات التي تولت أمور البلاد من قبل. وقد كان الجادرجي قد نوه الى مثل هذا الاسلوب في المذكرة التي رفعها الى الوصي يوم 28 تشرين الأول 1952، أي بعد اسبوع على اخماد انتفاضة تشرين وقبل نحو اسبوعين من بدأ الانتخابات. ومما رود في تلك المذكرة :
" وقد شهدت انتخابات عامي 1947 و 1948 مداخلات سافرة من غير تحفظ، فقد حدث أن استُدعي المتصرفون إلى العاصمة لمقابلة رئيس الديوان الملكي، والمسؤولين من الوزراء، وعادوا إلى أماكن عملهم بعد أن زُودوا بتعليمات مشددة لتعيين النواب ، وقد نُفذت تلك التعليمات، فكان من الطبيعي أن تضيع مسؤولية الوزارات أمام تلك المجالس المزيفة ، غير المنبثقة عن إرادة الأمة ، فتركزت السلطة ـ من دون اعتبار لمبدأ فصل السلطات ـ بيد الحكومة التي راحت تطلق لنفسها العنان في القيام بما تريد به من أعمال مخالفة للقانون الأساسي، والقوانين والأنظمة، ومخلة بالأسلوب الديمقراطي كل الإخلال، فأصبحت المجالس النيابية هي الخاضعة للسلطة التنفيذية .." .
لم يقتصر الاعتراضات على تزوير الانتخابات على قوى المعارضة، بل شملت الأحزاب الحليفة للحكومة.، وتحدث عنها سياسيون بارزون في الطاقم الحاكم. فقد أشار اليها صالح جبر جميل المدفعي، الذي استلم رئاسة الوزارة مباشرة بعد الانتخابات . وقد لجأ المسئولون في المحافظات الى كل وسائل التهديد والوعيد والاعتقال التي تضمن لهم انسحاب المرشحين غير المرغوب بهم. شخصيتان سياسيتان فقط دافعت عن نزاهة تلك الانتخابات، وهما رئيس الوزراء، نوري الدين محمود، الذي أكد على ان تصريحات صالح جبر عن عدم نزاهة الانتخابات وهجومه على الحكومة جاءت بعد ان خاب أمله في تدخل الحكومة لاصدار تعليماتها بتقاسم المقاعد مناصفة بين حزبه وحزب نوري السعيد. والشخصية الثانية التي أشادت بنزاهة الانتخابات هو ونوري السعيد، الذي كانت حصة الأسد من نصيب حزبه.. وبعد نصف قرن من الزمن انظم الى النوريين الأستاذ عبد الغني دلي، الذي كان من المرشحين الفائزين في تلك الانتخابات، وكذلك في الانتخابات التالية التي جرت في 1954، إضافة الى الأخوة الذين يحاولون اليوم اعادة كتابة التاريخ من خلال منح الديمقراطية الملكية " نيو لوك " وبالألوان. والحق يقال ان السيد دلي كان أكثر موضوعية في تقييمه لتلك الديمقراطية وللانتخابات التي تمخضت عنها، من " الديمقراطيين الجدد "، الذين يتحدثون عن الشرعية الدستورية العريضة .. الصحفي يسأل الأستاذ دلي :
- ما هو هامش الديمقراطية في تلك الانتخابات؟ الجواب :
ـ هذا يعتمد على المناطق، ففي بغداد كان هامش الديمقراطية كبيرا، كونها العاصمة والناس مطلعون على الأمور وهناك صحافة ومثقفون، وهناك نشاط سياسي، ولم تكن الحكومة قادرة على التأثير على التصويت. أما خارج بغداد فتتحكم العلاقات العشائرية ومصالح العشائر مع الحكومة، لهذا يمكن التأثير على سير الانتخابات هناك .. " .
وعلى عكس ما يحصل في الكثير من بلدان العالم الثالث، إذ تضطر الحكومة الى تأجيل الإعلان عن نتائج الانتخابات لفترة طويلة ليتسنى لها تزوير النتائج فان حكومتنا " الدستورية " الرشيدة أقدمت على عملية عكسية، عندما اعتمدت أعلى درجات الشفافية وقررت الإعلان عن نتائج الانتخابات قبل إجراءها. فقد تبرعت احدى الصحف " الديمقراطية " بنشر النتائج قبل يوم واحد من موعد الإنتخاب، حيث تضمنت قائمة بأسماء النواب الذين " سيفوزون غداً ". وقد أكدت النتائج صحة ما نشرته الجريدة.
ومن أجل ان تكتمل صورة المجلس النيابي الذي توج الملك لا بد من معرفة النتيجة النهائية لتلك الانتخابات : لقد فاز 76 نائب من أصل 135 بالتزكية، أي أكثر من نصف عدد اعضاء المجلس، وكان نصيب حزب نوري السعيد 49 من بين النواب الذين جرى انتخابهم بالتصويت المباشر ( 83% ). أما المقاعد العشرة المتبقية فكانت من نصيب مرشحين انشقوا عن أحزابهم ،التي قاطعت الانتخابات..
تـُرى ما هي شرعية هذا البرلمان؟ ليس من الصعب تقديم الجواب الواضح، بالرغم من الغموض الذي يكتنفه : شرعيته لم تكن ضيقة بالرغم من التحفظات الكثيرة. تـُرى أي المجلسين كان يتمتع بشرعية أعرض : المجلس الذي توج الملك فيصل الثاني ملكا على العراق، أم المجلس الذي توج صدام حسين رئيسا للعراق مدى الحياة ؟ لست أدري! ولكن ما أنا واثق منه هو ان شرعية المجلس الذي توج الملك كانت أضيق من المدجالس النيابية في الثلاثينات والأربعينيات، لكنها كانت أعرض بكثير من شرعية آخر مجلس نيابي في العهد الملكي، وهو المجلس الذي مُحِقَ في 14 تموز. في مطلع عام 1954 أجريت انتخابات نيابية، خاضتها أحزاب المعارضة، ولأول مرة ، بجبهة انتخابية موحدة. وبالرغم من كل الجهود التي بذلتها الحكومة إلا ان المعارضة فازت بعدد من المقاعد ( 11 مقعد )، وهي نسبة لا يمكن ان تشكل أي تهديد لها. ومع ذلك فقد كان من العسير على ديمقراطية نوري السعيد باشا ان تستوعب وتهضم وجود أي مارق في مجلس النواب، الذي كان انصاره يسيطرون على الغالبية العظمى من أعضاءه (وهو المجلس ذو الشرعية غير الضيقة ) ،فأمر بحله بعد أول جلسة،
أما الانتخابات التالية التي جرت في أيلول 1954 ، والتي قاطعتها أحزاب المعارضة فقد كانت مهزلة برلمانية، وتستحق أن تدخل كتاب غينيس للأرقام القياسية بكل جدارة.. ومن أجل ان لا نــُـتهم بالتحامل والحقد على الباشا نترك المؤرخ عبد الرزاق الحسني يصفها لنا :
" انتهت الانتخابات الجديدة بمأساة لم يشهد لها تاريخ البرلمان العراقي نظيرا لها. لعل أغربها ان الشرطة كانت تعتقل كل مرشح غير مرغوب فيه من قبل الحكومة وعلى هذا فقد فاز بالتزكية 121 نائبا من أصل 135. أما الباقون وعددهم 14 فقد فازوا بانتخاب الصوري "!!
هذه هي المؤسسة التشريعية الأهم في البلاد التي ألغتها ثورة الرابع عشر من تموز.
الدستور :
لقد تم اقرار الدستور العراقي من قبل المؤتمر التأسيسي في 1925. ويجمع المختصون على ان ذلك الدستور قد أشتمل على أفضل المبادئ والقيم الدستورية في الدستور البريطاني.. وبموجبه تم تشكيل المجلس النيابي، الذي أصبح صاحب السلطة التشريعية و الهيئة التي تحكم بأسم الشعب. ولكن الواقع بين ومنذ الأيام الأولى ان النظام لن يكون دستوريا إلا على الورق. ولا أضن ان هناك من يستطيع ان يقدم لنا تقييما موضوعيا للدستور العراقي، من الناحيتين النظرية والتطبيقية، أفضل من التقييم الذي تقدم به الرجل الذي باسمه اقترن النظام الملكي، والذي لم يغب اسمه عن لائحة مجلس الوزراء طيلة 36 عاما سوى فترة وجيزة جدا ، لم تتعدى السنتين، وكان له الشرف ان يكون على رأس 16 وزارة. في كلمته أمام دورة البرلمان الاعتيادية في 1943 تحدث نوري السعيد بلهجة جمعت بين ثقة المسئول الحكومي الكبير وصراحة ممثل الشعب الغيور، عن النظام الدستوري وعن الحكومة المسئولة أمام مجلس النواب ، مؤكدا على ان " هذا المجلس ينزع الثقة من الحكومة، ويعطي ثقته لحكومة أخرى. هذا هو نظام الحكم الموجود، والذي أقسمنا عليه " وتساءل السعيد ان كان حقا هذا النظام يطبق بالفعل ؟ فيجيب بقوله : " نظام الحكم يقضي بإجراء انتخابات في المملكة، وللشعب أن ينتخب مَنْ يعتمد عليه، ليراقب، ويسيطر على أمور الدولة. هذا هو أساس الحكم. ولكن بالنظر إلى قانون الانتخابات الموجود بأيدينا، هل في الإمكان، أناشدكم بالله، أن يخرج أحد نائباً مهما كانت منزلته في البلاد، ومهما كانت خدماته في الدولة، ما لم تأت الحكومة وترشحه، فأنا أراهن كل شخص يدعي بمركزه، ووطنيته، فليستقل الآن، ويخرج، ونعيد الانتخاب، ولا ندخله في قائمة الحكومة، ونرى! هل هذا النائب الرفيع المنزلة، الذي وراءه ما وراءه من المؤيدين، يستطيع أن يخرج نائباً؟(حسين جميل، «الحياة النيابية في العراق وموقف الأهالي»، صفحة 69). لقد كان نوري السعيد في تلك الكلمة صادقا مع نفسه ومع ممثلي الشعب ومع الحكومة ومع الشعب. وما ذكرناه عن سير الانتخابات في العقد الأخير من عمر النظام الملكي يبين كم كان أمينا مع مبادئه. ولكن لا بد من الاعتراف بان نوري باشا لم يكن الرائد في مثل هذه الممارسة الدستورية، فقد تعلم هذه الشفافية من رفيق دربه ، السيد طه باشا الهاشمي، الذي وقف في اجتماع البلاط،بعد انقلاب بكر صدقي، وخاطب رؤساء الوزارات ( وليس النواب ) قائلا " من منكم او منا كان حراً في تأليف وزارته ومن منا كان حراً في الكثير من اعماله ... ". وقد عقب الجادرجي في رسالة له الى محمد حديد بالقول : " من الغريب ان ينبري حكمت فيطلب الكلام وتظهر عليه اثار الحدة بصورة واضحة ويرد على طه باشا بقوله: اما من جهتي فاقول انه لم يتدخل احد بتاليف وزارتي كما لم يتدخل احد في شؤون وزارتي ويعترض كامل بالقول وكان هذا غريباً كل الغرابة من حكمت بك"لان الجميع كانوا يعلمون ان حكمت بك جاء نتيجة انقلاب عسكري فرض ارادته فرضاً في كل شيء لا في تاليف الوزارة فقط ".

منذ تأسيس مجلس النواب حتى قيام ثورة 1958 تشكلت وأُسقطت 53 وزارة من دون أن يكون لمجلس النواب أي دور في تشكيلها أو إسقاطها، لأن الوزارات كانت تتألف في البلاط الملكي، قريبا من السفارة البريطانية في بغداد، ثم تسقط بمراسيم خاصة، تكتب وتوقع في أماكن بعيدة كل البعد من مجلس النواب..
أما بالنسبة لاستقلالية القضاء التي محقتها ثورة تموز فدعونا نعود الى انتفاضة تشرين 1952 فقد تساعدنا أحداثها على تكوين فكرة حقيقية عن تلك الاستقلالية. . في ليلة ما جرى خلال فترة لا تزيد عن اسبوع واحد. 23 تشرين ثاني قامت السلطات بشن حملة اعتقال واسعة شملت أكثر من 3000 شخص، بينهم أكثر من 220 من الوزراء السابقين، والنواب والصحفيين، ورؤساء الأحزاب وشخصيات سياسية معروفة وقد جرى تقديم الجميع الى المحاكم العرفية العسكرية " المستقلة " ، حيث حكم على شخصين بالاعدام، وعلى 958 بالسجن لمدد مختلفة وعلى 582، وعلى عدد كبير بالكفالة.
ماذا لو علمنا ان مجموع المدة التي سادت بها الأحكام العرفية في البلاد خلال الفترة ما بين 1932 - 1958 بلغت 11 سنة، كما بلغ عدد المراسيم التي أصدرتها الحكومة خرقاً للدستور 27 مرسوماً (د.عقيل الناصري، الجيش والسلطة في العراق الملكي، صفحة 211 و155).
في النهاية لا بد من التذكير بان أي نظام سياسي لن يستطيع ان يكتسب شرعيته وان يحظى بدعم الجماهير، لفترة طويلة، بالاعتماد على سلبيات النظام السابق وسيئاته. قد يكون الظلم والكبت والحرمان أسباب كافية تدفع الجماهير الى رفض الحكم القديم واحتضان النظام الجديد ودعمه. ولكن ذلك لن يدوم طويلا إلا اذ شعرت الجماهير ان البديل جاد في مساعيه من اجل تحقيق التغيير الجذري. ان فشل قيادة ثورة تموز في مواصلة توجهاتها الديمقراطية وخطواتها من أجل توسيع مشاركة الجماهير في الحياة السياسية والاجتماعية، من خلال تعزيز دور النقابات والجمعيات المهنية والثقافية وتطوير الحياة السياسية، ومن ثم عجزها عن الوفاء بوعدها في اجراء انتخابات نيابية وتشريع الدستور ونقل السلطة للشعب ، يجب ان لا يدفعنا الى تجميل الديمقراطية الملكية المزيفة وغض النظر عن ممارسات النظام الملكي القمعية . والعكس صحيح أيضا : ان الديمقراطية الشكلية والحياة الدستورية المزيفة التي ميزت النظام الملكي ينبغي ان لا تحجب أعيننا عن حقيقة مرة، وهي ان فشل قيادة الثورة في انجاز الاصلاحات الديمقراطية والدستورية المطلوبة كانت السبب الرئيسي وراء ارتداد الثورة وتراجعها، ومن ثم مهد الطريق للقضاء عليه في 8 شباط 1963، بعد ان تم لقادة ذلك الانقلاب تجريد الثورة من أنصارها الحقيقيين. وواقع العراق اليوم يؤكد ما نقول. وقد يكمن في هذه الحقيقة درس ثمين لا بد من التوقف عنده، وخاصة بالنسبة للساسة الحاليين...



#عدنان_عاكف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 14 تموز بين الموقف العاطفي و الموقف الطبقي
- 14 تموز: تلبية لإرادة الشعب أم تحقيق لمطامح العسكر ؟؟
- نحن وثورة الرابع عشر من تموز 1
- آينشتاين والاشتراكية


المزيد.....




- -سقوط مباشر واحتراق آلية-.. -حزب الله- يعرض مشاهد لاستهدافه ...
- صنعاء.. تظاهرات ضد الحرب على غزة ولبنان
- فصائل العراق المسلحة تستهدف إسرائيل
- الديمقراطيون.. هزيمة وتبادل للاتهامات
- القنيطرة.. نقاط مراقبة روسية جديدة
- عرب شيكاغو.. آراء متباينة حول فوز ترامب
- مسؤول أميركي: واشنطن طلبت من قطر طرد حركة حماس
- إعلام سوري: غارات إسرائيلية على ريف حلب
- بعد اشتباكات عنيفة بين إسرائيليين وداعمين لغزة.. هولندا تقرر ...
- هجوم بطائرة مسيرة يوقع قتيلًا و9 مصابين في أوديسا


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عدنان عاكف - ثورة تموز و - الديمقراطية الملكية -