ان المجتهد اذا اجتهد فاصاب فله اجران وان اجتهد فاخطا فله اجر واحد,هذه احد القواعد الفكرية التي يستند عليها المسلمون في محاججاتهم الفقهية ، خطل الرأي مثاب ايضا مادام لم يقصد به سوء النية ولا ايقاع البلاء عمدا على الناس ، هو ايضا تشجيع على المناقشة وابداء الرأي . لكن الطامة الكبرى اذا تعدى الاجتهاد الخاطئ حدود ابداء الرأي والمساهمة في الجدال الفكري الى مرحلة الزامية التطبيق ، النتائج ستكون بالطبع كارثية اذا ما كانت الفتوى تخص امور مصيرية ستأثر على مستقبل وحياة ملايين البشر .ولا يمكن لاحد ان يعرف خطل النظرية الا من خلال وضعها موضع التطبيق ، فالتطبيق هنا هو الاختبار اللازم لصحة النظرية، وبما ان الدين لا يشمل الا مسائل انسانية ،محورها الانسان وتصرفاته وحرياته وليس المادة ، مثل ما هي الحال في العلم التطبيقي ،فستكون نتائج الفتوى عذاب ومعاناة بشر، لا ذنب لهم سوى أتباع اجتهاد خاطي ،ومع هذا فأن المجتهد سيثاب بدل من ان يعاقب على اقل تقدير بالتقليل من منزلته الدينية لانه تسبب بضرر للغير.
حيز الخطأ سيكون بالطبع ليس كبيرا اذا كان ذلك في مجال الاختصاص ،مثل الامور العبادية او الفقهية ، لان رجل الدين او المرجع الديني يتحدث عن علم ودراية بهذه الامور التي قد كرس جل وقته لدراستها ،ولكن حيز الخطأ واحتمال حدوثه سيكون كبير جدا اذا ما افتى رجل الدين بأمور ليس لها علاقة بمجال اختصاصة ، السياسة مثلا .
واذا رجعنا الى موقف السيد السستاني و الاحزاب الاسلامية الشيعية وموقفهما من الانتخابات وطبقنا قاعدة الخطأ والصواب ، سنجد انهم سيثابون ان اخطوأ او اصابوا ،لذا هم يتصرفون ليس بحرص كبير ، سواء كان ذلك خوفا من الله او من القانون. وبما ان الامر سياسي وقانوني بعيدا كل البعد عن مجال الاختصاص الديني ،وان الامر يتعلق بمستقبل ومصير شعب ووطن فان النتائج ستكون اكثر من كارثية اذا حسبوها وفق المصلحة الدنية فقط وليس وفق الاقتصاد والقانون وحقوق الانسان والحريات العامة بالارتباط مع الواقع العراقي و المتغيرات الدولية التي تنزع الى التحالف مع الاقوى وليس الاضعف .وتنقسم حسب موقفها من مقولة الارهاب.
عدم حرص هذه الاحزاب على البلد والناس بدعوتهم لاجراء انتخابات في ضروف غير ناضجة ولا ملائمة تدل على ذلك ،بل ان هذه الدعوة تدل على عدم فهمهم للواقع اذا اخذنا الامر بأفتراض حسن النوايا وليس سؤوها ، بارجاع هذه الدعوة للحصول على مكاسب سياسية وليس التأسيس لحكومة دينية .ولنغض الطرف عن محاججة أنعدام الامن ،وتعداد السكان ،وعراقي الخارج ،وامكانية التزوير ،وتوفر الاسلحة في جميع البيوت ،وانتحاري الاستشهاد ، لنغض الطرف عن كل هذا ونطرخ التساؤول التالي :
هل استطاعت الاحزاب الوطنية انجاز حملة اجتثاث البعث على الاقل تنظيميا وليس فكريا ، لان القضاء على اثاره الفكرية واساليب التعامل تعتبر مهمة غاية في التعقيد وتحتاج الى وقت طويل .؟
من الواضح ان الاحزاب الوطنية لم تستطع انجاز هذه المهمة لحد الان بدليل استمرار العمليات الارهابية والاغتيالات والتصفيات الجسدية ، ففي الامس القريب استطاعت ايادي اثمة ان تغتال الدكتور عبد اللطيف المياح رحمه الله. ولازالت تنظيماتهم واوكارهم الحزبية ناشطة ولها علاقات متشعبة مع دول الخارج . واستطاعوا بعض الاحيان اختراق القوات الامريكية والعمل تحت غطائها وكذلك التسلل في اجهزة الشرطة والجيش ايضا ،بدلالة استقالة اكثر من 300 عسكري من الجيش الجديد. بل ان بعض المطالبات بالرواتب لم تجري دون تنظيم مسبق ،فمن الصعب اعتبار هذه الجماهير المحتشدة ، وجلهم من العسكرين في يوم معين دون اي ابلاغ مسبق وبدون مناسبة تذكر، عفوية المظاهرات تكون حين حصول حدث معين يثيرانتباه الناس ويستدعي احتجاجهم .
هل تظمن الاحزاب الداعية للانتخابات السريعة عدم وصول البعثيين الى الجمعية الوطنية .؟ لنكن طائفيين قليلا ولنتحث عن المثلث السني . الم يكن الولاء لحزب البعث في هذه المنطقة بالذات مميزا .؟ وان اغلب اهالي المنطقة سيعطون اصواتهم للبعثيين الذين سيرشحون انفسهم بالتأكيد ، ان لم يكن اقتناعا فخوفا ؟ وهل تخلو المناطق الامنة ولنعد الى الطائفية مرة اخرى ونقول ، الشيعية ، هل تخلوا هذه المناطق من البعثيين المتنفذين والذين قد تسللوا ايضا الى الحوزات والاحزاب الاسلامية والوطنية ايضا.؟
وماذا عن انهاء الاحتلال .؟هل تعتبر قرارات الاحتلال بحل الجيش والشرطة والاحهزة القمعية الاخرى ملغية .؟ وهل يظمن احد عدم عودة الجيش العراقي القديم المعروف بولائه وطاعته العمياء لحزب البعث .؟ وكيف ستعمل السلطة العراقية الجديدة التي تريد انهاء الاحتلال حتى ولو طردا او بأسنة الحراب ، بدون جيش او شرطة .؟هذا ما يصرحون به اذا لم يلب طلبهم باجراء الانتخابات .السياسة لعبة معقدة ، يجيدها ليس من يعرف قواعدها فقط بل من يضعها وينفذها ،واذا اصبح الاقوى مجبرا فأنه سيخل بقواعد اللعب ويتحالف مع الشيطان لهزم المقابل المعتمد على اسناد الجمهور فقط.
قوات التحالف او الاحتلال اخر ما ترغب فيه حكم ديني او اغلبية دينية تتربع على هرم الدولة ،هو ليس سرا بل حقيقة مطلقة ،هل يمكن العمل في مناخ عدائي ،كل طرف يضمر الشر للطرف الاخر.؟ واذا كانت الغلبة في الصراع للقوى الدينية الميالة لطبيعتها الايدلوجية الى ايران ، كيف تصبح قضية الديون ،واعادة اعمار العراق ، والتكنلوجيا ،والتدريب ،والكوادر الوسطية ،والتقنيات الحديثة .؟ طبعا من الممكن المحاججة بان الولايات المتحدة الامريكية كانت تتعاون مع السعودية رغم حكم الوهابيين ، لكن المناخ انذاك لم يكن عدائيا تجاه الغرب ،لقد توحد الكفاروالمؤمنون لاجل محاربة اليسار العدو الاول للطرفين انذاك . ولقد استخلص الغرب عقم سياسة التحالف مع التيارات الدينية بعد ان انقلب السحر على الساحر ،ويحاول اليوم بكل قوة اجبار الدول الوهابية على اجراء اصلاحات في بنيتها الايدلوجية والثقافية . ولا احد يستطيع القول ان الغرب على استعداد لاعادة التجربة مع قوى اسلامية ترتبط مع بعض الحركات التي تحسب على الارهاب مثل حزب الله اللبناني ،او مع دول تحكم وفق منهج الشريعة الاسلامية مثل ايران ،كما توضخ الاحداث الحاصلة في ايران هذه الايام صعوبة التيار الاصلاحي الديني في التخفيف من قبضة المحافظين على السلطة ،وتبين تصميم المحافظين على انهاء اي نية للاصلاح او ادخال بعض الافكار التي لا تمس الدين بل النظم السياسيةالمعمول بها في ايران.
وصول القوى الدينية الى السلطة في العراق في ظل اوضاع صعبة ليس للمواطن فيها من ملجا سوى التوجه الى الله ،يخلق تناقضا طبيعيا بين القوى التي تحاول ارساء دعائم الديمقرراطية ودولة القانون وحقوق الانسان من وجهة نظر مدنية وبين التوجهات الدينية التي تحاول ادخال تعاليم الشريعة وقوانينها على الدستور ،وكل هذا سوف يجري على حساب الانسان العراقي الذي لاول مرة وعقب سنوات من القمع والاضطهاد يستنشق هواء الحرية.
واذا كانت الانتخابات تعني اضفاء شرعية على السلطة القادمة فأن الطعن فيها، والذي سيكون واسعا من قبل الاطراف الاخرى ، في حال فوز الاحزاب الاسلامية الشيعية ، سيسحب من تحتها بساط الشرعية ايضا بالارتباط مع موقف الدول العربية المؤثرة على الساحة العراقية مما يخلق موجة من العداء بين الاطراف الاسلامية في الساحة العراقية ويزيد من حالة الاحتراب فيما بينها ويترك الباب مفتوحا لتدخلات وتحالفات واتفاقات اقليمة سستكون لها نتائج وخيمة على الاتفاق الوطني..
ولا اجدني هنا الا متفقا مع نظرة الحزب الشيوعي العراقي القائلة بضرورة الاتفاق على حكومة ائتلافية تأخذ على عاتقها انجاز مرحلة غاية في الحساسية والخطورة،وتعد المواطن نفسيا وذهنيا وعمليا لمقدمات بناء نظام سياسي تقرره صناديق الاقتراع .كما يجب التخلص من النسب الطائفية المتبعة في الوقت الحاضر والتي املتها الاحزاب الاسلامية ايضا وفق معايير الاغلبية والاكثرية المذهبية والقومية في ضل مناخ الاحساس في الغبن من جراء سياسة نظام همجي ذهب الى مزبلة التاريخ .
من حق السيد السستناني ان يطرح وجهة نظره وعلى الجميع احترامها ،ولكن اذا تبنتها جهة سياسية او اًريد فرضها بالتهديد او القوة ، فللجميع الحق في انتقادها وتبيان نواقصها وعيوبها لانها تخرج عن اطار وجهة النظر الشخصية وتصبح قصية سياسية عامة في اطار مدني غير مقدس .وفي هذا المضمار سوف لن يثاب عليها السيد السستاني اذا تبين خطأها ..لانها لا تستند على قاعدة فقهية دينية بل سياسية عملية