يوجد في بغداد اكثر من 100مجمع سكني، وفي كل واحد من هذه المجمعات تعيش المئات من العوائل. تلك المجمعات ما كان منها سابقاً معسكرات أو مؤسسات تابعة للحكومة البعثية. العوائل المشردة، العوائل التي ليس بمقدورها دفع أيجار سكن، لجئوا الى تلك المجمعات منهم من سكن في غرفة أو في زاوية بأدنى مستوى من المستويات المعاشية ويقضون حياتهم فيها الآن.
فأي إنسان يزور مرة أحد تلك المجمعات، سيرى أي دمار وتشرد ومصائب ورطوا بها الناس، ويواجهون أي نوع من الحياة اللاانسانية، مكانهم أبنية مدمرة من جراء القصف، غرف بلا أبواب ولا شبابيك، القاعات مفصولة بالصفائح المعدنية كجدران، أصبحت التواليتات غرف نوم لأربع أو خمس أشخاص، الأرضيات غير مفروشة، لا يملكون أغطية، تحيطهم المخلفات المحروقة القذرة، ليس هناك مجاري المياه الأسنة تمر بسواقي من أمام الغرف، أطفال بلا أحذية ولا ملابس كافية، هذه الحالة ليس بإمكان أي كاميرا أن تعبر عما تراه أنت من حقائق أمامك، وأي كتابة لن تفهمك هذه المأساة، فقط أذا وقفت أمام هذا في لحظة واحدة، ستنفر من كل من كان مسؤولا عن الوصول إلى هذه الحالة، وما يزيدك إصرارا لتشديد المواجه أن أي من هؤلاء لحد الآن لم يتركوا هذه العوائل تسكن في هذه المجمعات براحة.
مع كل هذه المأساة فهناك العديد من المنظمات الإنسانية، القنوات الإعلامية، الصحافة، يزورونهم ويتجولون يومياً داخل هذه المجمعات، يصورون ويسألون، الناس الساكنين في المجمعات وبعيون تمتزج فيها النظرات والدموع لكل من يزورهم لعل من بصيص سيفتح لهم باب النور، لكن حتى هذا البصيص يرحل مع رحيل الزائرين.
ان هذه الحالة كانت من جراء الهجوم وحرب الحكومة الأمريكية ضد جماهير العراق، فلهذا فلا القوات الأمريكية ولاحاكمها المدني ولا خدامهم في مجلس الحكم يهتمون لحياة هذه العوائل ولا لمصيرهم، مع هذا يوميا وفي كل مرة يرسلون التهديد الى العوائل بإخلاء المجمعات، وهذا ما يثقل العبء النفسي والفكري في حياة هؤلاء الناس ويرون أنهم مقابل تهديد وتشرد أسوء من حالتهم هذه.
باستثناء الحزب الشيوعي العمالي العراقي، لحد الآن كل الجهات السياسية الموجودة في العراق غير مهتمة بحالة هذه العوائل، كل الجهات السياسية لا تدير وجهها نحو هؤلاء ولا تعتبر نفسها مسؤولة عن تلك العوائل، أن التفكير بمسألة هذه العوائل هي مسألة إنسانية وجدية. كل منظمة إنسانية وكل الجهات السياسية التي تدعي حقوق الإنسان ولكنها تهمل حياة ومستقبل تلك العوائل ولا تهتم بهم، هذه التنظيمات يجب أن تضع تحت طائلة المسائلة.
ان الإدارة المدنية الأمريكية ومجلس الحكم لا يعتبرون أنفسهم مسؤولون عن هذا، وحين يواجهون باعتراضات هذه الجماهير يتلاعبون بالألفاظ والوعود، وعموما أصبح واضح وجلي لكل الناس بأن هؤلاء لا يهمهم الاستجابة لاحتياجات الجماهير فحسب، بل أنهم مستعدون للتضحية بمئات الآلاف من الجماهير، لهذا يجب أن نواجههم باعتراض جماهيري واسع.
جماهير العراق يجب أن تتحرر من من هذه المأساة والوضع المعلق لحياة الناس، وعدم الاستقرار السياسي، والتشرد، أنهم لا يستحقون لهكذا شكل من الحياة البائسة وكل هذا الظلم، يجب الاستجابة الفورية لكل مطالبهم واحتياجاتهم، فعلى كل جهة وقوة سياسية تدعي الإنسانية وتأتي الى الساحة السياسية في العراق وتدخل في صراعاتها، يجب أن تناضل من أجل رفع المستوى المعاشي لحياة الناس وتوفير الأمان والخبز والحرية واحتياجات الناس. فدون مد ودعم الاعتراض الجماهيري المنظم لمطالبهم واحتياجاتهم ليس بالإمكان الإجابة عن مستقبل مشرق.
حاليا يجب الاستجابة لمشاكل المجمعات وحياتهم، فيجب أن لا يواجهوا التهديد بالإخلاء بل الاستجابة من كل النواحي على احتياجاتهم وتحررهم من هذا الوضع الاأنساني، ومن الضروري توفير سكن ملائم لهم فورا.
من خلال هذا أن أهم مسألة هي دور الجماهير نفسها، عدم سكوتهم، عدم انتظارهم، عدم بقائهم على حالة اليأس، عدم انتظارهم للقدر، أن لدى الجماهير الإمكانية والقدرة الوحيدة على التغيير، لا القبول فقط بما يأتيهم من مساعدات ليقضوا حياتهم بها لأن ثروات هذا البلد من حق الجماهير لتأمين حياتهم بها، لا ان تدخل هذه الثروات لجيوب الجماعات المسؤولة عن الآتيان بهذه المأساة.
ان اعتراض وانتفاضة الجماهير ضد المؤسسات الحاكمة الأمريكية وخدامها لأبعادهم عن السلطة، ومجيء دور الجماهير والجهات الممثلة الحقيقة لهم الى ميدان السلطة السياسية باستطاعتها أن تحقق التحرر من هذه المأساة والفوضى.
أن خطط ودور الحزب الشيوعي العمالي العراقي بين الجماهير، توزعه للمساعدات الإنسانية بين الناس، ودخوله في حياة المجمعات ناهيك عن كون المسألة إنسانية، يعتبر نفسه مصاحب لآلامهم ومسؤول عن حياتهم، وفي نفس الوقت يحاول تنظيم الاعتراضات الجماهيرية لتحقيق مطالبهم للتحرر من كل المآسي التي يواجهونها، كذلك يسعى لتنظيم صف واسع من الاعتراض الجماهيري ودوره في التدخل في المصير السياسي والسلطة السياسية في العراق.
الحزب الشيوعي العمالي العراقي ليس باستطاعته أن يسعف الناس فقط بتوزيع المساعدات للجماهير الكادحة، يجب على الجماهير أن تطور اعتراضها بقيادة الحزب، أن ساكني مجمع الهدى الى الآن تظاهروا ثلاث مرات بأشراف وتنظيم الحزب، لمواجهة قرار مجلس الحكم والإدارة الأمريكية الذين طلبوا منهم إخلاء المجمع. أن انتصار هذه الحركة ضد هذا القرار لها عدة مكتسبات، أولا: بإمكان التظاهر إيقاف القرار الصادر بإخلاء المجمع خلال يومين حيث أجبر المسؤول الأمريكي على إيقاف العمل بالقرار لحين توفير سكن للعوائل خلال مدة شهر، ثانيا: أجبر عموم أعضاء مجلس الحكم على أن يعلنوا أن مشكلة السكن مسألة جدية ويجب أن يستجيبوا لحل هذه المشكلة، ثالثا: أنها تجربة مهمة للجماهير لأن باعتراضهم استطاعوا أن يحققوا مطالبهم، رابعا: أتضح للناس أي حزب ورائهم، أي حزب يدعمهم، أي حزب يدافع عنهم ويقودهم وينظم اعتراضهم.
لهذا أن الحزب الشيوعي العمالي العراقي بقياداته وكوادره نموذج للإنسانية، ونموذج لقيادة الجماهير لتحرر من هذه المأساة، أن حزبنا يحاول بتوسيع حركته السياسية ان يقود الاعتراض والقيام لكل جماهير العراق. التحرر النهائي من انعدام الأمان والفقر والمأساة، من أجل الحرية والمساواة نطالبكم بالأنظمام الى حزبكم لتقدم وتقوية اعتراضاتكم. أن تظاهرة المجمعات بداية لحركة جماهيرية واسعة، يجب على الجماهير العراقية المعترضة ان تلج الميدان فبدورهم وتدخلهم يغيرون مسار الصراعات السياسية في العراق لصالح المطالب الطليعية للجماهير.