|
ماهي طبيعة قضية دارفور؟
تاج السر عثمان
الحوار المتمدن-العدد: 2343 - 2008 / 7 / 15 - 10:14
المحور:
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
اصبحت قضية دارفور مرتبطة بتوسيع نطاق اتفاقيات نيفاشا لتشمل كل اقليم السودان، وضرورة تلبية مطالبها العادلة في الثروة والسلطة والحكم الذاتي والتنمية المتوازنة وتوفير الاحتياجات الأساسية في التعليم والصحة والخدمات..الخ، وتكوين مجلس رئاسي يمثل كل اقاليم السودان: الجنوب، دارفور، الشرق، كردفان، الأوسط، الشمالية، باعتبار أن الحل الشامل هو الذي يحقن الدماء بدلا من الحلول الجزئية التي تعيد انتاج الازمة، وانفجارها بشكل اوسع من السابق. اذن حل قضية دارفور نبحث عنه في اطار قومي شامل، ولايمكن اختزال القضية في صراع قبلي أو صراع اثني بين العرب والافارقة، أو صراع حول الحواكير..الخ، ولو كان الأمر كذلك، فان اهل دارفور قادرون علي حل هذه المشكلة. واذا تأملنا في تاريخ سلطنة دارفور، نلاحظ انه تميز بالاستقلال والسيادة الوطنية(عدا فترتي الاحتلال التركي والانجليزي)، كجزء من احتلال كل السودان. كما أن قبائل وشعوب دارفور شهدت قفزة في تطورها الاجتماعي، وشقت طريقها من مجتمعات بدائية، كانت تقوم علي الصيد والتقاط الثمار، الي مجتمعات زراعية رعوية تشكل الارض(الحواكير) ركيزة العمل الاساسية، كما أن اقليم دارفور كان موطنا لحضارات وممالك مثل: مملكة الداجو والتنجر وسلطنة دارفور. واذا كان مقياس الحضارة هو بروز السلالات الحاكمة والزراعة والرعي وقيام المدن والاسواق والصناعات الحرفية والتجارة واللغة المكتوبة ..الخ، فتكون سلطنة دارفور قد دخلت الحضارة في العصور الوسطي من اوسع ابوابها. كان مجتمع دارفور مترابطا، فاهل المنطقة استطاعوا توفير غذاءهم الأساسي من الزراعة وتربية الحيوانات والصيد، كما وفروا ما يحتاجون اليه من ادوات ومن الصناعات الحرفية التي كانت مزدهرة في السلطنة، بل تقريبا كانت كل الواردات من السلع الكمالية التي تهم السلطان والمترفين من الأغنياء واصحاب النفوذ مثل: المنسوجات، العطور الراقية، الأسلحة النارية..الخ. واذا صح استخدام التعبير المعاصر، يمكن القول أن سلطنة دارفور عرفت الاكتفاء الذاتي، ولكن الاحتلال التركي والانجليزي قطعا التطور الطبيعي والباطني للسودان ككل، ومن ضمنه دارفور التي تعرضت للاهمال في العهود المختلفة بعد الاستقلال. علي أن التدهور الكبير في الاقليم، كان في فترة الانقاذ التي اهملت توصيات ومؤتمرات الصلح التي عقدت بعد عام 1989م. ولو نفّذت جزء من التوصيات والقرارات لما تدهور الوضع الامني والسياسي والاجتماعي في دارفور وادت الي بروز معارضة مسلحة انفجرت من جبل مرة. وجاء ملتقي الفاشر – فبراير 2003م، بعد انفجار الاحداث وتوصل الي توصيات وقرارات كانت في مجملها سليمة ، وكان مدخل الملتقي صحيحا في حل المشكلة سلميا عن طريق التفاوض ، ولكن حكومة الانقاذ سارت في طريق الحل العسكري والقمع وحرق القري والابادة الجماعية، مما ادي الي تفاقم الوضع والمأساة الانسانية، وحدث التدخل الدولي الذي تتحمل الحكومة مسئوليته. وكان الضحايا حسب احصاءات الامم المتحدة : - 300 الف قتيل. - اكثر من 2 ألف قرية محروقة. - 2 مليون نازح( الايام: 21/3/2006م). وكانت الحصيلة ابادة جماعية وانتهاكات لحقوق الانسان، مما استوجب المساءلة حسب ميثاق الامم المتحدة لحقوق الانسان. ويبقي مواصلة الحوار بين الحكومة والحركات المعارضة والحوار بين ابناء دارفور للوصول لحل يضمن سلامة وتنمية ووحدة واستقرار الاقليم، وتوصل الحركات المعارضة الي موقف تفاوضي واحد، كما انه من المهم أن تستجيب الحكومة لمطالب اهل دارفور في المفاوضات مثل: - حقوق عادلة في السلطة والثروة. - اعادة الاقليم الي حدوده التاريخية وفقا للعام 1956م. - أن تكفل لهم المشاركة الفاعلة في رئاسة الجمورية بنائب رئيس، وكذلك في مجلس الوزراء والخدمة المدنية. ان تحقيق هذه المطالب من شانه أن يوقف التدخل الاجنبي ويفتح الباب لعودة السلام والأمن في الاقليم. كما أن حكومة الانقاذ هي التي تتحمل مسئولية التدخل الاجنبي ، لأنها فشلت في وقف الابادة والتطهير العرقي في الاقليم، وكذلك فشلت قوات الاتحاد الافريقي، هل يقف المجتمع الدولي مكتوف الايدي امام استمرار هذه الابادة والمأساة الانسانية، أم يتدخل لوقفها؟. الوضع في دارفور معقد ولايصح اختزاله في نزاع أو خصومة عرقية بين العرب الأفارقة، فمجتمع دارفور هو نتاج تطور تاريخي طويل تمازجت وتصاهرت فيه قبائلها وشعوبها، ولكن سياسة الانقاذ هي التي اذكت واثارت نار الفتنة العرقية التي كانت نائمة. كما أن اهل دارفور قادرون علي حل مشاكلهم اذا كانت قبلية أو عرقية أو حول حواكير..الخ، ولكن المشكلة سياسية وقومية ، وتحل في اطار مشاكل السودان ككل والتي تتطلب التحول الديمقراطي والتنمية المتوازنة، والحكم الذاتي، والتقسيم العادل للسلطة والثروة..الخ. كما نأخذ في الاعتبار، رغم تسليح الحكومة لجماعات من القبائل العربية( الجنجويد)، ولكن ذلك يجب الا يحجب عنا حقيقة أن العرب في دارفور هم انفسهم ضحايا تاريخيين، كما ظل الجسم الأساسي للقبائل العربية ضد الفتنة العرقية، وهي نفسها من ضحايا نظام الانقاذ الذي نهب مواردها مثلما نهبت ودمرت القبائل الافريقية. وبالتالي، فان مصلحة قبائل وشعوب دارفور( عربية وافريقية) في التحول الديمقراطي والتنمية والحكم الذاتي والتعايش السلمي بينها. كما انه من المهم دراسة الخلفية الاجتماعية والتاريخية للمنطقة التي تساعد في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي ننشدهل للاقليم، ان تأخذ في الاعتبار خصوصية الاقليم وتاريخه وواقعه في الاعتبار، ولابد من الاستناد الي الاعراف والتقاليد الايجابية المتوارثة من عهود سلاطين دارفور في حل النزاعات القبلية وتنظيم حركة الرعي والمراحيل وحسب ما توصلت مؤتمرات الصلح السابقة مثل مؤتمر صلح 1989م.وكذلك احترام حق الجميع في الاستفادة من الحواكير، باعتبار ذلك هو الضمان للاستقرار وحل النزاعات التي هزت الاقليم، وضرورة التعايش السلمي لكل القبائل في الاقليم، ونبذ محاولات الاقصاء العرقي الضار بوحدة الاقليم ونسيجه الاجتماعي، كما أنه لابد من احداث التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في هذا الاقليم ذو التاريخ التليد، وتوفير خدمات التعليم والصحة والعناية البيطرية للحيوانات، وتحقيق التعايش السلمي بين قبائل الاقليم المختلفة، وازالة آثار الجفاف والتصحر باحياء عملية نشر الغطاء النباتي ، هذا فضلا عن بالاقليم اماكانات هائلة كامنة للفائض الاقتصادي في القطاعين الزراعي والحيواني، واذا ما تم الاهتمام بهما يمكن أن يكونا مصدرين مهمين لنهضة وتطور الاقليم والبلاد، حيث لاتقل الثروة الزراعية والحيوانية اهمية عن البترول ، اضافة لثروات الاقليم الاخري من بترول ومعادن وغيرها. ويبقي من المهم الوقف السريع لاطلاق النار وعودة اللاجئين الي الي اراضيهم الزراعية ومراعيهم، والتعويض العادل عن الخسائر الناجمة ومحاكمة مجرمي الحرب ونزع السلاح، ولاسيما سلاح الجنجويد. ان عودة اللاجئين الي اراضييهم ومواطنهم الاصلية، يعني تخليص شعب دارفور من مذلة الاعتماد علي الاغاثات مع تقديرنا للمجتمع الدولي التي وفرها عند الشدة، ويعني ايضا عودة شعب دارفور الي وضعه الطبيعي كشعب منتج، كان مكتفيا ذاتيا من حيث توفير الغذاء لنفسه منذ عهود السلاطين، وبالتالي يرجع الي وضعه الطبيعي عزيزا مكرما بعيد ا عن مذلة وهوان الاغاثات. لقد اكد تطور الاحداث ضرورة حل قضية دارفور في اطار قومي شامل، وضرورة قيام مؤتمر جامع تشارك فيه كل القوي السياسية ومنظمات المجتمع المدني، وحل القضية عبر الحوار الجاد والوسائل السلمية بين الحكومة واطراف الحركات المعارضة، بما يؤدي الي وقف الحرب والاقتتال وتحقيق التنمية في الاقليم، ومعالجة جذور المشكلة.وتحقيق التحول الديمقراطي باعتباره مفتاح الحل للازمة في دارفور، وعود النازحين الي قراهم في اسرع ما يمكن والتعويض العادل عن الاضرار التي لحقت بهم. واخيرا، نؤكد انه رغم مخطط حكومة الانقاذ لاثارة الفتنة العرقية، الا أن الحسم الاساسي للقبائل العربية في دارفور ظل متماسكا، ولم ينساق وراء الفتنة العرقية، بل ظلت هذه القبائل مع بقية قبائل وشعوب دارفور تطالب بالحل القومي لمشكلة دارفور ، وأن المشكلة سياسية وليست عرقية، كما ظلت القبائل العربية، وكجزء من شعب السودان، صامدة في مقاومة الانقاذ مع القبائل الافريقية الاخري، وباعتبار ان نظام الانقاذ هو الذي دمر النسيج الاجتماعي لدارفور.
#تاج_السر_عثمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأزمة في دارفور:من مؤتمر صلح 1989 الي ملتقي الفاشر - فبراير
...
-
ماهي اللوحة الخماسية؟ وهل يصح تعميمها علي كل المجتمع البشري؟
-
ماهي دلالات تمرير قانون الانتخابات بالاغلبية الميكانيكية؟
-
منهج ماركس في بناء نظريته عن المجتمع(2)
-
ما الجديد في فكرة السودان الجديد؟
-
منهج ماركس في بناء نظريته عن المجتمع
-
سياسات الذاكرة في النزاعات السودانية: تعقيب علي محاضرة بروفي
...
-
هل تبشر الماركسية بالجبرية الاقتصادية؟
-
سوق عطبرة(اتبرا)
-
تعقيب علي محاضرة د.فاروق محمد ابراهيم:رسالة الي المؤتمر الخا
...
-
حوار حول اسم الحزب
-
بمناسبة الذكري ال 37:دروس انقلاب 19/يوليو/ 1971م
-
نشأة وتطور المنظمات المدنية السودانية
-
المسألة القومية في السودان
-
حول تجربة العمل الثقافي في الحزب الشيوعي السوداني
-
اثار الثورة العلمية التقنية علي تطور الفكر الانساني: اعادة ا
...
-
الماركسية والحل التلقائي لقضية المرأة
-
نشأة وتطور الطبقة العاملة السودانية:الفترة:1900- 1956
-
الفكر السوداني: الماركسية احد حلقات تطور الفكر السوداني
-
في الذكري الثانية لرحيل البروفيسور محمد ابراهيم ابوسليم
المزيد.....
-
برلمان كوريا الجنوبية يصوت على منع الرئيس من فرض الأحكام الع
...
-
إعلان الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. شاهد ما الذي يعنيه
...
-
ماسك يحذر من أكبر تهديد للبشرية
-
مسلحو المعارضة يتجولون داخل قصر رئاسي في حلب
-
العراق يحظر التحويلات المالية الخاصة بمشاهير تيك توك.. ما ال
...
-
اجتماع طارئ للجامعة العربية بطلب من سوريا
-
هاليفي يتحدث عما سيكتشفه حزب الله حال انسحاب انسحاب الجيش ال
...
-
ماسك يتوقع إفلاس الولايات المتحدة
-
مجلس سوريا الديمقراطية يحذر من مخاطر استغلال -داعش- للتصعيد
...
-
موتورولا تعلن عن هاتفها الجديد لشبكات 5G
المزيد.....
-
الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية
/ نجم الدين فارس
-
ايزيدية شنكال-سنجار
/ ممتاز حسين سليمان خلو
-
في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية
/ عبد الحسين شعبان
-
موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية
/ سعيد العليمى
-
كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق
/ كاظم حبيب
-
التطبيع يسري في دمك
/ د. عادل سمارة
-
كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟
/ تاج السر عثمان
-
كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان
/ تاج السر عثمان
-
تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و
...
/ المنصور جعفر
-
محن وكوارث المكونات الدينية والمذهبية في ظل النظم الاستبدادي
...
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|