أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ضمد كاظم وسمي - مقاربة الدين والعلم















المزيد.....

مقاربة الدين والعلم


ضمد كاظم وسمي

الحوار المتمدن-العدد: 2335 - 2008 / 7 / 7 - 10:17
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


كان الانسان قديماً – ببساطته وبدائيته وجهله – يرى ان الاله هو الذي يقف وراء كل ما يحدث على الارض وخارجها .. وان الاله يتدخل بشكل مباشر وسافر فيما يجري في الكون ، وان ليس للانسان الا الاذعان والتسليم للاقدار .. وهي نظرة ساذجة انتجت نظرية (( الجبر )) التي وظفت في السياسة لتبرير مظالم الحكام ولجم أفواه الناس وافحامهم عن المطالبة بحقوقهم التي صودرت جهاراً وببشاعة .. والمسألة جد واضحة لمن تصفح وريقات التاريخ .
لكن الوسائل العلمية الحديثة .. قد كشفت لنا عن السبب الكامن وراء كل حادث يقع من خلال الملاحظة والتجربة .. فنيوتن .. قد اكد ان حركة الاجرام السماوية السيارة والنجوم مقيدة بقوانين ثابتة .. فيما ابانت بحوث داروين ان الانسان لم يكن نتيجة الخلق المباشر .. وانما هو جاء نتيجة عمل القوانين المادية لحقب سحيقة في عملية الارتقاء وبذلك فهو المظهر الاعلى للكائنات البدائية .. وترتيباً على ذلك فان الكون ومايحدث فيه .. انما يتم وفق نظام هو قانون الطبيعة .. الذي اصبح التنبؤ باثاره مسبقاً امراً ممكنا .
واذا كانت النظرة القديمة للانسان – وهي بدائية وتعتقد بالقدرة المباشرة للاله وتلغي اية امكانية او قدره للانسان - مغالية ومتطرفة ومسوغة للبغي والبغاة .. فان النظرة المادية هي الاخرى مغالية ومتطرفة .. لانها حركت الاله وغيبته لتحل محله القوانين المادية والطبيعية .. لاسيما خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر ابان استشراء النظرة المادية للكون بين اوساط الفلاسفة والعلماء .. حتى قال الفيلسوف الالماني (( كانت )) : (( ايتوني بالمادة وسوف اعلمكم كيف يخلق الكون منها )) .. وتبع ذلك نوع غريب من الجنون .. حيث زعم (( هيجل )) : (( انني استطيع خلق الانسان لو توفر لي الماء والمواد الكيمياوية والوقت )) .. فيما انتاب (( نيتشه )) نوع من الهوس والهذيان عندما قال : (( لقد مات الاله ، الان )) .. هذه هي فلسفة اللامعقول والغطرسة والعنجهية المردية الى مهاوي الالحاد .
وهكذا انتهى هؤلاء الفلاسفة الى ان : (( الكون الذي اكتشفه العلم لم يوجد في أي جزء من اجزائه أي اثر للخالق الذي تستند اليه كل الاديان في فلسفتها للحياة . واذا كان الحال كذلك فما الذي يجعل العلم يؤمن بالاله ؟ )) .
وبقول اخر فان كل تلك الحوادث والاشياء ، والتي كان يفترض القدماء وجود قوى خفية (( ما ورائية )) وراءها .. قد اكتشفوا الان وجود قوى معروفة تكمن خلفها تعمل وفق قانون (( العلة والمعلول )) .. اذن وبعد معرفة الاسباب الطبيعية لتلك المظاهر .. قد انتفت الحاجة تلقائيا لافتراض وجود قوى ماوراء الطبيعة .. وبهذا الصدد يقول (( هكسلي )) : (( اذا كانت الوقائع نتيجة لعلل طبيعية فهي بالطبع ليست نتيجة لعلل ما فوق الطبيعة )) .. وهكذا ساد شعور عام في اوربا يقضي بان : (( العلم يكفي الان – وحده – لمعالجة جميع شؤون الانسان )) ، كما قال (( تيندال )) في القرن التاسع عشر .. وانتهت هذه النظرة العلمية المادية الى الجزم بان الحقيقة ليست سوى المادة والحركة ، لذلك جاهر (( لابلاس )) وبجرأة : (( ان العالم العظيم الذي سيتمكن من معرفة انتشار الذرات في السحب السديمية الاولية سيكون في استطاعته ان يتنبأ بكل مستقبل الكون واحداثه )) ! .. حيث كان حتى ذلك الحين مفتاح جميع العلوم يستمده العلماء من نظرية نيوتن .
ان موجة الالحاد وطغيانها – خاصة في القرن التاسع عشر – على الاديان يمكن عزوها الى جملة من الاسباب ذكرنا منها ما يقع ضمن العلوم الطبيعية .. ولابأس ان نقف هنيهة عند العلوم الاجتماعية حيث شاع تصور خاطئ عن كل دين نتيجة موقف الكنيسة من العلم والعلماء .. فقد كان القيمون عليها من رجال اللاهوت يعاقبـون بالقتـل والحرق كل من نزع الى جديد او كشف عن حقيقة من حقائق الطبيعة .. حيث ينسبونه الى الهرطقة والخروج على الدين .. وتاريخ محاكم التفتيش يعرفه الجميـع .. فضـلاً عن ان رجال اللاهوت كانو يمجدون كل طاغ وباغ باسم الدين .. ويزعمون بان بأيديهم صكوك الغفران التي تسوق طالبيها الى الجنة .. من هنا استوحى ماركس وغيره كثير .. استوحوا الصورة المشوهة عن الدين وحقيقته وقالوا : (( ان الدين عدو العلم )) .. فيما قال ماركس : (( الدين افيون الشعوب )) وهو يريد دين محاكم التفتيش ورجال اللاهوت .. ومما لاشك فيه .. ان هؤلاء الرجال هم حقاً اعداء الشعوب .. ومـن طريف ما يذكر هنا : ان الشاعر الكبير (( محمد اقبال )) نظم قصيدة .. قال فيها : (( ان لينين حين انتقل الى العالم الاخر ، ولقي الله سبحانه اعتذر اليه بانه عجز عن رؤيته في عالم يسوده الاحتيال والاستغلال )) بيد ان العلماء ومنذ مطلع القرن العشرين طفقوا يؤمنون بان العلم لايعطينا الا معرفة جزئية عن الحقيقة ، لقد حل انشتاين محل نيوتن ، كما ان العالمين بلانك وهايزن برج قد ابطلا نظريات ((لاباس)) .. الامر الذي اوصل العلماء الى الاعتقاد بانه ليس بامكاننا الا ان نشاهد جزء من المظاهر الخارجية لاي شيء .. ولانستطيع ان نشاهد حقيقته الجوهرية .. وبذلك فقد اثبتت التطورات الكبيرة منذ (( انشتاين )) في الحقل العلمي اهمية الدين من وجهة نظر العلم نفسه .. كان اصحاب النظرة العلمية المادية يقولون : (( نحن نعرف حقيقة كل شيء )) ! .. هكذا كانوا يعتقدون وهم يرون الاشياء بمنظار نظرية نيوتن .. ظناً منهم بان العلم احاط بكل شيء .. وحل كل لغز .. وكشف عن كل غموض .. فيرد عليهم انشتاين بقوله : (( ان موقف الانسان مع المجاهيل التي تزخر بها الحياة والكون يشبه طفلاً دخل مكتبة كبيرة فيها الاف من الكتب والمجلدات الضخمة المكتوبة بلغات لا يفهمها ، وان كل ما عمله هو تصفح كتاب من هذه الكتب )) .. وهو مصداق لقوله تعالى (( وما أوتيتم من العلم الا قليلا )) .. وللرد على اصحاب النظرة الماديـة يقـول العالـم الفلكي والرياضي الانكليزي (( جيمس جنز )) في كتابه (( عالم الاسرار )) : (( الكون لايقبل التفسير المادي في ضوء علم الطبيعة الجديد – وسببه – في نظري – ان التفسير المادي قد اصبح الان فكرة ذهنية .. اذا كان الكون كونا فكرياً ، فلابد ان خلقه كان عملاً فكرياً ايضاً )) .
ويلخص ج . و.ن. سوليفان أفكاره في هذا الصدد بقوله : (( ان الطبيعة النهائية للكون طبيعة عقلية )) .
من الواضح ان المقتضيات الفلسفية للتفكير العلمي الجديد تختلف عن مقتضيات التفكير العلمي القديم .. وان الاعتقاد بان التجربة هي وحدها طريق الوصول الى الحقائق .. اعتقاد باطل .. وصار عظماء العلماء يؤكدون على ان العلم لايعطينا الا معرفة جزئية عن الحقيقة .. لذلك يمكن القول وبكل قوة .. ان الله يجري ارادته في الكون بواسطة هذه القوانين التي اكتشفت علومنا الحديثة بعض اجزائها فقط حتى الان .. وان مايجري في الكون هو اسلوب الله سبحانه في الخلق ، وهو ليس نتيجة عمل مادي اعمى .. (( ان مادة العلم مادة عقلية )) .. ولتحديد العلاقة بين الدين والعلم نتوسل بقول انشتاين : (( الدين بدون علم اعمى ، والعلم بدون احراج اعرج )) .. فالدين من الوجهة البيولوجية .. يمثل الحاجة الملحة السرمدية المتوطنة في شعور الانسان الى قوة أعلى (( الله )) سبحانه .. ولايمكن كبت هذه الحاجة في نفوس البشر .. بل يبقى الاعتقاد بوجود الله ضروري لاكمال معنى الحياة والكون .. وكما قال ماكس بلاكن العالم الطبيعي الذي فتح الطريق الى اسرار الذرة : (( ان الدين والعلوم الطبيعية يقاتلان معاً في معركة مشتركة ضد الشك والجحود والخرافة . ولقد كانت الصيحة الجامعة في هذه الحرب وسوف تكون دائماً : الى الله ) .. لان ايمان الانسان بالله كما تدل عليه الظواهر الطبيعية والسنن الكونية اليوم قد ترسخ وتجذر : (( سنريهم آياتنا في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق )) .. حتى غدا هذا الايمان مثلما كان مصدرا لاينضب لسعادة البشر .. اما علماء الطبيعة الذي يؤمنون بالله فانهم يشعرون بمتعة عظيمة ولذة كبرى كلما وصلوا الى كشف جديد في أي من الميادين اذ ان ذلك يدعم ايمانهم ويزيد من ادراكهم بعظمة الخالق سبحانه : (( بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم وما يجحد بآياتنا الا الظالمون )) .




#ضمد_كاظم_وسمي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رواتب الموظفين
- فشل السياسة الخارجية للنظام العربي
- المكافأة
- نقد العقل السياسي العربي / النظام العربي : بين الدولة الامني ...
- لغة الحضارة
- الاسئلة الصادمة
- وجل الاحلام
- ازمة المثقف .. الاصولية المؤدلجة .. الخانق السياسي .. الذات ...
- عالم المرأة
- الاختلاف بين التنميط العولمي والاقصاء القومي
- العولمة النيوليبرالية
- الحداثة .. واشكالية الخصوصية
- اورهان باموك : ظل الذكريات وتكامل الحضارات
- نقد العقل العربي / النخب الفاعلة والاحادية الفكرية
- السياسة الامريكية وتقسيم العراق
- نقد الفكر العربي/المشروع النهضوي اعادة تشكيل الوعي العربي


المزيد.....




- هكذا أعادت المقاومة الإسلامية الوحش الصهيوني الى حظيرته
- المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة-إيفن مناحم-بصلية ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تعلن استهداف مستوطنة كتسرين بصلية ...
- المواجهات الطائفية تتجدد في شمال غربي باكستان بعد انهيار اله ...
- الإمارات تشكر دولة ساعدتها على توقيف -قتلة الحاخام اليهودي- ...
- أحمد التوفيق: وزير الأوقاف المغربي يثير الجدل بتصريح حول الإ ...
- -حباد- حركة يهودية نشأت بروسيا البيضاء وتحولت إلى حركة عالمي ...
- شاهد.. جنود إسرائيليون يسخرون من تقاليد مسيحية داخل كنيسة بل ...
- -المغرب بلد علماني-.. تصريح لوزير الشؤون الإسلامية يثير جدلا ...
- المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف حيفا ومحيطها برشقة صاروخي ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ضمد كاظم وسمي - مقاربة الدين والعلم