إن البحث في الديمقراطية حسب السيد على الدين هلال هو بحث في طبيعة الدولة، في العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وجوهرها يقوم على المساواة وتوسيع دائرة الحقوق وإشراك الناس في الحياة السياسية(1). لقد قامت الديمقراطية الليبرالية حسب رأيه على عدة أسس منها : التعددية السياسية وتداول السلطة سلميا واحترام مبدأ الأغلبية وقيام دولة المؤسسات والقانون وإقرار الحقوق الفردية للمواطنين (2) .
من جهته السيد هشام جعيط يعتبر أن الديمقراطية قديمة في التاريخ وكانت تأخذ صيغة الخطاب الشعبوي للتقرب من الطبقات الشعبية، لذلك لا يجوز حسب رأيه أن تعرف الديمقراطية بدلالة البرجوازية وليس من المشروع تاريخيا ولا فلسفيا أن تربط الديمقراطية بصفة عضوية جوهرية بها لأنها تتجاوز أفقها التاريخي وتتأسس على مبادئ أخلاقية وعقلية كالحرية والمساواة وحقوق الإنسان والإرادة العامة. الديمقراطية بهذا الشكل تخترق المجتمعات والقرون فتتجه إلى كل البشر شأنها في ذلك شأن كبرى الديانات والأيديولوجيات(3).
وعلى العكس من السيد هشام جعيط الذي ينظر إلى الديمقراطية كقيمة مجردة متعالية عابرة للتاريخ فإن السيد حمد الفرحان والسيدة سعاد الصباح لا يعتقدان بإمكانية قيام ديمقراطية في ظروف التبعية.(4)
أما السيد الطاهر لبيب فإنه يؤكد على الطابع النخبوي للديمقراطية، على الرغم من أن الشعب يشكل مادتها المرجعية، ويرى أن خطاب الديمقراطية بحد ذاته هو خطاب نخبوي لأنه خطاب المعرفة التي لا تكون إلا للنخبة ومن هذه الناحية فهو خطاب سلطة(5).
من جهته السيد برهان غليون يرفض إعطاء الديمقراطية تعريفات جوهرية شمولية لأن ذلك لن يقربها من وعي الناس، بل يزيد الأمر صعوبة ويجعل الرهان كبيرا. لذلك يطالب السيد غليون بضرورة النظر إلى الديمقراطية في إطار أقل طموحا وأكثر واقعية وأقرب إلى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1-هلال، علي الدين "مناهج الديمقراطية في الفكر السياسي الحديث " في (( أزمة الديمقراطية في الوطن العربي ))،ندوة،(بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية ،1987) ص36-38.
2-المرجع السابق ، ص 40.
3-جعيط ،هشام، في تعقيبه على علي الدين هلال ، المرجع السابق ص 52.و 55
4-الفرحان ،حمد ،الصباح ،سعاد،المرجع السابق ،ص 60-61.
5- لبيب ،الطاهر ، المرجع السابق ً63.
ما يفهم منها أغلب الناس اليوم. وهو يعتقد أن الديمقراطية ليست الحرية ولا المساواة وإنما ما يحقق الحرية والمساواة، أنها تتعلق أساسا بمسألة السلطة.(1)
السيد بسام الطيبي يعتبر الديمقراطية نسقاً خاصاً لتنظيم العلاقات الإنسانية له هياكله السياسية والاقتصادية والاجتماعية تفترض لوجودها بنيات معينة ودرجة محددة من التطور الاجتماعي لذلك فإن غياب الديمقراطية في الوطن العربي يجد تفسيره في سببين:
أ-غياب الأسس الاقتصادية والاجتماعية التي تسمح بقيام مؤسسات سياسية تمكن من ممارسة المفاهيم الديمقراطية.
ب-تفسير وتزييف مفاهيم الحرية التي ظهرت مع الإسلام ( الشورى ،العدالة ، الاختيار ) بشكل يتعارض مع هذه المفاهيم. (2)
ويؤكد السيد حسن حنفي على أن أزمة الحرية والديمقراطية في وجداننا المعاصر ليست بنت اليوم، بل امتداد لوضع حضاري واستمرار له منذ ما يقارب الألف عام(3) ، ولا يمكن الخروج من هذه الوضعية –الأزمة، حسب علي الدين هلال، إلا إذا حدث انقلاب ثقافي في حياتنا العقلية نتخلص بمقتضاه من التصور السلطوي للعالم وان نأخذ الليبرالية في الفكر والحياة(4).
إن غياب الديمقراطية كمؤسسة في التاريخ العربي له تفسيره التاريخي الذي يرتبط بطبيعة الدولة، فالدولة حسب السيد بسام الطيبي لم تكن مؤسسة سياسية تقوم على السلطة المجردة وإنما كانت سلطة عسكرية تبتلع المجتمع. لذلك لا يمكن أن يكون هناك ديمقراطية حين تكون الدولة كل شيء والمجتمع لا شيء(5).
ويبدو أن السؤال الحقيقي الذي يجب أن نتأمله حسب السيد كمال أبو ديب هو: هل الديمقراطية اختيار واع نمارسه، اختيار واع نقوم به، ونقول أن علينا أن نحققه لأننا نريد حياة أفضل؟ أم أن الديمقراطية إفراز تاريخي، حتمية تاريخية، تتحقق في شروط معينة نتيجة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1-غليون،برهان ،في "ندوة أزمة الديمقراطية في الوطن العربي " المرجع السابق ص 67.
2-الطيبي ،بسام " البناء الاقتصادي والاجتماعي للديمقراطية " ،في (أزمة الديمقراطية في الوطن العربي)،ندوة ، مرجع سبق ذكره ،ص 74.
3-حنفي،حسن "الجذور التاريخية لأزمة الحرية والديمقراطية في وجداننا المعاصر "، في علي الدين هلال وآخرون ((الديمقراطية وحقوق الإنسان في الوطن العربي ))سلسلة كتب المستقبل العربي ،4، (بيروت ،مركز دراسات الوحدة العربية ،1983) ص 224.
4-هلال،علي الدين"مقدمة:الديمقراطية وهموم الإنسان العربي المعاصر"المرجع السابق ص17.
5- الطيبي ،بسام " البناء الاقتصادي والاجتماعي للديمقراطية " ،مرجع سبق ذكره ص 80.
لنمط البنى السائدة في المجتمع ولحركيتها؟ أي البنى الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها.(1)
وحسب السيد عبد الباقي الهرماسي فإن تقديس الماضي والأصالة من أكبر العقبات أمام تأطير الحرية والقومية ضمن مؤسسات. وإن ربط فكرة الرضى بفكرة تساوي حق كل فرد في المشاركة في إرساء وممارسة السلطة هو الذي سمح بالخصوص باتخاذ النظرية الديمقراطية الحديثة شكلا واضحا وشموليا (2 ) .
ويؤكد السيد عادل حسين على الطابع النخبوي للديمقراطية، الديمقراطية من وجهة نظره هي أسلوب ملائم تدير به النخبة السياسية الذكية مجمل النشاط الاجتماعي للأمة وخاصة نشاطها السياسي، في إطار مؤسسات تضمن استمرار وانتظام الممارسة وتنشيط الحوار والاتصال بين الحاكمين والمحكومين. وبهذا المعنى فإن الديمقراطية كانت موجودة دائما في إحدى صورها قديما وحديثا(3). غير أن بسام الطيبي يعتقد أن الديمقراطية ليست فكرة فحسب بل نسقا اجتماعيا وهي لم توجد قبل العصر الحديث، لا في تاريخنا، ولا في التاريخ الأوربي(4).
وحسب سمير أمين فإن المفهوم البرجوازي للديمقراطية يكاد يكون مرادفا لمفهوم الحرية الفردية في إطار المجتمع الرأسمالي والمساواة القانونية للجميع وعدم تدخل السلطة الحاكمة في ميادين الرأي والحياة الشخصية، ولممارسة هذه الديمقراطية كان لا بد من الانتخابات(5).
ويرى السيد يسين أننا في الوطن العربي نحلم دائما بنموذج ديمقراطي شامل يتكون من ثلاث عناصر أساسية :
- تحقيق الحريات الأساسية للإنسان (مستقاة من النموذج الليبرالي)
- تحقيق العدالة الاجتماعية (مستقاة من النموذج الاشتراكي)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1-أبو ديب ،كمال ، في تعقيبه على بسام الطيبي ،أزمة الديمقراطية في الوطن العربي "ندوة ، مرجع سبق ذكره ،ص109.
2-الهرماسي ، محمد عبد الباقي "القومية والديمقراطية في الوطن العربي " في "أزمة الديمقراطية في الوطن العربي "،ندوة، مرجع سبق ذكره ،ص 169-170.
3- حسين ،عادل ،"المحددات التاريخية والاجتماعية للديمقراطية " في "أزمة الديمقراطية في الوطن العربي "،ندوة ، مرجع سبق ذكره، ص206-207.
4- الطيبي، بسام ،في " أزمة الديمقراطية في الوطن العربي " ، مرجع سبق ذكره،ص336.
5-أمين ،سمير "ملاحظات منهجية حول أزمة الديمقراطية في الوطن العربي "،في( أزمة الديمقراطية في الوطن العربي ) ،مرجع سبق ذكره،ص 307.
- تحقيق الأصالة الحضارية (مستقاة من النموذج الإسلامي) (1)
هذه عينة قليلة لكنها معبرة عن أراء وتصورات نخبة من المفكرين العرب من اتجاهات أيديولوجية مختلفة تبين كيف أن الهم الديمقراطية أخذ يوحدهم رغم اختلاف زوايا النظر إليه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1-يسين ،السيد ، في "أزمة الديمقراطية في الوطن العربي " ،مرجع سبق ذكره ،ص 339.