كاظم حبيب
(Kadhim Habib)
الحوار المتمدن-العدد: 2332 - 2008 / 7 / 4 - 10:34
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
المدخل
تحتل الدراسات العلمية والموضوعية التي تستند إلى رؤية عقلانية وجدلية لتجربة العراق السياسية بشكل عام وتجربة الأحزاب والقوى والشخصيات السياسية التي لعبت دوراً بارزاً ومتميزاً , سلبياً كان أم إيجابياً , في الحياة السياسية العراقية بشكل خاص أهمية فائقة للأجيال التي ولدت بعد ثورة تموز 1958 أو التي عاشت في ظل حكم البعث الدكتاتوري وتأثرت بأفكار هذا الحزب وراس النظام , كما أنها ذات فائدة كبيرة للأجيال الراهنة التي تعيش الوضع الذي أعقب سقوط النظام الاستبدادي وكذلك بالنسبة للأجيال القادمة التي يفترض أن تستفيد منها لبناء العراق الجديد الذي يسعى الشعب لبنائه وفق أسس ديمقراطية تختلف عن الفترات السابقة وعن الطائفية السياسية والفردية والإرادية والعنف وإقصاء الآخر التي ما تزال تعشش في أرض العراق. ويفترض في مثل هذه الدراسات أن تعالج السياسات والوقائع والأحداث والمواقف والتصرفات المنصرمة في إطار الفترة التي جرت فيها والشروط التي أحاطت بها وتسببت فيها وأثرت عليها مع امتلاك وعي جديد لتقييمها وتقويمها وفق أسس جديدة تساعد على استخلاص الدروس منها. أي أن لا تحاسب تلك الأحداث والسياسات والشخصيات وفق المعايير الراهنة بل وفق تلك الأيام , حيث سادت حينذاك ظروف وشروط ووعي آخر , ولكن بوعي إنساني وحضاري جديد يساهم في لفظ السلبي والسيئ من التقاليد والعادات والأساليب والأدوات , وخاصة الفردية والاستبداد والعنف وإقصاء الآخر , وينمي التوجه الإيجابي والديمقراطي واحترام حرية الرأي والاعتراف بالآخر ويعزز التعاون ويكرس الوحدة الوطنية. هذا ما يفترض أن يمارسه كل عالم أو باحث اجتماعي أو سياسي يمتلك الأداة العلمية ليمارس بها التحليل الجدلي ويستخلص بواسطتها الاستنتاجات من مجرى البحث ولا ينطلق من أحكام مسبقة يحاول تطويع أداة البحث لها. وغالباً ما يحصل هذا لعدد غير قليل من الباحثين حين يسقطون في مطب أحكامهم المسبقة ويستنتجون ما كانوا قد وضعوه مسبقاً لمقالاتهم أو بحوثهم من أحكام. ويمكن أن نلاحظ مثل هذا التوجه غير الموضوعي في الكثير من كتاب السير الذاتية وليس كلهم , وكذلك بعض أولئك الذين بحثوا في تاريخ العراق أو درسوا شخصياته السياسية والاجتماعية. وخلال السنوات المنصرمة صدرت الكثير من التقييمات والتقويمات للفترة الملكية والفترات اللاحقة التي تستوجب المناقشة والتدقيق , إذ أن كتابها اكتووا بأوضاع جديدة أكثر مرارة وعقماً أنستهم الكثير من الماضي وعذاباته وجعلتهم يتحسرون على ذلك الماضي غير السليم والفاسد , لأنها عاشت أو لا تزال تعيش الأسوأ. وهو أمر لا يمكن قبوله , إذ لا تحاكم أحداث التاريخ بهذه الصورة. فالمفروض حين نبحث في الشخصيات البارزة والمتميزة أن نتحرى عن دورهم الوطني العام وعن مساهماتهم في وضع البرامج الوطنية التي عبأت الناس حولهم أو حول أحزابهم وشعاراتهم ودفع المسيرة الديمقراطية في البلاد أو النضال الوطني لتحقيق الأهداف التي تستوعبها طبيعة المرحلة , لا أن ننطلق من أصل هذه الشخصيات وعائلاتهم ...الخ , إذ أن الأساس هو الإنسان ذاته وما يفكر به ويعمل من أجله ويمارسه في الحقل الذي نشط فيه والأثر الذي تركه في المجتمع. وتتطلب مثل هذه الدراسة عدم التشديد على الجانب الإيجابي حسب , بل إبراز الجوانب السلبية لا للحط من قدر هذا الشخص أو ذاك , بل للاستفادة من ذلك لتجنب السلبي وتنمية الإيجابي. كما أن النقد والتقييم السلبي والإيجابي لنظم الحكم أو لطبيعة السلطة وسياساتها في الدولة الملكية أو الدولة الجمهورية يفترض أن لا يعني بالضرورة نقد هذين الشكلين من أشكال الدولة , إذ أن الاثنين يمكن أن ينهضا ويمارسا الحرية والديمقراطية , أو أن يمارسا الاستبداد ومصادرة الديمقراطية وممارسة العنف أيضاً , إذ أن ذلك يخضع لطبيعة السلطة السياسية أو نظام الحكم القائم فيهما, إذ أن الملك غالباً ما يكون مصوناً غير مسؤول. وهذا الأمر ينطبق على العراق في كل الأحوال. واستناداً لما جاء في أعلاه سأحاول متابعة ما قدمه لنا الدكتور فاضل ألجلبي من تقييمات سياسية شخصية للقوى الحاكمة والمعارضة في الفترات المنصرمة دون أن أعطي لنفسي الحق , كما فعل , في اعتبار ما أكتبه ينطق بالحقيقة لا غير , فالحقيقة ليست مطلقة بل نسبية!
ففي العام 2002 قدم الدكتور فاضل ألجلبي , وهو الخبير بالنفط والموظف المتمرس في دوائر الدولة في كل النظم السابقة دون استثناء وفي مراكز البحث السعودية الخاصة بالنفط , محاضرة عن خلفيات التطرف السياسي في العراق , نشر عرض لها في جريدة الزمان اللندنية من قبل الصحفي السيد نضال الليثي بتاريخ 6/2/2002. وبعد ثلاث سنوات نشر تباعاً ثلاث حلقات لمقال واحد في جريدة الحياة ابتداءً من 30/5/2005 تحت عنوان "العراق .. ديموقراطية بلا ديموقراطيين! وأخيراً أعقبها الدكتور فاضل ألجلبي بمقال جديد تحت عنوان "دور خلافي للجادرجي في ثورة تموز العراقية" نشر في جريدة الزمان بتاريخ 8/6/2008.
منذ العام 1992 تسنى لي أن أشارك في أكثر من ندوة أو أستمع إلى أكثر من محاضرة له في مجال السياسة والاقتصاد والنفط أو أشارك في مناقشات مباشرة معه في فيينا حول الإصلاح الزراعي وغيره , إضافة إلى متابعتي ومعرفتي بسياساته ومواقفه في العقود الأربعة الأخيرة من القرن الماضي وفي أعقاب سقوط النظام الاستبدادي في العراق. وفي هذا المقال , الذي سيكون من عدة حلقات , سأتناول بالنقاش المسائل الفكرية والسياسية التي تطرق إليها الكاتب ألجلبي ومواقفه منها , محاولاً الابتعاد عن السقوط في المطب الذي سقط فيه حين حاول معالجة شخصية الأستاذ الجادرجي ووضعه العائلي وانحداره القومي وما إلى ذلك من أمور يفترض فيها أن لا يكون لها أي دور في تقييم الشخصيات , إذ أن الأساس هو الإنسان ودوره ومكانته وأفعاله , وليس قوميه أو دينه أ مذهبه. ولكن مع الأسف لم يتقيد ولم يتعظ الدكتور ألجلبي بالحكمة القائلة "إذا كان بيتك من زجاج فلا ترمي الناس بالحجر". ورغم أن المحامية والكاتب السيدة بلقيس شرارة قد نشرت مقالات ثلاث مهمة وجريئة وموثقة في جريدة الصباح العراقية في أعقاب مقالاته تلك ورداً على ما جاء في مقالاته من تشويه للحقائق وافتراءات لا مبرر لها وكراهية كريهة غير مفهومة لشخص الجادرجي , فأن الرجل لم يتعظ ولا يريد أن يتعلم , بل نشر مقاله الأخير في جريدة الزمان اللندنية في محاولة جديدة خائبة لتقصير قامة ودور ومكانة وتأثير كامل الجادرجي في الحركة الوطنية والديمقراطية العراقية.
الحلقة الأولى
ما الجديد في ذاكرة وجعبة فاضل ألجلبي حول الحكم والمعارضة في العراق والأستاذ الجاردجي؟
بذل الدكتور فاضل ألجلبي جهداً غير قليل لشحذ ذاكرته حول الأوضاع والصراعات السياسية خلال فترة العهد الملكي والعهد الجمهوري حتى الوقت الحاضر ليقدم لنا ما يعتقد بأنه السبيل صوب الديمقراطية. فعالج من خلال ذاكرته بعض المسائل المهمة التي ستكون موضع مناقشتنا للأفكار الواردة فيها. ولا شك في أن الدكتور ألجلبي قدم جملة من الأفكار العامة المتداولة بشأن الفترات السابقة التي حولها اتفاق عام , ولكنه طرح في ذات الوقت جملة من المسائل التي حاول من خلالها تشويه صورة المعارضة ومجمل الحركة الوطنية العراقية في العهد الملكي وكذلك تشويه صورة بعض الشخصيات الوطنية والديمقراطية التي لعبت دوراً مهماً وإيجابياً في حياة العراق السياسية حينذاك وفي ما بعد والتي شكلت مدرسة ديمقراطية يفترض أن يعتز بها العراقيات والعراقيون. أسجل هنا باختصار بعض الموضوعات التي عرضها ألجلبي في محاضرته ومقالاته , ومنها:
** العراق الملكي كان ديمقراطياً , وكانت فيه مظاهر سلبية , ولكن قوى المعارضة لم تكن ديمقراطية رغم اسمها الديمقراطي. ونوري السعيد والجادرجي يشكلان نموذجين لقوى الحكم والمعارضة غير الديمقراطية.
** انتقد انقلاب بكر صدقي ومشاركة جماعة الأهالي به واعتبره بداية لسلسلة من انقلابات لاحقة , واعتبر حركة مايس/أيار 1941 وطنية وانتقد ارتباطها بالجيش فقط.
** ميز بين النظام الملكي والحكم الذي كان يقوده نوري السعيد , رغم تطرقه السريع إلى دور البلاط وعبد الإله في السياسة العراقية.
** اتهم بطرف خفي كامل الجادرجي بالطائفية حين انتقد الأخير تأسيس حزب الأمة الاشتراكي على أساس شيعي ولم ينتقد نوري السعيد.
** كان عبد الكريم قاسم وطنياّ وديمقراطياً ولم يكن فردياً , ولكن كان كامل الجاردجي غيوراً شعر بابتعاد الأضواء عنه فتحول إلى معادٍ لقاسم والوضع الجديد. أستخلص هذا الاستنتاج من خلال ملاحظة عابرة للأستاذ الراحل محمد حديد صديق كامل الجادرجي ورفيق نضاله الطويل!
** كان العهد الملكي فيه الكثير من الإقطاعيين , ولكن قانون الإصلاح الزراعي الذي أصدره قاسم يعتبر طامة كبرى , وهو القانون الذي أزعج الجادرجي لأنه صادر جزءاً من إقطاعياته.
** ثورة 14 تموز حققت منجزات جذرية , ومن هنا كان الجاردجي ضدها لأنها لم تبق على القاعدة الاجتماعية التي كان الجادرجي جزءاً منها , بل سعت إلى تغييرها.
** الجادرجي شخصية أرستقراطية مستبدة وغير ديمقراطية رغم ادعاءاته بالديمقراطية , وهو من أصل انكشاري بسبب اللقب الذي يحمله إذ كان الجادرجي منزلة محترمة في عهد الانكشاريين!
** التزم الجادرجي بمبادئ الاشتراكية الديمقراطية البريطانية في بلد لم يكن قد قطع شوطاً في المدنية , وفي الوقت نفسه كان الجادرجي ضد إلغاء قانون العشائر!
** الحزب الوطني الديمقراطي لم يكن ديمقراطياً في عمله القيادي , بل كان الجادرجي فردياً ومستبداً في الحزب , وقاد سلوكه في المحصلة النهائية إلى انشقاق في حزبه.
** ثم بحث الدكتور موضوع العنف وأسبابه في العراق , ولكنه لم ينس أن يربط ذلك بالجادرجي أيضاً حين تحدث الأخير عن عدم إمكانية التغيير في العراق دون ثورة.
وباختصار كان الجادرجي هو اللازمة في الكتابات التي مررنا عليها بسرعة وأشرنا على أهم أفكارها , رغم ما فيها من ضعف وغياب الموضوعية والمنطق العلمي لا الشكلي وغياب التوثيق والتدقيق في ما يكتب.
من الممكن أن نتواصل في عرض بعض الموضوعات المماثلة لما تضمنته مقالات الدكتور فاضل ألجلبي حيث كان الأستاذ كامل الجادرجي محورها المركزي , إذ سلط عليه جام غضبه لا في سبيل استخلاص الدروس من تلك الفترة الغنية بالأحداث وإنصاف سياسته ودوره ومكانته في الحركة الوطنية والديمقراطية العراقية , بل من أجل الإساءة للراحل الجادرجي من جهة , وتبويش احتمال بروز هذا الحزب من جديد في الوضع العراقي الراهن ليلعب دوره في أوساط الطبقة الوسطى العراقية , رغم ما يبدو على هذا الحزب في الوقت الحاضر من ضعف وتشتت وإنهاك من جهة أخرى.
وقبل الانتهاء من هذه الحلقة لا بد من الإشارة إلى أن الهدف من هذه المقالات التي كتبها الدكتور ألجلبي لم تكن إفادة القارئ بما كان يجري في العراق , بل بدا لي بوضوح وكأن هناك تصفية حسابات مع الأستاذ كامل الجادرجي لا أعرفها شخصياً , الرجل الذي لم يعد موجوداً ليدافع عن نفسه , ولا بد أن يتولى الديمقراطيون العراقيون البحث في هذا الموضوع لا دفاعاً عن الأستاذ الجادرجي , بل من اجل توضيح الحقائق التاريخية التي حاول الدكتور ألجلبي تشويهها وممارسة أسلوب غير علمي وانتقائي وشخصي بحيث يقود إلى خلق انطباعات غير سليمة عن قوى تلك الفترة وعن المعارضة السياسية العراقية وعن الأستاذ كامل الجادرجي. وعلينا أن ننتبه إلى أن محاول تشويه الجادرجي تجري في فترة استثنائية يحتاج الشعب العراقي فيه على النموذج الذي يحتذى به , وهو ما يجري العمل لتحطيمه , كما أشارت إلى ذلك بصواب كبير السيدة بلقيس شرارة في مقالاتها السالفة الذكر وتحت عنوان تحقيقات.
وقبل البدء بالمناقشة أجد مناسباً أن أثبت بعض النقاط المهمة:
* لم أكن يوماً ما عضواً في الحزب الوطني الديمقراطي أو نصيراً له , كما لم أكن باستمرار من مؤيدي سياسات ومواقف الأستاذ الجادرجي أو حزبه , إذ كنت , ولعقود أربعة , عضواً في الحزب الشيوعي العراقي والتزمت بسياساته ومواقفه , وكانت للحزب مواقف اختلف فيها وأخرى اتفق فيها مع سياسات الأستاذ الجاردجي والحزب الوطني الديمقراطي حتى رحيله , ولكن كان هناك باستمرار احترام وتقدير لمواقف الحزب ورئيسه حتى في حالة الاختلاف معه ومع حزبه. وكان الانتقاد بينهما متبادل , رغم تعاونهما في فترات مختلفة , وخاصة في فترة تشكيل ونضال جبهة الاتحاد الوطني التي كانت المحضر والمعبئ والمشارك والمساند لثورة تموز 1958.
* إن غياب سياسي عراقي مثل الأستاذ الراحل كامل الجادرجي , لا يعني الكف عن تقييم وتقويم نضاله وأدوات وأساليب عمله وسياساته ومواقفه وكتاباته وتجربته, بل هي ضرورية جداً , وخاصة في مرحلتنا النضالية الراهنة ولكن السؤال هو : كيف نتناول مثل هذه الشخصيات أولاً , وما هو الهدف من هذا التناول ثانياً , وما هي الأدوات التي نستخدمها في البحث والتحليل واستخلاص النتائج ثالثا , وكيف نستفيد منها للتأثير الإيجابي على مجرى الأحداث في بلادنا رابعاً؟
* ووفق قناعتي الشخصية , حيث عايشت الأحداث وساهمت في النضال منذ أوائل الخمسينيات وفي سنوات العهد الملكي وسنوات العهود اللاحقة , أجد ضرورة أن اثبت واقع لا خلاف عليه هو : ليس هناك من حزب سياسي معارض في العراق لم يرتكب أخطاءً سياسية بهذا القدر أو ذاك , كما يمكن أن ينطبق هذا التقدير على الشخصيات السياسية الوطنية. ولكن الاختلاف يبرز في حجم ومخاطر وأضرار تلك الأخطاء والأسباب التي أدت إليها , ولكن الخطأ الأساس والرئيس لم يكن من جانب قوى المعارضة وشخصياتها البارزة , بل من جانب قوى الحكم وشخصياته , أي في طبيعة الحكم وشخصياته السياسية وأساليب وأدوات عمل السلطة السياسية ومؤسساتها الدستورية ومواقف الحكم من الدستور والقوانين الصادرة عنه والممارسات الفعلية للحكم , ولا يمس الأمر النظام الملكي بالضرورة. فالملك من حيث المبدأ كان مصوناً غير مسؤولٍ , رغم أن البلاط في فترة وصاية عبد الإله بن علي بن الحسين على عرش العراق كان يتدخل بفظاظة بالغة في تنصيب رؤساء الوزارات والوزراء وفي الانتخابات وتحديد النواب وفق تصريحات الحكام أنفسهم.
* إن دراسة سياسات ومواقف الأحزاب والقوى والشخصيات السياسية في العراق ليس الهدف منها التفتيش عن الأخطاء والنواقص حسب , بل التحري عن الجوانب المشرقة وما ساهمت به من عملية تنوير فكرية وسياسية واقتصادية واجتماعية ودينية في المجتمع , لكي تستكمل الصورة , ومن ثم يعطى تقدير عام ليمكن الاستفادة من دروس الماضي للحاضر والمستقبل. وأن المهم في الدراسة هو إبراز برامج تلك الأحزاب والشخصيات وكيف كانت تسعى لتنفيذ تلك البرامج وما تأثيرها على فكر الإنسان العراقي. فحين تناولنا شخصية فهد (يوسف سلمان يوسف) سكرتير عام الحزب الشيوعي العراقي (1901-1949) بالدراسة والتحليل مثلاً , لم نفكر في إبراز أخطائه أو حسناته بالدرجة الأولى , بل فكرنا في العمل الذي مارسه وما أنجزه والبرامج التي تقدم بها ودوره في الحركة الوطنية وخطابه الوطني والأممي في المجتمع العراقي , ثم بحثنا من خلال ذلك طبيعة شخصيته وأساليب عمله وأدواته وطريقة تعامله مع القوى الأخرى ومع المثقفين وتأثيره الفكري والسياسي على الحزب والحركة الوطنية العراقية , وما وقع به من أخطاء وما قدمه من إيجابيات للحركة الوطنية العراقية وللحزب الشيوعي. ولم يكن همنا الإساءة له ولا مدحه , بل الاستفادة من الدراسة لصالح الآخرين الذين سيعقبونه في تحمل المسؤولية في العراق وفي الحركة الوطنية العراقية وفي الحزب الشيوعي العراقي. (راجع: كاظم حبيب وزهدي الداووي: فهد والحركة الوطنية في العراق. دار الكنوز الأدبية. بيروت. 2003).
* الأسئلة التي تواجهنا بعد قراءة مقالات الدكتور الجلبي هي الآتية , التي يفترض الإجابة عنها: هل كان الدكتور الجلبي موضوعياً في مقالاته؟ وهل أنصف الأستاذ الراحل الجادرجي , أم بذل المستحيل وفتش كالفأر في كل زوايا الكتب ليلتقط ما كتبه مخالفيه بشكل خاص بما يسيء إليه ويحط من منزلته في صفوف الشعب وفي الذاكرة العراقية الجمعية دون أن ينتبه إلى احتمال وقوع هؤلاء في أخطاء عند تقييم شخصية كامل الجادرجي؟ ولكن , هل نجح في ذلك , أم كشف عن شخصيته المشوشة ومحاول شخصنة الأمور أمام القارئات والقراء الكرام بالطريقة التي عالج بها هذه الشخصية الوطنية والديمقراطية العراقية؟ هذا ما سنحاول أن نكشف عنه في الحلقات القادمة.
انتهت الحلقة الأولى وتليها الحلقة الثانية.
3/7/2008 كاظم حبيب
#كاظم_حبيب (هاشتاغ)
Kadhim_Habib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟