أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نذير الماجد - فقهاء ولكن..!















المزيد.....

فقهاء ولكن..!


نذير الماجد

الحوار المتمدن-العدد: 2332 - 2008 / 7 / 4 - 10:25
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


يتمتع الفقيه في الأصولية الإسلامية بسلطة مطلقة على التابع/المكلف تفرضها إلزامية الفتاوى التي يصدرها. تلك الفتاوى التي تجعل الإنسان منفعلا أمامها في علاقة قهرية تعبدية تشمل وتستوعب السلوك ضمن لوائح قانونية متشعبة، ورغم المسار الطويل للفقه الشيعي وتطور آلياته ومصادره وتشعب مدارسه إلا أنه يبدو في رأي الباحثين الذين يملكون أقل قدر ممكن من الحياد المعرفي فقها مغلقا يفتقد روح الاجتهاد والقدرة على تجاوز النص..

هذا الفقه ورغم مساره الطويل لم يتمكن من إحداث تطور ملموس كالذي أحدثته فترات الازدهار الفقهي الناتج عن توظيف التراث الإغريقي العقلاني في القرن العاشر والحادي عشر وهي الحقبة التي يصفها أكثر من مؤرخ بألمع حقب التاريخ الإسلامي في الحراك الفكري المرتكز على ترجمة التراث الدخيل، ومنذ ذلك الحين لم تحدث انزياحات معرفية ذات أثر معتد به في مسبقات الفقه وأصوله وبناه التحتية، ولكن ثمة خطوات مهمة على صعيد عقلنة الفقه كعلم الأصول والرجال والدراية تشي بتخلخل وانهاريات خطيرة في مجمل أو كل الموروث الديني وهو هاجس كانت نتيجته إفشال هذه الخطوات الرائدة بموازنة المنهج العلمي أو العلماني إن شئت بإجراءات أو ترضيات تمنع هذا الانهيار أو تحد منه.

بعد رفضٍ استمر لعقود طويلة نشأ علم الأصول على أسس ومبادئ ذات طابع عقلي وفلسفي اكتسحت الوسط الثقافي للمجتمعات الإسلامية آنذاك، لهذا كان الاجتهاد منفتحا على العقل ولم يكن متقوقعا داخل النص، وإن كان لازال يخضع لإكراهات النص إلا أن الأفق الأبستيمي آنذاك لم يكن يسمح بتجاوز تخوم النص وهيمنته لأن الفعل الاجتهادي والفقهي كان يستنبط أدوات نصية من داخل النص نفسه ويبلور شرعيته ومنطلقاته ومدياته من وحي التراث ذاته، ولم تكن للعقل مرجعية مستقلة بقدر ماكانت له مرجعية تابعة تدور في فلك الكتاب والسنة ولا تتعداهما.

والإشكالية وفق ما يحددها بعض المفكرين تكمن في الوطأة الثقيلة والحضور الطاغي للنص بسبب عامل بسيط هو امتداده الزمني الطويل الذي استمر لأكثر من قرنين هو ما يسمى في الأدبيات الشيعية بزمن الحضور أي حضور المعصوم وهو أعلى سلطة مرجعية في التشريع حسب الموقف المذهبي الشيعي، لهذا تأخرت فعاليات الاجتهاد الشيعي إلى ما بعد القرن العاشر الميلادي. وبعض الآراء تزعم بأن ثمة فعاليات اجتهادية حتى زمن النص، واستمرت مع "ابن الجنيد الإسكافي" الذي نظّر لمرجعية القياس والرأي في الممارسة الفقهية لكنه جوبه بردود فعل حادة من وجوه نافذة في التيار السائد آنذاك كالمفيد والمرتضى، ومع أن هذه الآراء تفسر ذلك بأسباب طبيعية وسياسية واجتماعية كتباعد البلدان والأوضاع السياسية الخانقة إلا أن هذه الحقيقة في حال تأكدت ستؤدي إلى نسف إحدى أهم الأساسيات التي يقوم عليها الفكر الشيعي كثوابت مذهبية لا يمكن تجاوزها، فماذا لو تساوت نصوص الأئمة في قيمتها الدينية مع نتاج معاصريهم الفقهاء من حيث دلالتها الاجتهادية؟!

أعتقد أن الأهمية لا تكمن في وجود هذه البذور الأولية للاجتهاد زمن النص، ولا إثبات حضور العقل في الفكر الديني وهو ما يعكس إصرارا أيديولوجيا لا يمكن تبريره على تحسين صورة الذات، لأن السائد حينذاك لم يتخط ما يسمى بالفقه الروائي المباشر قبل أن تقحم تعقيدات أصولية وتنظيرات مجردة وملتوية استمرت فاعلةً حتى العصر الحديث، على إثرها طرأت مفاهيم جديدة مغلقة ونهائية كمفهوم التقليد وهو رجوع المكلف للفقيه في أحكامه وأعماله، لكن هذه العلاقة بين الفقيه والمكلف تقوم على أساس ثقةٍ بهذا الفقيه أو ذاك تخوله بمباشرة مهمات الاجتهاد واستنطاق النص.

إنها في الواقع عملية إعارة من جهة وتعطيل من جهة أخرى للعقل والقناعة الذاتية، ومع ذلك فإن ثمة فكرة ضمنية راسخة في اللاوعي عند المكلف والفقيه معا تشترط صحة المباني والمدركات والمسبقات المعرفية التي يرتكز عليها الفقيه، فحينما يحسم الفقيه إشكالية الفن والغناء مثلا ليقول بحرمتها فليس على المكلف تتبع مسار الوصول لهذا الحكم لأن لديه كامل الثقة بمرجعه وبآليات الاجتهاد لديه، لهذا وبكل بساطة يهمني أنا كمطالب نظريا بالخضوع لهذه العلاقة أن تكون مسبقات الفقه صحيحة ومقبولة.... أما في حالة العكس فسوف تتهشم هذه الثقة وبالتالي تنهار هذه العلاقة ويتحول التقليد إلى تجهيل ووصايةً تعسفيةً على العقل!!

إن موضوع علم الفقه –كما يعرف الجميع- هو استنباط الأحكام من النصوص الشرعية بالدرجة الأساس لأن حضور العقل كما أشرنا حضور جزئي مهمته الأساسية المساعدة في استنطاق النص، فهو ليس أكثر من قراءة أو تفسير للنص الديني أي أنه مجرد محاولة لفهمه، ضمن قواعد محددة تجاوزتها الهرمنوطيقا المعاصرة.

هذه القواعد والأدوات التفسيرية التي تشكل القراءة التقليدية للدين تدور حول جملة مدارات حسب المفكر أحمد واعظي، فهي ترى أن لكل نص معنى محدد ونهائي وواقعي بالإمكان الوصول إليه دون الحاجة للمسبقات الذهنية والمعرفية للمفسر فالأصالة للمؤلف وليس المفسر، كما أنها لا تتمتع بحس تاريخي، ولا تؤمن بالتحول اللغوي بل ترى أصالة الثبات اللغوي وهو ما سينتج فقها مشوها ومهشما بالإسقاطات والمغالطات التاريخية واللغوية ذلك أن القراءة التقليدية لا تتموضع في السياق اللغوي والثقافي والاجتماعي للنص بل تمنح الأصالة للظهور المتبدي من النص لدى المفسر أو الفقيه إلا في حالة وجود معطيات مؤكدة تكشف حقيقة المعنى زمن الصدور.

ولأن هذه القراءة التقليدية تمقت نسبية الفهم فإنها تعتقد بشمولية الدلالة وتعاليها فوق التاريخ ، لذلك لا تعبأ كثيرا بالفاصل الزمني بين عصر الصدور وعصر المفسر وهذه أبرز الإشكاليات الهرمنوطيقية حول الفهم الدارج للنص الديني التي تجاهلتها هذه القراءة السائدة كما تجاهلت غيرها من التحديات والإشكاليات التي أثارتها الاتجاهات التأويلية والفلسفية المعاصرة.

فيما يعتقد المنهج التأويلي الحديث أن فهم النص عبارة عن حصيلة امتزاج وتلاقح بين المسبقات المعرفية للمفسر أو المتلقي و بين أفق النص، لهذا فالشرط الوجودي لحصول عملية الفهم هو إشراك ذهنية المتلقي، وهذا أمر قهري يستحيل من دونه إنجاز الفهم والقراءة، فالمخاطب في زمن الجاهلية لا يمكن أن يفهم السماء في القرآن -مثلا- كما يفهمه المخاطب المعاصر الذي منحته مسبقاته العلمية فهما أنضج للسماء أو لنقل جعلته يمنح المفهوم القرآني للسماء تأويلا أو تصورا مختلفا على الأقل. لهذا تبقى الحقيقة الدينية مفتوحة على شتى الأفهام والتصورات المتحركة، من هنا لا يرفض هذا المنهج تعدد القراءات الدينية إذ ليس هنالك قراءة نهائية يقف عندها النص ولا يمكن أبدا تحديد فهم موضوعي أو واقعي كما تزعم القراءة التقليدية الرائجة في الحوزات العلمية.

هذه التساؤلات والتحديات جديرة بأن يبحث لها الفقيه عن أجوبه حاسمة حتى لا يقع في تورطات ومطبات منهجية أو معطيات خاطئة من شأنها زعزعة ثقة التابع له، وعندها لن تجد نفعا تلك المفاهيم التي لازالت عالقة في العقل الشيعي كالأعلمية أو التقليد الذي هو ليس إلا رجوع الجاهل للعالم لرفع الجهل وليس تكريسا له أو تغطية عليه.

التعامي عن هذه التحديات والإشكالات ودس الرأس في وحل الأيديولوجيا هو الذي جعل الفقه متهافتا منكفئا على الذات بذرائع واهية كالخشية على ضياع "الدين" أو انهيار الأحكام والمدونات القانونية الملزمة التي أوجدها "السلف"، فحتى محاولات النقد على المستوى الداخلي والتي لا تتجاوز الآليات الأصولية والفقهية ذاتها التي لازالت سائدة في الحوزة يتم إبطال مفعولها بمقولات كابحة كالشهرة والاحتياط والسيرة المتشرعة والسيرة العقلائية الممضاة من قبل سلطان النص نفسه، وبهذا لن يكون الفعل الاجتهادي إلا اجترارا لمقولات موروثة و ربما متهاوية مستمدة من قداسة السلف وأطروحاتهم التي لا يمكن أن تعمم في القرن الواحد والعشرين، لهذا كله أصبح الاجتهاد تقليدا والفقيه المجتهد مقلدا تابعا يعيد إنتاج ما توافق عليه فقهاء "السلف الصالح"..

كان أحد الفقهاء القدامى يفتي بحرمة احتساء القهوة لورود رواية في حرمتها ولم يدر في خلده أن المقصود من الرواية ليس القهوة المحضرة من البن لسبب واحد فقط هو عدم وجودها أصلا في ذلك الزمن، هذا مثال بسيط يؤكد غياب الحس التاريخي عن هذا الفقيه، لكن الخشية أن تكون مجمل الفتاوى الحاضرة هي أيضا على هذا النسق، والفقهاء هم أيضا هكذا… !




#نذير_الماجد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إلى من يتغنى بالموت ليل نهار!
- لماذا كذب وليد جنبلاط؟
- آمنوا ولا تفكروا!
- حوار الأديان في السعودية.. هل هو اكذوبة أبريل؟!
- اشكاليات الحجاب في الخطاب الديني
- السعودية:المرأة و السيارة و جدل لا ينتهي
- طبروا كلكم إلا أنا!
- الاسلاميون في البحرين و مفاتيح جنة الفقهاء!
- عاشوراء: موسم المنابر و حصاد الوجاهة!
- التحية إلى روح بينظير بوتو
- نحو رؤية جديدة للزواج
- الإسلاموية و فوبيا التجديد!
- أحاديث في الحب
- فتاة القطيف: قضية فتاة أم وطن!
- الفن ليس محظورا منذ الآن «2»
- العمامة الفاخرة و -الناصح المشفق-
- الفن ليس محظورا منذ الآن!
- عمامة برجوازية في باريس!
- ثقافة النقد و نقد الثقافة
- الممارسة الدينية بين التكليف و التجربة


المزيد.....




- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
- إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
- “ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - نذير الماجد - فقهاء ولكن..!