أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ابراهيم ازروال - في نقد الفكر الإصلاحي:نموذج عبد المجيد الشرفي (4)















المزيد.....



في نقد الفكر الإصلاحي:نموذج عبد المجيد الشرفي (4)


ابراهيم ازروال

الحوار المتمدن-العدد: 2334 - 2008 / 7 / 6 - 10:53
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


9- في نقد عبادة الحرف والمقصد :
(الرسالة المحمدية تهتم بما هو خير وما هو شر في اللحظة التي وقعت فيها النازلة، فيكون ما ترشد إليه قاعدة لمعايير السلوك المستقيم والأخلاق الفاضلة التي يتعين على المسلم أن يستنبطنها منها. ولا يتم ذلك الاستنباط على أساس سليم بالتمسك بحرفيتها في نوع من عبادة النص، بل بالبحث عن روحها ومغزاها ومراعاة المقصد منها حتى تكون العبادة لله وحده، ويكون ضمير المسلم هو الحكم الأول والأخير في مدى الاستجابة للتوجيه الإلهي).
(- عبد المجيد الشرفي – الإسلام بين الرسالة والتاريخ – دار الطليعة – بيروت – لبنان – الطبعة الأولى – 2001-ص .60-61) .
دفع تهوس السلفية بالتشريع ، وبالهندسة التشريعية للكل الاجتماعي ، إلى التماس الحل في المعاني الباطنية للقول القرآني . فلئن حصرت السلفية الإسلام في الإطار التشريعي الصارم ، وفي التجربة التدشينية وتجريد كل التواريخ اللاحقة للحظة المحمدية والصحابية من قوامها التاريخي ومن سؤددها الزمني ، فإن الإصلاحية الإسلامية تميل إلى تفعيل آليتين :
1- الفصل بين الروحي / الأخلاقي والفقهي / التشريعي القانوني .
2- ربط المعطى التشريعي بسياق تاريخي قابل للتجاوز والمعطى الأخلاقي / الروحي بديمومة زمانية غير قابلة للتجاوز .

والواقع أن السعي إلى روحنة الإسلام وتخليقه ، ينهض على مسلمات غير ناهضة من المنظور التاريخي . كما أن الاستنجاد بالإسلام الصوفي لتطويق الإسلام الشرعي الطقوسي الحرفي ، لا يفي بالمطلوب المعرفي ولا التاريخي . فالإصلاحي ، يسعى إلى التركيز على العناصر العقدية أو التشريعية الملائمة لتأويله ولاستهدافه الفكراني ،ويسعى إلى التحايل على العناصر المنافية لمقاصده باسم تغليب المقصد والمصلحة على الأوامر والنواهي الشرعية أو القراءة المقاصدية على التفسير الحرفي للنصوص. ورغم انسداد آفاق العمل التأويل أمام الإصلاحية منذ جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ، فإن الإصلاحيين ما زاولوا مصرين على التأويل الاجتزائي التشطيري للنصوص وعلى المفاضلة بينها ، وإضفاء تأويلات غير ملائمة ولا تاريخية عليها ، باسم تجديد الفهم وتدبّر المقاصد الإلهية الثاوية خلف الألفاظ والقصص والسرود القرآنية .

إننا نعتقد أن روحنة الإسلام وتخليقه ، والانتصار للقراءة الصوفية ، لا ينمّان عن حصافة أو تدبر استراتيجي للمجال الديني وللرؤية الدينية كما يعتقد البعض . فالنص القرآني ، نصّ كلّيّ ينطوي على تيبولوجيا وعلى اضمامة من الخطابات ، المختلفة من حيث السياق والمساق ومن حيث المقاصد الظرفية والاستراتيجية ؛ وعليه فعلى المؤول الحديث أن يتدبر كلية النص وبنيته التحتية لا أن يتخير ما يلائم رؤيته الإيديولوجية أو السياسية أو اهتماماته المنهجية . فالنص المؤسس كل موحد ، يجب أن يقرأ في تعددية مساراته ، وفي تشعب خيوطه الدلالية وأرضياته التداولية ، وتناصاته المشتبكة بالكون الدلالي للكتابيين ولأديان الشرق الأدنى القديم .

فالتشريع القرآني مرتبط بالأخلاقية القرآنية ؛ والفصل بينهما يناقض أساسيات الفكر الموضوعي . وعليه فإن السعي إلى فصل التشريع القرآني عن أسسه الأخلاقية والروحية ، أمر غير ممكن لاعتبارات كثيرة ، ونعتقد أن عدم تدبر الإصلاحيين لهذه الاستحالة هو المسئول عن الوضع الصعب للإصلاحية الإسلامية وعدم قدراتها على تفكيك المواقع المهيمنة للمؤسسة الأرثوذكسية القائمة على تغليب السمعيات والقراءة التشريعية الفقهية وعلى انزلاق الكثير من الإصلاحيين إلى المواقع السلفية كما حدث لرشيد رضا وطه حسين ومحمد حسين هيكل وخالد محمد خالد وإسماعيل مظهر ...الخ .
إننا نعتقد أن تجاوز هذه الإشكالية يقتضي أمرين :
1- اعتبار الأخلاقية القرآنية إيمانية موصولة بالمتخيل الكتابي ؛ وهي أخلاق دينية غير قابلة للكوننة مادامت ترفض ، كليا ، أيّ تعميم لمنظومة القواعد الخلقية وأي كوننة للأحكام الخلقية الصحيحة . فالأخلاق القرآنية والحال هذه ، قائمة على تراتبية صارمة ومحكومة بسقف أخروي هو المحدد في الغالب للسلوك لا البحث الفردي فيما يحقق المصلحة ويفي بمقتضيات الأخلاق كما يعتقد الشرفي .
2- اعتماد أخلاق علمانية مبنية على استقلالية الأخلاق المنطقية والابستمولوجية وحتى التاريخية عن الدين ؛ فالأخلاق الدينية ، ليست منزهة عن التفكيك ، بل إن النظر التفكيكي للعقلانيين الأقحاح توجّه قبل كل الأشياء إلى تأسيس الأخلاق على ثوابت جديدة كما نجد عند باروخ سبينوزا .
يقول فؤاد زكريا : ( وهكذا أكد أن الهدف من علم الأخلاق ليس الوعظ والإرشاد ، وإنما هو الدراسة والبحث والفهم ، فنقل بذلك الأخلاق من مجال ما ينبغي أن يكون إلى مجال ما هو كائن ، و أكد أن مهمته بوصفه باحثا أخلاقيا ليست أن يحتقر أو ينتقد ، وإنما أن يفهم الطبيعة البشرية على ما هي عليه .وهكذا تجاوز سبينوزا الحواجز بين الواقع والمثل الأعلى ، وبين ما هو فعلي وما هو معيار مثالي ، و أنكر الخير المطلق ، وبالتالي عالم الغايات التي تركزت فيه الأخلاقية المثالية بأسرها ).
(- فؤاد زكريا – سبينوزا – دار التنوير للطباعة والنشر – بيروت – لبنان – ص.196-197 ).
فلا يمكن هنا والآن، الخلط بين الأخلاق والدين، والسعي إلى استمرار هيمنة الرؤية المتعالية على الحقل الأخلاقي.

-10- الهروب من الفقه إلى المصلحة :
( كما كانت العقوبات البدنية عموما ، من الضرب والجلد والبتر وحتى القتل ، عادية لا يرى الناس بديلا عنها لقيام مجتمع واستقراره . فكان ما نص عليه القرآن منسجما تمام الانسجام مع مقتضيات الظرف ، ولكنه لا يعني غلق الباب في وجه أشكال أخرى من العقاب متى تطورت المجتمعات وبرزت فيها قيم أكثر تناغما مع هذا التطور ، تعتبر العقوبات البدنية وكل أشكال التعذيب منافية للكرامة البشرية ).
(- عبد المجيد الشرفي – الإسلام بين الرسالة والتاريخ – دار الطليعة – بيروت – لبنان – الطبعة الأولى – 2001-ص . 70) .

لا مندوحة عن القول ، إن إستراتيجية الخطاب الإصلاحي ، تفتقر إلى الكثير من الحصافة الفكرية والحذاقة المنهجية والصرامة النظرية في مقاربة المواضيع المستشكلة مثل الحدود القرآنية . فالتنصيص على الحدود ، قرآني ، صريح ، ولا يمكن تبرير إلغائها بعدم فهم السلف للفحوى الجوهري للخطاب القرآني أو لارتباط العقوبات المنصوص عليها بظرفية تاريخية قليلة التحضر. وأمام صعوبة إرجاع الحدود القرآنية ، إلى تمحلات السلف وواضعي النصوص التقنينية المعيارية أو ادعاءاتهم أو تعسفاتهم ، عمد بعض الإصلاحيين إلى تبرير فرضها بإكراهات الوضع السوسيو- تاريخي والسوسيو- عقدي بشبه الجزيرة العربية في القرن السابع الميلادي . فالخطاب الإصلاحي ، يقر بنصيتها ، إلا أنه يعتقد أن شرعيتها الدينية مخصوصة بوضع حضاري محدد ؛ وعليه ، فمن الممكن تجاوزها ووضع نظام عقوبات جديد مستوحى ، من المقتضيات الثقافية والحضارية للعصر الحديث .

ومما لا شك فيه أن مقاربة الشرفي لقضية الحدود ، لا تبرح مدار الرؤية الإصلاحية ، بكل ما تحفل به من تحكمات والتباسات . ولما كانت رؤيته للموضوع في حاجة إلى إضاءة نقدية ، فإننا نسطر حولها الملاحظات التالية :

1- لقد اظهر الإسلام أحيانا تمسكا وثوقيا بالتقاليد العقابية الكتابية ، وسعى في خضم صراعه الميتافيزيقي والهرمينوتيكي والسياسي مع يهود يثرب خصوصا ،إلى التشبث بأكثر العقوبات الكتابية تشددا .
(قال ابن إسحاق : وحدثني ابن شهاب الزهري أنه سمع رجلا من مزينة ، من أهل العلم ، يحدث سعيد بن المسيب ، أن أبا هريرة حدثهم : أن أحبار يهود اجتمعوا في بيت المدراس ، حين قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، وقد زنى رجل منهم بعد إحصانه بامرأة من يهود قد أحصنت ، فقالوا : ابعثوا بهذا الرجل وهذه المرأة إلى محمد ، فسلوه كيف الحكم فيهما ، وولوه الحكم عليهما ، فإن عمل فيهما بعملكم من التجبية – والتجبية : الجلد بحبل من ليف مطلي بقار ، ثم تسود وجوههما ، ثم يحملان على حمارين ، وتجعل وجوههما من قبل أدبار الحمارين – فاتبعوه ، فإنما هو ملك ، وصدقوه ؛ وإن هو حكم فيهما بالرجم فإنه نبي ، فاحذروه على ما في أيديكم أن يسلبكموه ).
(-ابن هشام – السيرة النبوية – حققها وضبطها وشرحها ووضع فهارسها : مصطفى السقا و إبراهيم الابياري وعبد الحفيظ شلبي – دار ابن كثير – دمشق – بيروت – الطبعة الثانية –2003-ص.479).
فالتجبية كانت عقابا مخففا بالقياس إلى التقليدي الموسوي ، القائل برجم الزاني والزانية ( وإذا زنى رجل مع امرأة فإذا زنى مع امرأة قريبه فإنه يقتل الزاني والزانية). ( لاويين -الأصحاح 20 : 10) .
أما يسوع فقد خفف من غلواء الناموس الموسوي في سياق صراعه مع الكتبة والفريسيين ( ...ولما أقاموها في الوسط قالوا له يا معلم هذه المرأة أمسكت وهي تزني في ذات الفعل . وموسى في الناموس أوصانا أن مثل هذه ترجم . فماذا تقول أنت . قالوا هذا ليجربوه لكي يكون لهم ما يشتكون به عليه .
وأما يسوع فانحنى إلى أسفل وكان يكتب بأصبعه على الأرض . ولما استمروا يسألونه انتصب وقال لهم من كان منكم بلا خطية فليرمها أولا بحجر) ( إنجيل يوحنا : الأصحاح الثامن : 3-7) .
إذ فالإطار الحضاري القائم آنذاك بالشرق الأوسط ، كان يسير ، في الغالب ، نحو التخفيف من دموية الناموس الموسوي المنحدر من شريعة حمورابي .

من المؤكد أن النص القرآني لا ينص على الرجم ؛ إلا أن الصراع الهيرمينوتيكي والتأويلي القائم بين محمد وأحبار اليهود ، والاتهام القرآني الصريح لليهود بتحريف التوراة ، يسمحان بترجيح تمسك محمد بالرجم من باب الوفاء للأصولية العقدية الكتابية ومن باب استملاك احد العلامات المائزة للرأسمال الرمزي التوحيدي المرجعي .

2- لم يكتف الإسلام بمراعاة المقتضيات القانونية المعمول بها في شبه الجزيرة العربية ، بل عمد إلى إدخال تغييرات على كثير من تعابيرها مثل الرق وتعدد الزوجات والقصاص والدية والأروش والعاقلة على سبيل المثال . فمما لا جدال أنه اقتبس الكثير من العناصر القانونية والجنائية من التراث الكتابي ومن التشريع العربي القديم ، إلا أنه قام بإعادة صياغة تلك العناصر ، وإدخال تغييرات جوهرية فيها من حيث الإطار الرؤيوي الكلي ، وتعديلات تقنية في بعضها من حيث الممارسة الاجتماعية . بالإضافة إلى ذلك، فقد عمد إلى تحريم الخمر والتبني مع أنها متأصلة في الثقافة العربية.ومن هنا ، فإن الاحتجاج بمراعاة التشريع الإسلامي للمقتضيات السوسيولوجية والتاريخية ، للمجتمع العربي القديم ،ليس حجة ناهضة في اعتقادنا .

3- يتغاضى الشرفي عن البنية المغلقة للنص القرآني ؛ فهو يتعامل مع الجانب التشريعي في النص المؤسس وكأنه مفتوح ،قابل للتحيين الدلالي والترهين التداولي والتجديد المعرفي .
(( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم ) ( المائدة : 38 )
( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ) .( النور : 2)
فمن السمات الفارقة للنص المؤسس، التسليم الكلي لموجود مفارق، متفرد بتدبير المصائر وتحديد العقوبات. فالفصل بين الجانب التشريعي والجانب الميتافيزيقي أو بين العبادات والمعاملات باللغة الفقهية الكلاسيكية ،يجانب الحقيقة ، بالنظر إلى ارتباط التشريع الإسلامي بالرؤية العقدية . ومن هنا، فإن القول بنسبية الجانب التشريعي وقانون العقوبات الإسلامية يستلزم ، منطقيا ، القول بنسبية الجانب العقدي . ولما كانت الإصلاحية الإسلامية ،لا تذهب إلى القول بتاريخية العقيدة ، فإن مطالبة بعض روادها بإسقاط العمل بالحدود الجزائية أو بقانون العقوبات اعتبارا إلى تقادمها تاريخيا ومنافاتها لحقوق الإنسان الكونية ، أو لارتباطها بمواضعات تاريخية وثقافية منتفية الآن،لا تستوفي مقتضيات التناسق أو الملاءمة التصورية .
( ولا ينبغي أن يكون تنفيذ عقوبة معينة ، كما هو الشأن في القصاص والسرقة وغيرهما ، محسوبا على الخضوع لأوامر إلهية لا صلة لها بالزمان والمكان ، بل هي مما اقتضته ضرورات الاجتماع والأخلاق ، وهي أمور متغيرة وغير مستقرة تتأثر بعوامل عديدة منها الثقافي ومنها الاقتصادي والسياسي).
(- عبد المجيد الشرفي – الإسلام بين الرسالة والتاريخ – دار الطليعة – بيروت – لبنان – الطبعة الأولى – 2001-ص . 85) .

فالتشريع لا يصدر في الرؤية القرآنية عن الأفراد ولا عن المؤسسات المدنية بل عن المفارق أي عن الغيب؛ ففلسفة التشريع الإسلامية ، مفارقة ومتعالية ولا تولي للإنسان أي اعتبار سوى اعتبار التمثل والتنفيذ تماما مثلما هو معتاد في الأديان الطقوسية أو في الشريعة الموسوية اليهودية . وبناء على هذه القراءة ، فإن قراءة قانون العقوبات قراءة تاريخية محايثة أو وضعية دهرانية ، تستلزم من باب التناسق في الرؤية والمنهج ، قراءة النص المؤسس قراءة دهرانية ناسوتية استشكالية . أما الدعوة إلى التركيز على غايات الحدود الجزائية لا على أعيانها كما فعل عبد الله العلايلي في ( أين الخطأ؟ تصحيح مفاهيم ونظرة تجديد ) ، فهو لا يحقق المطلوب النظري في زمان تشوش المتصورات واختلاط جينيالوجياتها .

كما أن ربط احترام الكرامة بزمن دون زمان ، وإعفاء الزمان المؤسس والتجربة الإسلامية المعيارية والنموذجية من التمسك بمقتضيات تلك الكرامة باسم استثنائيتها التاريخية أو باسم مراعاتها للمقتضى التشريعي والقانوني" الجاهلي "، توقع النظر الإصلاحي في ارتباكات منهجية ونظرية لا يستهان بها .

11-نقد الأصول وحفظ النصوص :
( فتحديث أصول الفقه و إعادة النظر في هذه المنظومة ، إنما هو أيضا على أساس العودة إلى مقتضيات الخطاب القرآني الذي لا نتردد في القول إن هذه المنظومة الأصولية قد شوهته وحرفته ، حرفت مقصوده الأساسي لأن القرآن دائما يخاطب المسلمين بدون تمييز ، ليست فيه هذه الطبقية ، وهذا التمييز الذي بين المسلمين كما هو الشأن بالنسبة إلى الأصوليين وبالنسبة إلى عامة الفقهاء ).
( عبد المجيد الشرفي – تحديث الفكر الإسلامي – نشر الفنك – 1998- الدار البيضاء – المغرب – ص. 42)
يحفل هذا المدخل بكثير من اليقينيات القابلة للاستشكال بله النقض والدحض . ونجمل ملاحظاتنا على فحواه فيما يلي :

1- الذهاب إلى إمكان العودة المباشرة إلى النص القرآني دون الاستناد إلى تفسيرات وتأويلات وتسويغات الأصوليين؛ والواقع أن التعامل المباشر مع النص القرآني ،بدون الاستعانة بمعطيات النصوص الثواني ، يوقع في مزالق ومآزق منهجية ونظرية كبيرة ؛ كما أن الشواهد النصية تنهض حجة على عدم صحة تأويل الشرفي للقرآن ؛فهو يظن أن النص القرآني يحث على تفعيل مقتضيات المساواة والعدل بين المسلمين ، والحال أن النص يقر التراتبية الأنطولوجية والاجتماعية والمعرفية ، ولا يلغي التفاوتات الاجتماعية بأي حال من الأحوال :
( الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله والتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا) ( النساء – 34) .
( يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا ) ( الأحزاب – 32 ).
( أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمة ربك خير مما يجمعون) ( الزخرف : 32)
فالتراتبية والتمايز معطيان نصيان غير قابلين للتعويم التأويلي كما تفعل بعض القراءات الإصلاحية؛ فالنص المؤسس يبني الفوارق والتمييزات لا في علاقة الأمة الإسلامية بغيرها العقدي فقط ، بل بين مكوناتها نفسها .فالتشريع الإسلامي ، إطار للتفاضل والتمايز وبناء الفوارق والقوانين المنظمة للاختلاف الداخلي والخارجي . و أصول الفقه ، سارت في نفس المنحى ، خصوصا وأنها جابهت عالما حافلا بتناقضات واشتباكات كبرى كلامية وفقهية ، لا تقاس بتناقضات العالم المديني / اليثربي المحدود .

2- اتهام أصول الفقه بتحريف المقاصد القرآنية ، ينطوي على تجاهل لدور الأصوليين في تنظيم المنظومة التشريعية والقانونية وصياغة وإحكام مرجعية استثمار النصوص واستخراج الأحكام الشرعية منها؛ فالأصوليون ، لم يتمحلوا في تأويل النص واستثمار مقاصده في الاتجاه المخالف للقصد الأصلي ، بل قاموا بتوسيع أو تضييق الإطار الدلالي للنصوص القرآني ، سعيا وراء التأكيد على الصلاحية المطلقة للنص وعلى هيمنته على حركية الواقع ؛ فالأصوليون ، وسعوا فعالية النص وقلصوا فعالية العقل والواقع والتاريخ إلى أقصى الدرجات . وتلك هي آفة أصول الفقه ، لا تحريف مقاصد القرآنية التأنيسية والتسديدية كما يعتقد الشرفي .

3- يتناسى الشرفي السياق التاريخي لبلورة أصول الفقه ، وصعوبة استقراء الدلالة التاريخية للقرآن ، لاعتبارات إشكالية ترجع إلى حيثيات تشكل ما يسميه محمد أركون بالنص الرسمي المغلق من جهة ، والى طبيعة البنية الحجاجية للنصوص نفسها من جهة ثانية .

12-المرأة من الضلع إلى النشوز :
( ثم ألم تخلق المرأة من ضلع أعوج من ضلوع آدم ؟!أليست هي التي أغوته بالأكل من الشجرة فكان ذلك مصدر" الخطيئة "وسببا في الطرد من الجنة ؟!وعوض أن يتدبر المسلمون سكوت القرآن عن هذين " الميثين " الواردين في "سفر التكوين " وتأكيده ، خلافا لهما ، بأن الناس خلقوا من نفس واحدة وأن الله خلق منها زوجها ليسكن إليها ، ونصه الصريح على أن الغواية كانت من إبليس لا من حواء وأن الله غفر لآدم وبغفرانه محيت المعصية ..عوض أن يتدبروا كل هذا انبروا يتسابقون إلى "الإسرائيليات " يستقون منها ما يعزز آراءهم القبلية في المرأة ، وانبروا يؤولون بها الآيات القرآنية تأويلا ما أنزل الله به من سلطان ؛ تأويلا يمحو الفروق الجوهرية بين الرسالة المحمدية وما عند أهل الكتاب على هذا الصعيد)
(- عبد المجيد الشرفي – الإسلام بين الرسالة والتاريخ – دار الطليعة – بيروت – لبنان – الطبعة الأولى – 2001-ص .-107- 108) .

حين نتدبر هذا الشاهد نلاحظ التقارب الكبير بينه وبين كتابات الصادق النيهوم ؛ فهما يؤكدان على خلو النص المرجعي للإسلام ، من تأكيد التوراة على خلق حواء من ضلع آدم ومن فكرة تحريضها آدم على الأكل من الشجرة المحرمة .والحقيقة أن نظر الإصلاحيين في الكتاب المقدس لا يستوفي شرائط النظر الموضوعي ولا مقتضيات البحث العلمي في النصوص اليهودية والمسيحية المرجعية ولا أدبيات نقد الكتاب المقدس . فهي تتوخى ، لاعتبارات شعورية فكرانية أو لا شعورية عقدية أو طائفية ، إبراز فرادة النص القرآني وتميز خطابه المعياري على الخطاب المعياري للكتاب المقدس .
ولتبيان تعقد القضية المثارة، فإننا نورد نصين من ( سفر التكوين ):
( وقال الله نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا. فيتسلطون على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى البهائم وعلى كل الأرض وعلى جميع الدبابات التي تدب على الأرض. فخلق الله الإنسان على صورته . على صورة الله خلقه . ذكرا وأنثى خلقهم . وباركهم الله وقال لهم أثمروا وأكثروا واملئوا الأرض وأخضعوها وتسلطوا على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى كل حيوان يدب على الأرض).
(تكوين – الأصحاح الأول : من26الى 28)
( وقال لآدم لأنك سمعت لقول امرأتك وأكلت من الشجرة التي أوصيتك قائلا لا تأكل منها ملعونة الأرض بسببك. بالتعب تأكل منها كل أيام حياتك. وشوكا وحسكا تنبت لك وتأكل عشب الحقل . بعرق وجهك تأكل خبزا حتى تعود إلى الأرض التي أخذت منها).
( تكوين –الأصحاح الثالث : من 17- 19 )
فالنص الأول ينص على خلق الإنسان، على صورة الله وعلى مباركته للإنسان سواء أكان ذكرا أم أنثى. أما النص الثاني فينص على تحميل مسؤولية لعنة الأرض إلى آدم نفسه .
والواقع أن اختلاف النص القرآني مع النص التوراتي في هذا المساق ، يعزى إلى آلية تناص النصوص والى الترميق الميثي المعمول به في النصوص القدسية ، والاستمداد القصدي المتحكم في طريقة النص اللاحق بالنص السابق . فالقصة التوراتية نفسها ، ليست إلا استعادة تحيينية وإعادة قراءة لقصص ميثية قديمة سومرية أو بابلية أو مصرية . وقد حاول تركي علي الربيعو مقاربتها من منظور مقارن ، قائم على التواصلية الثقافية في التقاليد الثقافية للشرق الأدنى القديم . فهو يعتبر قصة خلق حواء من ضلع آدم، المحطة ما قبل الأخيرة من تصور المرأة في النصوص الأسطورية القديمة. وعليه ، فلا يمكن استكناه حقيقة النص التوراتي التكويني ، إلا بمقارنته بالنصوص الأسطورية مثل : ملحمة جلجامش وملحمة الخليقة البابلية ونصوص سومرية أخرى ...الخ .
( ويذهب كريمر إلى القول إن أهم نتائج تحليلنا المقارن للقصيدة السومرية هو التفسير الذي يكفي واحدا من أعضل العناصر في قصة الفردوس في الكتاب المقدس ، وهو الفقرة المشهورة التي تصف خلق حواء- أم كل حي – من ضلع آدم . ولكن لماذا من ضلع ؟ ولماذا وجد القصاص العبراني أن الأنسب أن يؤثر ضلعا على أي جزء آخر في الجسم لخلق المرأة التي يعني اسمها تقريبا وفق الكتاب المقدس " التي تصنع الحياة " ؟ سيصبح السبب واضحا جدا إذا اتخذنا أساسا أدبيا سومريا كذلك الذي صورته قصيدة ديلمون عن قصة الفردوس كخلفية للكتاب المقدس . وذلك لأن أحد أعضاء أنكي المريضة في القصيدة هو الضلع والكلمة السومرية للضلع "تي " ولذلك كانت الربة التي خلقت لشفاء ضلع أنكي تسمى " نن تي " أي سيدة الضلع على عبارة السيدة التي يحيي وذلك عن طريق ما قد يوصف باللعب بالألفاظ . وكانت هذه هي واحدة من أقدم التوريات الأدبية التي انتقلت وتكررت في قصة الفردوس في الكتاب المقدس . )
( - تركي علي الربيعو – العنف والمقدس والجنس في الميثولوجيا الإسلامية – المركز الثقافي العربي – الدار البيضاء المغرب – الطبعة الثانية – 1995-ص : 156-157) .
فالنص التوراتي ، لا يقرأ إلا في فضائه النصي ، القديم ، أي في إطار تفاعله الدلالي والتداولي ، مع النصوص التأسيسية للمتخيل القديم للشرق الأوسط . فهو يشتبك على نحو إبداعي مع النصوص السابقة ويستوحي مفرداتها التخييلية وعوالمها الأنثروبولوجية ، ومحكياتها التأسيسية ،في صياغة عالمه الدلالي الخاص ، وعلى تحقيق مقاصده التاريخية والميتافيزيقية .
فلئن توخى محمد عبده تأويل القصص القرآني وادخل قصة آدم و حواء في خانة التمثيل والتصوير ، فإن الشرفي والنيهوم ، يقرآن القصة للتأكيد على مفارقة النص القرآني للنص التوراتي وعلى تفرده بنظرة عقلانية مجردة من الانحياز الذكوري لسفر التكوين إلى الهيمنة الباترياركية ومن الاعتبارات الميثولوجية الفاقدة لأي متمسك عقلاني .
فالنظر العقلاني والحداثي ، يقتضيان ، تحقيقا ، اقتراح مقاربة جديدة للقصص القرآني ، لا الانصراف إلى تأكيد القبليات العقدية ، بطرائق حديثة ظاهرا . فالنظر التراثي ، لا يؤسس ملاءمة رؤيته وصوابيتها المنهجية ، بالمقارنة المبتسرة بين الرؤية القرآنية والرؤية التوراتية كما يفعل الشرفي ، بل بإعادة مساءلة السرود القرآنية وإعادة قراءتها في ضوء مستجدات تاريخ الأديان المقارن والأنثروبولوجية الدينية خصوصا وأن الشرفي يشدد على ورود عناصر ميثية في المتن المعياري للمسلمين .

(والأدهى من كل هذا أنهم تصوروا الرسالة حسب أهوائهم ورغباتهم ومصالحهم حتى أضحى الإسلام مرادفا لظلم المرأة والحط من قيمتها وحجبها في البيوت وخلف الجدران السميكة ، ومسؤولا عن حرمانها من أبسط الحقوق البشرية مثل التعليم والشغل ، ومستغلا في إثبات هوية قلقة تبحث عن التعبير عن نفسها من خلال إلزام الفتيات المغرر بهن بلبس الحجاب)
(- عبد المجيد الشرفي – الإسلام بين الرسالة والتاريخ – دار الطليعة – بيروت – لبنان – الطبعة الأولى – 2001-ص . 108) .

كثيرا ما يعمد الاصطلاحيون إلى تحميل مسؤولية الوضع المأساوي للمرأة في المجتمعات الإسلامية، إلى الوضع التأويلي السائد أو إلى السياقات السوسيو- تاريخية الموسومة بالتداخل والهجانة واستمرار التقاليد الثقافية السابقة على الإسلام .
ويمكن القول إجمالا ، بأن الإصلاحية الإسلامية ، تشدد على قوة الثقافة بالقياس إلى العقيدة ، والى استمرارية المتخيل الجماعي في إعادة إنتاج رؤاه الأنثروبولوجية . إلا أن الإشارة إلى التغلب التاريخي للثقافة على العقيدة ، يبقى مجرد ، فكرة أولية لا يعمل الاصطلاحيون على استثمارها الاستثمار النظري اللازم ، لإعادة التفكير في جدل العقدي والثقافي في المجتمعات التاريخية مثل مجتمعات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا .

ويركز الاصطلاحيون ، عادة على التمييز بين الخطاب القرآني والخطاب الثقافي الإسلامي ، والى إرجاع الخطاب الثقافي الإسلامي إلى مرجعيات غير إسلامية ، تختلف حسب مقاصد واستهدافات المفكرين .
فالخطاب الثقافي /التأويلي الإسلامي ، يمتح حسب تحليلات الخطاب الإصلاحي من إحدى المرجعيات التالية :
1- المرجعية العربية المسماة جاهلية .
2- المرجعية التوراتية و التلمودية والهالاخية .
3- المرجعية الإنجيلية البولسية .
4- المرجعية الفارسية الزرادشتية ....الخ .
والحال أن النص التأويلي الثقافي ، ليس إلا جماع التفاعل بين النص المؤسس والثقافات المحلية والمعطيات التراثية السائدة . فالنص التأويلي ، يتوخى ، تكريس سلطة النص المؤسس ، واستثمار كل المعارف الممكنة حسب المتاح المعرفي والإبستمولوجي في كل ظرف ظرف . فالوضعية الدونية ، للأنثى وللمرأة ، معطى ثقافي راسخ في ثقافات الشرق القديم ، وقد تم ترسيخه ميثيا ، عبر النصوص الميثولوجية السومرية والبابلية وعبر الكتابات المقدسة اليهودية والمسيحية والإسلامية . ومن هنا ، فإن الاستعانة بالإسرائيليات ، ليس محض عودة إلى الهرطقات الكتابية أو إلى تشبث مشبوه بتراث الآباء ، كما يعتقد الشرفي ، بل هو استكمال لكلية الدلالة الكتابية ، المجملة في النص القرآني والمفصلة في الكتاب المقدس ، واستحضار للمعنى الميثي البعيد ،الموصول بالاشتغال الأسطوري الأولي على المعنى وعلى الحقيقة .
13- وضعية المرأة بين المودة والتعدد :
(وتجاهلوا بالخصوص سائر الآيات التي تؤسس لأخلاقية رفيعة يقوم عليها الزواج بمفهومه القرآني من سكون الزوجين أحدهما إلى الأخر ومن المودة والرحمة والإحسان والعدل ، والسبب الصريح الذي من أجله أبيح التعدد ، أي الخوف من عدم القسط في اليتامى ، وخصوصية الظرف الذي يكتنفه).
(- عبد المجيد الشرفي – الإسلام بين الرسالة والتاريخ – دار الطليعة – بيروت – لبنان – الطبعة الأولى – 2001-ص . 158) .
كثيرا ما يعمد الشرفي إلى تحميل الأصوليين والفقهاء ، مسؤولية تحريف المقاصد الجوهرية للخطاب القرآني ، وعدم استيفاء مقتضيات الاستثمار الملائم والمطابق للقصد الرسالي . وفي هذا الإطار ، أشار إلى مضمون النصوص الداعمة لرأيه ، وسكت عن النصوص الإشكالية :
( الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات حافظات للغيب بما حفظ الله والتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا) ( النساء : 34)
( وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا) ( النساء – 3 )
( حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا يزيد بن هارون ، عن شعبة ، عن أبي قزعة ، عن حكيم بن معاوية ، عن أبيه ، أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم : ما حق المرأة على الزوج ؟ قال : " أن يطعمها إذا طعم ، و أن يكسوها إذا اكتسى ، ولا يضرب الوجه ، ولا يقبح ، ولا يهجر إلا في البيت ").
(- ابن ماجة – سنن ابن ماجة – اعتنى به وقدم له : محمد بربر – المكتبة العصرية – صيدا – بيروت – الطبعة الأولى : 2006- كتاب النكاح – باب حق المرأة على الزوج – الجزء الثاني – ص . 321) .
فالنصان القرآنيان ، يؤكدان ما يلي :
1- قوامة الرجل على المرأة بسبب تفضيل الله للرجال وبسبب إنفاقهم على النساء .
2- التنصيص على طاعة المرأة للرجل والالتجاء في حالة النشوز إلى الوعظ والهجر والضرب.
3- التنصيص على تعددية الزوجات وعلى ملك اليمين .
وقد اصطدم الصادق النيهوم ومحمد الطالبي بهذه النصوص ، فاقترح النيهوم قراءة مخصوصة للضرب فيما طالب محمد الطالبي بتفعيل التحليل الاتجاهي والقراءة المقاصدية .
يقول النيهوم :
( فكلمة [اضربوهن ] ، إذا كتبت من غير نقاط ، وبالخط المستمد من شكل الأبجدية الآرامية ، التي يتشابه فيها حرف الضاد مع العين ، وحرف الراء مع الزين ، بحيث تبدو كلمة [اعزبوهن ] التي تلائم سياق النص على المقاس).
( - الصادق النيهوم – المسلمة لاجئة سياسية –الناقد – العدد 61- 1993- ص. 15) .
يقول محمد الطالبي :
( فإذا ما وجدت أن القرآن وجه وضع المرأة نحو تحسين حالتها إلى حد المساواة بينها وبين الرجل وإكسابها حقوقا لم تكن موجودة ، فمن الواجب أن أسير في نفس الاتجاه الذي يرسمه السهم ، أي التحرير المتواصل ، اعتدال متواصل ، عدل متواصل ، بشكل يقربني أكثر ما يمكن - مع اعتبار الوضع الذي أنا فيه اليوم - مما يقصده الشارع ، و أنا أفضل هذه الطريقة على طريقة القياس ، وهذا يمكن أن يصبح يوما محل إجماع إذا توفرت الدراسات التي تقنع بمطابقته لروح الإسلام ).
(- محمد الطالبي - عيال الله – أفكار جديدة في علاقة المسلم بنفسه وبالآخرين – دار سراس للنشر – تونس – الطبعة الثانية – 1992- ص . 144) .

تنهض هذه المعالجات ، حجة على ارتباك إستراتيجية الإصلاحية الإسلامية ؛ فلنقد المؤسسة الأصولية والفقهية حدود ، تفرضها صرامة النصوص ، وتأسيسها لتراتبية اجتماعية صارمة لا تساير دوما المنظور الحداثي ولا التدبير الحديث للعلائق الاجتماعية .
ومن الواضح أن الرؤية الإصلاحية تتبع منهجية مزوجة تتمثل فيما يلي :
1- رفض بعض النصوص الحديثية و التأويلات التراثية باعتبارها منافية لروح النص .
2- البحث عن مسلكية تأويلية تلوينية حين تصطدم بنصوص قرآنية إشكالية من منظور العقلانية والحداثة مثل ضرب المرأة الناشز مثلا أحيانا أو الإحالة على مقصديات مضمرة في النص هي برسم الاستكناه والاستكشاف .
فالمفكر الإصلاحي ، يرفض النص الحديثي والتأويل التراثي أحيانا ، مهما كانا معتمدين من قبل الأرثوذكسية السنية ، باسم رؤية تنزيهية للنص ؛ إلا أنه يتبع مسلكا مغايرا ، في الغالب ، حين يصطدم بنصوص قطعية الدلالة والثبوت ، حسب المعجم التراثي ، فيضطر إلى التأويل المتمحل عبر إضافة معاني غير وارد في المنطق القرآني إلى النص أو إلى الاستعانة بنصوص واردة في مساقات خطابية مختلفة ، بدون مراعاة تيبولوجيا الخطابات الفرعية داخل النص القرآني . فالتنصيص على المودة بين الزوجين ، يأتي في سياق ومساق معينين ، وإقرار التعدد يأتي في سياق ومساق مختلفين . كما أن مقارنة المساقين أو السياقين ، تستلزم استقراء كل المواضع النصية المتعلقة بالأنوثة وبمقاماتها الأخلاقية والتشريعية والتاريخية ، لاستخراج الرؤية النصية المتعلقة بالمواقع الاعتبارية للأنوثة والأنثوي في السيرورة الاجتماعية / السياسية كما رسمها القرآن .


ابراهيم – ازروال
اكادير – المغرب



#ابراهيم_ازروال (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في نقد الفكر الإصلاحي:نموذج عبد المجيد الشرفي (3 )
- في نقد الفكر الإصلاحي:نموذج عبد المجيد الشرفي (2 )
- في نقد الفكر الإصلاحي:نموذج عبد المجيد الشرفي (1 )
- جودة التعليم-نحو قطيعة لغوية مع الإكليروس اللغوي
- المحرقة المغربية - تأملات في تراجيديا العصر الطحلبي
- أندريه كونت- سبونفيل-فضيلة التسامح
- في نقد الخطاب الاصلاحي -( نموذج الصادق النيهوم )
- في نقد الفكر الاصلاحي - (نموذج الصادق النيهوم )
- في نقد الخطاب الاصلاحي -( نموذج حسن حنفي )
- في نقد الخطاب الإصلاحي-( الجابري والعشماوي )
- الفكر المغربي وثقافة حقوق الإنسان
- قراءة في - هكذا أقرأ ما بعد التفكيك - لعلي حرب- حين يصير الت ...
- شيزوفرينيا ثقافية
- الإشكالية الدينية في خطاب الحداثيين المغاربة-( نموذج الجابري ...
- واقع الثقافة بسوس-قراءة في وقائع نصف قرن
- من سوس العالمة إلى سوس العلمية
- تأملات في مطلب الحكم الذاتي لسوس الكبير
- الأخلاق والعقل-التسويغ العقلاني للأخلاق
- تأملات في المعضلة العراقية
- نحو فكر مغاربي مختلف بالكلية


المزيد.....




- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ابراهيم ازروال - في نقد الفكر الإصلاحي:نموذج عبد المجيد الشرفي (4)