هناك نكتة هنغارية تقول: في خضم حرب الأيام الستة، التقى أحد الهنغاريين (اليهود من أصل هنغاري) صديقه فسأله: "لماذا تبدو يائسا هكذا؟". فأجابه صديقه: "سمعت بأن الإسرائيليين قد أسقطوا اليوم ثلاث طائرات ميغ من صنع سوفييتي!".
في اليوم التالي بدا الصديق أكثر يأسا فقال: "سمعت بأن الإسرائيليين قد اسقطوا اليوم ثماني طائرات ميغ!".
في اليوم الثالث كان الصديق متقطب الوجه. فسأله صديقه: " ماذا حدث؟ ألم يسقط الإسرائيليون اليوم أية طائرة؟" فأجابه الرجل: "لقد أسقطوا ولكني سمعت اليوم بأن الإسرائيليين هم من اليهود!"
هذه كل الحكاية باختصار.
اللا ساميون يكرهون اليهود لمجرد كونهم يهودا، دون علاقة بأعمالهم . يكرهون اليهود لأنهم أثرياء يعيشون عيشة رغيدة، أو لأنهم فقراء يعيشون بين القاذورات. لأن البعض منهم كان يتقلد مناصب مرموقة في الثورة البلشيفيكية. أو لأن بعضا منهم قد تحولوا إلى أثرياء على أنقاض الشيوعية. لأنهم صلبوا يسوع المسيح أو لأنهم سمموا الثقافة الغربية بواسطة "أخلاقيات الرحمة المسيحية". لأن لا وطن لهم أو لأنهم أقاموا دولة إسرائيل.
هذه هي طبيعة كل العنصريين والشوفانيين: يكرهون شخصا ما لأنه يهودي، عربي، امرأة، أسود، من الهنود الحمر، مسلم، هندوسي. بغض النظر عن جوهره الشخصي وماهية أعماله وما هي إنجازاته. إذا كان ينتمي إلى عرق ما، أو إلى دين ما أو إلى الجنس المكروه، فإن العنصري يكرهه.
من هنا تنبثق كل الإجابات المتعلقة باللا سامية، وعلى سبيل المثال:
هل كل من يوجه النقد إلى إسرائيل يعتبر لا ساميا؟
بالتأكيد لا. من يوجه النقد إلى إسرائيل بسبب أعمال معينة نقوم بها، فلا يجدر بنا أن نسميه لا سامي. ولكن من يكره إسرائيل لكونها دولة اليهود، كذلك الهنغاري في النكتة فهو لا سامي. ليس من السهل دائما التمييز بين الأمرين لأن اللا ساميين مداهمين يعتقد بأنهم يوجهون اللوم إلى إسرائيل بسبب أعمالها. إن من يتهم من ينتقد إسرائيل باللا سامية فهو يلحق الأذى بالمعركة ضدها.
إن العديد من رجالات الأفكار والأخلاق البارزين ومن علية البشرية، يوجهون نقدا إلينا بسبب ما نقوم به في المناطق المحتلة. سيكون اتهامهم بالا سامية بمثابة حماقة.
هل يمكن لشخص ما أن يكون مناهضا للصهيونية دون أن يكون لا ساميا؟
بالتأكيد نعم. فالصهيونية هي نظريه سياسية وشأنها شأن أية نظرية سياسية أخرى. يمكننا أن نناهض الشيوعية دون أن نناهض الصينيين، وأن نناهض الرأس مالية دون أن نناهض الأمريكيين، يمكننا أن نناهض كل شيء. هنا أيضا يصعب رسم خط يفصل بين الأمور بشكل واضح وذلك لأن اللا ساميين ينتحلون في العديد من الأحيان شخصية "اللاصهيونيين". يجدر بنا ألا نمد لهم يد العون عن طريق محو ذلك الخط الفاصل.
هل يمكن لشخص ما أن يكون لا سامي وفي نفس الوقت صهيوني؟
بالتأكيد نعم. فقد حاول مؤسس الحركة الصهيونية المعاصرة، بنيامين زيئيف هرتسل، تجنيد دعم اللا ساميين الروس، وقد وعدهم بمساعدتهم على التخلص من اليهود. أقامت حركة إتسل، قبل الحرب العالمية الثانية، معسكر تدريبات في بولندا، برعاية القادة اللا ساميين في الجيش البولندي، الذين أرادوا الوصول إلى نفس الهدف وها هو اليمين الإسرائيلي يبارك دعم المتطرفين المسيحيين في الولايات المتحدة، الذين يرى فيهم يهود أمريكا (حسب استطلاع للرأي نشر هذا الأسبوع) لا ساميين بكل ما في هذه الكلمة من معنى. وتقول تعاليمهم بأن عشية قدوم يسوع المسيح ثانية سيعتنق اليهود كلهم الدين المسيحي، أو أنهم بائدون لا محالة.
هل يمكن لليهودي أن يكون لاسامي؟
يبدو لأول وهلة أن في ذلك تعارض داخلي. إلا أن التاريخ قد أورد أمثلة ليهود تحولوا إلى مبغضين لليهود بشكل واضح. كبير الكفرة طوركوومده، كان من أصل يهودي. كارل ماركس كتب مواضيع خطيرة عن اليهود وكذلك الأمر بالنسبة لأوطو فايننغر وهو أحد الكتاب المهمين في فينا في مستهل القرن الماضي. وقد كتب هرتسل، ابن عمه وابن مدينته، في يومياته العديد من العبارات التي تنبعث منها رائحة مشابهة.
هل يعتبر من يوجه انتقادا إلى إسرائيل أشد لهجة من الانتقاد الذي يوجهه إلى دول أخرى بسبب أعمال مشابهة، لا ساميا؟
ليس بالضرورة. صحيح أنه يجدر أن يكون هناك مقياس أخلاقي واحد لكل بني البشر ولكل الدول، فأعمال الروس في الشيشان ليست بأفضل من أعمالنا في نابلس، ولربما تكون أبشع بكثير. ولكن الفرق يكمن في أن الصورة القائمة لليهود في العالم هي صورة "شعب الضحايا"، وقد دفعنا نحن هذه الصورة قدما بأنفسنا بعد أن كانت صحيحة في حينها. لذلك اشمأز العالم عندما تحولت ضحايا الأمس إلى مقدمي قرابين اليوم. إنهم يطالبوننا بمستوى أخلاقي أعلى مما هو عليه لدى الشعوب الأخرى. وهم محقون في ذلك.
هل عادت أوروبا لتكون لا سامية؟
بالتأكيد لا. فعدد اللا ساميين في أوروبا لم يزد بل وربما انخفض. إن ما زاد هو حجم الانتقاد الموجه إلى أعمال إسرائيل اتجاه الفلسطينيين الذين يعتبرون "ضحايا الضحايا".
أما ما يحدث في ضواحي باريس التي تذكر كثيرا كمثال على تعاظم اللا سامية، فإنه ظاهرة مغايرة تماما. فعندما يتشاجر العرب القادمون من شمال أفريقيا مع اليهود القادمين من شمال أفريقيا، فذلك بمثابة استنساخ النزاع الإسرائيلي الفلسطيني إلى أرض أوروبا. وهو استمرار للكراهية التي نشأت بين اليهود والعرب في الجزائر، حين أيد اليهود السيطرة الفرنسية، واعتبرهم المسلمون متعاونين.
إذا لماذا قال أغلبية الأوروبيين، في الاستطلاع الذي أجري مؤخرا، بأن إسرائيل تهدد العالم أكثر من أي دولة أخرى؟
هناك تفسير بسيط لذلك: فالأوروبيون يشاهدون كل يوم على شاشات التلفزيون ما يقومون به جنودنا في المناطق الفلسطينية المحتلة. يتم تناول هذه المواجهة أكثر بكثير من النزاعات الدموية الأخرى في العالم (لربما، فيما عدا المواجهة في العراق، حاليا)، وذلك لأن إسرائيل تثير اهتماما أكبر. ربما لأننا نبدو لهم أقرب إلى الغرب من المسلمين أو السود في أفريقيا، نبدو معروفين. يبدو الكفاح الفلسطيني، المسمى في إسرائيل "إرهابا"، أشبه، في أعين الأوروبيين، بالكفاح الفرنسي ضد الاحتلال الألماني.
ماذا بشأن ظواهر اللا سامية في العالم العربي؟
لا شك في أن مؤشرات لا سامية واضحة بدأت تتغلغل مؤخرا في الخطاب العربي. يكفي أن نذكر نشر "بروتوكولات حكماء صهيون" باللغة العربية إنه استيراد واضح للا سامية الأوروبية. لقد وضعت هذه "البوتوكولات" الشرطة السرية في روسيا النازية.
خلافا للتفاهات التي يتفوه بها بعض "الخبراء"، فلم تكن هناك في أي وقت من الأوقات اللا سامية المسلمة منتشرة بشكل واسع كما حدث في أوروبا المسيحية. في كفاحه من أجل السلطة، حارب النبي محمد قبائل يهودية لم تقبل سلطته عليها، لذلك نرى في القرآن الكريم بعض العبارات السلبية عن اليهود. إلا أنه ليس هناك أي وجه شبه بينها وبين اللا سامية المسيحية السامة، التي تنعكس في وصف صلب يسوع المسيح في "العهد الجديد"، وهو وصف سمّم العالم المسيحي وأحدث كوارث فظيعة. لقد كانت إسبانيا الإسلامية (الأندلس) فردوسا لليهود ولم تحدث في أي مرة من المرات كارثة لليهود في العالم الإسلامي كما ولم تحدث مجازر تقريبا.
لقد أمر النبي محمد بالتسامح مع "أهل الكتاب" (اليهود والنصارى)، ظروف كانت أكثر ليبيرالية من الظروف التي واجهها اليهود في أوروبا لم يفرض المسلمون دينهم بالقوة على اليهود أو المسيحيين. وإثباتا على ذلك: فقد استوطن كل اليهود تقريبا، الذين طردوا من إسبانيا على يد المسيحيين في العالم الإسلامي وانتعشوا فيه. بعد مئات السنوات من الحكم الإسلامي بقي اليونانيون والصربيون مسيحيين متدينين.
يفترض، بعد أن يحل السلام بين إسرائيل والعالم العربي، أن تختفي ثمار اللا سامية الفجة من العالم العربي (كما ستختفي، وكلي أمل في ذلك، ثمار كراهية العرب الفجة عندنا).
أليست تصريحات رئيس الحكومة الماليزية مهاتير بن محمد عن سيطرة اليهود في العالم هي تصريحات لا سامية؟
نعم ولا. تجسد هذه التصريحات بالذات المشكلة في التعرف على اللا سامية. فمن ناحية الوقائع صدق الرجل عندما قال أن تأثير اليهود على العالم أكبر بكثير من نسبتهم من عدد السكان في العالم. صحيح أن لليهود تأثير كبير جدا على سياسة الولايات المتحدة، وهي الدولة العظمى الوحيدة في العالم، وعلى وسائل الإعلام الأمريكية والعالمية. لن نحتاج إلى تلك "البروتوكولات" كي نعترف بذلك ونفحص الأسباب التي وقفت وراء الأمر. إلا أن النغمات هي التي تصنع الموسيقى ونغمات مهاتير هي نغمات لا سامية بالتأكيد.
هل يجدر بنا تجاهل اللا سامية؟
بالتأكيد لا. العنصرية هي نوع من أنواع الفيروسات الموجودة في كل شعب وربما في كل إنسان. قال جان بول ساتر: جميعنا عنصريون، والفرق الوحيد الكامن هو بين من يعترفون بذلك ويواجهون الأمر وبين من يخضع للغريزة السيئة. هناك عادة في كل جمهور أقلية من العنصريين المتطرفين إلا أنهم في أوقات الأزمات يرفعون رؤوسهم ويتكاثرون بسرعة. إنه خطر محدق وعلى كل شعب من الشعوب أن يكافح العنصريين فيه.
نحن شعب ككل الشعوب يمكن لكل فرد منا تقريبا أن يجد في ذاته، لو بحث جيدا، كهانا صغير. ويوجد بيننا عنصريون رجعيون، والنزاع التاريخي الذي نعاني منه يزيد من قوتهم وتأثيرهم. علينا مواجهتهم وأن ندع الأوروبيين والعرب يواجهوا العنصريين داخلهم.