جريس الهامس
الحوار المتمدن-العدد: 2328 - 2008 / 6 / 30 - 10:25
المحور:
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة
لم تستطع الغربة الطويلة المريرة قطع جذورها التي ترضع نسغ التربة السورية , كما لم تستطع كل النوائب والعواصف العاتية الشخصية والعائلية والعامة إقتلاعها من الذاكرة الوطنية والشعبية المعاشة في الضمائر الحيّة ,, كما لم تستطع اّلام الغربة ووحشتها وفقدان الأخ والإبن والرفيقة قطع حبل السّرة الذي يربطه بحبيبته : دمشق وصيدنايا ...
إنه الخال العزيز : حنا الخوري , إبن صيدنايا الوفي الذي استمد كبرياءه الإنساني من شموخ قممها وصموده أمام عوادي الغربة وحياته فيها التي بدأها من الصفر من صلابة صخورها الصلدة التي سطّرَ الاّباء والأجداد عليها تاريخهم المجيد ,,
وإذا كانت الظروف الحياتية في الوطن لم تتح له إتمام دراسته في الوطن التي لم تتجاوز الإبتدائية فإن تصميمه الرائع على التعلم من الحياة والممارسة ومطالعة ما يتوفر له من الكتب بحثاً عن الحقيقة والإنسان بتواضع العالم وأريحية ومناقب المناضل الصادق المدافع غن الحق والإنسانية والجمال , دون الإدعاء والتبجح كما يفعل الكثير من حملة الشهادات في أيامنا مع الأسف الذين يزعمون أنهم يملكون الحقيقة وحدهم ويحذفون الرأي الاّخر من الوجود ويعدمون العقل ويتحولوا إلى وعّاظ للسلاطين والطغاة وأدوات رخيصة للإستبداد والتخلف ,
لقد كانت رسائله العديدة لنا في الغربة وسؤاله الدائم عن كل صغيرة وكبيرة يتعرض لها شعبنا ووطننا تحت كابوس الإستبداد المزمن نابع من حبه الكبير للوطن الجريح الذي يحمله بين ضلوعه .. والحلم الإنساني الكبير الذ لم يغب عن ناظريه بعد تجاوزه الثمانين من عمره .... وهذا ماجسّده في كتابه الأخير الذي تضمن قصائد ونصوص أدبية بعنوان – خواطر – الذي صدر في خريف 2006 في بونس اّيرس ونال ميدالية الشرف الذهبية من - المؤسسة العالمية للتضامن الإنساني -- وق دقدّمت له الأديبة الأرجنتينية الشهيرةالسيدة (felisa fernandez alberte ) 170 صفحة باللغات الثلاث الإسبانية والإنكليزية والعربية
كتب هذا الوطني الأصيل بخط يده على غلاف كتابه الهدية وفي شرح سيرته الشخصية في الصفحة 15 من كتابه مايلي :
..-- ليس لدي شهادات مدرسية , وما أكتبه هو نتيجة مطالعاتي الشخصية وتجاربي في الحياة وقناعاتي الشخصية , ولم أكن أطمح لمركز ليس لي بكل تواضع .. كما قال لم أتدخل في السياسة في مواضيع كتابي لأنني لست مؤهلاً لها ,, إنما هي مواضيع موجهة إلى إنسانية الإنسان وتحرره لبلوغ الحياة الأفضل ,, ولتكون خيرات الأرض موزعة بطريقة عادلة بين البشر , ,الهدف الأسمى الأساسي تيقظ الضمير الإنساني ليكون مرشداً للجميع لتحرير الإنسان والمجنمع وتوطيد الفضيلة والتعاون الإجتماعي .... كما قدمت السيدة فيلسا فرنانديز لكتابه بكامات رائعة قالت فيها :
( إن العمل الأدبي هو المصب الذي تلتقي عنده مختلف العناصر والمواهب التي يمتلكها الأديب نفسه وما تعلق منها بالمجتمع الذي يعيش فيه .... وإذا رأى البعض أن خير مافي الطريق هو الوصول إلى الهدف ,, فإن البعض الاَخر يرى أن مافي الهدف هو استعادة القوة لاستمرار الطريق .. ثم إن ابتعاده عن قافية الشعر والتبسيط في قواعد اللغة ليصوغ ماتجود به مخيلته في تعبير دافئ , إنما يدل على اهتمامه بالجوهر والمضمون لابالشكل ..كما قالت : إن هذا الكتاب يتضمن الحب , ومحبة الإنسان لأخيه الإنسان في صراحة أصيلة واضحة , دون تبجح في الكتابة … ومن سورية إلى الأرجنتين :كانت رحلة غنية بعثت في نفسه الحرة الحب والإستقامة والطموح في حياة ملأى بالتجارب والعطاء ...) .
وفي مقالته – الأرض البعيدة –قال : ( الأرض البعيدة بدت لي قي أيلول 1948 عندما سافرت بالباخرة إلى مرسيليا قاصداً الأرجنتين على متن السفينة ( dissirhd ) كانت رحلة لاتنسى , وعلى متن تلك السفينة عرفت قيمة الأرض البعيدة , فمن جهة كان يجتاحني الإشتياق والأمل في الوصول إلى بونس اَيرس والتعرف على شقيقي وأبنائه , ومن جهة أخرى كات تتراءى لي صور أمي وإخوتي وأخواتي , صور الأصدقاء وصورة بلدتي الحبيبة مسقط رأسي ومرابع طفولتي وشبابي ’ صور الحب أيضاً . .. كانت مغامرة شاقة تكبدت الكثير كي أتحملها , وكانت أطول رحلة قمت بها في حياتي , وأكبر أمنية عاشت في تلافيف دماغي .... ما أجمل أن نسمع الأغاني والموسيقا العربية ال ( الكومباريستا ) باللغة الإسبانية ونحن نتناول الطعام العربي في الأرجنتيتن ونتناول وجبة اللحم الأرجنتيني ونشرب ,, المتّة ,, يومياً ... وبهذا تقصر المسافات بين الشعوب ويزداد حجم التعارف الإنساني بينها ....) .
هكذا كان هذا الكاتب الشعبي يحمل بين أضلاعه عاطفتين وحبين للوطن الأم وللوطن الذي يعيش فيه وياَخي بينهما تحت خيمة شعور إنساني كبير برز في سلوكه وأخلاقة وسيرته المعطّرة , وفي ماتضمنه كتابه من نثر وشعر .. التي لايمكننا إختزالها في مقال واحد .. فتحت عنوان / صورة الإنسان السعيد / كتب يقول :
( إن انعدام الإستقامة والصدق عواقبه سلبية منها فقدان الثقة والوقوع في الغش والكذب ..علينا أن نحترم اَراء الاَخرين , وإذا طرحنا رأياً علينا طرحه بتواضع بعيداً عن كل اعتقاد بأن رأينا هو الرأي الصائب وحده ...
علينا أن نقبل بتعددية الاَراء , وهذا ما يساعدنا في توسيع قدراتنا على الصبر والتسامح ,..
وإذا ما أردنا الإلتزام بالمستقبل , فعلينا أن نناضل من أجل التغيير والتبديل .
علينا أن نطالب بمزيد من العدالة والشفافية في كل ما يتعلّق بالأعمال التي تتعلق بمصائرنا ...إن أنبل ما يجب أن يتميز به الإنسان هي الطيبة والعطاء , إنهما السبيل الذي يغذي قلوبنا ..)
وفي قصيدة الخال حنا بعنوان – إلى إنسان جديد – يرى ان السلام القائم على العدل لايتحقق إلا بتقديس العقل واحترام الفكر بما يرضي الضمير هو الذي يحقق كمال الإنسان ...
كما لم ينس حماية البيئة وتقديس الشجرة في مقاله ( إزرع ولاتقطع ) الذي عبر فيه عن سعادته عندما زرع شجرة التوت الشامي في حديقة منزله في صيدنايا وأعطت بواكير ثمارها وعندما زرع زيتونة وليمونة في حديقته في الأرجنتين وأنهى مقاله : زرعوا فأكلنا ونزرع ليأكلوا _ لعل الذين اغتالوا الطبيعة ووضعوا كتل الإسمنت المسلح على أنقاض الشجرة والطبيعة الحلوة في بلادنا أن يتعظوا .أو يحاكموا ..؟ وقال عن الفلسفة .. –هي وليدة الحاجة , حاجة الحياة والإنسان تطورت على مرور الزمن –
وفي نهاية قصيدته – الورد والشوك – قال :
( هنيئاً لمن يوجد التوازن في حياته بين الفرح والألم , عنصران متناقضان , علينا أن لانطفِّح كأس الفرح , كما علينا الاّ نغرق في بحر الألم , لنحافظ على التوازن لمتابعة الحياة .. هكذا شجرة الورد , تغذّي ورداتها وأشواكها معاً . ),
وفي مقاله إلى حفيده ريناتو الأخ الأصغر , وحفيده طوني وهو يرتدي اللباس العربي في الصورة المنشورة في الكتاب وفي قصائده – الفلسفة – و يسوع الناصري – وأحبكِ – والحب والسعادة – وشوق وانتظار أحبك ياشام – وإلى إبنته العزيزة لوسيا –لوسيا شهادة وفاء – وأغاني من صيدنايا- فولكلور صيدنايا – وأول حب .. وغيرها ...
تتجلى فيها كلها الروح الوطنية والإنسانية في أسمى معانيها بلغة شعبية بسيطة نابعة من قلب المحب العاشق للإنسان ولكل ذرة تراب في أرض الوطن ...
ذ هب فور عودته في زيارة للأهل والوطن بعد فراق طويل عام 1995 لزيارة البرلمان السوري الذي دافع عنه رفاقه عندما كان متطوعاً في الدرك السوري مع صديقه المخلص – جريس كحلا – إبن صيدنايا وكان من حامية البرلما ن ونجا بأعجوبة من الموت إبان عدوان عام 1945.. ذهب ليتأكد من وضع إسم صديقه الشهيد- حسن هيكل – في لائحة شهداء البرلمان الذين استشهدوا دفاعاً عن البرلمان في مواجهة عدوان الإستعمار الفرنسي عليه في 29 أيار 1945 ... وللقراء الكرام ما كتبه عن ذلك :
أحبكِ ياشام بربي أحبكِ
اشتاق قلبي وزاد الإنتظار
يا شامةَ الدنيا ويا أم الفقير
لكِ الحب وكل الوقار
* * *
سنة الخمسة والأربعين
خدمت في سلك الدرك
في قلعتك التاريخية
سمح لي وضع إسم الشهيد
الرفيق والصديق , حسن هيكل ,
على برج المصفحة التي كنت أقودها
* * *
كم افتخرت عندما زرت البرلمان
السنة الخامسة والتسعون ورأيت إسمه
مخلّداً مع الشهداء في ساحة البرلمان
في ذلك الزمان كان فجر إستقلال حبيبتنا
سورية الحبيبة ...
السلام عليكِ ياسورية
.......
ليت حكام الإستبداد والظلم وانتهاك حقوق الإنسان والوطن الذي رواه شهداؤنا وأحرارنا بعرقهم ودمائهم , ان يتعلموا حرفا واحداً من ملاحم حياة الناس الطيبين البسطاء وخلجات قلوبهم النقية , ونفوسهم الكبيرة في المهجر والوطن , وحياتهم في الوطنية والصدق والإنسانية والأخلاق والحب الإنساني .. التي لاتسمعها اَذان الطغاة ولا تراها أعين الفاسدين والمفسدين والجلاّدين التي ابتليت بهم سورية الحبيبة منذ عقود طويلة ....
أطال الله عمرك أيها المربي الكبير و الخال العزيز . لنراك على أرض سورية الحبيبة المحرّرة والديمقراطية الحقيقية ....
#جريس_الهامس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟