نقلا عن جريدة الجماهير الأردنية
عن دار المدى للثقافة والنشر في دمشق صدر مؤخراً كتاب "سلام عادل سيرة مناضل" من جزئين الأول 492 صفحة والثاني 580 صفحة من تأليف ثمينة ناجي يوسف ونزار خالد .
يكتشف القارئ (مثلي) أنه لا يعرف شيئاً عن القائد الشيوعي الشهيد سلام عادل سوى أنه كان سكرتيراً للجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي منذ حزيران 1955، وأنه أعتقل في 19 شباط 1963 بعد انقلاب 8 شباط 1963 الأسود الذي قام به حزب البعث والقوميون وأنه أستشهد في 6 آذار 1963 في قصر النهاية ببغداد وأنه تعرض لتعذيب شديد تقشعر له الأبدان على يد المجرمين الفاشست من الحرس القومي حيث شوّه جسده ولم يعد من السهل التعرف عليه، فقد فقئت عيناه وكانت الدماء تنزف منهما ومن أذنيه ويتدلى اللحم من يديه المقطوعتين وكُسرت عظامه وقطعت بآلة جارحة عضلات ساقيه وأصابع يديه وقُتل معه بعد الانقلاب آلاف الرفاق الشيوعيين والديمقراطيين والعديد من قادة الحزب منهم الرفاق محمد حسين أبو العيس وحسن عوينة وجمال الحيدري وجورج تللو .
الكتاب ليس تأريخ لحياة ومسيرة سلام عادل فقط، وكلنه استعراض لجزء هام من تاريخ الحركة الوطنية العراقية وفصيلها المناضل الحزب الشيوعي العراقي .
سلام عادل هو الاسم الحزبي للرفيق حسين أحمد الرضي من مواليد النجف عام 1922 .
تخرج من دار المعلمين الابتدائية في بغداد عام 1943 وفيها بدأت علاقته بالحزب، عُين مدرساً في الديوانية عام 1944 ومن هناك أنضم لصفوف الحزب .
كان سلام عادل يتمتع بمواهب متعددة، فهو رياضي ولاعب كرة سلة ماهر، ومعلم الرياضة والرسم في المدرسة، وكان يُطلب للتحكيم في العاب الكرة المختلفة وكان يدرب فريق الجيش الكوري في الديوانية .
أصبح عضواً في لجنة مدينة الديوانية للحزب ولنشاطه المميز كُشف كشيوعي من قبل أجهزة الأمن وتم فصله من العمل عام 1946 من قبل الجلاد بهجت عطية الذي اصبح مديراً للأمن العام في العراق وأعدمته ثورة تموز .
طلب منه الرفيق الشهيد فهد أن يتفـرّغ للعمل الحزبي وأجابه الرفيق سلام عادل أن عدد المفصولين الحزبيين من عملهم اصبح كبيراً ومنهم مائة معلم وأنني قد تحديّت بهجت عطية بأنني لن أموت من الجوع وسوف أبيع لبناً على الجسر . أفتتح محلاً ليكون مركزاً للحزب وبدأ ببيع "الفشافيش" أي الكبدة وبعدها أفتتح محلاً لبيع الكبة ووجبات الإفطار والطعام للعمال، ثم اشتغل مفتش باصات وفصل مرة أخرى من العمل لقيامه بتنظيم إضراب لجباة ومفتشي الباصات، وبعدها عمل مدرساً في مدرسة خاصة وبعدها مدرساً في مدرسة التطبيقات التي تُخرج معلمين للعمل في الأرياف وفي نهاية عام 1948 تم فصله من العمل مجدداً، وأحترف العمل الحزبي براتب قدره ستة دنانير، اعتقل في عام 1949 بعد إحدى المظاهرات وحُكم عليه بثلاث سنوات سجن فعلي في سجن "نقرة السلمان" تليها سنتان إقامة جبرية . خرج من السجن في بداية عام 1953، وفي اليوم الأول لوصوله للرمادي لتنفيذ حكم الإقامة الجبرية عليه لمدة سنتين هرب واختفى وقرر الحزب إرساله إلى البصرة ليصبح مسؤولاً حزبياً للمنطقة الجنوبية، وحتى يتمكن من استئجار بيت في البصرة ليسكنه - وأهل البصرة لا يؤجرون بيوتاً لعازب - قرر الحزب أن يتزوج سلام من رفيقة كان قد تعرف عليها وعلى أهلها قبل اعتقاله وهي الرفيقة ثمينة مؤلفة هذا الكتاب، وبسرعة تم عقد القران والزواج وأرسلا معاً للبصرة .
من البصرة أصدر بياناً باسم منطقة البصرة حول مجزرة 18/6/1953 التي راح ضحيتها عدد من الرفاق في سجن بغداد والذين كان سلام عادل يعرفهم جميعاً معرفة شخصية، والبيان كان إعادة إشهار بأن منظمة البصرة قد عادت للنشاط بعد أن تعرضت لضربـة مؤلمة، هذا البيان طبعـه سلام عادل بنفسه وتعلم الطباعة فيه .
من البصرة قاد الحزب بقيادة سلام عادل عدة إضرابات : عمال مصلحة نقل الركاب لمدة ثلاثة أيام، عمال اللاسلكي في ميناء البصرة لمدة تسعة أيام، وتوجت الإضرابات بإضراب عمال النفط لمدة أسبوعين حيث تضامن معه وأضرب عمال عشرات المؤسسات وعندما تدخلت الشرطة لقمع الإضرابات ومنعها أعلنت مدينة البصرة إضراباً عاماً تلاه إعلان الأحكام العرفية في البصرة وإغلاق جميع الصحف التي غطت أخبار الإضراب، كان سلام عادل يتواجد بين المضربين على أنه مراسل صحفي، وكان له دور مميز في كسب تأييد الأحزاب الموجودة فروعها في البصرة للإضراب .
بناء على دوره في الإضراب قررت اللجنة المركزية ضمه لعضوية اللجنة كعضو أصيل، وحضر أول اجتماع لها في بداية عام 1954 والذي تم فيه مناقشة التقرير السياسي المعنون "جبهة الكفاح الوطني ضد الاستعمار والحرب" . وهذا التقرير لعب دوراً مهماً في إنعاش العمل الوطني وعمل الحزب في مختلف المجالات .
في آذار 1954 كُلف بقيادة منطقة بغداد ولجنة العلاقات الوطنية في الحزب، ونتيجة لدوره البارز تشكلت جبهة وطنية أقتصر عملها على الانتخابات البرلمانية تضم الحزب، وحزبي الوطني الديمقراطي والاستقلال وأسفرت نتائج الانتخابات رغم كل التزوير الذي تم بنجاح عشرة مرشحين للجبهة من بين 112 نائب .
ولأن سلام عادل كان ضد الفردية في العمل الحزبي، ومع القيادة الجماعية للحزب، أُرسل لقيادة منطقة الفرات الأوسط وفي الحقيقة كانت إبعاداً له، ولكن عمله في منطقة الفرات الأوسط أكسبه خبرة من نوع آخر لأن العمل كان مع الفلاحين ومع المنظمات الديمقراطية غير الحزبية .
ولوجود ذهنية انعزالية في قيادة الحزب، كادت أن تُبعد الحزب عن العمل الوطني السليم، اجتمعت اللجنة المركزية بناء على طلب من الرفيق سلام عادل في حزيران عام 1955 وناقشت الموضوع وحاسبت سكرتير اللجنة المركزية على فرديته، وانتخبت سلام عادل سكرتيراً لها .
منذ تسلم سلام عادل السكرتارية بدأت تظهر ملامحه في عمل الحزب، فالبناء الحزبي أصبح قوياً والمنظمات الديمقراطية في المدن والريف انتعشت وتعزز دور صحافة الحزب ووسائل النشر العلني وبدأ الدور السياسي الوطني للحزب يبرز في تحريك العمل السياسي وكسر الصمت والجمود فيه .
لعب سلام عادل دوراً مهماً ومؤثراً في توحيد الحزب فلم تبق أي منظمة أو طرف أنشق عن الحزب إلا وأعاد سلام عادل ضمها وتوحيدها في الحزب .
يستعرض الكتاب نشاطات الحزب في مختلف المجالات، النضال ضد حلف بغداد، التضامن مع مصر ضد العدوان الثلاثي وانتفاضة تشرين 1956، موقف الحزب من المسألة القومية الكردية، تشكيل جبهة الاتحاد الوطني عام 1957 والتي كان لها الدور الكبير في ثورة 14 تموز 1958 .
يتعرض الكتاب لتفاصيل مهمة ودقيقة حول ثورة تموز قبل وبعد نشوئها وجميع القضايا التي واجهتها مثل موضوع الوحدة الفورية والاتحاد الفيدرالي مع الجمهورية العربية المتحدة آنذاك وحول علاقة الحزب بعبد الكريم قاسم قائد ثورة تموز والمؤامرات التي تعرضت لها الثورة قبل مؤامرة الشوّاف في الموصل عام 1959 وأحداث كركوك في عام 1959 والموقف من الكويت وصولاً على انقلاب 8 شباط 1963 والمجازر التي جرت واستشهاد سلام عادل ورفاقه الشيوعيين والديمقراطيين .
أستند الكتاب إلى كمية كبيرة من الوثائق وصح الحزب وصحف الأحزاب الأخرى ومحاضر اجتماعات اللجنة المركزية والمكتب السياسي للحزب وبيانات للحزب كمرجع له . وأستند إلى كتب لمؤلفين شيوعيين وآخرين معاديين للشيوعية، وسلسلة كبيرة من الوثائق والرسائل وشهادات رفاق وآخرين توفوا أو مازالوا أحياء ممن عاصروا جميع المراحل .
تعرض الكتاب لمجموعة قضايا أثارت إشكاليات وخلافات واجتهادات مختلفة داخل الحزب ثم التركيز فيها على الفترة التي كان الرفيق سلام عادل سكرتيراً للحزب وحتى استشهاده وهدف الكتاب هو الرد على ما نُشر من كتب تعرضت لنفس الفترة وأعطت آراء مغايرة للحقيقة .
أوضح الكتاب دور سلام عادل في الجانب الفكري والسياسي في الحزب،وكذلك موهبته وكفاءته الشخصية وقدرته على الكتابة، ويشير الكتاب لمجموعة من التقارير والكراسات التي ساهم سلام عادل بكتابتها وخاصة أن الكراسات التي تصدر عادة عن حزب سري تصدر باسم الحزب أو المكتب السياسي أو اللجنة المركزية . أحتوى الكتاب على خمسة كراسات أجمع جميع الرفاق على أن كاتبها هو سلام عادل وهي : "البرجوازية الوطنية في العراق"، "رد على مفاهيم برجوازية قومية وتصفوية" 1957، "انتفاضة 1956 ومهامنا في الظرف الراهن" 1957، "الإصلاح الزراعي" 1961، "وجهة نضالنا في الريف" 1962 .
كان لسلام عادل دور بارز ومهم في صحافة الحزب عندما كانت سرية وبعدما أصبحت علنية في فترة ما بعد ثورة تموز .
لسلام عادل ثلاثة أبناء : إيمان وعلي وشذى مازالوا يفخرون بوالدهم ويواصلون طريقه مع أمهم وقد حرموا منه منذ طفولتهم .
لا يمكن لأي شخص أن يلخص هذا الكتاب الضخم "المجلدين" فهو غني بتفاصيله ويعطي وضوحاً لنضال وحياة الشيوعيين العراقيين وللنضال الوطني الذي عمّده الشيوعيون بدمهم والذين أستحق الحزب الشيوعي عليه لقب "حزب الشهداء" .
عندما تقدم سلام عادل من والد ثمينة لخطبتها قال له أنني لا أملك شيئاً في هذه الحياة سوى بطاقة عضويتي في الحزب الشيوعي، وأعدك بأن هذه البطاقة سوف لا يصيبها الضرر مهما حدث، فأجابه والدها هذه أفضل المزايا لدى الرجال .
ملاحظة أخيرة : عندما أطلق سراح سلام عادل من السجن عام 1953 غنّى السجناء له احتفالاً بخروجه أغنية :
يا للرايح للحزب خذني وبنار المعركة ذبني
برقبتي دين أريد أوفي على أيام الـ مضت منّي
وكانت هذه الأغنية تُغنى لأول مرة وبعدها انتشرت واشتهرت في العراق والبلدان العربية الأخرى .