أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - حمزة الحسن - باتريك سيل والشجاعة الملهمة














المزيد.....

باتريك سيل والشجاعة الملهمة


حمزة الحسن

الحوار المتمدن-العدد: 723 - 2004 / 1 / 24 - 06:05
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


رغم كل الدم المسفوح في الشوارع، رغم كل الخراب الهاطل فوق الرؤوس كالرماد، رغم الموت المنزلي حيث القنابل والجنود والمتفجرات  تدخل غرف النوم، رغم تفكيك الوطن، وتفكيك الشرف، وتفكيك السيادة، وتفكيك المجتمع، رغم النهب الفوري للثروة على عجل قبل أن  تجف الأرض وتنقطع ثروة أجيال قادمة، رغم كل سطول الماء الآسن التي تسكب فوق رؤوسنا كل يوم من كل من هب ودب، إلا أننا لا نستطيع حتى أن نقول لهذا المسؤول أو ذاك، لهذا النكرة أو ذاك، على عينك حاجب يا ملك!

والكاتب البريطاني باتريك سيل الذي لا يحتاج إلى شهادة شجاعة منا على محاكمته المستمرة، والباسلة، لرئيس حكومته، وحكومته، وشعبه أيضا، يعلمنا كل يوم على معنى وصورة وشكل وجوهر ومعدن الشجاعة الملهمة، شجاعة الكاتب والمثقف الذي يجد نفسه في مواجهة امتحان الضمير، وشرف الكلمة، فينحاز إلى تقاليد الكتابة الحية والعادلة والباسلة والصادقة دون أن يجد نفسه أمام طوفان من الأبواب والدفوف والرادحين والمزمرين، ليس لأن باتريك سيل كاتب شجاع فحسب، بل لأن خصومه كبار، وأبناء تقاليد ثقافية وسياسية، وهو ابن مؤسسة ديمقراطية عريقة في أخلاقيات الحوار، وفي  قد شرعت لشرعية الاختلاف في إطار قانون، وهو سليل تراث الفيلسوف البريطاني " برتراند راسل" الذي قال يوما وهو يتعرض للحريات والحقوق أن كرامة الإنسان أهم من كل شيء، بل أهم من الحقيقة.

باتريك سيل في رسالته المفتوحة إلى توني بلير يصفه :
 ـ بالجبن.
 ـ والكذب.
 ـ والتضليل والغباء، والجهل، وزج دولته في  حرب لا معنى لها. ومع ذلك يعود باتريك إلى منزله دون أن يسمع صيحات داحس والغبراء، ولا هتافات( عليهم يا إخوتنا عليهم!) ولا النداء الوحشي البربري( لا تنشروا له، اخرسوه!). بل يعود إلى منزله معطرا نظيفا، وهو في تمام ملابسه، ودون أن يتمرغ  مع خصم أو مختلف  في الشارع أو على صحيفة.

باتريك سيل لا يحترق وطنه أكثر مما يحترق العراق، ولا يسرق وطنه أكثر مما يسرق العراق( على العكس!) ولا يتحطم مستقبله ومستقبل أجياله وثروته، كما يتحطم مستقبل وثروة العراق، ومع ذلك فهو يحترق!

يحترق لأنه ضمير حي، وغيره ممن لا تقاليد لهم في الكتابة، ولا في الوطنية، ولا في الحوار، ولا في ضمير الكلمة، ولا في الكتابة، يسكبون الماء الآسن كل يوم، كل لحظة، على كل من يحب وطنه، ويحب أطفاله، ويحب أشجاره، ويحب ذاكرته، ويحب وحدته، ويحب ثروته، ويحب مستقبله.

وهذا الكاتب البريطاني، صاحب الشجاعة الملهمة، ليس قويا في ذاته فحسب، إنما هو قوي بتقاليد وقوة ورصانة وحيوية وشرف المثقفين البريطانيين وتماسكهم الأخلاقي والثقافي وتضامنهم واحترامهم لحق الآخر غير الشبيه والمختلف في أن يقول رأيه في سياسة بلده حتى  لو لم يكونوا يؤمنون به.

نحن نريد كاتبا واحدا يفكر مثلنا، ومقالة واحدة نشارك جميعا في كتابتها، وصحيفة أو موقعا نضع عليه كلنا فكرة واحدة متشابهة، ميتة، لا تقول شيئا غير الصمت.

هو قوي بالديمقراطية المنتزعة بصلابة الضمير، ونحن ضعفاء بالفاشية الذهنية والقبلية والطائفية والحزبية. هو حر لأنه في مجتمع حر، وحكومة حرة، ونحن عبيد لأننا نعيش في مجتمع عبيد . هو شجاع لأنه تربى على الحق في الاختلاف، ونحن نخاف من كلمة لأن أعمقانا هشة  مرتعشة، هو آمن حتى من خصم حاكم لأن هذا الخصم شجاع وأصيل ونظيف مثل باتريك سيل.

هو عظيم بقوة عوالمه الداخلية، ونحن نرتجف من هشاشة هذه العوالم. هو كاتب حقيقي يقدس شرف الكلمة وشرف الاختلاف، ونحن بضاعة مستخرجة على عجل لتقوم بدور تنظيف غرف الساسة. أستثني من ذلك النخبة الشجاعة التي يغيب حضورها في مشهد الردح والغبار لأن العربات الفارغة هي الأكثر ضجيجا!

رسالة هذا الكاتب البريطاني إلى رئيس حكومته اليوم، هي رسالة لنا جميعا، لكي نتعلم ( إذا كنا نتعلم من حرب أو كوارث لأننا مقبرة!)  من هذه الشجاعة الملهمة التي تقول لرئيس الوزراء: أنك جبان وتافه وكذاب وغبي في هذا السلوك، ولكنك شجاع في سماع صوت باتريك سيل دون أن تهتف بنداء: على الباغي تدور الدوائر!   



#حمزة_الحسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأسباب الخفية في الحملة على الحركة الإسلامية
- مساوئ الغرف المغلقة
- ماذا يعني ان تكون كاتبا في الوطن العربي؟
- خطاب الاجتثاث
- احتفالية ثانية بالشاعر رعد عبد القادر: سفر إلى أقاصي الجرح ف ...
- أوهام القبض على الدكتاتور( الأخيرة) ثلاثة قوانين للموت
- أوهام القبض على الدكتاتور14 مثقف التزوير، كريم عبد نموذجا
- أوهام القبض على الدكتاتور13 عقلية المافيا الثورية
- أوهام القبض على الدكتاتور 12 عفريت الفتنة
- أوهام القبض على الدكتاتور 11 المثققف المختلف، سعدي يوسف نموذ ...
- أوهام القبض على الدكتاتور 10 تفكيك فكر العاهة
- أوهام القبض على الدكتاتور9 النجاسات الثلاث
- أوهام القبض على الدكتاتور 8 العار والفرقة الناجية
- أوهام القبض على الدكتاتور 7 المحاكمة
- أوهام القبض على الدكتاتور6 أحفاد الدكتاتور
- أوهام القبض على الدكتاتور 5 الإمبراطور الحافي
- أوهام القبض على الدكتاتور 4 نقد الأساطير الاجتماعية والمرايا ...
- أوهام القبض على الدكتاتور 3 ذهنية القبو الحزبي
- أوهام القبض على الدكتاتور2 ، القمل موجود في رؤوس الآلهة
- أوهام القبض على الدكتاتور 1 وهم المعنى الوحشي للشجاعة


المزيد.....




- سفير الإمارات لدى أمريكا يُعلق على مقتل الحاخام الإسرائيلي: ...
- أول تعليق من البيت الأبيض على مقتل الحاخام الإسرائيلي في الإ ...
- حركة اجتماعية ألمانية تطالب كييف بتعويضات عن تفجير -السيل ال ...
- -أكسيوس-: إسرائيل ولبنان على أعتاب اتفاق لوقف إطلاق النار
- متى يصبح السعي إلى -الكمالية- خطرا على صحتنا؟!
- الدولة الأمريكية العميقة في خطر!
- الصعود النووي للصين
- الإمارات تعلن القبض على متورطين بمقتل الحاخام الإسرائيلي تسف ...
- -وال ستريت جورنال-: ترامب يبحث تعيين رجل أعمال في منصب نائب ...
- تاس: خسائر قوات كييف في خاركوف بلغت 64.7 ألف فرد منذ مايو


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - حمزة الحسن - باتريك سيل والشجاعة الملهمة