كاظم حبيب
(Kadhim Habib)
الحوار المتمدن-العدد: 722 - 2004 / 1 / 23 - 05:57
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
اتخذ الحزب الشيوعي العراقي مواقف واضحة وصريحة من النظام الدكتاتوري في العراق في أعقاب إنهاء التحالف الذي استمر بضع سنوات بين الحزب الحاكم والحزب الشيوعي العراقي, رغم أن التحالف كان من طرف واحد عملياً ولفائدة طرف واحد لا غير. وخلال الفترة الواقعة بين 1979-2003 خاض الحزب الشيوعي نضالاً طويلاً وحازماً وقدم التضحيات الغالية على طريق الخلاص من الدكتاتورية الغاشمة. وسعى خلال الفترة المذكورة إلى إقامة عدد غير قليل من التحالفات السياسية مع مختلف القوى السياسية العراقية ومختلف التيارات الوطنية من منطلق الحرص على إقامة الجبهة القادرة على الإطاحة بنظام الحكم حينذاك, رغم أن بعض تلك التحالفات كانت أسمية وشكلية لم تكن قادرة على المواصلة لأسباب تكمن في طبيعة الأحزاب كلها وفي طبيعة العلاقات المعقدة في ما بين مختلف الأحزاب, إضافة إلى التدخلات الإقليمية والدولية في شؤون الأحزاب السياسية العراقية. ولم تنجح القوى السياسية العراقية في إقامة التحالف المنشود القادر على إسقاط النظام. وكان العجز في تحقيق ذلك سبباً في نشوء قناعة لدى الكثير من القوى السياسة بأنها عاجزة لوحدها عن تحقيق النصر على النظام الدموي. دفعها الإحباط والشعوب بالعجز إلى إقامة التحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية والبريطانية لإسقاط النظام. واتخذ الحزب الشيوعي العراقي موقفاً واضحاً وصحيحاً من الحرب, إذ رفضها, رغم أنه كان يريد الإطاحة بالنظام بقوى الشعب الخاصة ليتجنب, كما أرى, التعقيدات التي تعيشها الحركة السياسية العراقية والمجتمع العراقي بأسره في المرحلة الراهنة. ومع ذلك فالنصر الذي تحقق للشعب العراقي على أيدي الأمريكيين والبريطانيين كبيراً يفترض أن لا يبخس قدره بأي حال.
وخلال فترات التحالف مع القوى السياسية العراقية كان الحزب الشيوعي يكف في الغالب الأعم عن تقديم النقد العلني والمجاهرة بملاحظاته إزاء القوى المتحالفة معه, خاصة إذا كانت تلك القوى في السلطة, وكان يعمد إلى ممارسة النقد الداخلي وعبر مذكرات خاصة لا تنشر. ولم يكن هذا الأسلوب الذي مارسه الحزب منذ عشرات السنين نافعاً, إذ غالباً ما كان يقود إلى العزلة عن الجماهير التي كانت ترفض عدم توجيه النقد العلني الصريح كما لم تكن تعرف بأن الحزب كان يمارس النقد السري أو داخل التحالف وفي حدود القيادات.
كان هذا التقليد في التحالف والسكوت عن أخطاء الحليف علناً تقليداً ورثه الحزب من الحركة الشيوعية العالمية في موقفها من الحليف الأكبر الحزب الشيوعي السوفييتي والدولة السوفييتية والأحزاب والدول الاشتراكية الأخرى. ففي الوقت الذي كانت قيادة الحزب الشيوعي العراقي وكوادر وأعضاء الحزب يدركون تماماً ويتلمسون السياسات الخاطئة التي كانت تمارسها القيادة السوفييتية على الصعيدين الإقليمي والدولي وعلى الصعيد المحلي, إزاء العراق مثلاً, أو الأخطاء التي كانت ترتكب في السياسة الاقتصادية والحياة السوفيتية وإزاء المواطنين السوفييت والفساد الوظيفي والرشوة التي عمت الحياة هناك, كان على قيادة الحزب والكوادر والأعضاء السكوت عن تلك الأخطاء, وهكذا بالنسبة إلى بقية الأحزاب الشيوعية, عدم ممارسة النقد والسكوت عن جميع تلك الأخطاء بحجة واهية هي أن كشف الأخطاء والنقد يمكن أن يخدم الدول الإمبريالية ويساعدها في الهجوم الإعلامي على الاتحاد السوفييتي وبقية الدول الاشتراكية. وقاد هذا الأمر إلى المزيد من الخراب الداخلي وإلى المصير الذي نعرفه جميعاً, هو الانهيار من الداخل أساساً وتخلي الشعب السوفييتي والشعوب الأخرى في البلدان الاشتراكية عن الدولة التي زعم أنا كانت تمثلهم. وكانت الانتخابات العامة واحدة من أبشع نماذج للتزوير وعدم النزاهة في العالم.
وعلى صعيد العراق برز هذا التقليد خلال فترة التحالف بين الحزب الشيوعي وحزب البعث العربي الاشتراكي والمشاركة الثانوية في الحكم, رغم بروز صراع داخل الحزب حول هذا الموضوع وفي هيئة تحرير الجريدة المركزية للحزب, علماً بأن الحزب كان يمارس النقد في اللقاءات الخاصة وفي مذكرات سرية, ولكنها لم تكن نافعة ولم يسمع بها الشعب. واضطر في الفترة الأخيرة من هذا التحالف المشؤوم إلى ممارسة النقد بطرق مختلفة, وأحياناً في صحيفة الحزب, فجوبهت باعتقالات وتعذيب شرس وهجوم تدريجي متفاقم على الحزب ساهم في حصول الطلاق الثلاثي.
اتخذت قيادة الحزب الشيوعي العراقي, كما أرى, موقفاً سليماً في أعقاب سقوط النظام واشتركت في مجلس الحكم بممثل واحد وبوزير واحد في الحكومة المؤقتة. وشارك الحزب في مختلف اللجان التي تشكلت وفي مختلف المهمات التي يضطلع بها المجلس حالياً. ولا شك في أن هذا الموقف قد تعرض للنقد من بعض الشيوعيين وأصدقاء الحزب ورفضوا مبدأ التعاون مع سلطة الاحتلال, رغم أن الحزب قد رفض قرار الاحتلال واعتبره غير شرعي.
ولكن الظاهرة القديمة في نشاط الحزب في إطار التحالفات ظهرت من جديد في الأشهر الأخيرة, فلم يعد هناك النقد العلني المطلوب لمجلس الحكم الانتقالي ولا لبعض أعضاء المجلس ولا لسلطة الاحتلال بالصيغة العلنية المطلوبة, رغم وجود الكثير مما يستوجب النقد من جانب حزب شيوعي. وهذا الموقف ينبع من قناعة, كما يبدو لي ما تزال قائمة رغم خطأها ورغم العواقب التي ترتبت عنها في السابق, بأن النقد الذي يوجه لأحد أعضاء أو المجلس أو الأحزاب الممثلة فيه بسبب مواقفها يمكن أن يقود إلى توتر في الأجواء والعلاقات وانفراط عقد التحالف, وهو ما يحرص عليه الحزب الشيوعي العراقي على عدم حصوله. ولكن السؤال المشروع الذي يطرح نفسه هو: هل ممارسة النقد الموضوعي البناء والعلني والمجاهرة مع الجماهير تضعف التحالفات السياسية القائمة أم تساعدها على الخلاص من النواقص التي تنتاب العمل المشترك, خاصة وأن المطلوب هو مصلحة الشعب والوطن؟
لقد دللت تجارب عشرات السنين إلى أن النقد العلني والمجاهرة بالنقد مع الجماهير ومع الأحزاب المتحالفة لا يقود إلى الخراب في العلاقات, بل يقود إلى تعزيزها وتطوير العمل المشترك, خاصة بعد أن يتم ترويض جميع القوى على إدراك أن النقد لا يعني التفليش والإساءة, بل يعني البناء وتحقيق التقدم للجميع وتعديل المسيرة. وعلى الآخرين أن يمارسوا النقد العلني الصريح والموضوعي إزاء الحزب الشيوعي وإزاء بقية الأحزاب والقوى السياسية.
إن عدم ممارسة النقد يحمّل الحزب الشيوعي, كما أرى, مسؤولية وتبعات القرارات الخاطئة التي تتخذ إزاء المجتمع أو أجزاء منه, خاصة إذا كان الحزب الشيوعي رافضاً لتلك القرارات ومعترضاً عليها. كما أن عدم كشف تلك الأخطاء من جانب الحزب الشيوعي والسكوت عليها يعرض الحزب إلى نقد الجماهير السليم وإلى عزلنه عن تلك الجماهير التي تؤيده. ويقود هذا الواقع في المحصلة النهائية إلى خسائر لا تعوض في سمعة ومواقف وسياسات وجماهيرية هذا الحزب. كما أنه يحمله تبعات لا يفترض أن يتحملها, إذ أن السكوت يُفسر على أنه علامة رضا أو تواطؤ غير حاصل أصلاً.
وهذا الأمر حصل بشكل ما أيضاً أثناء التحالف في الجبهة الكردستانية أو إزاء الحكم في كردستان, رغم أن قيادة الحزب حاولت ممارسة بعض النقد بعد أن تشكل الحزب الشيوعي الكردستاني, إذ أن الأخير لم يعد يمارس النقد أصلاً, ولكن نقد الحزب الشيوعي لم يكن جريئاً بما فيه الكفاية وبما يخدم الأحزاب الحليفة للتخلص من أخطائها التي كان الحزب مقتنع بوجودها والتي لم تكن قليلة. والنقد الداخلي والهمس بالآذان لن ينفع أحداً بل يعيق التغييرات المنشودة للأخطاء والنواقص.
إن على قيادة الحزب الشيوعي العراقي, كما أرى, أن تغير من هذا الموقف التقليدي السلبي الذي ألحق أضراراً فادحة بالحزب الشيوعي العراقي خلال العقود المنصرمة وبالجماهير أيضاً بصورة مباشرة أو غير مباشرة, رغم بعض مواقفه المبدئية الفعلية التي وقفها حينذاك والتي لم تعرف بها الجماهير الشعبية أو حتى الأعضاء والكوادر الحزبية.
سوف لن أتناول الكثير من القضايا التي حصلت والتي أعرفها خلال الأشهر الأخيرة, ولكني سأتناول موضوعاً واحداً لأهميته الكبيرة جداً جداً للمجتمع العراقي, وأعني به القرار الذي صدر مجلس الحكم الانتقالي أثناء رئاسة السيد عبد العزيز الحكيم له بأغلبية 11 صوت ضد 10 أصوات وغياب أربع أعضاء من مجلس الحكم الانتقالي عن اجتماع يوم 29/12 2003 حيث اتخذ القرار رقم 137 بإلغاء قانون الأحوال الشخصية وتطبيق الشريعة الإسلامية, وفيما يلي نصه:
" قرار (137)
قرر مجلس الحكم بجلسته المنعقدة بتاريخ 29/12/2003 ما يلي:
1. تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية في ما يخص الزواج والخطبة وعقد الزواج والآهلية وإثبات الزواج والمحرمات وزواج الكتابيات والحقوق الزوجية من مهر ونفقة وطلاق وتفريق شرعي أو خلع والعدة والنسب والرضاعة والحضانة ونفقة الفروع والأصول والأقارب والوصية والإيصاء والوقف والميراث وكافة المحاكم الشرعية (الأحوال الشخصية) وطبقاً لفرائض مذهبه.
2. إلغاء كل القوانين والقرارات والتعليمات والبيانات وأحكام المواد التي تخالف الفقرة (1) من هذا القرار.
3. يعمل به من تاريخ صدوره.
السيد عبد العزيز الحكيم
رئيس مجلس الحكم
29/12/2003 ".
لم يعلن أي حزب من الأحزاب السياسية العراقية, بمن فيهم الحزب الشيوعي العراقي, على الشعب العراقي عن صدور مثل هذا القرار البائس, حتى عرف خلسة وعبر بعض القوى في الإدارة أو بأي طريق آخر, وبعد أن رفض السيد بريمر "حفظه الله ورعاه" التوقيع على هذا القرار, وبالتالي أصبح من حيث المبدأ ملغياً, وأعفى السادة أغلب أعضاء المجلس من مسؤولية النقد الثقيلة عليهم, ولكن...!
وبعد الإعلان عن هذا القرار خرجت مجموعات من النسوة العراقيات محتجات على هذا القرار, وقيل أن 80 منظمة نسائية احتجت على هذا القرار, وهو أمر طيب وسليم, ولكنه ما يزال بعيداً عن الحاجة الفعلية لإبراز الموقف الحقيقي للمرأة العراقية من مثل هذه القوانين. إن المسالة لا تخص المرأة وحدها, بل تخص الرجل أيضاً, تخص المجتمع بأسره وينبغي على المجتمع أن يتحرك لوضع حدٍ لمثل هذه المحاولات السيئة للإساءة على المجتمع.
وحسب المعلومات التي نشرت حتى الآن فقد صرح الدكتور عدنان الباججي, رئيس المجلس الحالي, أمام الوفد النسوي الذي التقى به بأنه يرفض هذا القرار ويعتبره غير صالح. كما أعلن الأستاذ حلال الطالباني عن موقف واضح وصريح من هذا البيان. كما طرحت الوزيرة السيدة نسرين برواري, وهي ممثلة للحزب الديمقراطي الكردستاني في الحكومة موقفاً واضحاً ومماثلاً عبرت فيه عن موقف حزبها المعارض للقرار من خلال تراس الوفد الاحتجاجي. وشاركن نسوة من الحزب الشيوعي العراقي في الوفود المحتجة أيضاً, منهن السيدة زكية خليفة مثلاً, كما شاركت السيدة هناء إدوارد عن جمعية أمل.
وخلال هذا الفترة كتب السيد سمير عبيد مقالاً نشر في موقع كتابات على الإنترنيت تحت عنوان "هذه أسرار القرار رقم (137) لمجلس الحكم!" [راجع: http:/www.kitabat.com/r16745.htm] يتهم فيه الحزب الشيوعي العراقي بالموافقة في اللحظة الأخيرة, ووفق مساومات معينة, على نص القرار حيث كانت التوازن قائماً عشرة أصوات ضد عشرة أصوات مع القرار, وأن مساومات معينة قد جرت أدت إلى موافقة الحزب الشيوعي على القرار وأصبح 10 ضد 11. لا أشك بأن هذا المقال مخالف للحقيقة وأكثر من كونه غير دقيق, بل متعمد, إن ابتعدت أن أقول ما يسئ إلى الكاتب المذكور, إذ أن المعلومات المتوفرة تؤكد بأن ممثل الحزب الشيوعي العراقي قد صوت ضد القرار.
ليس الغريب في أن تصدر أكاذيب عن صحفيين وكتاب في هذا الصدد في محاولة إلى الإساءة إلى موقف الحزب الشيوعي العراقي في إحدى القضايا المركزية لنضاله الطويل, وهي حرية المرأة, ولكن الغريب هو أن الحزب الشيوعي العراقي المقصود أساساًُ بالتشويه لم يطرح موقفه الواضح ضد القرار على الملأ حتى اللحظة, كما فعل السيد الدكتور عدنان الباججي أو السيد الأستاذ جلال الطالباني أو السيدة نسرين برواري, كما لم يطرح تكذيباً لما جاء في مقال الصحفي الذي نشره سمير عبيد أيضاً عن الإعلام المركزي للحزب مثلاً. إن الأمر يحتاج إلى أكثر من تكذيب, إنه يحتاج إلى رفع دعوى قضائية ضد سمير عبيد بتهمة نشر معلومات كاذبة بصورة متعمدة للإساءة إلى الحزب الشيوعي العراق.
إن هذا الموقف غير مفهوم وسوف لن يفهم من قبل الجماهير أيضاً ما لم يبادر الحزب الشيوعي إلى إعلان موقفه صريحاً واضحاً وجهاراً على الملأ لا لتكذيب الخبر فحسب, بل وإدانة القرار ذاته, إذ في ذلك مسؤولية كبيرة, خاصة وأن التفسيرات حول هذا الموقف اتخذت الآن أبعاداً غير معقولة بعد أن ربط سمير عبيد الأمر بحصة الشيعية في مجلس الحكم الانتقالي والموقف الطائفي ... الخ.
أعتقد إن من واجب الحزب الشيوعي إعلان مثل هذا الموقف ليؤكد دعمه لنضال المرأة من أجل حقوقها وليقطع الشك باليقين بسبب ما أثاره سمير عبيد من ضجة عدوانية في الإنترنيت وفي أوروبا عموماً. إن أقل التلميحات التي ترد في هذا الصدد هي أن السكوت يعني المساومة على القرار ويعني التواطؤ, وهو غير صحيح, ولكن على الحزب نفسه أن يدحض الدعايات الجارية في الساحة الأوروبية والتي ستنتقل حتماً إلى الساحة العراقية, ما لم تكن قد انطلقت من هناك أصلاً.
برلين في 22/01/2004 كاظم حبيب
#كاظم_حبيب (هاشتاغ)
Kadhim_Habib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟