|
سالني استاذي عن جاويد باشا
عماد علي
الحوار المتمدن-العدد: 2369 - 2008 / 8 / 10 - 11:10
المحور:
سيرة ذاتية
كنت طفلا و لم انفتح او افهم جيدا ما في الدنيا و ما مضامينها المعقدة و ماهو الفكر و لماذا تسيرالحياة على ماهي عليه، كنت في عمر الزهرة و لم تُجد اية نقطة من اي شكل او لون في صفحات عقلي و حياتي البيضاء . و انا في الصف السادس الابتدائي، و فجأة سالني معلم التاريخ ما رايك عماد ان تعرٍف لنا السيد( جاويد باشا )* ، انصدمت و قفل لساني و لم اتحرك من هول المفاجأة لان هذا الاسم لم يكن ضمن المنهج الذي درسته في حينه ، فلم يبق للاستاذ الا ان يضحك و يمازحني و قال كنت اسألك من باب المعلومات العامة لانه اي جاويد باشا كما يسمونه اهل مدينتي خانقين صاحب دكان و ميسور الحال لما تبقى له من الميراث و لكون اجداده من مواليي العثمانيين . و انا لم اعلم بهذه الصفات الا عندما مرًت الايام و فتع عقلي على الدنيا و اطلعت على وضع و مكونات المدينة و ميزت بين الابيض و الاسود، و لكن السؤال كان يترنح في اذني و فكري على الدوام ، و بعد ذلك بكثير عندما سالت عن الاستاذ و افكاره و ميوله و توجهاته تبين لي فيما بعد انه من اليساريين المبدئيين المحب للانسانية و السلام و كان في حياته خادما للفقراء و المعدومين و الحق كان محبوب الجميع بما فيهم انا عنما درسني ليس لكونه يساريا لانني لم اعلم ما هي اليسارية في حينه بل لانه على الرغم من انه المعلم و ليس من مسؤوليته ان يكرم الطلاب المجتهدين و هو واجب الادارة فانني اتذكر الهدية التي اهداني اياها في راس السنة و هو ثوب جميل لانني كنت الاول على المدرسة رغم ما كنا عليه وما اثًر علينا شغف العيش و كم فرحت بها، و انني لم افكر ان الاستاذ في سؤاله كان يهدف الى ان افرق بين الفقير و الغني و يزرع في كياني ما كان يؤمن به، لانني الطالب الفقير المعدوم من عائلة كبيرة و معيلها اب عتال لم يلحق الا للقمة عيش عائلته فقط ، و الباشا الثري المتريش، و يُسال ابن الحمال ليبدي رايه به و يعرٍفه و هذا ما تاكدت منه فيما بعد الا ان صغر سني عندئذ لم يتقبل التفكير بما كان استاذي الفاضل يرمي اليه، و اتذكر عندما احسً و راى الاستاذ الحيرة على وجهي غيًر الموضوع و تكلم وشرح الكثير عن الباشاوات العثمانيين و دورهم و كيفية مجيئهم الى العراق و من خلفوا بعدهم و منهم جاويد اشا افندي الذي كان مثال البرجوازية في المدينة الصغيرة التي كانت مستوى معيشة اكثرية اهاليها متقاربة بحيث سميت من قبل الكثيرين بالموسكو الصغيرة ، بالرغم من ان هذا الموضوع لم يكن ضمن المنهج المقرر .و مرًت الايام و بالصدفة الجميلة بعد سقوط الدكتاتور و عند زيارتي لمدينتي المتحررة حديثا خانقين شاهدت استاذي العظيم و قد اخذ الدهر منه الكثير و عادت بي الذاكرة الى السؤال القديم الجديد و المحير في حينه و جلست عنده و بعد الحديث ذكًرته بما بقي من سؤاله و ما نقره في دماغي و فكري و لم يتذكره كما هو عادة المعلمين و انما الطلاب يتذكرون و يحفر في ذاكرتهم ما يؤثر فيهم و بعد ذلك بدا الشرح المفصل و اسهب في تحليله و قارن بين حياة جاويد باشا الثري و علي العتال اي والدي و كيف يسال استاذ ماركسي ابن المعدوم عن راس الثري و تمنيت لو كنت منفتحة الفكر و العقل في حينه لاجاوب استاذي الكريم بما اؤمن به اليوم، ومن الخير ان اذكر ان جميع افراد عائلتي وصلوا الى مبتغاهم من الشهادة و الجاه بفضل ذلك الرجل العتال و لم اسمع ما توصل اليه ابناء جاويد افندي من شيء كما قال لي استاذي رغم مسايرته للحكومات المتعاقبة و اما عائلة الحمال على الرغم من فقرهم و بؤسهم بينو لاهل مدينتهم اصرارهم على مواقفهم المبدئية ايضا و اخيرا تم ترحيل الرجل الحمال مع من كانو معه من قبل النظام البائد الى مدينة الحلة الحبيبة بسبب مواقف ابناءه و خروجهم من تحت سلطة الدكتاتور ليرى الرجل البائس الويل و ما تفرضه الغربة على رجل يُقلع من مدينته التي ولد و ترعرع فيها الى ان وافاه الاجل في الغربة و لم ير الحرية و اُعيد جثته بناءا على وصيته الى مكان ميلاده. اما البرجوازي الثري لم ير ما يعيق حياته لمسايرته الحكام و عدم ابداء اي موقف يضُر به و بمستقبل عائلته، و بقي حتى بعد التحرير معززا مكرما لان ما تغير هو الحكام و ليس جوهر و فلسفة الحكم . هكذا هي الحياة دائما ، الوقود هو الفقراء و المعدومون و هم في طليعة العمل الوطني و الطبقي و هم المضحون، وهم يبدعون و يغيٍرون مسيرة الحياة و هم يخدمون الجميع و الفكر الذي في خدمتهم هو المنتصر في نهاية المطاف . *جاويد باشا: اسم مستعار لشخصية حقيقية في مدينة خانقين.
#عماد_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ما دور اقليم كوردستان في دعم استتباب الامن و ترسيخ السلم الع
...
-
من اجل قطع دابر الدكتاتورية في العراق
-
المجتمع العراقي بحاجة ماسة الى ثقافة السلام
-
من اجل اجتثاث ظاهرة التهجير من جذورها
-
المجتمع العراقي بحاجة ماسة الى ثقافة الحوار
-
اين اليسار الكوردستاني في الوضع الراهن
-
العراق و ثقافة الخوف
-
الجوع يفتت وحدة الارض و يمزق اوصال الشعب
-
من يفوز في مرحلة مابعد الراسمالية
-
رسالة الى المراة العراقية
-
سلطة اقليم كوردستان العراق تلغي دور الشعب
-
تدويل القضايا العراقية لمصلحة مَن؟
-
كيفية اعتماد المعايير الاساسية لمقترحات ديميستورا
-
دغدغة سورية لقهقهة اسرائيلية
-
قراءة سريعة لمفاوضات الكورد مع الحكومات المركزية العراقية
-
اهم القضايا التي تحتاج الى التحليل و الحل
-
هل حقا استقر الوضع في العراق ؟
-
الاهتمام بمجاهدي خلق من تناقضات السياسة الامريكية
-
المسؤولية الاخلاقية للسياسي المبدئي
-
لماذا سيطرت الاصولية بعد سقوط الدكتاتور في العراق؟
المزيد.....
-
شاهد السبب الذي دفع محتجين برمي عشرات -كرات الطاولة- أثناء ع
...
-
محللة تشرح السيناريوهات المحتملة لاختراق أجهزة الـ-بيجر-.. م
...
-
وزير الصحة اللبناني: -انفجارات بيجر- أدت إلى مقتل 9 أشخاص وإ
...
-
فيديو يظهر لحظة انفجار جهاز -بيجر- في متجر بلبنان
-
بعد تفجير أجهزة اتصالات -بيجر-.. حزب الله يصدر بيانين ويتوعد
...
-
اتهام مغني راب أمريكي شهير بالاتجار بالجنس والابتزاز
-
-بوليتيكو-: زالوجني وقادة كبار في الجيش الأوكراني عارضوا اله
...
-
-البيجر- المنفجر.. ماذا نعرف عن أجهزة النداء الآلي لدى حزب ا
...
-
إنستغرام يطرح ميزة جديدة تعزز رقابة الآباء على حسابات المراه
...
-
ما هو جهاز -البيجر-، وكيف حدثت الانفجارات؟
المزيد.....
-
سيرة القيد والقلم
/ نبهان خريشة
-
سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن
/ خطاب عمران الضامن
-
على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم
/ سعيد العليمى
-
الجاسوسية بنكهة مغربية
/ جدو جبريل
-
رواية سيدي قنصل بابل
/ نبيل نوري لگزار موحان
-
الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة
/ أيمن زهري
-
يوميات الحرب والحب والخوف
/ حسين علي الحمداني
-
ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية
/ جورج كتن
-
بصراحة.. لا غير..
/ وديع العبيدي
-
تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|