|
لنقطع مع ثقافة التيئيس والتبخيس .
سعيد الكحل
الحوار المتمدن-العدد: 2341 - 2008 / 7 / 13 - 13:01
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
أكيد أن أخطر آفة يواجهها مجتمعنا المغربي هي المرتبطة بالفكر والثقافة في أبشع صورهما . وليس الفكر والثقافة ، في إطلاقيتهما ودائما ، مصدر غنى وتنوع وتنوير . فبقدر ما تكون الثقافة عنصرا فاعلا وحاسما في تشكيل الوجدان وبعث روح الفعل وإرادة التغيير لدى شعب معين فنجد أفراده يتفانون في بذل قصارى الجهد لرفع التحدي وقهر "القدر" على حد قول الشابي " فلا بد أن يستجيب القدر" ؛ بقدر ما تتحول الثقافة إلى كابح حقيقي للإرادات ومثبط فعلي للعزائم . وللأسف الشديد أن مجتمعنا ابتلي ، بفعل عوامل ذاتية وموضوعية ، بهذا الصنف من الثقافة البئيسة التي تقتل كل أمل وتحبط كل عزيمة . إنها ثقافة التيئيس والتبخيس . وعلى الرغم من التباين الواضح بين الثقافتين إلا أنهما تنتهيان إلى نفس المراد وهو خلق حالة الجمود وتعميم حالة اليأس . ذلك أن ثقافة التيئيس تحمل كل نفس تصيبها على فقد الأمل في تجاوز الوضع القائم في سلبيته مهما تعددت الخطط وتكاثفت الجهود طالما ظلت الدولة على اختياراتها السياسية والعقدية . وبهذا تتحول الطاقات البشرية إلى كتل صماء منخورة الإرادة والعزيمة تتطلع إلى اليوم الذي يحل فيه الويل والثبور على كل الربوع . إن هذه الثقافة لا تترك فرصة لإمكانية الإنقاذ والتدخل لتصحيح الأوضاع وتدارك ما بقي من حظوظ الإفلات . وبسبب ذلك تعمى الأبصار عن إدراك كل منجز ، وإن قلّ . ولا شك أن هذه الثقافة يتقاسمها تياران على طرفي نقيض ، هما التيار العدمي والتيار الإسلامي الانقلابي . وكلا التياران توقفت لحظاتهما الزمنية عند فترات تاريخية متباينة . إلا أنهما يلتقيان عند هدف مشترك يتمثل في إضعاف الدولة والنظام كفاعل سياسي رئيسي بعد أن تراجع دور الأحزاب التي أصبحت متواكلة على الدولة حتى في تدبير خلافاتها الداخلية . أما ثقافة التبخيس ، فهي على نقيض ثقافة التيئيس ، تستحث الهمم والأقلام والألسن للتشكيك في كل المبادرات التي تتخذها أطراف تعلن ولاءها للوطن وعزمها على إحداث خلخلة على مستوى عقلية التفرج وانتظار الفرج . ويجمل بنا التذكير بالمواقف المتخذة من المبادرة التي أطلقها ثلة من الفاعلين باسم "حركة لكل الديمقراطيين" التي ، رغم وضوح أهدافها ، فإن خصومها في تزايد وبحث عن التلاقي لكسر جهودها الرامية إلى تجنيد المواطنين ،كل من موقعه وكل حسب استطاعته ، في حركة مجتمعية شاملة تحدث قطيعة مع اليأس والتفرج وتخرج المغرب من "قاعة الانتظار" لتضعه على سكة التنمية المستدامة والاندراج في العصر بعد تأهيله . وكل الذين اختاروا التشكيك في أهداف الحركة وتبخيس جهودها ، لم يفعلوا هذا من باب التنافس على استنهاض الهمم وتجميع الطاقات التي عطلتها الصراعات الحزبية والحسابات السياسوية الضيقة ، وإنما يفعلونه من باب العاجز الذي يواري عجزه ويعادي كاشفه . إن المفروض في الذين يشككون في حركة لكل الديمقراطيين ويبخسونها حقها في الفعل والتأطير ، أن ينافسوها في وضع تصورات للخروج بالمغرب من أوضاعه المتأزمة ، ورسم مسارات التنمية الجادة بعيدا عن أسلوب ( لا يفعلون خيرا ولا يأمرون به ) . أما التبخيس والتشكيك فلن يزيدا عن وضع عصا إضافية لحصر عجلة التنمية وعرقلة حركتها . من هنا يمكن انتقاد التبخيسيين من منطلقين : الأول : أن الحياة السياسية تقتضي ديناميكية حتى لا يطالها الشلل والجمود . وباعتبار الفاعلين السياسيين والحزبيين يقرون بحالة الفتور أو العزوف كما جاءت نتائج الانتخابات التشريعية ليوم 7 شتنبر 2007 مؤكدة ومنذرة ، فإن الواجب الوطني يستوجب استخلاص الدروس والانتقال إلى مرحلة الفعل درءا للخطر وملأ للفراغ . خصوصا وأن الفاعلين السياسيين والحزبيين يدركون مصادر الخطر لكنهم ، للأسف ، لا يعون أبعاده . فالمغرب يواجه خطرين حقيقيين : أ ـ خطر الاتجار بالمال وبالذمم ، الأمر الذي جعل بلادنا تحتل مراتب مشينة في سلم الارتشاء ، مما يعيق كل جهود التنمية والإصلاح . وبات الفاسدون يشكلون محميات ومناطق نفوذ وجيوب لمقاومة كل تحديث ودمقرطة . ب ـ خطر الاتجار بالدين الذي تشكله تنظيمات الإسلام السياسي التي تحمل مشاريع مجتمعية نقيضة للمشروع الذي يتطلع إليه المغرب ويسعى لإقامته ، وهو المشروع المجتمعي الحداثي والديمقراطي الذي يحظى بإجماع الملك والقوى الديمقراطية . وهذه هي المرة الأولى في تاريخ المغرب الحديث التي يتحقق فيها الإجماع بين الملك والقوى السياسية بعيدا عن ثقافة الصراع وأدواته . لهذا تقتضي المسئولية الوطنية تجميع الجهود وتكثيف المبادرات لمواجهة الأخطار التي تتهدد الوطن والشعب . وليكن الشعار هو " كل المبادرات تؤدي إلى خدمة الشعب وحماية الوطن" . وبالتأكيد أن الفراغ الذي تتركه الأحزاب السياسية بسبب تراجع أدوارها في التأطير والتدبير ستملؤه القوى المعادية للحداثة والديمقراطية . الثاني : إذا كانت الحركة لكل الديمقراطيين استنساخا لتجارب سابقة رعتها الدولة وانتهت كلها إلى الفشل ، فلم الخوف والتوجس من الحركة إذن ؟ لا شك أن المهتمين بالحق السياسي المغربي يقرون أن إيقاع الملك في إطلاق المبادرات والدفع بعجلة التنمية لا يجاريه إيقاع الحكومة والأحزاب . ومن هذا المنطلق ألا يحق للملك أن يرحب بأية مبادرة تخلق ديناميكية مجتمعية متنامية ومتفاعلة مع إيقاعات الملك ومستوعبة لمراميه التنموية والتحديثية؟ إن الحركة لكل الديمقراطيين ليست استنساخا لتجارب "الفديك" الفاشلة ، بل قامت على ما تحقق من مكاسب سياسية وحقوقية أبرزها تقرير الخمسينية وجسدها تقرير هيأة الإنصاف والمصالحة . لذلك فهي نبتة أصيلة تستند إلى المكتسبات وتستنهض الإرادات الخيرة للانخراط بفعالية في بناء مغرب الغد الذي لا يتنكر لأسسه الحضارية ولا ينغلق أمام المكتسبات الثقافية والقيم الإنسانية الكونية .
#سعيد_الكحل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لما تصبح التهدئة انتصارا .
-
تيار الإسلام السياسي خصم أم حليف للتيار الجهادي ؟(5)
-
جماعة العدل والإحسان وإشكالية الترخيص القانوني .
-
هيبة الدولة من كرامة المواطن .
-
تيار الإسلام السياسي خصم أم حليف للتيار الجهادي ؟(4)
-
الإرهاب وتنوع الخطط والمخططات .
-
أي بلال : الحق لا يعرف بالرجال (5)
-
أي بلال : الحق لا يعرف بالرجال (4)
-
أي بلال : الحق لا يعرف بالرجال (3)
-
أي بلال : الحق لا يعرف بالرجال (2) .
-
أي بلال : الحق لا يعرف بالرجال (1)
-
أية إستراتيجية لمواجهة الإرهاب ؟
-
تيار الإسلام السياسي خصم أم حليف للتيار الجهادي ؟(3)
-
تيار الإسلام السياسي خصم أم حليف للتيار الجهادي ؟(2)
-
بلال التليدي : كبر مقتا أن تقول ما لا تفعل !!
-
ماذا لو شملت عقوبة الإعفاء من المهام كل المقصرين ؟
-
تيار الإسلام السياسي خصم أم حليف للتيار الجهادي ؟(1)
-
على هامش فرار الإرهابيين : الدول لا تبنى بالعواطف .
-
مواقف الأحزاب والمنظمات الحقوقية والإعلام في مواجهة الإرهاب
...
-
المال -السايب- يشجع على النهب والتبذير .
المزيد.....
-
عمال أجانب من مختلف دول العالم شاركوا في إعادة بناء كاتدرائي
...
-
مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال الإسرائي
...
-
أجراس كاتدرائية نوتردام بباريس ستقرع من جديد بحضور نحو 60 زع
...
-
الأوقاف الفلسطينية: الاحتلال الإسرائيلي اقتحم المسجد الأقصى
...
-
الاحتلال اقتحم الأقصى 20 مرة ومنع رفع الأذان في -الإبراهيمي-
...
-
استطلاع رأي إسرائيلي: 32% من الشباب اليهود في الخارج متعاطفو
...
-
في أولى رحلاته الدولية.. ترامب في باريس السبت للمشاركة في حف
...
-
ترامب يعلن حضوره حفل افتتاح كاتدرائية نوتردام -الرائعة والتا
...
-
فرح اولادك مع طيور الجنة.. استقبل تردد قناة طيور الجنة بيبي
...
-
استطلاع: ثلث شباب اليهود بالخارج يتعاطفون مع حماس
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|