أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلال احمد سعيد - الدولة الدينية والدولة المدنية ( 3 )















المزيد.....

الدولة الدينية والدولة المدنية ( 3 )


طلال احمد سعيد

الحوار المتمدن-العدد: 2338 - 2008 / 7 / 10 - 10:30
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


قبل اكثر من ثلاثة قرون تمكن المجتمع الاوربي ان يحقق انتصارا كاملا و حاسما في صراعة الطويل مع تيارات الدينيه , التي كانت منتشرة انذاك , وفي نهاية المطاف تبوأ العلم مركز الصدارة في انظمة الحكم الاور بيه , الامر الذي حقق لتلك البلاد مستقبلا زاهرا في ميدان العلم و المعرفة , وحقق لشعوبها المزيد من التقدم و المعرفة .
التاريخ يعيد نفسة الان حيث نشاهد شكلا جديدا من اشكال الصراع يدور في معظم البلدان الناميه , و البلدان العربيه على وجه الخصوص , اذا كانت المعركة سابقا تدور في الخفاء و تظهر بين الحين و الاخر , الا انها اليوم معلنه بشكل واضح وجلي . الصراع الان محتدم بين العلم و الفكر الديني , و يتجسد ذلك الصراع بدعوة التيار الديني الى تطبيق الشريعة و اقامة الدولة الاسلاميه في هذا البلد او ذاك , حسب قوة التيار المتواجد و الظروف المحيطة به , ففي مصر مثلا تجد الدعوة الاسلاميه ظروفا مشجعة لها بسبب الفقر و الانفجار السكاني وشحة الموارد الطبيعيه , لذلك انطلقت دعوات ترفع شعار يقول (الاسلام هو الحل) . وفي الكويت انطلقت جماعات سلفية لتدمير البنيه الاجتماعية و الحضاريه في ذلك البلد العربي الصغير , وتدعو تلك الحركات الى اقامة دولة الاسلام في الكويت , من ثم التوسع لاقامتها في الخليج , و ربما اقامتها في بقية ارجاء العالم وهو هدف اخير من اهدافها .
يقول الباكستاني ابو الاعلى المودودي الذي اسس الجماعه الاسلاميه في باكستان عام 1941 (الهدف النهائي للاسلام هو هزيمه الكفر و القضاء على كل الدول وتشييد الخلافة الاسلاميه الموحدة في كافة بقاع العالم ) . هذا الكلام قاله المودودي قبل اكثر من سته عقود و الان يكرره ايمن الظواهري منطلقا من جبال تورابورا و من اكثر بقاع العالم تخلفا .
لعل من المفيد ان نشير هنا الى ان اساس الحكم في الاسلام هي الخلافة و الامامة العظمى , و الخلافة تعني النيابه عن الرسول (صلعم) , و الخليفة ولايته عامه مطلقة كولاية الله تعالى وولاية رسوله الكريم , ولا غرو حينئذ ان يكون للخليفة الحق بالتصرف برقاب الناس و اموالهم .
يقول الكاتب علي عبد الرازق في كتابه الاسلام واصول الحكم ( ان محمد (صلعم ) ماكان الا رسولا لدعوة دينيه خالصة للدين لاتشوبها نزعة ملك ولادعوة للدولة ولم يكن للنبي ملك ولا حكومة )( ثم يقول (ان الرسالة غير الملك وانه ليس بينهما شي من التلازم بوجه من الوجوه ) و يضيف ( انه لم يقم بتأسيس مملكة بالمعنى الذي يفهم سياسيا من هذه الكلمة ومرادفاتها . ماكان الا رسولا كأخوانه الخالين من الرسل , وماكان ملكا و لامؤسس دولة ولاداعيا الى ملك ) . ويقول الدكتور يوسف القرضاوي ( ان اقامة الدولة المسلمة التي تحكم بشريعة الله وتجمع المسلمين على الاسلام و توحدهم تحت رايته , فريضة على الامه الاسلاميه يجب ان نسعى اليها ) . ويرد الدكتور سيد محمود القمني , في مقالته مستقبل الدولة الدينيه ( ان الله لم يبين للمسلمين و لم يطالبهم باقامه دولة اسلاميه , فكيف يكلفنا الله باقامه دوله دون ان يشير الى ذلك لافي القران ولافي الحديث النبوي الشريف) .
الدين كعقيدة ربانيه هو ثابت وساكن يعيش ضمن حقائق ازلية وينظر الى الوراء ليستلهم وجودة وثباته , ومنه تنطلق الافكار الميتافيزيقية و الغيبيه لتفسير اوضاع المجتمع الاجتماعيه و الاقتصاديه و السياسيه , وبذلك يشكل قلعة حصينه ضد كل من يطرح افكارا جديدة لتغير الاوضاع تغيرا جذريا .
من الجدير بالاشارة ان مصطلح الاسلام السياسي منتشر الان في كثير من بقاع العالم (العالم الثالث) وهو يتخذ من الدين ومراجعه اساسا لنشر افكاره , وهو يتعامل مع الانظمة و الافراد على اعتبار ان الدين الاسلامي نظاما شموليا هدفه اعادة تأسيس الثيوقراطيه ( الدولة الدينيه) على نمط دولة الخلافة العثمانيه , وهو بذلك ينسف كل القوانين الوضعيه المدنيه ويعود بناء الى عهد الخلفاء , ويستند في تفسيرة لحركة المجتمع الى نصوص مقدسة ومنزلة غير قابلة للاجتهاد , وهذا يتعارض مع النهج العلمي الذي يستند الى مبدا الاكتشاف الذي يشمل الطبيعه و الكون ودوران الارض ونظريه الارتقاء و التطور, ومايتبع ذلك من اكتشافات هائلة في كل ميادين العلم و الحياة كان من شأنها خدمة البشرية و الارتقاء بالشعوب الى المستوى الافضل .
الدين هو نظام له رؤيا معروفة للكون وهو بذلك متماسك , اذا قبلنا جزء منه يجب علينا ان نقبل الكل , واذا تم التنازل عن اي جزء من الدين فذلك يعني التنازل عن المعتقدات الدينيه برمتها , لذلك نجد من الصعب التوئمة بين الدين والعلم لان نظرة كل جهة الى مفاصل الحياة تختلف تماما عن نظرة الجهة الاخرى . من هنا نعتقد ان من يتكلم عن الاسلام الديموقراطي انما يعبر عن اسطورة لا وجود لها على ارض الواقع .
في الاسلام مخالفة المرجع تعني مخالفة الامام ومخالفة الامام تعني مخالفة الرسول ومخالفة الرسول تعني مخالفة الله ومخالفة الله تأخذك الى جهنم , لذلك فأن اقحام الدين بسياسه انما هو عامل معرقل لمسيرة ايه امه نحو الحداثة والاستكشاف والابداع , وهو الوجه الاكيد للدولة الثيوقراطيه المناقضة تماما للدولة المدنيه التي هي بدون شك دولة ديمقراطيه دستورية برلمانيه .
الامبراطوريه العثمانيه هي دولة دينيه استعمارية حكمت العراق اربع قرون باسم الاسلام وتحت رايته , وكان السلطان العثماني يعتبر نفسه خليفة المسلمين , في الوقت الذي كان يمثل حكما سلطويا استبداديا بغيضا , ظل يبتز العراق وينهب ثرواته ويستعبد شعبه طيلة تلك الفترة الطويلة بأسم الدين , وانطلاقا من مباديء التفويض الالهي الذي حكم بموجبه خلفاء الامه الاخرين .
بعد هزيمه العثمانين على ايدي القوات البريطانيه 1917 انتقل العراق الى حكم الانتداب ثم تكونت الدولة العراقية الحديثة عام1921 , وكانت دولة مدنيه بكل معنى الكلمة , وكان للكثير من رجال الدين العراقيين دور في اسناد الحكم الجديد دون ان تظهر في الافق دعوات دينيه تؤثر على شكل الحكم . وشهد العراق عدد من الثورات والانقلابات منها حركة بكر صدقي عام 1936وحركة الضباظ عام 1941, وثورة 14 تموزعام 1958 , وانقلاب عام 1963 ثم انقلاب 1968 كل تلك الحركات و الانقلابات لم تهدف الى اقامه دولة دينيه ولم ترفع شعارات دينيه انما كانت حركات قومية عملت في اطار الدولة المدنيه . هذا من ناحيه ومن ناحيه اخرى فأن كل الاحزاب والتنظيمات السياسيه العلنيه و السريه كانت اما تنظيمات ماركسيه او قوميه او ديمقراطيه , ولم يشهد العراق تكوين احزاب دينيه فاعلة في الساحة السياسيه سوى بعض الاحزاب بدات بشكل محدود بدايه الستينيات .
بعد سقوط نظام صدام حسين توقع العراقيون ان يكون المشروع الوطني هدفا لعملية التغيير وان يصار الى توحيد شعب العراق تحت رايه ذلك المشروع , بيد ان الذي حصل كان عكس التوقعات بالضبط , حيث تصدرت الساحة السياسيه قضيتان هما مظلوميه الشيعه و مظلوميه الاكراد وبذلك جاءت عملية التغير عرجاء تحمل في طياتها بذور التفتت الطائفي و القومي , ووجهت صفعة موجعة للمشروع الوطني العراقي . وقد اكد ذلك دستور العراق الذي تحاشى نص يقول (ان العراق جزء من الامة العربيه ) انما نص بالقول ( الاسلام دين الدولة الرسمي وهو مصدر اساس للتشريع و لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت احكام الاسلام ) . وقد ادرجت قضية الاقاليم و الفدراليات في الدستور كمدخل اكيد للانطلاق في عمليه تقسيم البلاد وهو توجه مناقض تماما لشعار الوحدة الوطنيه العراقيه .
الدستور بشكل عام وضع استجابه لتيار طائفي ومذهبي متعصب وكذلك استجابه لفكر قومي(( كردي)) اخر متعصب وكان احد اسباب التداعيات في الصف الوطني العراقي , وانعكس ذلك على تركيبه الحكم , وقد يقول البعض ان الحكم في العراق ليس اسلاميا وهذا صحيح من الناحيه الرسميه , اما من الناحيه الفعليه هو كذلك , فالمحاصصة تشمل كل انشطة الدولة والبلاد مقسمه بين الطوائف بشكل مؤسف وقد انتشرت الالقاب, والانتماءات الدينيه و العشائرية و القبليه بشكل لم يكن مسبوقا من قبل , مقابل ذلك اضمحلت الشخصية العراقية الوطنيه التي يفترض بها قيادة البلاد مستندة الى مبادىء الكفاءة و المقدرة و الاخلاص لتربه الوطن .
لعل مايدور في بعض المحافظات الجنوبية , انما هو نذير خطر حول مستقبل هذه البلاد . ان ما حصل في البصرة و العمارة وغيرها بسبب سيطرة التيارات الاسلاميه على مجالس المحافظات وعلى الشارع انما هو مؤشر كافي حول الاخطار المحيطة للبلاد . ان المتخلفين المهوسين الذين داسو حظارة البلاد و اجهزو على نسيجة الاجتماعي , والذين قتلوا النساء صراحة في وضح النهار, هؤلاء يقدمون نموذجا مرا لما قد يؤول اليه الوضع في عموم البلاد عندما يبسطون سيطرتهم كاملة.
لقد سادت ثقافة الرايات السود و الملابس السود و اللحى المطلقة و البكاء على الاموات و الاطلال , ولبس الاكفان , و ضرب السلاسل و القامات وتعذيب الذات , سادت تلك الثقافة في حين وؤدت الحضارة, و انكفأ الفن , وذهب الابداع, وديست الحداثة , ومسخت المدنيه , وتراجع الوعي الاجتماعي , وتحولت مدن العراق الى انقاض وخرائب , و اكوام من النفايات و الازبال و لم تتقدم البلاد خطوة واحدة عما خلفه نظام البعث , ان الوضع المأساوي للعراق بحاجة الى سواعد وطنيه كفوءة وصادقة , والى حكومة مدنيه علمانيه تنفتح على العالم المتمدن وتنهل من ثقافته وتجاربه العظيمه . اننا بحاجة الى المشروع المدني كأسلوب عمل بعيدا عن الطوائف و الاعراق , مشروعا يهدف الى اعادة بناء العراق وتوحيد العراقيين , مشروعا وطنيا عراقيا خالصا يشمل الكل دون محاصصات ولاولاءات ,مشروعا يضع امامه مباديء لتكريس الوضع الحاضر من اجل بناء عراق المستقبل دون العودة الى الماضي الذي انقضى .



#طلال_احمد_سعيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المرأة والمادة 49 من الدستور
- الديمقراطية وانتخابات مجالس المحافظات
- الاحزاب العراقية والقانون الغائب
- الديمقراطية والحالة العراقية الراهنة
- من يقتل النساء في البصرة
- في ذكرى التغيير
- الدولة الدينية والدولة المدنية 2
- على اعتاب السنة السادسة
- الدولة الدينية والدولة المدنية في العراق
- مستلزمات بناء مجتمع مدني ديمقراطي
- العلمانية هي الحل


المزيد.....




- 144 مستعمرا يقتحمون المسجد الأقصى
- المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: مذكرة اعتقال نتنياهو بارقة ...
- ثبتها الآن.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 علي كافة الأقم ...
- عبد الإله بنكيران: الحركة الإسلامية تطلب مُلْكَ أبيها!
- المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الأراضي ...
- المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي ...
- المقاومة الاسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي ...
- ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات ...
- الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ ...
- بن كيران: دور الإسلاميين ليس طلب السلطة وطوفان الأقصى هدية م ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلال احمد سعيد - الدولة الدينية والدولة المدنية ( 3 )