|
عودة الانتفاضات للواجهة
و. السرغيني
الحوار المتمدن-العدد: 2331 - 2008 / 7 / 3 - 10:42
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
تقديم وإشادة ليونيو النضال والصمود
كما توقعنا وكما توقع جل مناضلي ومناضلات الحركة الاحتجاجية بأن لا سبيل سوى الاحتجاج والتمرد والانتفاض لرفع التهميش والحصار عن البؤساء والفقراء والكادحين. فأمام الواقع المتردي الذي تعرفه الجماهير الكادحة والمهمشة، واقع العديد من القرى والمدن الصغيرة وأحياء المدن الكبرى وهوامشها ومناطق بأكملها.. التي أصبحت في عداد المناطق المنكوبة، مناطق بدون ماء ولا صرف صحي ولا مرافق استشفائية وتعليمية، ولا طرق ترفع التهميش ولا مراكز إنتاج توفر الشغل للشباب العاطل من ذوي الشواهد والسواعد. فبعد حربيل/مراكش وبني صميم وخنيفرة وطنجة وصفرو وبومالن.. جاء دور سيدي إيفني كإحدى المدن الصغيرة المهمشة لتنتفض بدورها ضد النهب والحرمان والبطالة والقمع. واستمرارا للمعركة التي انطلقت منذ سنوات، عرفت المدينة العديد من الاحتجاجات من اجل مطالب بسيطة تستهدف رفع التهميش الاقتصادي والإداري وتشغيل الشباب ومجانية الخدمات مع تحسينها ورفع جودتها.. ولم تلق الآذان الصاغية، بل الصٌد والإهمال، لا من طرف السلطات المحلية ولا المركزية ولا رئيس الدولة نفسه، فكان أن استمرت الاحتجاجات.. بجميع أشكالها عن طريق الوقفات والمسيرات الشعبية وإضرابات المعطلين واعتصاماتهم بمواقع متعددة.. إلى أن أفاضت الكأس قرعة التشغيل التي شملت حوالي ألف شاب من اجل ثمانية مناصب تهم قطاع النظافة! فما كان من الشباب أمام هذا الاستهتار والإذلال، وأمام استمرار النهب لثروات المنطقة السمكية والرملية سوى الاعتصام ومحاصرة العشرات من الشاحنات المتعودة على اختلاس ثروات المدينة، السمكية.. ليستمر الاعتصام بالميناء ليل نهار، ولتلتحق الساكنة بالشباب، وليتحول التمرد إلى تمرد شعبي منظم ومؤطر من طرف طلائعه المكافحة حول مطالب آنية وواضحة تتغيٌى الشغل ورفع التهميش والحصار عن المدينة. وبعد أسبوع من الاعتصام الذي لم يتلقى سوى الوعود والتسويفات التي لا تختلف عن سابقاتها في شيء، اكتسحت المدينة فيالق قمع لا عهد للمدينة بها من حيث العدة والعتاد، ونظم الهجوم في جنح الظلام بالقساوة والوحشية المعتادة حيث قدمت خلاله الأجهزة القمعية الدرس البليغ لدعاة النضال "السلمي والحضاري" ولمروجي خطة "النهوض بثقافة حقوق الإنسان" وتعميق "التنمية" عبر ما يسمى بـ"المبادرة الوطنية".. ليتضح بالملموس القانون الذي يحكم مجتمع التهميش والحرمان والطبقية، اتضح خواء النظريات الشوفينية والقبلية.. لتسقطها في الوحل نظرية الصراع الطبقي.. بعد انتفاض الطبقات الشعبية الكادحة ضد الرأسمال وحماة الرأسمال من موظفين ومنتخبين وأجهزة قمعية بمختلف تشكلاتها وقياداتها.. لم يكن جميع الباعمرانيين إلى جانب الانتفاضة كما تروج له بعض الأقلام الشوفينية المشككة، ولم تكن جميع الساكنة معنية بهذه المعارك كما تدعيه الخطابات الشعبوية.. ولا احد يمكنه إنكار أن هناك مستفيدون مباشرة وان هناك من يستفيد بالطرق غير المباشرة المعتادة والمتعددة.. وما عداهم انخرط وساهم ودعٌم من قريب أو بعيد الانتفاضة والمنتفضين. فبعد صمود حقيقة الأحداث أمام حملة التعتيم التي قامت بها الحكومة المتضامنة ضد نضالات وطموحات الكادحين، حوٌل الجميع وجهته إلى سيدي إفني، لتتشكل القوافل عبر السيارات والحافلات، ولتتأسس لجان تقصي الحقائق الحكومية وغير الحكومية، البرلمانية وغير البرلمانية.. وليتحول الجميع من جمعيات وأحزاب سياسية برلمانية وغير برلمانية، حكومية ومعارضة إلى متضامنين ومتأسفين عمٌا جرى.. والحقيقة أن ما جرى فعلا، هو انه أمام صمود الشباب وأمام وحدة واتحاد الكادحين وأمام غياب أحزاب ونقابات وجمعيات في مستوى نضالية وتطلعات الكادحين.. استباحت قوات القمع المدينة وساكنتها، واستباحت المنازل والحرمات بالضرب والجلد وتكسير العظام والاغتصاب وسرقة الممتلكات وتكسير الأبواب والأثاث..الخ من الأساليب التي اعتدنا أن نشاهدها في التقارير التلفزية المصورة عما يقع في الأراضي الفلسطينية المحتلة من طرف العصابات الصهيونية. استعملت الهراوات والعصي والرصاص المطاطي والقنابل المسيلة للدموع والصفع والركل والاغتصاب والتحرش بالكلام النابي والعنصري الحاقد من طرف أجهزة يفترض فيها أنها أخذت دروس التقوية في مجال "ثقافة حقوق الإنسان".. وكانت الحصيلة ثقيلة وثقيلة جدا من حيث الجرحى ومكسوري الرؤوس والعظام، ومن حيث المعتقلين والمختفين والهاربين والمغتصَبات والمغتصَبين..الخ لهذا الحد وبالرغم من حملة التعتيم الحكومية والحزبية.. وبالرغم من كل محاولات الركوب الانتخابية على مآسي وحرمانات وبؤس الجماهير الكادحة.. استطاعت الطلائع الشبابية رد أنفاسها لتخترق من جديد الحصار ولتحاصر الحصار بفعل التضامن الرائع بين الشباب من أبناء الكادحين وبفعل دور المرأة المناضلة التي تحدٌت كل أشكال الإهانة والإذلال لتقف صامدة مصرحة بكل معاناتها مع همجية القمع ومكبوتات عناصره.. أمام الصحافة وأمام العالم أجمع عبر صحافة الانترنيت المناضلة.
يونيو إفني درس للحركة الاحتجاجية
أمام هذه الدروس البليغة وأمام هذا الاختيار التاريخي الذي انخرطت فيه الجماهير الكادحة عبر الاحتجاج والدعم والتضامن والصمود ضدا على كل المسالك الانتخابية والتمثيلية التي كشفت عن عورتها المفضوحة في أكثر من مناسبة، والتي لم يتردد أبطالها عن المطالبة بـ"تأديب المشاغبين" وباختيار الأساليب "السلمية والحضارية" ضد من باغتتهم، وفي غفلة منهم، في جنح الظلام.. لا يسعنا سوى الاستمرار في خطنا الكفاحي والاحتجاجي من أجل انتزاع حقوقنا ومطالبنا بأيدينا دون الحاجة لمن ينوب عنا من محترفي السياسة الانتهازيين، فتمثيليتنا لا بد وأن تنبثق من صلبنا ومن رحم وقفاتنا واحتجاجاتنا وليس من بلاطوهات التلفزات ولا من منابر الخطابة المنافقة التي لا تتقن سوى خطابات "نحن معكم.. ولكن كان الأجدى بكم..!" فمن وسط الاحتجاجات ومن قلب الإضرابات تتخرج أحسن القيادات، القيادات القادرة على الإنصات والتنظيم والتأطير، قادرة ومؤهلة لزرع ونشر الوعي وسط الجماهير، قادرة كذلك على كسب ثقة الكادحين الذين لا يرون في الزعماء والقادة السياسيين سوى أخطر المنافقين الانتهازيين الذين لهم القدرة على التحول والحربائية و"قلب المعاطف"..الخ فـ"الشرط الذي لا بد منه" هو أن تتوفر الحركة الاحتجاجية على قيادتها المكافحة والرزينة، قيادة سياسية طبقية، عمالية اشتراكية لها من المؤهلات ما يكفي لقيادة جميع نضالات الطبقات الشعبية ضد الرأسمال وحماة الرأسمال الذين يخافون على "سمعة البلاد" وعن "تراجع الاستثمار الأجنبي" وعن الرأسمال الذي عات في عقارات الأرض ومقالع الرمل وثروات أعماق البحر.. نهبا وفسادا.. ولا يخافون عن قوت الكادحين وقدراتهم الشرائية ومستقبل أبنائهم وكرامة نسائهم وبناتهم..الخ فتشبثنا كخط بروليتاري ماركسي لينيني، بمهمة بناء حزب الطبقة العاملة المستقل لما لها من راهنية عملية، لا يلغي في شيء ارتباطنا الواعي بالحركة الاحتجاجية الذي لا بد أن نتخذ المواقع الأمامية والقيادية داخلها، لا بد كذلك من توفرنا على القادة المنظمين والمؤطرين الذين لهم القدرة على الإنصات والمبادرة والتفاعل مع الطلائع الشبابية المفجرة عادة للاحتجاجات والعصيانات، مناضلين متمكنين ومتابعين لكافة الملفات المطلبية التي ينتفض من اجلها الكادحون. فأمام التشرذم الذي تعرفه مكونات الحركة الماركسية والحركة اليسارية الثورية عامة، وجب فتح النقاشات الوحدوية والتوحيدية لتقريب وجهات النظر ولخلق الآليات الميدانية المشتركة وزرع ثقافة العمل الجمعوي المناضل لقطع الطريق عن الظواهر الجمعوية "التنموية" السلبية والمشبوهة.. لأن الجماهير الكادحة والمتضررة من كل السياسات الرأسمالية ومن كل الخطط الإمبريالية، فقدت كل ثقتها في السياسة والعمل السياسي والأحزاب السياسية والنقابات.. وبالتالي ليس سهلا أن ينخرط اليسار الثوري بشعاراته ومواقفه حتى تقبل به الجماهير وتثق فيه بسرعة، فالتجربة أكدت أن انخراطنا في بعض الجمعيات الثقافية والتربوية والاحتجاجية ـ نموذج أطاك لمناهضة العولمة الرأسمالية وتنسيقيات الحركة من اجل مناهضة الغلاء..ـ مكنتنا من نسج علاقات قوية مع الجماهير التي لم ترى فينا سوى مناضلين مبدئيين لا يقبلون المساومة ولا يخافون الاعتقال ولا نية لهم في الاستقطاب لأي حزب كان، مناهضين شرسين للعبة الانتخابية وللحكومة والبرلمان، وللنظام السياسي والاقتصادي القائم ككل. وهذه مؤهلات ساعدتنا على استرجاع الثقة في القادة والزعماء ومكنتنا بالتالي من تغيير وجهة نظر الجماهير الكادحة عن النماذج الانتهازية التي لا غرض لها سوى الركوب على مآسي الجماهير واتخاذ نضالاتهم واحتجاجاتهم مطية للأخذ بزمام الأمور ولعقد الاتفاقات والمساومات والتواطئات.. وفي حالة تجاوز الجماهير، لما تسميه بـ"الخطوط الحمراء"، دفاعا عن حقوقها ومطالبها، تجدها مدينة ومستنكرة، ومتملصة من كل التزاماتها السابقة قبل أن تنط للخندق الآخر رافعة شعار "ما كان ينبغي الاحتجاج" و"كان ينبغي التريث والرزانة والتعقل" حفاظا على "المنشآت العمومية" وعلى سيولة "الاستثمارات الأجنبية"..الخ
الطلائع الشبابية والمعطلة في الواجهة
لقد عاشوا وعشنا يونيو النضال والصمود، يونيو التحدي للقمع الأسود، أسبوع من التظاهرات والاعتصامات، أسبوع من العصيان والحصار لميناء المدينة، أسبوع وضع اليد الجماهيرية على مصدر الخيرات، ووضع الحد لنهب الثروات السمكية، أسبوع انتصار الحركة الاحتجاجية رغم القمع والتعتيم والتشكيك الإعلامي، انتصار خط النضال والاحتجاج على خط المساومة الانتخابية والاستوزار.. حيث تقابلت شعارات وخطابات مغرب "التنمية البشرية" و"العهد الجديد" و"مغرب المؤسسات".. مع حقيقة الهراوات والرصاص المطاطي والقنابل المسيلة للدموع.. والضرب والجلد ومهاجمة البيوت والاغتصاب والترويع وتكسير الأبواب والأثاث..الخ فما هي الأدوار التي يمكن أن تلعبها حركة المعطلين ضمن الحركة الاحتجاجية بشكل عام؟ وهل يمكن اعتبار تجربة فرع سيدي إفني لجمعية المعطلين تجربة يحتدى بها داخل إطار حركة ودينامية الجمعية ككل؟ في هذا الإطار، أي إطار تطوير النضال الاحتجاجي لرفعه من مستواه الدفاعي إلى مستواه الهجومي الإيجابي، لا يمكننا سوى أخذ العبر من تجربة حركة المعطلين التي خلقت بفضل البعض من فروعها فضاء نضاليا متنوعا في الأشكال والأساليب، أساليب كفاحية جذرية، تقدمت وتميزت عن جميع الحركات الاحتجاجية الأخرى بمستوى وعيها المتقدم وبقدراتها الفائقة في التنظيم والسرية والمباغتة.. متجاوزة شروط الشرعية والقانونية وطلبات الترخيص للوقفات والمسيرات..الخ الشيء الذي لم يعفيها على طول سنوات تجربتها النضالية من تقديم التضحيات الجسام حيث آلاف الجرحى والمعطوبين ومئات المعتقلين والمتابعين إضافة لشهيدة وشهيد، نجية أدايا ومصطفى الحمزاوي. فالحركة التي اختارت لنفسها أسلوب الاحتجاج عبر التظاهر والاعتصام والإضراب عن الطعام منذ تأسيسها بداية الثمانينات لم تعرف سوى الكفاح والنضال رغم الظروف القمعية المحيطة بنشاطها، فكان أن تأسست الجمعية بداية التسعينات لتتكون مجموعات الأطر العليا بداية الألفين.. الشيء الذي طور من إمكانيات وتجربة الحركة التي لم تعد مقتصرة على الاحتجاج بشوارع الرباط وأمام قبة البرلمان.. بعد أن قوٌت من انتشار فروعها في المدن البعيدة والقرى القصية والمهمشة، ولينتقل الاحتجاج إلى وسط الأحياء الشعبية وإلى قلب القرى والدواوير والأسواق الأسبوعية.. وهو ما تبينت فائدته وإضافاته الإيجابية والقيمة لمصلحة الحركة الاحتجاجية التي نوعت قواعدها ومطالبها ومواقعها.. إذ لم تعد الاحتجاجات من اختصاص النخب السياسية و"الحقوقية" وفقط، لم تعد تلك الاحتجاجات النخبوية "الحضارية" التي تصطف أمام مبنى البرلمان أو أمام مبنى مقر الأمم المتحدة بالرباط و"كفى الكادحين شر النضال"، بل تعدتها لتتحدى قوات القمع في الدفاع عن النفس وعن الحقوق إلى حين تحقيق المطالب. وقد بينت للجميع على انه بالإمكان الاعتماد على الخط الاحتجاجي المكافح وبالإمكان الثقة في الأشكال التنظيمية التي أفرزتها الجماهير دون الحاجة لقرارات حزبية فوقية ودون الحاجة لشرعية قانونية ممنوحة بأن تفي بالغرض أو تحقق المطلوب. لقد تمكنت حركة المعطلين بفعل النضال والكفاح من فرض العديد من الحوارات ومن تشغيل العديد من المعطلين لسنوات وسنوات.. والآن نجد أن بعض الفروع من الجمعية وغالبية المجموعات المعتصمة بالرباط.. تتوفر على سمعة طيبة واحترام كبير وسط الجماهير الكادحة بالنظر لصمودها وكفاحيتها. فالتجربة التي قدمتها العديد من فروع الجمعية بالجنوب، تجربة يحتدى بها، ولولا مصداقيتها الميدانية لما كانت لها القدرة على إشعال فتيل المجابهة من اجل مطلب رفع التهميش عن مدينة سيدي إفني حماية لثرواتها ولإمكانياتها في التشغيل وإنقاذ الشباب والساكنة من البؤس والفقر.. بل لولا احتجاجاتها لما اشتغل الميناء أصلا! لولا هذا لما انتفضت المدينة موحدة ومتضامنة بكادحيها وشبابها ضد زحف أخطبوط النهب الرأسمالي الذي لم يتوانى عن جرف ثروات المدينة الطبيعية من رمال وأسماك.. دون أن يترك لأصحاب الأرض ما يسد رمقهم أو ما يعفيهم من الهجرة والتهجير لوجهة أخرى حيث الاضطرار لبيع قوة السواعد بأبخس الأثمان. ويمكن القول أن تجربة فروع الجنوب قد ردٌت الاعتبار لحركة المعطلين وبشكل خاص للجمعية الوطنية التي تخلت بالتدريج عن خطها الكفاحي وعن أشكالها النضالية المحلية والمركزية، مكتفية بمراكمة المؤتمرات وبتدبيج المطالب والشعارات والمقررات، وببعض النضالات الموسمية المحتشمة هنا وهناك.. بل اكتفت الغالبية من فروعها بحوارات الاستجداء دون نضال مسبق أو كفاح، وبمراكمة الاجتماعات والتجمعات العامة التي لا حصر لها، وبالتنافس الشرس بين المنخرطين، حول التراتبية وحصد النقط لحد مقايضة المشاركة في الاحتجاج، بالنقط..! فإذا غابت النقط والتنقيط تخلف المعطلون عن المشاركة في الاحتجاج ولو كان ذلك تضامنا مع شعب فلسطين أو العراق. لقد قدمت الجمعية عبر فرع إفني إذن، نموذجا للنضال والصمود والتفاني مما وفٌر لها القدرة عبر التعاطف والتضامن، على تجميع وحشد كافة القوى الشعبية الجماهيرية والكادحة من اجل المساندة والدعم والانتفاض والعصيان والتمرد ضد القهر والفقر والبطالة والتهميش والقمع. لقد تمكنت حركة العصيان بمدينة إفني من تحقيق الكثير، فبالرغم من أنها لا زالت تطالب بالتشغيل ورفع التهميش الاقتصادي والإداري، وبالرغم من ثقل فاتورة القمع الذي اجتاح المدينة واستباح المنازل والحرمات والثلاجات.. وأهان الشابات والمتزوجات، وسرق واغتصب وجلد لحد التخمة والثمالى.. إلا أنها تمكنت وبالرغم من جميع الأبواق السياسية والجمعوية، الحكومية والمعارضة.. من العصف بجميع الخطابات المراهنة على مشروع "المبادرة الوطنية" لتتبين حقيقة المبادرات التي ليست سوى التشجيع المحموم واللامحدود للمبادرات اللبرالية والحرة في نهب الرمال والأسماك وكافة الخيرات والثروات دون حسيب ولا رقيب، "مبادرة" تسمح للساكنة بالفرجة والحسرة على قوافل الشاحنات التي تخرج تباعا تباعا من أرضها محملة بما جادت به الشواطئ وأعماق البحر من خيرات إلى جهات وجيوب أخرى لا علم لها بتنمية أخرى سوى تنمية رساميلها وآلياتها الخاصة بالصيد والشحن، وتنمية حساباتها البنكية ومشاريعها العقارية وثروات ومشاريع أخرى.. دون أن تكلف نفسها عناء الالتفات ولو بالفتات، لشباب وبؤساء المدينة.. لقد طالبوا بالشغل وبفك العزلة عن المدينة، لم يطالبوا بالتأميم ولا بالسلطة السياسية، فلو كان هذا لأبيدت المدينة العزلاء عن آخرها، لكن وكيفما كانت الأحوال والاحتمالات فيجب التأهب والاستعداد للمعارك الكبرى في جميع اللحظات.
سيدي إفني.. درس في اليسارية لليسار
بالفعل، فاليساريون الذين ما زالوا مومنين ومتشبثين بنظرية الصراع الطبقي وبحتمية انتصار الجماهير الكادحة ضد الرأسمال، اعتبروا عن حق أن ما وقع بإفني يعد درسا في اليسارية لينضاف إلى دروس 23 مارس 65 و 20 يونيو 81 ويناير 84 و 14 دجنبر 90.. درس أكد من جديد على إمكانيات وقدرات الكادحين الهائلة التي لا تجف ولا تنضب، وعن مبادراتها وتمرداتها التي لا تتوقف.. كتعبير عن تحدياتها وصمودها ضد الآلة القمعية الرهيبة.. درس أكد لجميع المناضلين بأن "الشرط الذي لا بد منه" سيظل ثابتا وغيابه حافزا أمام تطوير نضالاتنا، فبدون حزب الطبقة العاملة المستقل، القائد والموجه لجميع نضالات الطبقات الشعبية الكادحة، لن نحصد سوى الهزائم والفشالات التي لا نهاية لها، ولن نشجع سوى الانتهازيين والظلاميين المتربصين بمآسينا وآلامنا، بجوعنا وببطالتنا..الخ لقد تمكنت انتفاضة سيدي إفني من تمريغ جميع الخطابات "الحقوقية" في الوحل وبشكل خاص تلك التي راهنت أقطابها على مشروع "النهوض بثقافة حقوق الإنسان"، الأقطاب السياسية اليسارية التي اتخذت هذا المشروع قنطرة للتقارب مع النظام ومسلكا لاختراق فضاءاته وللجلوس على طاولات صالوناته حيث يتم تبادل النصح وإطلاق الإشارات لالتقاطها بالسرعة المطلوبة من الجهة الأخرى..الخ فما عرفته تجربة صفرو خلال شهر رمضان، إبٌان وبعد الانتفاضة الشعبية ضد الغلاء وارتفاع الأسعار.. وما تلاها من تخريجات "يسارية" حاولت زرع الشك وتقويض تجربة التنسيقيات المحلية والتنسيقية الوطنية، لهو كافيا لتفسير ما وقع في اجتماع التنسيقيات بالبيضاء بتاريخ 2 مارس 2008 الذي تحول بقدرة القادر المشبوه إلى اجتماع لتحالف "اليسار الديمقراطي" ضدا على التنسيقيات المناهضة للغلاء وعبر إقصاء مناضلي ومناضلات اليسار الماركسي اللينيني.. مستنجدا بمعتلي الأحزاب اللبرالية الحكومية وغير الحكومية، من اجل تطويق وتمييع الحركة المناهضة لارتفاع الأسعار والغلاء. فالمطلوب الآن بعد هذا المنحى الذي اتخذه "اليسار" واليساريون المزيفون، والذي لا يشرف أحدا من المناضلين من أبناء الكادحين، هو الاستمرار في النضال وفي إطلاق وتنويع المبادرات وخلق التنظيمات الشعبية المؤهلة لأخذ زمام الأمور ضدا على كل النخب الانتهازية والوصولية كانت يسارية أو يمينية.. المطلوب تشكيل وتنويع الجمعيات ونشر ثقافة الاحتجاج وسط الساكنة الكادحة والمهمشة.. المطلوب كذلك نشر ثقافة الاحتجاج وسط الساكنة الكادحة والمهمشة.. المطلوب كذلك نشر الثقافة الاشتراكية وسط الشبيبة المتعلمة وفي الأوساط العمالية والمعطلة.. المطلوب إعطاء البعد الطبقي لنضالاتنا لربطها بالخط اليساري المناضل الذي لا يعترف بالخطوط الحمراء وبقوانين الشرعية وبالأساليب "السلمية والحضارية"، الأساليب الاستسلامية والخانعة لهمجية وعجرفة الرأسمال وأساليبه القمعية. فـ"الديمقراطية الحضارية" حسب نظام القمع والاستبداد القائم هي حين تطالبك أجهزته بإفراغ مكان الاحتجاج فلا بد من إخلائه في هدوء وانضباط وحين يشير عليك دهاقنته بأن لا حل لمطالبك فلا بد أن تتفهم وتقبل بروح رياضية..! فمن واجب مناضلي ومناضلات اليسار الحقيقي، إذن، أخذ العبر والدروس من فرع جمعية المعطلين بسيدي إفني ومن بعض فروع جمعية أطاك المناهضة للعولمة الرأسمالية ومن العديد من التنسيقيات المحلية لمناهضة الغلاء.. بالانخراط وتطوير التجربة من اجل توسيع مجالها في اتجاه نسج العلاقات مع الكادحين والمهمشين وكافة المتضررين من استمرار نظام الاستبداد والاستعباد والاستغلال القائم بالمغرب لاتخاذ المبادرات النضالية التي لا بد لها، من اجل صدقيتها، من الانفلات من القوانين والمساومات والتواطئات الطبقية.. وهي الكفيلة بخلق قيادات ميدانية شجاعة وخبيرة بنبض الحركة الجماهيرية وقادرة على الإبداع في التنظيم والردع لجميع حملات القمع الهمجية المعلنة والمفاجئة. دون هذا لن يتقدم اليسار الماركسي في مشروعه ولن تتمكن الطبقة العاملة من فرز قادتها وزعمائها ولن يكتب لها النجاح في تشكيل حزبها المستقل، ولن تتشرف بقيادة الكادحين، ولن يتحقق بالتالي الانتصار المنشود، الانتصار ضد أصل الشرور والحرمانات والبؤس والتشريد والتهميش.. الانتصار ضد الرأسمالية وطبقتها وحلفائها المحليين والإمبرياليين.. الانتصار ضد الرأسمالية وطبقتها وحلفائها المحليين والإمبرياليين.. الانتصار والنصر خدمة للمشروع الاشتراكي، مجتمع العدل والمساوات والحرية والديمقراطية.. مجتمع الشغل والتعليم والتطبيب والسكن اللائق.. بالمجان وللجميع. فتحية لجماهير سيدي إفني، الكادحة، تحية لكل الشباب ولكل طلائع الحركة الاحتجاجية.. تحية للمرأة الجنوبية المناضلة، تحية لكل المناضلين والمناضلات الذين ساندوا الساكنة في احتجاجاتها ضد الآلة القمعية الرهيبة، تحية لكل أشكال الدعم والمساندة المتبادلة بين كادحي المدن والقرى المهمشة في مغرب القمع والاستغلال والاستبداد، تحية لمغرب النضال والاحتجاج الشامخ، تحية لمغرب الصمود والتحدي للبؤس والهمجية القمعية.
و. السرغيني يونيو 2008
#و._السرغيني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
راهنية -البيان الشيوعي-
-
دفاعا عن الحركة المناهضة للغلاء... تنسيقياتنا وتنسيقياتهم
-
همجية القمع تنهزم أمام المقاومة الطلابية بمراكش
-
الحركة من اجل مناهضة الغلاء في مواجهة التقييمات الانتهازية
-
على هامش المعركة الطلابية الأخيرة بمراكش
-
إلى صاحب ربطة العنق الحمراء
-
الطبقة العاملة المغربية تخلد يومها الأممي للنضال ضد الرأسمال
-
توضيح خاص للأوساط اليسارية التقدمية المغربي
-
الحركة المناهضة للغلاء بالمغرب
-
ضرورة الإضراب الوطني بين الحق والمزايدة السياسية
-
حتى لا نعارض -التسيس الفج والاعتباطي- بالسياسة الانتهازية ال
...
-
-ندوة وطنية- أم ملتقى ثالث ونصف لتنسيقيات الحركة المناهضة لل
...
-
وجهة نظر في تجربة التنسيقيات المناهضة للغلاء
-
تجربة حركة مناهضة الغلاء بين القتل المفضوح والقتل الرحيم
-
محاولات خسيسة لإجهاض عمل التنسيقية المحلية لمناهضة الغلاء بط
...
-
فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بطنجة غياب أم غيبوبة!!
-
نجاح المسيرة الوطنية ضد الغلاء و لكن..
-
موقفنا من الانتخابات الماركسيون المغاربة يدعون الجماهير الك
...
-
فقهاء -النهج الديمقراطي- وعلاقتهم بالماركسية من التبشير إلى
...
-
شكاية ضد الجلاد -لعنيكري- أم مطالبة -بالحماية الحقوقية-ا
المزيد.....
-
من قوته إلى قدرة التصدي له.. تفاصيل -صاروخ MIRV- الروسي بعد
...
-
نجل شاه إيران الراحل لـCNN: ترامب و-الضغط الأقصى- فرصة لإنشا
...
-
-لقد قتلت اثنين من أطفالي، فهل ستقتل الثالث أيضا؟-: فضيحة وف
...
-
كيم: المفاوضات السابقة مع واشنطن لم تؤكد سوى سياستها العدائي
...
-
الوكالة الدولية للطاقة الذرية تعتمد قرارا ينتقد إيران لتقليص
...
-
ZTE تعلن عن أفضل هواتفها الذكية
-
مشاهد لاستسلام جماعي للقوات الأوكرانية في مقاطعة كورسك
-
إيران متهمة بنشاط نووي سري
-
ماذا عن الإعلان الصاخب -ترامب سيزوّد أوكرانيا بأسلحة نووية-؟
...
-
هل ترامب مستعد لهز سوق النفط العالمية؟
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|