أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ماهر فرغلى - أزمة الوعى لدى الحركات الإسلامية















المزيد.....


أزمة الوعى لدى الحركات الإسلامية


ماهر فرغلى

الحوار المتمدن-العدد: 2334 - 2008 / 7 / 6 - 10:53
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


المراجعات لا تكون إلا إذا انبثقت عن وعى تام وعن إفرازات حقيقية يراها القائمين عليها وهذا مرتبط بنضج الوعى الذى بدوره يحدد القدرة على المراجعه
الوعى هو ما يعنى الإدراك والإحاطة وهو أخطر الإشكاليات التى كانت عائقاً أمام المراجعات ولقد كشفت صور ومشاهد الأزمات التى مرت بالحركة الإسلامية عن إشكالية حقيقية تؤكد غياب الذين يحسنون الوعى والفهم ويقرأون القراءة الصحيحة لما حولهم .
اختلطت الأمور حين ظن بعض الشباب أن بإمكاناتهم المحدودة سوف يهزمون العالم أجمع وخدعتهم الهالات الإعلامية الضخمة التى سلطت عليهم وتآمرت عليهم حساباتهم الغريبة فى زمن العولمة والصواريخ العابرة للقارات .
نحن فى عصر يؤسس كل شئ على العلم وإدراك ولم يعد يقبل بالإرتجال والغوغائية فى أى أمر من أمور الحياة , والدين يتوافق مع ذلك تماماً فليس هو توظيف للفقه فقط مجرد عن الوعى بل له علاقة بالبعد الواقعى والسياسى والسياق التاريخى ومن ثم فإن تأخر المراجعات كان لأنها لابد وأن تنبثق عن وعى تام وحقيقى وكانت إفرازات يراها القائمين عليها وذلك مرتبط بنضج الوعى الذى بمقداره سوف تتحدد القدرة على المراجعة .
الوعى السياسى صورة مفقودة
إن الأمية السياسية هى أبرز القضايا التى عانت منها مسيرة العمل الإسلامى وهى التى أدت إلى أهم العقبات التى تعترض طريق العودة إلى الصواب " فالحركة التى لا تعرف ما يجرى حولها ولا تحسن تصنيف الناس من حولها حركة فاشلة مكتوب عليها الإخفاق ومعرضة للتصفية والسحق من قبل أعدائها " ( )
فالحماسة للدين شئ والغياب عما يجرى من تقلبات العالم وتحديات التاريخ والجغرافيا شئ آخر .
إنها أزمة عنيفة سوف تواجه أى أناس يستغرقون جهدهم فى العمل السياسى وهم لا يفقهون فى علم السياسة شئ وقد تمر عليهم الشهور وهم لا يقرأون جريدة ولا يتابعون إذاعة لماذا ؟ّ لأن بعضهم اعتبره علم للخاصة والآخرون نظروا إليه بتوجس وعدم اهتمام واعتبروا أن هذا العلم هو رمز للمكر وللمؤامرات والعجيب أن البعض قد انتقل بالخلافات الفقهية إلى السياسة فاختلطت الأحكام الفقهية بالسياسية وهذا ما أدى بالطبع إلى فراغ كبير وإلى التمادى فى الخطأ .
والنظرة الصحيحة تقول أن هناك خطوط معقدة فى خريطة العلاقات السياسية ومصطلح الدول وموازين القوى وهو ما يدفع العاملين للإسلام أن يعطوا الوعى حقه من البحث والتعمق ولو ضربنا مثلاً على عمق المأساة التى أدى إليها فقدان الوعى السياسى لوجدناه واضحاَ فى حركة طالبان والتى كانت مرشحة بجدارة للسقوط لأنها كانت تسير عكس منطق الأشياء وهذا بلاشك هو الانتحار السياسى فالحركة التى لا تلم بأبسط قواعد الوعى السياسى وهى تخوض لجة العمل الإسلامى سوف يكون مآلها إلى السقوط وانظر إليها رغم أنها كانت تسيطر على أكثر من 90% من أفغانستان كيف سقطت بالضربة القاضية ومن الجولة الأولى والذين يفسرون سقوط طالبان أنه بسبب الضربة الأمريكية تفسيرهم خاطئ لأن الأيام كانت تخفى تآكل طالبان التى غرست نفسها فى بذور فنائها وكان يقودها رجال لا يفقهون شيئاً فى العمل السياسى فارتكبت من الخطايا ما لم يرتكبه أى نظام يسعى للبقاء وهذا أثبت بما لا يدع مجال للشك جهالة الحركة بالمنطق وعدم إلمامها بقواعد الاجتماع وقوانين التاريخ وابجديات الجغرافيا وبديهات السياسة .
أولاً / تبنت الحركة وبتزمت شديد أيدلوجية جامدة فى وقت بدأت تتراجع فيه الإيدلوجيات وتتقدم فيه المصالح العملية على العقائد السياسية وهو الخطأ الفادح لرجال كانت أكبر ثقافة لهم هى زياراتهم لمدينة بيشاور الباكستانية وأكبر مقومات تعليمهم هى كتاتيب لا تملك مقومات المدارس .
ثانياً/ وقع اختيار طالبان على حليف ضار هو رعايتها لتنظيم القاعدة وهذا قد تسببت فيه العقلية لجامدة الضيقة التى تعجز عن فرز من يصلح ومن لا يصلح العقلية التى أعلنت انسحاب أفغانستان من العالم وأغلقت الأبواب ووضعت المتاريس حولها مما علها تجلب على نفسها عداء قوى داخلية وخارجية كثيرة ومن ثم سقطت لسوء تقديرها لموازين القوى بعد أن توهمت أن بمقدورها التوسع على حساب دول الجوار تماماً كما فعل اسلاميو لشيشان .
ثالثاً / أصبحت الحركة منبوذاً إقليمياً عاش ومات دون أن ينتمى إلى تجمع إقليمى واحد وعلى عكس البديهية السياسية التى تقول بعدم خوض حربين فى وقت واحد فإن طالبان دخلت حروباً كثيرة ولم يعترف بها سوى ثلاثة دول وسحبوا اعترافهم لما رأوا أنها ستجرهم للهاوية .
رابعاً / أخفقت طلبان فى التحول من حركة إلى دولة وجهالتها بالجغرافيا السياسية دفعها لمزيد من الأخطاء فالدولة الحبيه جغرافياً تكون فى أمس الحاجة إلى تبنى سياسة خارجية متعددة الاتجاهات تضمن لها رئات بديلة تتنفس منها أما هى فقد تجاهلت برعونة ما فرضة الموقع ودخلت فى مناوشات مع دول الجوار لأن قادتها كان عندهم قصور فى فهم النظام الإقليميى .
وبعد إطلالة على حركة من حركات الإسلام السياسى والمدى الذى كانت فيه جاهلة بالوعى السياسى ، نقول أن العاملين للإسلام فى حاجة ماسة للوعى .
يقول الدكتور محى الدين عبدالحليم فى حديثه عن هذه النقطة " إن هؤلاء الرجال فى حاجة إلى التزود بالدراسات العلمية اللازمة لهم وإلى فهم طبيعة العلاقات الإقتصادية العالمية والدولية ( ) " ويقول الشيخ أبو الحسن الندوى " ويرافق الصحوة وتابعيها الوعى المدنى وفهم القضايا المعاصرة والحركات والتيارات العاملة النشيطة وموقفها من الإسلام " ( )
فمعذرة إلى لفيف العاملين للإسلام الذين لا يرون لا داعى للوعى السياسى أو الذين يقدمون الوعى لفقهى عليه ولا يشغلون أنفسهم بمعرفة القضايا التى تشكل وعى لمجتمع ولينظروا إلى التاريخ الإسلامى ليروا كيف كان النبى صلى الله عليه وسلم يحيط علماً بالصراع الدولى الذى كان يجرى فى العالم ويهتم به ونزل ذلك قرآن " آلم غلبت الروم فى أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون " ( )
فالإسلام دين شامل لكل جوانب الحياة وجامع لكل العلوم يقول القرضاوى " وكان لابد من حرب الفكرة الخاطئة بالفكرة لصحيحة وهى شمول الإسلام لكل جوانب الحياة ومنها السياسة " ( )
الجماعة والجهاد وعبقرية الإخفاق
والوعى السياسى هو الإحاطة بالعلوم السياسية + فهم الواقع وتحديد الأهداف والذين يتصورون أن بإمكانهم أن يقودوا العالم ويحركوا الحداث دون ذلك بمجرد أنهم قرأوا كتاباً او اطلعوا على جريدة نقول لهم أنتم واهمون فالوعى السياسى ليس عملية سهلة بل وهو عملية تكتسب بالتجربة والعلم وهو يختلف عن الثقافة السياسية التى يجب على الجميع أن يلم بها والتى عرفها كمال المنوفى قائلاً والثقافة السياسية هى تلك القيم السائدة فى المجتمع وتتصل بعلاقة أفرادها بالنظام السياسى ووجوده مباشرة وغير مباشرة ( )
لقد كشفت الأحداث التى حدثت فى الثمانينات والتسعينات من القرن المنصرم عن عبقرية فى الإخفاق لدى تنظيم الجماعة الإسلامية والجهاد اللذان قادا أغلب أحداث العنف فى مصر حيث كانت تلك الأحداث السبب فى مصائب جمة لم تتعلق فقط بالدماء والأموال ولكنها تعلقت بدعوة الإسلام ذاتها وسنرى طوال هذه الأعوام أن السبب فى ذلك كله كان بسبب جهالة الوعى السياسي لدى عموم المنتسبين للتنظيمين معاً دون بعض الأفراد والقلة وهذا هو الذى كان السبب فى الحسابات الخاطئة .
فكيف يتصدر إنسان مسيرة العمل السياسى وهو لا يعرف عواصم الدول ولا يعرف عدد وزارات الدولة ولا محافظاتها ؟ وكيف ينفى هذا ويحكم على هذا وهو لا يحيط علماً بالإتجاهات الفكرية فى العالم والمذاهب الإقتصادية ؟ وكيف يهتم بأمر المسلمين وهو لا يعرف شيئاً عن الأقليات المسلمة ولا يعرف شيئاً عن تاريخ أهم قضية للمسلمين وهى فلسطين ؟! إن الجهالة بالوعى السياسى والثقافة السياسية هى التى جعلت بعض الإسلاميين يقتلون السادات بعد مبادرته للسلام لأنهم ظنوا أنه عميل لليهود وصورت لآخرين بأنهم قوة يستطيعون أن يهزموا التحالف الغربى والأنظمة العربية ببعض تفجيرات هنا وهناك وإذا قلنا أن الوعى السياسى والثقافة واجبة على العاملين للإسلام فإن ذلك يدفعهم أن يلوها أكبر همهم ولكن لا يستخدمونها فى تعبئة الناس ضد شرعية الحكومات وأخطاء النظام الدولى أو من يجعل أكبر همه العمل السياسى واستغراق الجهود فى تجنيد الأفراد وتعبئتهم الفكرية والشعورية والتنظيمية وكان عليه أن يشغل نفسه بألوان كثيرة من العمل النافع والضرورى والممكن مثل العمل الفكرى والتربوى والعمل الإجتماعى والثقافة السياسية التى تدفعنا لمراجعة الأخطاء لا التمادى فى الخطايا
الوعى بالواقع
والوعى بالظروف المحيطة والإدراك الحيوى للمتغيرات أو الواقع ليس أمراً هيناً لأنه يحتاج إلى خبرة تنقص شباباً كثيرين بالإضافة إلى أنه أمر صعب لأن الواقع متغير بطيعته سواء كان زمنياً أو مكانياً فواقع اليوم ليس كواقع الأمس وعهد اليوم ليس كالعهد الأول للدعوة الإسلامية وبعض الرويات تروى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال " يأتى زمان على الناس لو فعلوا عشر ما أنتم عليه لنجوا ولو تركتم عشر ما أمرتكم به لهلكتم "
والذين يتعجلون فى الفتوى والحكم فى كثير من القضايا كانوا سبباً فى تأخر المراجعات والذين يعممونها فينقلون فتاوى علماء الخليج إلى مصر مثلاً لم يحيطوا علماً بواقعهم الذى هو من ضرورات صحة الفتوى والذين يعتقدون بأن الدين هو أدلة وشرع غير مرتبط بالواقع فهم مخطئون فالشرع لم ينزل إلى عالم سماوى بل ترك ليعالج أخطاء البشر فوق الأرض " ولابد أن يكتمل فقه الشرع وفقه الواقع حتى يمكن الوصول إلى الموازنة العلمية السليمة البعيدة عن الغلو والتفريط " ( )
ويظل الوعى بالواقع هو الضرورة الحتمية لفرز ما يصلح وما لا يصلح ولتحديد نقطة البدء فى معالجة القصور وهناك ضرورات تحتاج إلى فقه الواقع .
أولاً : الدعوة فإن أخطر ما يقع فيه الداعية اليوم هو غياب الفقه بواقع من يدعوه فيظل يدفع عقيدته للتحذير من المذاهب الأرضية والإتجاهات العلمانية ويظل يحشد لقضيته ما استطاع من الأدلة وكل ما يمكنه من الشواهد والبراهين واثقاً أنه بهذا لجهد المضنى وهذا الإعداد الدقيق قد بلغ من نفوس من يدعوهم أبلغ مدى واحتل فيها أعمق مكان وما أشد حسرته ولوعته عندما يرى أهوال هؤلاء الذين اجتهد لهم ولم يترك شاردة ولا ورادة مما يخص الموضوع إلا حشدها من أجلهم ثم يراهم عاكفين على ما هم عليه " فنحن فى حاجة ماسة إلى ثقافة واسعة لمن يتحمل تبعة العمل ومسئولية وما زال كثير من الذين يقومون بعملية الوعظ والإرشاد ينقصهم الكثير من الدراية بواقع من يدعونه والإستعداد ليؤدى رسالتهم على لوجه الأكمل " ( )
ولن يستطيع الدعاة أن يؤدوا رسالتهم على الوجه الأكمل بغير الوعى بالآفاق الرحبة لفقة الدعوة وتجارب العمل الإسلامى والواقع المعاش الذى يحيط بدعوة الإسلام " لأننا نعيش حياة الانفتاح من جهة ونواجه حضارة مغايرة تتدسس بهدوء ولباقة أو تجاهر بالغزو من جهة أخرى فكان لابد للداعية المسلم أن يسعى نحو الثقافة الشمولية " ( )
ثانياً : ضرورة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر حتى نستطيع أن نعرف الظروف الملابسة للمنكرات وأسبابها وكيفية علاجها كما نستطيع أن وطرق أسباب العلاج فنقوم بتغيير أكبر يشمل الأفكار والمفاهيم ويشمل القيم والموازين ولن يكون هذا بغير الوعى بالواقع .
ثالثاً : الجهاد فى سبيل الله وهو أهم الضرورات فهناك فصائل فى الحركات الإسلامية اعتبرت أن قتال كل الكفار واجباً سواء مسالمين أو غير مسالمين ولم يميزوا بين مفهوم الجهاد الواسع الذى يعنى بذل الجهد والمشقة وبين معنى القتل والقتال وكل ذلك يحتاج إلى معالجة دقيقة وبالطبع هذا مسار أختلاف فى وجهات النظر والتى يظل بعضها حبيساً فى تصور خاطئ للواقع الذى سوف يكون الوعى به هو الذى يعطينا نتيجة ايجابية تجعلنا نوفق بين فرضية الجهاد وبين موضوع الأذن بالقتال اليوم فإذا كانت الأحكام النهائية للقتال فى الإسلام هى أنه ماض إلى يوم القيامة وهذا حق فهل يبقى مجال لذكر الأذن بالقتال اليوم فهذه هى الأزمة " ومهمة قيادة لحركة ان تحسن تقدير هذه لظروف والملاحظة التى لابد من إيضاحها فى هذا الصدد كذلك هى أن الإذن بالقتال شئ ومباشرة القتال وطريقته شئ آخر " ( ) .
إن المفهوم الخاطئ للظروف وعدم وجود الإدراك الحيوى للواقع المتغير هو الذى دفع كثير من الشباب أن يعتبر أن الجهاد غاية لا وسيلة وأن القتال هدف وطريق وحيد وهذه هى بلية أصابت الأمة الإسلامية حتى بعد أن دخلنا القرن الحادى والعشرين يقول الدكتور على جمعة " وينبغى أن يتقيد بالشروط التى أحل الله فيها الجهاد وأن يجعل ذلك لوجه الله تعالى تعالى ومعنى هذا أنه سوف يلتزم بأوامر الله وستعد لإنهاء الحرب فوراً إذا ما فقدت الحرب شرطاً من شروط حلها أو سبباً من أسباب استمرارها " ( )
إن الإسلام لم يكن إلا حركة إبداعية خلاقة استهدفت إنشاء حياة إنسانية متجددة وغير معهوده فى النظم الأخرى التى سبقته أو لحقته وهذه الحركة تنشأ عن تصور معين للحياة بكل قيمها وكل إرتباطاتها تصور جاء به الإسلام ابتداءً ليكون مرشداً وهادياً وهى حركة تبدأ فى أعماق الضمير ثم تحقق نفسها فى عالم الواقع .

الوعى بالضرورات الطارئة فى المجتمع
وهذا له أهمية بمكان فالذين قاموا مثلاً بعملية الدار البيضاء وتفجيرات الرياض لو عرفوا التغيرات السريعة التى تمر بالمجتمعات وتاثير هذه العمليات عليها ما فكروا فى ذلك وكم من الناس من يستند إلى قول فقيه من الفقهاء لتبرير بعض الأعمال أو يقيس الحكم فى واقعه المعاش على فتوى صادرة منذ مئات السنين أو من يحيلك إلى كتاب فقهى من القرون الأولى ليدلل على صحة ما صنع وكل ذلك إنما يعبر عن خلل فى التعامل وعدم فهم للتطورات التى طرأت على المجتمع .
إننا فى عصر العولمة والانترنت والمركبات الفضائية التى وصلت المريخ والعالم الذى أصبح كقرية واحدة وخلق مشكلات اقتصادية واجتماعية جديدة كالزواج العرفى والمسيار والمشكلات السياسية المعقدة وهذا ما يفرض علينا ألا نقف فى أماكن لا نرواحها ونفكر بعقلية الأمس البعيدة وكأننا نقود سيارة ننظر إلى إطارها الخلفى تاركين الإطار الأمامى يصطدم بجدار الواقع المرير والمستقبل الغامض .
إن الذين يفعلون ذلك وقعوا بين التهويل والتهوين وأسرى لفكر تقليدى لا ينظر الى العصر وتياراته ومشكلاته ويقف ساكناً أمام التطورات التى تحدث فى المجتمع سواء كان سببها الفساد أو غيرها .
واذا رجعنا الى التاريخ الاسلامى لوجدنا كيف فرض عمر المكوس وحدد فترة غياب الجند عن زوجاتهم وأوقف سهم المؤلفة قلوبهم وأوقف حد السرقة عام الرمادة .. إنه كان يراقب التطورات التى كانت تلحق بالمجتمع الاسلامى والضرورات التى تفرض نفسها عليه وكان عمر رضى الله عنه يتأسى بالنبى صلى الله عليه وسلم الذى كان يهتم بكل المجتمع حوله ويعرف كل أسراره وعاداته ويراقب تطوراته يقول الدكتور حسين مؤنس " مكث الرسول فى قباء أربعة أيام وهذه فى نظر الكثيرين فترة طويلة ولكن الحقيقة أنه استوعب خلال هذه الايام معلومات كثيرة من الاحوال فى المدينة ومن خصائص محمد صلى الله عليه وسلم أنه كان يحب الانصات وكان يعى ممن يحدثه كل شئ ولهذا لم يكن هناك أعلم منه بالعرب والدنيا من حولهم وان الانسان ليعجب من دقيق ملاحظاته واتساع معلوماته عن العرب خاصة كان يعرفهم قبيلة قبيلة أين تعيش ومن رؤسائها وما موقفهم من الاسلام " ( ) .
والعلماء ساروا على نفس الهدى ولذا أجازوا تغيير الفتوى بتغير الازمنة والامكنة والأعراف والأحوال .
إن النظر للمجتمع وتطوارته من زوايا متعددة وبمناظير لا يشوبها غبش من دلائل الاعتدال والتوازن .. زوايا تعتبر المجتمع مسلم خالص لا مجتمع جاهلى طالما أن شعائر الاسلام تقام وأحكام الاسلام ما زالت ترعى والجماهيرلا تزال مؤمنة وكلمة الاسلام هى المحركة " واستنكاف العاملين على الاختلاط بالناس بحجة بعدهم عن الاسلام وسوء اخلاقهم وكثرة انحرافاتهم من شأنه أن يزيد المشكلة تعقيدا ويوسع الهوة بين هؤلاء وبين الاسلام " ( ) .
إن المطلوب هو الوعى بالضرورات الطارئة والتغيرات السريعة التى تحدث فى المجتمع فهذه هى النظرة الصحيحة التى تجعلنا نسير فى الطريق الصحيح لا نرفض المجتمع ولا نستعلى عليه وفى ذات الوقت لا تدفعنا أن نذوب فى أخطائه .
الوعى بالتاريخ
والمسألة المهمة والتى لابد أن تلاحظ أنه بمقدار النجاح فى قراءة التاريخ تتحدد القدرة على المراجعة فالتاريخ يعيننا على تشخيص الواقع ويساعد فى معالجة الأمراض ويبين اولويات العلاج وإلا سوف نتوغل فى دروب ومنعطفات تصيبنا بالعجز والشلل وعدم الوصول إلى مراجعات سريعة لأخطاءنا الفادحة " إن التاريخ كثيراً ما يعين على فهم الواقع المعاش ولاسيما إذا تماثلت الظروف وتشابهت الدوافع " ( ) فالتاريخ يشكل مصدراً عظيماً للمعلومات ويضعها فى قوالب ونماذج يمكن أن ترشد لفهم الحاضر وتساعد على التنبؤ بما يمكن أن يكون فى المستقبل والتاريخ يعطى مثلاً واضحاً للشباب بتجارب ناجحة فيكرروها أو فاشلة فيتجنبوها ولا يقعوا فيها مرة أخرى .
والمصيبة فيمن لم يجد من يفيده بالتجربة او يذكره بدروس التاريخ حتى بدت كل محنه وكأنها وقعت مضموناً وشكلاً فى المكان رغم أنها طارئة فى الزمان " ولأول مرة فى تاريخ الفكر البشرى يكشف الغطاء أمام العقل البشرى عن حقيقة منهجية على درجة كبيرة من الخطورة أن التاريخ البشرى لا يتحرك فوضى وعلى غير هدف وإنما تحكمه سنن ونواميس كتلك التى تحكم الكون والعالم والحياة والأشياء سواءً بسواء " ( ) .
كان على الحركة الإسلامية واجب مهم أن تتوغل فى التاريخ وتتعلم الدروس فإستعادة الزمان ليس بالعودة إليه وإنما بإصلاح أخطائه .
فإلى أى مدى درست الحركة الإسلامية مسيرة التاريخ الإجتماعية والسياسية لكى تستخلص العبر وتستفيد من تجارب النجاح وتتوقى جوانب الفشل والإنهيار والتراجع وإلى أى مدى استطاعت أن تدرس تجاربها مع ذاتها وتراجع وتصدر تقييمات حقيقة لمسيرتها بكل ما فيها من جوانب النجاح ونواحى الإخفاق .. إن تأخر المراجعات كان بسبب ذلك .
الوعى بالممكن والمتاح
إن الوعى بفقه الممكن والمتاح هو عملية التكيف والموائمة مع الظروف الحياتية المختلفة إجتماعياً وثقافياً وحضارياً وحصاد الإخفاق فى هذه العملية هو ما يدفع للتطرف سواء الفكرى منه أو الشعورى والسلوكى وهو جوهر الأزمة الحقيقية للتنظيمات الإسلامية بكل مستوياتها المختلفة وبيئاتها الإجتماعية والثقافية والحضارية وهذا هو اللوم الأكبر الذى وقع على بعض فصائلها التى جمعت الشباب وحشرت لهم الأدلة على صحة موقفها فى سبيل الرغبة الجامحة للوصول إلى السلطة أو إحداث نكاية بأعدائها دون وعى بالممكن والمتاح الذى أتاحته لهم الظروف المحيطة والواقع لمعاش والأسباب المادية " والحتمية الوحيدة فى التفسير الإسلامى هى حتمية قدر الله ومشيئته ولكن هذه الحتمية لا تلغى إيجابية الإنسان وفاعليته إنما هى حتمية النتائج حين توجد الأسباب " ( )
لقد حاول بعض الإسلاميين القفز فوق الأسباب وفوق الظروف المحيطة وتصوروا أن المتاح لهم هو فعل أى شئ يمليه عليهم ضميرهم وكان كثير منهم يري أن يزرع اليوم ويحصد غداً بل ربما أراد أن يحصد اليوم على خلاف سنة الله فى الزرع والحصاد وهذا ماعجل بالصدام بين الجماعات الإسلامية والدولة .
والوعى بالممكن والمتاح بصيرة يهبها الله لبعض خلقه الذين يستطيعون أن يقتربوا من واقعهم ويتوغلوا فيه بإخلاص ومعرفة .
{ الإقتراب من الواقع يعتمد على الصدق والوضوح مع النفس فى التقدير والتقويم والتحليل } ( )
وليست البصيرة وحدها التى تعلمنا هذا الفقه ولكن هناك شئ مهم هو كفاءة وإمكانات الوصول إلى نقطة اتزان تمثل صور الوسطية المعتدلة كسلوكيات فاعلة على أرض الواقع تحتكم إلى إدراك استراتيجى لأهمية فقه الواقع المطلوب مع فقه الدور المطلوب وفقه الألوليات والتدرج .

الوعى بالتعامل مع مؤسسات الدولة
وبداية فمؤسسات الدولة هى تلك الهيئات التى تقدم خدمات معينة لمجموع المواطنين من خلال موظفين يعملون بها وفقاً لأسس وقواعد مقررة سلفاً وينفق على هذه المؤسسات من ميزانية الدولة وملكية هذه المؤسسات لا تعود لشخص أو بعض حكام وإنما تعود للشعب بأسره , والنظرة الغير موضوعية لهذه المؤسسات بإعتبارها أنها تخدم السلطان أو تخدم الدولة الكافرة هو الذى كرس مزيداً من الأخطاء وكرس ظاهرة التخندق والإنتماءات للتنظيمات وجعلت الناس تفقد ولاءها لوطنها وكرس العداء لشركاء الدم والوطن حتى أن البعض قد استباح لنفسه ضرب البنية التحتية لمؤسسات الدولة وضرب البنية الإقتصادية والبنية الأساسية كالطاقة والكهرباء وعلى سبيل المثال لا الحصر ما فعلة الجماعة الإسلامية قبل مراجعاتها حتى وصل هذا الخلق إلى بعض الأفراد ودفعهم للعبث فى المواصلات أو التخريب فى المؤسسات الأمنية بإعتبارها انها مؤسسات تصد عن سبيل الله حتى وصلت الجراة بإعتبار المؤسسة الدينية مؤسسة السلطان لماذا ؟! لأننا كنا نتصور أن كل ما فى مجتمعنا الحالى مخالف للإسلام وأن كل الأنظمة والقوانين والمؤسسات ستهدم وتبنى من جديد وليس هذا بتصور سليم فالبنية التحتية ومؤسسات الدولة هى رصيد للجماهير المسلمة والوعى السليم بالدين والنصرة للدعوة والمشروع الحضارى الإسلامى الكبير هذا المشروع الذى يرتقى بالأمة والذى يجب أن تشارك فيه كل فئات المجتمع ومنها الحركة الإسلامية هو الذى يدفعنا أن نحافظ على هذه المؤسسات وألا نفقد ولاءنا لبلادنا التى نحن منها ونعتبر أن انتصارها لنا وأن إخفاقها علينا .

الوعى بالسنن الكونية
فالله سبحانه له سنن يسيّر بها واقع المجتمعات وهذه السنن لا تتغير ولا تتبدل قال الله تعالى " ولن تجد لسنة الله تبديلاً " ( ) وحركة السنن تجرى بقوانين ثابتة وبحركة سيرها وتبدلها تجرى الحياة وعلينا نحن أن نستنبطها لنهتدى بمعالمها ونوظفها فالكون لا يمكن تسخيره إلا وفق السنن ومن اهتدى بالسنن فتح لله عليه ومن اعترضها خسر كثيراً وعلى سبيل المثال أن القوى يغلب الضعيف وأن الكثرة تغلب القلة وانظر إلى بعض القادة حينما زجوا بالشباب فى مواجهات فاشلة مع السلاطين كيف أتت بخسائر فادحة .
من أراد ان يكسب عليه أن يلتفت إلى السنن وعلل الأشياء بطريقة واقعية ولم يستطيع أى إنسان مهما بلغ من علم وذكاء ولن تستطيع حركة مهما بلغت من قوة أن تستمر مهما بلغت حنكة قادتها طالما أنهم لم يلتفتوا إلى السنن التى تحكم مسيرة الحياة بالقدر الذى التفتت به وتوجهت صوب آيات الأحكام والحكام والوعى بها .
هذه هى أزمة الوعى وحلولها ولكن أخيراً :
-إن الوعى يمكن أن يقدم لنا مجموعة من العلاقات والتراكمات الفكرية التى تنير لنا معالم الطريق لأنه قوة تشكل وعينا لتقييم المواقف والحكم عليها .
-وبالرغم من بساطة الحديث عن الوعى لكننا سنجد هوة واسعة فى التطبيق العملى للحركة الإسلامية فى السنوات الماضية أثبتت أنه العائق الحقيقى الذى كان يقف أمام أى محاولات جادة لفهم الأخطاء ولذا وجب علينا أن نتذكر ان غالبية الحركات السياسية الإسلامية هى حركات جماهيرية هدفها حشد الجماهير وكان يجب أن يكون غالبية أعضائها من أصحاب الوعى الذين لا يكتسبون مفاهيمهم ومدركاتهم من خلال وعيهم الذاتى لا من خلال قادتهم الذين شكلوا لهم الوعى حسب تصوراتهم مما أدى إلى تعرجات وانحناءات أبعدت الجميع عن الوقوف مع الذات .
-إن الوعى يجب أن يفهم على أنه مرادف للتصور أى مجموعة المدركات السائدة ومن ثم فإنه يجب ان يتسع ليشمل الوعى بالآخرين وثقافتهم والمفاهيم السائدة فى عصرنا الحاضر وهذا سيعلمنا أين نحن وعلى أى أرضية نقف فالوعى حقيقة واحدة قد تتشعب أبعادها ومظاهر التعبير عنها ولكن فى خلاصتها النهائية لا تعدو أن تكون معايشة الحاضر المرتبط بالماضى .






#ماهر_فرغلى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- هكذا أعادت المقاومة الإسلامية الوحش الصهيوني الى حظيرته
- المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة-إيفن مناحم-بصلية ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تعلن استهداف مستوطنة كتسرين بصلية ...
- المواجهات الطائفية تتجدد في شمال غربي باكستان بعد انهيار اله ...
- الإمارات تشكر دولة ساعدتها على توقيف -قتلة الحاخام اليهودي- ...
- أحمد التوفيق: وزير الأوقاف المغربي يثير الجدل بتصريح حول الإ ...
- -حباد- حركة يهودية نشأت بروسيا البيضاء وتحولت إلى حركة عالمي ...
- شاهد.. جنود إسرائيليون يسخرون من تقاليد مسيحية داخل كنيسة بل ...
- -المغرب بلد علماني-.. تصريح لوزير الشؤون الإسلامية يثير جدلا ...
- المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف حيفا ومحيطها برشقة صاروخي ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ماهر فرغلى - أزمة الوعى لدى الحركات الإسلامية