مازن كم الماز
الحوار المتمدن-العدد: 2325 - 2008 / 6 / 27 - 10:57
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
برنامج الاتحاد العام للأناركيين ( المسودة )
القسم العام
1- الصراع الطبقي, دوره و قيمته
"لا توجد إنسانية واحدة
هناك إنسانية مؤلفة من طبقات :
العبيد و الأسياد"
كسائر المجتمعات التي سبقته , فإن المجتمع البرجوازي الرأسمالي الحالي غير موحد . إنه ينقسم إلى معسكرين متمايزين , يختلفان بشدة في وضعهما الاجتماعي و وظيفتهما الاجتماعية : البروليتاريا ( بأشمل معنى ممكن للكلمة ) و البرجوازية.
كان قدر البروليتاريا لقرون تحمل عبء العمل اليدوي القاسي الذي تؤول ثمراته ليس لها بل لطبقة أخرى محظوظة تنعم بالملكية , و السلطة و منتجات الثقافة الروحية ( العلم, التعليم, الفن الخ ) – البرجوازية .
إن الاستعباد و الاستغلال الاجتماعي للجماهير العاملة يشكل الأساس الذي يقوم عليه المجتمع المعاصر و التي لن يوجد بدونها.
ينتج عن هذه الحقيقة صراعا طبقيا ممتدا منذ قرون طويلة يتخذ أحيانا شكلا صريحا عاصفا , و أحيانا أخرى يكون غير قابل للكشف و بطيء , لكنه دائما يوجه بشكل أساسي نحو تحويل المجتمع القائم إلى مجتمع يلبي حاجات العمال و متطلباتهم و فكرة العدالة.
بعبارات اجتماعية , يمثل كل التاريخ البشري سلسلة متواصلة من النضالات التي تخوضها الجماهير العاملة في سبيل حصولها على حقوقها و حريتها و حياة أفضل . في كل الأوقات على امتداد تاريخ المجتمعات الإنسانية كان الصراع الطبقي العامل الرئيسي في تحديد شكل و بنية هذه المجتمعات .
إن النظام الاجتماعي السياسي لأي بلد هو أساسا نتاج هذا الصراع الطبقي. إن بنية أي مجتمع هي دلالة على المرحلة التي بلغها الصراع الطبقي . إن أدنى تغير في موجة الصراع الطبقي و القوى النسبية للطبقات المتعادية تنتج فورا تغييرات في نسيج و بنية المجتمع الطبقي .
هذه هي الأهمية العامة و الشاملة للصراع الطبقي في حياة المجتمعات الطبقية .
2- ضرورة الثورة الاجتماعية العنيفة
إن مبدأ استعباد و استغلال الجماهير بالقوة يكمن في أساس المجتمع المعاصر . كل مجالات المجتمع - الاقتصاد, السياسة , العلاقات الاجتماعية , تقوم على العنف الطبقي , و الذي تشكل أجهزة الدولة و الشرطة و الجيش و المحاكم أدواته الرسمية . إن كل شيء في هذا المجتمع , من أي مصنع منفرد إلى مجمل النظام السياسي للدولة , ليست إلا معقلا للرأسمالية , حيث تجري و للأبد مراقبة العمال , و حيث تبقى قوى خاصة مستنفرة بشكل دائم لسحق أي تحرك للعمال قد يهدد أسس المجتمع الحاضر أو بحيث تعكر هدوءه .
في نفس الوقت تحافظ بنية المجتمع المعاصر آليا على الجماهير العاملة في حالة جهل و جمود عقلي , إنها تحول عنوة دون تعليمهم و تنويرهم لتكون السيطرة عليهم أسهل .
إن تقدم المجتمع المعاصر – التطور التكنولوجي للرأسمال و كمال نظامه السياسي – رسخ قوة الطبقات الحاكمة و جعل الصراع ضدها أكثر صعوبة , مؤخرا بذلك اللحظة الحاسمة التي سيحقق فيها العمال انعتاقهم .
يظهر تحليل المجتمع المعاصر أنه لا توجد طريقة أخرى لإنجاز تحويل المجتمع الرأسمالي إلى مجتمع من العمال الأحرار إلا من خلال الثورة الاجتماعية العنيفة .
3 – الأناركية و الشيوعية الأناركية
أدى الصراع الطبقي , الذي ولد من العنف من خلال رغبة الشعب العامل بالحرية التي تعود إلى أقدم الأزمنة , إلى ظهور فكرة الأناركية بين المضطهدين – فكرة النفي المطلقة للنظام الاجتماعي القائم على الطبقات و على الدولة , و استبداله بمجتمع حرمن دون دولة من العمال الذين يحكمون أنفسهم .
هكذا تطورت الأناركية , ليس من التأملات المجردة لعالم أو فيلسوف ما , بل من الصراع المباشر الذي خاضه الشعب العامل ضد رأس المال , من حاجاتهم و متطلباتهم , من نفسيتهم , من توقهم إلى الحرية و المساواة , و طموحاتهم التي أصبحت حية خاصة في الفترات الأكثر ملحمية من حياة و نضال الجماهير العاملة .
لم يخترع مفكرو الأناركية البارزون - باكونين و كروبوتكين و آخرين - فكرة الأناركية , بل اكتشفوها بين الجماهير , ساعدوا ببساطة في تطويرها و نشرها بقوة فكرهم و معرفتهم .
إن الأناركية ليست نتاج الإبداع الفردي , و لا موضوعا للتجارب الفردية .
بالمثل فإن الأناركية ليست بأي حال نتاجا للطموحات الإنسانية العامة . لا توجد إنسانية "واحدة" . إن أية محاولة لنسبة الأناركية إلى الإنسانية بمجملها , كما توجد اليوم , أو أن توصف بصفة إنسانية عامة سيكون تزييفا تاريخيا و اجتماعيا سيؤدي بالضرورة إلى تبرير النظام السائد و الاستغلال الحالي .
إن الأناركية إنسانية بالمعنى الأوسع فقط بمعنى أن أهداف جماهير الشغيلة ستحسن حياة جميع البشر , و أن مصير البشرية اليوم أو في الغد مرتبط مع مصير العمال المستعبدين . فإذا حققت جماهير الشغيلة النصر سيتم بعث كل البشرية من جديد . أما إذا فشلت فإن العنف و الاستغلال و الاستعباد و الاضطهاد سوف يسود في العالم كما كان عليه الحال في الماضي .
ترجع أصول ولادة المثل الأناركية و انتشارها و تحققها إلى حياة و نضال جماهير الشغيلة و ترتبط على نحو لا فكاك منه مع مصيرها العام .
تهدف الأناركية إلى تحويل المجتمع البرجوازي الرأسمالي إلى مجتمع سيضمن للجماهير العاملة ثمرة عملها إلى جنب الحرية و الاستقلالية و المساواة الاجتماعية و السياسية . هذا المجتمع هو الأناركية الشيوعية . إنه في مجتمع الأناركية الشيوعية هذا سيكون هناك التعبير الأكمل ليس فقط عن التضامن الاجتماعي , بل أيضا عن أفكار الفردية الحرة , و سيتطور هذان المفهومين جنبا إلى جنب في انسجام كامل .
تؤمن الأناركية الشيوعية بأن الخالق الوحيد لكل الموجودات الاجتماعية هو العمل – اليدوي و الفكري – و بالنتيجة فإن العمل وحده هو الذي يملك الأهلية لإدارة كل الحياة الاقتصادية و العامة . لهذا فإن الأناركية الشيوعية لا تبرر بأي طريقة أو تؤيد وجود الطبقات غير العاملة .
إذا ما استمرت هذه الطبقات بالوجود أو تعايشت مع الأناركية الشيوعية , فإن الأخيرة لن تقر بأية مسؤولية تجاهها . فقط عندما تقرر الطبقات غير العاملة أن تصبح منتجة و ترغب بالحياة ضمن المنظومة الاجتماعية للأناركية الشيوعية على نفس الأساس الذي يعيش وفقه كل شخص آخر فإنهم سيحتلون مكانا فيه , مثلا , موقع الأعضاء الأحرار للمجتمع المتساويين مع كل شخص آخر , المتمتعين بذات الحقوق في هذا المجتمع و لديهم ذات المسؤوليات العامة .
تسعى الأناركية الشيوعية إلى محو كل استغلال و عنف , سواء أكان موجها ضد الفرد أو ضد الجماهير العاملة . و للوصول إلى هذه الغاية فإنها تخلق الأساس الاقتصادي و الاجتماعي الذي يصهر الحياة الاقتصادية و الاجتماعية للبلد في كل متناسق و يضمن لكل فرد المساواة مع كل فرد آخر و يوفر أقصى رفاهية للجميع . هذا الأساس هو الملكية الجماعية في شكل جمعنة ( جعلها ملكا للمجتمع ) كل وسائل و أدوات الإنتاج ( الصناعة , المواصلات , الأرض , و المواد الخام , الخ ) و بناء مؤسسات اقتصادية وطنية على قاعدة المساواة و الإدارة الذاتية للطبقات العاملة .
ضمن حدود هذا المجتمع من الإدارة الذاتية للعمال تضع الشيوعية الأناركية مبدأ القيمة المتساوية و مبدأ الحقوق المتساوية لكل فرد ( ليس الشخصية "المجردة" أو "الشخصية الغامضة" أو مفهوم "الفردية كفكرة" ) .
انطلاقا من مبدأ القيمة المتساوية و الحقوق المتساوية هذا لكل فرد , و أيضا من حقيقة أن قيمة العمل الذي يقدمه أي فرد لا يمكن قياسه أو تقديره , فإن المبادئ الأساسية الاقتصادية و الاجتماعية و القانونية للشيوعية الأناركية تتبع المبدأ التالي :"من كل بحسب قدرته , و لكل حسب حاجته " .
4 – نفي الديمقراطية
إن الديمقراطية هي واحدة من أشكال المجتمع البرجوازي الرأسمالي .
إن أساس الديمقراطية هو الاحتفاظ بطبقتين متعاديتين في المجتمع المعاصر – العمال و رأس المال – و تعاونهما على أساس الملكية الخاصة الرأسمالية .
إن البرلمان و الحكومة الوطنية التمثيلية هما تعبيران عن هذا التعاون .
بالشكل تعلن الديمقراطية حرية الكلام و الصحافة و التجمع , بالإضافة إلى المساواة الشاملة أمام القانون .
أما في الواقع فإن كل هذه الحريات ذات طبيعة نسبية جدا : يجري التساهل معها ما دامت لا تتعارض مع مصالح الطبقة الحاكمة , البرجوازية مثلا .
تحافظ الديمقراطية على مبدأ الملكية الرأسمالية الخاصة دون أن يمس . و بفعلها هذا فإنها تحافظ على حق البرجوازية في السيطرة على كل اقتصاد البلد , بالإضافة إلى الصحافة و التعليم و العلم و الفن , الأمر الذي يجعل البرجوازية في الممارسة السيد المطلق للبلد . فيما تتمتع بوضع احتكاري في مجال العلاقات الاقتصادية في البلد , تكون البرجوازية حرة في إقامة سلطتها الكاملة و المطلقة في المجال السياسي أيضا . بالفعل فإن البرلمان و الحكومة التمثيلية , في الديمقراطيات , ليست إلا أدوات منفذة للبرجوازية .
بالنتيجة فإن الديمقراطية ليست إلا نوعا من الديكتاتورية البرجوازية , أما حرياتها المزيفة السياسية و ضماناتها الديمقراطية فهي ستار دخاني صمم لإخفاء هويتها الحقيقية .
5 – نفي الدولة و السلطة
تعرف الإيديولوجيات البرجوازية الدولة على أنها الأداة التي تنظم العلاقات المعقدة الاجتماعية – السياسية , المدنية و الاجتماعية بين الناس داخل المجتمع المعاصر , و تحمي قانون و نظام هذا المجتمع . يتفق الأناركيون تماما مع هذا التعريف لكنهم يضيفون أن القانون و النظام اللذين يقوم عليهما هذا المجتمع يخفيان استعباد الغالبية العظمى من الشعب من قبل أقلية ضئيلة , و أن الدولة المعاصرة تستخدم للمحافظة على هذا الاستعباد .
إن الدولة هي كلا من العنف المنظم للبرجوازية ضد العمال و منظومة أدواتها التنفيذية .
ينظر الاشتراكيون اليساريون و خاصة البلاشفة أيضا إلى السلطة البرجوازية و الدولة البرجوازية على أنها أدوات لرأس المال . لكنهم يعتقدون أن سلطة الدولة , في أيدي الأحزاب الاشتراكية , يمكن أن تصبح سلاحا قويا في النضال لانعتاق البروليتاريا . و هم لذلك يؤيدون السلطة الاشتراكية و الدولة البروليتارية . يريد بعضهم ( الديمقراطيون الاشتراكيون ) الوصول إلى موقع السلطة من خلال الوسائل السلمية البرلمانية , فيما يريد الآخرون ( الشيوعيون , الاشتراكيون الثوريون اليساريون ) الاستيلاء على السلطة بالوسائل الثورية .
تعتبر الأناركية أن كلا الموقفين خاطئين في الأساس و يضران بقضية انعتاق العمال .
تسير الدولة دائما يدا بيد مع استغلال و استعباد الجماهير . إنها تنبثق من هذا الاستغلال , أو أنها تخلق من أجله . إن سلطة الدولة من دون العنف و الاستغلال تفقد أي سبب لوجودها .
تقوم الدولة و السلطة بسرقة مبادرة الجماهير و تقتل روح نشاطها المستقل , مربية فيهم عقلية العبيد عن الخضوع ل , و الرجاء من , و الإيمان بالحكام و السادة . هكذا فإن انعتاق العمال ممكن فقط من خلال طريق النضال الثوري المباشر لجماهير العمال و منظماتهم الطبقية ضد النظام الرأسمالي .
إن استيلاء الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية على السلطة عبر الوسائل البرلمانية ضمن بنية النظام القائم لن يعزز انعتاق العمال و لو قيد أنملة لسبب بسيط هو أن السلطة الحقيقية , و بالتالي الحكم الفعلي , ستبقى بأيدي البرجوازية , التي تمتلك السيطرة الكاملة على اقتصاد البلد و سياسته . سوف يقتصر دور السلطات الاشتراكية في هذه الحالة على الإصلاحات , على تحسين ذات النظام البرجوازي ( انظر مثال ماكدونالد , الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية في ألمانيا و السويد و بلجيكا التي بلغت سلطة الدولة في ظل النظام الرأسمالي ) .
كما لا يمكن للاستيلاء على السلطة بواسطة الثورة الاجتماعية و الجهاز الذي يسمى بالدولة البروليتارية أن يعزز قضية الانعتاق الحقيقي للعمال . الدولة التي يفترض أنها أنشأت في أول الأمر لأغراض الدفاع عن الثورة , سوف تراكم بشكل حتمي ضروراتها الخاصة و تصبح غاية في نفسها , منتجة طبقات اجتماعية محظوظة ( صاحبة امتيازات ) سوف تعتمد عليها , و سوف تخضع الجماهير بالقوة لحاجاتها تلك و لحاجات الطبقات الاجتماعية صاحبة الامتيازات , مستعيدة بذلك أساس السلطة الرأسمالية و الدولة الرأسمالية : استعباد و استغلال الجماهير بالعنف ( مثال على هذا "دولة العمال و الفلاحين" البلشفية ) .
6 – الجماهير و الأناركيون : دور كل منهما في النضال الاجتماعي و في الثورة الاجتماعية
إن القوى الرئيسية للثورة الاجتماعية هي الطبقة العاملة المدينية , الفلاحين , و جزئيا المثقفين العاملين ( الأنتلجنسيا العاملة ) .
ملاحظة : فيما هم , مثل البروليتاريا المدينية و الريفية , طبقة مضطهدة و مستغلة , ينقسم المثقفون العاملون إلى طبقات أكثر فيما بينهم بفضل الامتيازات الاقتصادية التي تمنحها البرجوازية لبعض أفرادهم . لهذا السبب , في الأيام الأولى من الثورة الاجتماعية فإن الطبقة الأقل ثراء بينها هي التي ستشارك بفعالية في الثورة .
إن دور الجماهير في الثورة الاجتماعية و بناء الاشتراكية مختلف بشكل هام من ذلك الذي تعزوه إليهم الأحزاب الدولتية ( نسبة إلى الدولة , أي الأحزاب التي تتمحور سياساتها على الاستيلاء على الدولة – المترجم ) . ففيم نجد البلشفية و التيارات المرتبطة بها تتخذ الموقف الذي يقول بأن جماهير العمال تملك فقط المقدرات أو الغرائز الثورية التدميرية , و أنها غير قادرة على القيام بالنشاط الثوري الإبداعي و البناء – هذا هو السبب الرئيسي لماذا يجب أن توضع النشاطات الأخيرة بتصرف الأشخاص الذين يشكلون الحكومة أو اللجنة المركزية للحزب – يعتقد الأناركيون عوضا عن ذلك بأن جماهير العمال تحمل داخلها الطاقات الإبداعية و البناءة الكامنة , و أنهم يتوقون إلى تجاوز العقبات التي تمنع تجليها .
ينظر الأناركيون فعلا إلى الدولة على أنها العقبة الرئيسية , حيث أنها تغتصب كل حقوق الجماهير و تحرمها من كل وظائفها في الحياة الاجتماعية و الاقتصادية . يجب على الدولة أن تختفي , لكن ليس في يوم رائع ما في مجتمع المستقبل . يجب أن يتم تدميرها من قبل العمال في اليوم الأول لانتصارهم و لا يجب أن تعود إلى الحياة مرة أخرى في أي تخف مهما يكن . سيحل مكانها منظومة من منظمات العمال ذاتية الإدارة للمنتجين و المستهلكين , موحدين على أساس فيدرالي . ستستبعد هذه المنظومة كلا من مؤسسة سلطة الدولة و أية ديكتاتورية لأي حزب مهما يكن .
تشكل الثورة الروسية لعام 1917 مثالا لهذه المقاربة لعملية الانعتاق الاجتماعي من خلال خلق منظومة سوفييتات العمال و الفلاحين و لجان المعامل . كانت غلطتها المحزنة أنها لم تقم بتصفية مؤسسة الدولة للسلطة في وقت مبكر – أولا سلطة الحكومة المؤقتة , ثم بعدها سلطة البلاشفة . قامت الأخيرة , مستغلة ثقة العمال و الفلاحين , بإعادة تنظيم الدولة البرجوازية بالتوافق مع ظروف زمانها و قامت بعد ذلك , بمساعدة هذه الدولة , بقتل النشاط الإبداعي للجماهير الثورية عبر خنق المنظومة الحرة للسوفييتات و لجان المعامل التي تمثل الخطوات الأولى نحو بناء مجتمع من دون دولة .
يقسم نشاط الأناركيين إلى مرحلتين : المرحلة ما قبل الثورية و مرحلة الثورة . في كلتا الحالتين , يمكن للأناركيين أن يقوموا بدورهم كقوة منظمة فقط إذا كان لديهم فهما واضحا عن أهداف نضالهم و الطرق التي تؤدي إلى تحقيقها .
في المرحلة ما قبل الثورة تكون المهمة الأساسية للاتحاد الأناركي العام هو تحضير العمال و الفلاحين للثورة الاجتماعية .
برفض الديمقراطية الرسمية ( البرجوازية ) و سلطة الدولة و المناداة بالانعتاق الكامل للعمال , تشدد الأناركية بأقصى قوة على المبادئ الصارمة للصراع الطبقي , على إيقاظ و تقوية الوعي الطبقي الثوري و العناد الطبقي الثوري بين الجماهير .
يجب القيام بالتثقيف الأناركي للجماهير بروح العناد الطبقي , مناهضة الديمقراطية و مناهضة الدولة و بروح المثل العليا للشيوعية الأناركية , لكن التثقيف وحده لا يكفي . لا بد أيضا من درجة معينة من التنظيم الأناركي للجماهير . و لتحقيق هذا علينا أن نعمل على خطين : من جهة , باختيار و تجميع قوى العمال و الفلاحين الثوريين على أساس النظرية الأناركية ( أي منظمات أناركية صريحة ) , و من جهة أخرى على مستوى تجميع العمال و الفلاحين الثوريين على أساس الإنتاج و الاستهلاك ( أي منظمات إنتاج العمال و الفلاحين الثوريين , تعاونيات "العمال و الفلاحين" الحرة , الخ ) .
إن طبقتي العمال و الفلاحين , المنظمتين على أساس الإنتاج و الاستهلاك و المتشربتين بإيديولوجية الأناركية الثورية , ستكونان من أهم النقاط القوية للثورة الاجتماعية , و كلما أدخل المزيد من الوعي الأناركي و التنظيم الأناركي بين الجماهير اليوم كلما كشفوا أكثر عن الإصرار الأناركي و الثبات الأناركي و الإبداع الأناركي في ساعة الثورة .
فيما يخص الطبقة العاملة في روسيا , بعد ثمانية سنوات من الديكتاتورية البلشفية , التي قمعت شهية الجماهير الطبيعية للنشاط المستقل , و التي أظهرت بشكل ساطع الطبيعة الحقيقية لأية سلطة , فمن الواضح أن الطبقة تحمل في داخلها إمكانيات كامنة هائلة لتشكيل حركة أناركية جماهيرية و أناركية سينديكالية ( نقابية ) . يجب فورا على المناضلين الأناركيين المنظمين و باستخدام كل الموارد المتاحة أن يبادروا إلى رعاية هذه الشهية و تلك الإمكانيات الكامنة , كيلا يسمح لها بالانحطاط إلى المنشفية .
لذلك يجب على الأناركيين , من دون تأخير , أن يكرسوا كل جهودهم لتنظيم الفلاحين الفقراء , الذين تضطهدهم السلطات لكن الذين يبحثون عن الانعتاق و الذين يملكون إمكانيات ثورية هائلة .
إن دور الأناركيين في المرحلة الثورية لا يمكن أن يقتصر على التبشير فقط بالشعارات و الأفكار الأناركية .
يجب أن نرى الحياة ليس فقط كفسحة للتبشير بهذه الفكرة أو تلك , بل أيضا و على نفس المستوى كمجال للنضال , حيث تلهم القوى لتؤثر في حركة المجتمع للفوز بالمكانة العليا إيديولوجيا . أكثر من أية فكرة أخرى يجب على الأناركية أن تصبح الفكرة القائدة في الثورة الاجتماعية , لأنه فقط بفضل الأفكار الأناركية سوف تنجز الثورة الاجتماعية الانعتاق الكامل للعمال .
إن الموقع القيادي للأفكار الأناركية في الثورة يعني أن الأناركيين و النظرية الأناركية , في نفس الوقت , سيلعبون دورا مؤثرا في الأحداث . لكن يجب ألا يخلط هذا التأثير مع القيادة السياسية للأحزاب الدولتية التي ستجد تتويجها فقط في سلطة الدولة .
لا تهدف الأناركية إلى الاستيلاء على السلطة السياسية , أن تخلق ديكتاتورية . إن إلهامها الأساسي هو في مساعدة الجماهير في اختيار طريق حقيقي للثورة الاجتماعية و البناء الاشتراكي . لكن لا يكفي أن تبدأ الجماهير بالسير على الطريق نحو الثورة الاجتماعية فقط . يجب التأكد أيضا من أن الثورة ستتمسك بطريقها و هدفها – الإطاحة بالمجتمع الرأسمالي باسم مجتمع العمال الأحرار . كما أظهرت خبرة الثورة الروسية 1917 لنا , فإن هذه ليست مهمة سهلة , بشكل أساسي بسبب الأحزاب الكثيرة التي تحاول أن توجه الحركة في الاتجاه المعاكس لتلك الثورة الاجتماعية .
رغم أن الجماهير في فترات الثورات الاجتماعية تدعم بقوة التيارات و الشعارات الأناركية , لكن هذا لا يجري تنظيمه أو تنسيقه بأية طريقة , و كنتيجة فإن هذه التيارات و الشعارات لا تملك الترابط أو الجاذبية لتصبح الأفكار القيادية , الشيء الضروري فيما إذا كان على الثورة الاجتماعية أن تحتفظ بتوجه أناركي و أهداف أناركية . هذه القوة الدافعة للأفكار يمكن فقط أن يتم التعبير عنها في تجمع معين تقوم الجماهير بإقامته لتحقيق تلك المهمة الخاصة . سوف تقوم العناصر الأناركية المنظمة و الحركة الأناركية المنظمة بتشكيل هذا التجمع .
أثناء الثورة سيقوم هذا التجمع , الاتحاد الأناركي العام مثلا , بتحمل المسؤوليات النظرية و العملية الهائلة .
سيكون عليه أن يظهر المبادرة و أن يكشف عن التزامه الكامل في كل جانب من الثورة الاجتماعية , أن يحيط باتجاه و طبيعة الثورة , الحرب الأهلية و الدفاع عن الثورة , المهام الإيجابية للثورة , نظام الإنتاج و الاستهلاك الجديد , القضية الزراعية , الخ .
في هذه القضايا و كثير غيرها , ستحتاج الجماهير إلى أجوبة واضحة و محددة من الأناركيين . و عندما يستقطب الأناركيون الاهتمام العام بفكرة الثورة الأناركية و البنية الأناركية للمجتمع , سيكون عليهم أن يقدموا إجابة محددة لكل هذه القضايا , و أن يربطوا حل كل هذه المشاكل بالمفهوم العام للأناركية و أن يكرسوا كل مواردهم لإنجازها الفعلي .
فقط هكذا يمكن للاتحاد الأناركي العام و للحركة الأناركية أن تؤدي دورها بنجاح كقوة أساسية للأفكار في الثورة الاجتماعية .
7 – الفترة الانتقالية
تستخدم الأحزاب السياسية الاشتراكية مصطلح "الفترة الانتقالية" لتشير إلى مرحلة خاصة من حياة الشعب , معالمها الأساسية عبارة عن قطع مع النظام القديم و إقحام نظام اقتصادي و سياسي جديد , الأمر الذي لا يعني مع ذلك الانعتاق الكامل لكل العمال بعد .
في هذا الصدد فإن كل برامج الحد الأدنى للأحزاب السياسية الاشتراكية , مثلا البرنامج الديمقراطي للاشتراكيين الانتهازيين , أو البرنامج الشيوعي "لديكتاتورية البروليتاريا" , هي برامج للفترة الانتقالية .
الخاصية الأساسية لبرامج الحد الأدنى هذه هي أنها تعتبر أن التحقيق الكامل لأهداف العمال – استقلاليتهم , حريتهم , و المساواة – لا يمكن الوصول إليه خلال وقت قصير , و بالنتيجة فإنهم يحتفظون بمجموعة كاملة من مؤسسات النظام الرأسمالي : مبدأ إكراه الدولة , الملكية الخاصة لوسائل و أدوات الإنتاج , عبودية العمل المأجور و أشياء أخرى كثيرة وفقا لأهداف برنامج كل حزب سياسي .
كان الأناركيون على الدوام خصوما مبدئيين لبرامج كهذه , متخذين وجهة النظر التي تقول بأن إقامة الأنظمة الانتقالية التي تحتفظ بمبادئ استغلال و إكراه الجماهير ستؤدي بشكل لا يمكن تجنبه للعودة إلى العبودية .
عوضا عن برامج الحد الأدنى السياسية , أيد الأناركيون فقط و على الدوام الثورة الاجتماعية التي ستنتزع الامتيازات السياسية و الاقتصادية من الطبقة الرأسمالية و ستضع وسائل و أدوات الإنتاج و , كل الوظائف الأخرى للحياة الاجتماعية و الاقتصادية , في أيدي العمال .
و هذا هو الموقف الذي التزم به الأناركيون بثبات حتى يومنا هذا .
إن فكرة المرحلة الانتقالية , و الذي وفقا له ستجد الثورة الاجتماعية ذروتها , ليس في مجتمع أناركي , بل في شكل ما آخر لنظام يحتفظ بعناصر و آثار النظام الرأسمالي القديم , الذي هو معادي للأناركية في جوهره . إنها تحتوي في نفسها خطر دعم و تطوير هذه العناصر إلى تناسباتها السابقة , عاكسة بذلك مسار الأحداث .
نموذج واضح لهذا هو نظام "ديكتاتورية البروليتاريا" الذي أقامه البلاشفة في روسيا , و الذي هو وفقا لهم يفترض أن يكون مرحلة انتقالية فقط في المسيرة نحو الشيوعية الكاملة , و لكن الذي أدى في حقيقة الأمر إلى العودة إلى مجتمع الطبقات و الذي نجد في أسفله , تماما كما كان الحال من قبل , العمال الصناعيين و الفلاحين الأكثر فقرا .
لا يتألف المركز الأساسي في بناء مجتمع أناركي من أن نضمن لكل فرد , اعتبارا من اليوم الأول للثورة , حرية لا حدود لها ليسعى إلى إشباع حاجاته , بل في انتزاع الأساس الاجتماعي لهذا المجتمع و في تأسيس مبادئ العلاقات بين البشر . إن قضية وفرة أكبر أو أقل للموارد هي ليست قضية مبدأ بل قضية تكتيكية .
إن المبدأ الأساسي الذي سيقوم عليه المجتمع الجديد , القاعدة التي سيبنى عليها , و الذي يجب ألا يجري تقييدها حتى بأدنى درجة هو المساواة في العلاقات , حرية و استقلالية العمال . يتضمن هذا المبدأ المطالب الأساسية للجماهير , و التي باسم هذه المطالب فقط ستنتفض في ثورة اجتماعية .
إما أن الثورة الاجتماعية ستنتهي بهزيمة العمال , و في هذه الحالة سيتعين علينا أن نبدأ من جديد الإعداد لنضال جديد , هجوم جديد ضد النظام الرأسمالي , أو أنها ستقود إلى انتصار العمال , في هذه الحالة باستيلائهم على المال الكافي ليعيلوا أنفسهم – الأرض , الإنتاج , و الوظائف الاجتماعية – فإنهم سيبدؤون بناء مجتمع حر .
ستكون تلك اللحظة بداية بناء مجتمع أناركي , و التي ما أن تبدأ , حتى تستمر في التطور , جامعة القوة و متقدمة باستمرار .
لذلك فإن السيطرة على الإنتاج و الوظائف الاجتماعية ستشكل الحد الفاصل بين الحقبتين الدولتية و اللا دولتية .
لكي تصبح نقطة تجميع للجماهير المناضلة و لحقبة الثورة الاجتماعية , يجب على الأناركية ألا تخفي مبادئها الأساسية و لا أن تعدل برنامجها ليشابه آثار النظام القديم , و التيارات الانتهازية للأنظمة و الفترات الانتقالية , عوضا عن ذلك يجب أن تطور مبادئها و تصقلها أكثر ما تستطيع .
8 – الأناركية و السينديكالية ( النقابية )
إن الميل لمعارضة الأناركية الشيوعية بالسينديكالية ( النقابية أي بتنظيم العمال النقابي – المترجم ) , و العكس بالعكس , هو اتجاه نعتبره مصطنعا بكل معنى الكلمة و فاقدا لأي أساس أو معنى .
تشغل أفكار الشيوعية و السينديكالية مستويين مختلفين . ففيم الشيوعية , أي المجتمع الحر للعمال المتساويين , هي هدف النضال الأناركي , فإن السينديكالية , أو الحركة الثورية للعمال الصناعيين التي تقوم على أساس النقابات , ليست إلا واحدة من أشكال النضال الطبقي الثوري .
بتوحيدها العمال الصناعيين على أساس الإنتاج فإن السينديكالية الثورية , مثل أية حركة نقابية , لا تحمل أي إيديولوجيا معينة : إنها لا تملك رؤية عالمية تشمل كل القضايا الاجتماعية و السياسية المعقدة للوضع الراهن . إنها تعكس دائما إيديولوجيات نطاق واسع من المجموعات السياسية , بشكل أساسي أولئك الذين يشكلون أكثرية في صفوفها .
ينتج موقفنا فيما يتعلق بالسينديكالية الثورية عما قيل للتو . بعيدا عن الرغبة في حل مسبق لقضية دور المنظمات السينديكالية الثورية في اليوم الثاني من الثورة ( أي هل سيكونون هم من ينظم النظام الجديد للإنتاج بمجموعه , أو هل سيتركون هذه المهمة لمجالس العمال أو لجان المعامل ؟ ) , فإن موقفنا هو أنه يجب على الأناركيين أن ينخرطوا في السينديكالية الثورية كأحد أشكال الحركة العمالية الثورية .
لكن القضية الآن ليست ما إذا كان على الأناركيين أن يشاركوا أو لا في السينديكالية الثورية , بل على الأصح , كيف و نحو أية هدف ستكون مشاركتهم .
إننا نعتبر كل المرحلة وصولا حتى أوقاتنا هذه , حيث يشكل الأناركيون جزءا من الحركة السينديكالية ( النقابية ) الثورية كعمال و محرضين فرديين , هي مرحلة تكون فيها العلاقات مع حركة العمال الصناعيين غير ناضجة .
الأناركية السينديكالية ( النقابية ) , التي تحاول بثبات أن تؤسس للأفكار الأناركية داخل الجناح اليساري من السينديكالية الثورية من خلال خلق نقابات على النمط الأناركي , تمثل خطوة إلى الأمام في هذا الصدد . لكنها لم تحسن بعد من أساليبها غير الناضجة . هذا لأن الأناركية السينديكالية ( النقابية ) لا تربط بين الحاجة "لتحويل" الحركة السينديكالية إلى أناركية مع تنظيم القوى الأناركية خارج هذه الحركة . فقط إذا أمكن إقامة مثل هذا الربط سيصبح من الممكن "تحويل الحركة السينديكالية ( النقابية ) إلى أناركية" لمنع أي انزلاق نحو الانتهازية .
إننا نعتبر السينديكالية الثورية على أنها فقط حركة نقابية للعمال دون أية إيديولوجيا اجتماعية أو سياسية محددة , و بالتالي أنها عاجزة بمفردها عن حل المسألة الاجتماعية , و لذلك فإن موقفنا هو أن دور الأناركيين في صفوف هذه الحركة يتألف من تطوير الأفكار الأناركية داخلها و توجيهها في الاتجاه الأناركي , لتحويلها إلى جيش فعال للثورة الاجتماعية . من الهام أن نتذكر أنه إذا لم يضف إلى السينديكالية دعم النظرية الأناركية في الوقت المناسب , فستجبر على الاعتماد على إيديولوجيا حزب سياسي دولتي ما .
المثال الصارخ على هذا هو السينديكالية الفرنسية , التي تألقت ذات مرة على أساس شعاراتها و تكتيكاتها الأناركية , قبل أن تسقط تحت تأثير الشيوعيين , و قبل كل شيء , الاشتراكيين الانتهازيين اليمنيين .
لكن مهمة الأناركيين في صفوف حركة العمال الثورية يمكن إنجازها فقط إذا ما تم الربط عن كثب و التنسيق بين جهودهم مع نشاط المنظمة الأناركية خارج النقابة السينديكالية . ضع الأمور بشكل مختلف , يجب علينا أن ننخرط في حركة العمال الثورية كقوة منظمة , مسؤولين أمام المنظمة الأناركية العامة عن عملنا داخل النقابات السينديكالية , و مستمدين التوجيه من تلك المنظمة .
من دون أن نحصر أنفسنا بتأسيس اتحادات أناركية سينديكالية , يجب علينا أن نسعى لممارسة تأثيرنا النظري على السينديكالية الثورية كمجموع في كل أشكالها ( عمال العالم الصناعيين ( اتحاد نقابي عمالي أمريكي جماهيري – المترجم ) , النقابات الروسية , الخ ) . لكن يمكننا تحقيق ذلك فقط بأن نشرع في العمل كتجمع أناركي منظم على نحو صارم , و بالتأكيد ليس كمجموعات صغيرة غير ناضجة , من دون صلات تنظيمية أو أساس نظري عام .
إن مجموعات الأناركيين في المعامل , العاملة على خلق اتحادات نقابية أناركية , و هي تناضل داخل السينديكالية الثورية لنشر الأفكار الأناركية داخل هذه السينديكالية و اتجاهها النظري و الذين توجههم في نشاطهم المنظمة الأناركية العامة التي ينتسبون إليها – هذه هي أهمية العلاقة بين الأناركيين و السينديكالية الثورية و الحركات النقابية الثورية المرتبطة بها ( و الشكل الذي يجب أن تأخذه ) .
برنامج الاتحاد العام للأناركيين ( المسودة )
قسم البناء
مشكلة اليوم الأول من الثورة الاجتماعية
إن الهدف الرئيسي لحركة العمال و نضالها هو إقامة مجتمع الأناركية الشيوعية الحر و الذي يقوم على المساواة , من خلال الثورة , وفق المبدأ :"من كل حسب قدرته , و لكل حسب حاجته" .
لكن مجتمعا كهذا في شكله النهائي لن يتحقق لوحده , بل فقط من خلال قوة التغيير الاجتماعي الراديكالي ( الجذري ) . يتطلب إنجازه عملية اجتماعية ثورية طويلة نوعا ما , عملية تدفعها القوى المنظمة للعمال المنتصرين عبر طريق معينة .
إن مهمتنا هي أن ندل على هذا الطريق هنا و الآن , أن نحدد المشاكل الايجابية العملية التي ستواجه العمال اعتبارا من اليوم الأول للثورة الاجتماعية . إن مصير الثورة الاجتماعية نفسه سيتوقف على إيجاد الحلول المناسبة لهذه المشاكل .
لا حاجة بنا للتأكيد أن بناء المجتمع الجديد سيكون ممكنا فقط بعد انتصار العمال على النظام الرأسمالي البرجوازي الحالي و على ممثليه . لا يمكن لبناء اقتصاد جديد و علاقات اجتماعية جديدة أن يبدأ حتى يتم تحطيم سلطة الدولة التي تدافع عن حكم العبودية , حتى يأتي ذلك الوقت عندما يتسلم العمال الصناعيون و الفلاحون المسؤولية عن اقتصاد البلد الصناعي و الزراعي عن طريق الثورة .
كنتيجة فإن المهمة الأولى الفعلية للثورة الاجتماعية هي أن تقوم بتدمير آلة الدولة في المجتمع الرأسمالي , أن تجرد البرجوازية , و أعم من ذلك , كل العناصر صاحبة الامتيازات الاجتماعية من سلطتها , و أن تقيم عموما إرادة العمال الثائرين كما جرى التعبير عنها في المبادئ الأساسية للثورة الاجتماعية . سوف يفتح هذا الجانب التدميري و القتالي في الثورة الاجتماعية الطريق فقط أمام المهام الإيجابية التي تشكل المعنى الحقيقي و جوهر الثورة الاجتماعية .
هذه المهام هي كما يلي :
أ – إيجاد حل أناركي لمشكلة إنتاج البلد ( الصناعي ) .
ب – أن يجري حل المسألة الزراعية بذات الطريقة .
ج – أن يجري حل مشكلة الاستهلاك ( إمدادات الغذاء ) .
الإنتاج
مستحضرين في البال أن صناعة البلد هي ثمرة جهود أجيال عديدة من العمال و أن الفروع المختلفة للصناعة مرتبطة فيما بينها إلى حد كبير , فإننا نعتبر الإنتاج في كليته كمعمل واحد كبير للمنتجين , , يعود كلية للعمال بمجموعهم و ليس لواحد منهم بالتحديد .
إن جهاز البلد الإنتاجي هو كل متكامل و يعود للطبقة العاملة كلها . هذا يحدد طبيعة و شكل النظام الجديد للإنتاج . عليه هو أيضا أن يكون كلا موحدا , مشتركا بمعنى أن المنتجات , التي تصنع من قبل المنتجين , ستمتلك من قبل كل شخص . هذه المنتجات , أو أيا كان نوعها , سوف تمثل ذخيرة الإمداد العام للعمال , التي سيأخذ منها كل مشارك في النظام الجديد للإنتاج كل ما يحتاجه , على أساس متساوي مع كل فرد آخر .
سوف يتخلص النظام الجديد للإنتاج و بشكل نهائي من عبودية العمل المأجور و الاستغلال بكل أشكاله و سوف يقيم مكانه مبدأ التعاون الرفاقي بين العمال .
سيكون على الطبقة الوسيطة التي تقوم في ظل المجتمع الرأسمالي المعاصر بأداء الوظائف الوسيطة ( التجارة , الخ ) , بالإضافة إلى البرجوازية , أن تلعب دورها في النظام الجديد للإنتاج على نفس الأساس ذاته كما بالنسبة لكل فرد آخر . و إلا فإن هذه الطبقات ستضع نفسها خارج المجتمع العامل .
لن يكون هناك سادة , و لا مقاولين , لا أصحاب مؤسسات و لا دولة أصحاب المؤسسات ( كما يجد المرء اليوم في دولة البلاشفة ) . في النظام الجديد للإنتاج , ستنتقل وظائف التنظيم إلى مؤسسات تشكل خصيصا , تنشئها جماهير العمال حسب الغاية المرجوة : مجالس العمال , لجان المعامل أو الإدارات العمالية للمعامل و المصانع . هذه المؤسسات , متصلة مع بعضها البعض على مستوى البلدية , المقاطعة ثم على مستوى البلد , ستقوم بتشييد مؤسساتها البلدية , في المقاطعة , ثم العامة ( الفيدرالية ) لتوجيه و إدارة الإنتاج . كونها معينة من قبل الجماهير و عرضة باستمرار لرقابة هذه الجماهير و إشرافها , سيجري تجديد هذه الهيئات باستمرار , محققة بذلك فكرة الإدارة الذاتية الفعلية للجماهير .
الإنتاج الموحد , الذي تكون فيه وسائل الإنتاج و إنتاجها مملوكة من قبل الجميع , حيث يصبح استبدال عبودية العمل المأجور بمبدأ التعاون الرفاقي و المساواة في الحقوق بين جميع المنتجين حقيقة ثابتة , و حيث يتم الإشراف على الإنتاج من قبل هيئات الإدارة العمالية المنتخبة من قبل الجماهير : هذه هي الخطوات العملية الأولى على طريق إنجاز الشيوعية الأناركية .
الاستهلاك
ستظهر مشكلة الاستهلاك خلال الثورة كقضية مزدوجة . أولا , مبدأ توفير الموارد للإمداد بالغذاء . ثانيا , مبدأ توزيع هذه الإمدادات .
فيما يتعلق بتوزيع الإمدادات الغذائية , فإن حل هذه المسألة سيتوقف أولا على كمية السلع المتوفرة , مبدأ النفعية , الخ .
عند معالجة إعادة بناء كامل النظام الاجتماعي القائم , ستأخذ الثورة الاجتماعية على عاتقها التزاما بأن ترعى الحاجات الضرورية لكل فرد . سيكون الاستثناء الوحيد أولئك الذين لا يعلمون , الذين يرفضون أن يشاركوا في النظام الجديد للإنتاج على أساس الثورة المضادة . لكن , إذا تحدثنا بشكل أوسع , و باستثناء هذا النوع الأخير من الناس , فإن كل حاجات السكان في المنطقة التي قامت فيها الثورة الاجتماعية سيجري تلبيتها من مخزون الثورة العام لإمدادات الغذاء . إذا تبين أن كمية البضائع غير كافية , فسيجري توزيعها بحسب الحاجة , مع إعطاء الأولوية للأطفال , العجزة و عائلات العمال .
مشكلة أكثر صعوبة ستتمثل في تنظيم مخزون الثورة العام من إمدادات الغذاء .
من دون شك , في الأيام الأولى من الثورة , ستتأثر المدن من نقص بعض الضروريات الأساسية التي يحتاجها الناس . في نفس الوقت , سيكون لدى الفلاحين وفرة من المنتجات التي تشح في المدن .
بالنسبة للأناركيين , لا يوجد أي شك فيما يتعلق بالتبادلية في العلاقات بين عمال المدن و عمال الريف . يؤمن الأناركيون بأنه لا يمكن إنجاز الثورة الاجتماعية إلا من خلال الجهود المكثفة للعمال و الفلاحين . بالنتيجة , فإن حل مشكلة الاستهلاك في الثورة سيكون ممكنا فقط من خلال التعاون الثوري الحميم بين هاتين الطبقتين من العمال .
لكي تتم إقامة هذا التعاون , فإنه على الطبقة العاملة المدينية , التي تولت السيطرة على الإنتاج , أن تبحث مباشرة في الحاجات الأساسية لمن هم في الريف و أن تعمل على تزويدهم بالسلع الاستهلاكية اليومية بالإضافة إلى وسائل و أدوات الزراعة الجماعية للأرض . إن بوادر تضامن عمال المدن في تلبية حاجات الفلاحين سوف تستحث ردا مماثلا , و بالمقابل سيقوم الفلاحون جماعيا بتزويد المدن بمنتجات الإنتاج الريفي , و خاصة الأغذية .
ستشكل التعاونيات العامة للعمال و الفلاحين الأدوات الأساسية لتلبية حاجات الغذاء و الحاجات الاقتصادية لكل من المدينة و الريف . فيما بعد , بفرض المسؤولية عن معالجة مجالا أوسع و أكثر انتظاما من المهام , أكثرها أهمية هو توفير كل ما هو ضروري لدعم و تطوير الحياة الاقتصادية و الاجتماعية للعمال و الفلاحين , يمكن تحويل هذه التعاونيات إلى هيئات إمداد دائمة للمدينة و للريف .
هذا الحل لمشكلة الإمداد بالغذاء سيمكن بروليتاريا المدن من إقامة مورد دائم من المؤن الأمر الذي سيكون له تأثير إيجابي و حاسم على مصير نظام الإنتاج الجديد .
الأرض
عند حل المسألة الزراعية , فإننا نأخذ بعين الاعتبار الفلاحين العمال – الذين لا يستغلون عمل أي شخص آخر – و البروليتاريا الريفية الكاسبة للأجر على أنها القوى الثورية الخلاقة الأساسية . ستكون مهمتهم أن ينجزوا إعادة التقسيم الجديد للأرض , بحيث أن الأرض ستستخدم و تزرع وفق القواعد الشيوعية .
تماما مثل الصناعة , فإن الأرض , التي جرت زراعتها و حصادها من قبل أجيال من العمال , هي نتاج جهود هؤلاء العمال . إنها تملك أيضا من قبل الناس العاملين كمجموع , و ليس لفرد واحد خصوصا . كملكية مشتركة للعمال و غير قابلة للتحويل , فإن الأرض لن تكون قابلة للشراء أو للبيع . و لن يمكن أيضا تأجيرها من شخص لآخر , و لا أن تستخدم كوسيلة لاستغلال عمل الآخرين .
إن الأرض أيضا هي نوع من ورشة عمل مشتركة جماعية حيث ينتج الشعب العامل وسائل القوت . لكنه نوع من ورشة العمل حيث , نتيجة لظروف تاريخية خاصة , أصبح كل عامل ( فلاح ) معتادا على أن يعمل لوحده , و أن يبيع محصوله بشكل مستقل عن بقية المنتجين . بينما في الصناعة نجد أن النمط الجماعي ( الشيوعي ) للعمل ضروري بشكل جوهري و أنه النمط الوحيد الممكن , أما في الزراعة في يومنا فإنه ليس النمط الوحيد الممكن . تعمل غالبية الفلاحين في الأرض مستخدمة الطرق الفردية .
كنتيجة , عندما تصبح الأرض و وسائل العمل في أيدي الفلاحين , مع عدم وجود إمكانية لبيعها أو تأجيرها , فإن مسألة كيف يجب أن تستخدم و ما يجب أن تتم زراعته ( على مستوى الكومونة أو الأسرة ) لن يتم حله بشكل كامل و نهائي على الفور , كما ستكون عليه الحالة في الصناعة . قبل كل شيء , فإننا ربما نلجأ إلى اثنين من هذه الطرق .
أن أفضل شكل لتملك الأرض و استخدامها سوف يقرره الفلاحون الثوريون أنفسهم . لن يكون هناك أي ضغط خارجي في هذه المسألة .
لكن حيث أننا نعتبر أن مجتمعا شيوعيا فقط , و الذي ستجري الثورة الاجتماعية باسمه , يمكنه أن يحرر العمال من العبودية و الاستغلال و أن يمنحهم حرية و مساواة كاملة , و حيث أن الفلاحين يشكلون الغالبية العظمى من السكان ( 85 % في روسيا ) و حيث أنه , بالنتيجة , فإن النظام الزراعي الذي يتبناه الفلاحون سيكون عاملا حاسما في تقرير مصير الثورة , و أخيرا , حيث أن العمل الخاص في الزراعة , كما هو العمل الخاص في الصناعة , سيؤدي إلى التجارة , و تراكم الملكية الخاصة و إحياء رأس المال , فإنها مسؤوليتنا اليوم أن نقوم بكل ما في وسعنا لنضمن أن المسألة الزراعية ستحل وفق القواعد الجماعية .
باتجاه هذا الهدف علينا أن نبدأ الآن بتنظيم دعاية مكثفة بين الفلاحين لصالح الملكية الشيوعية للأرض و الزراعة المشاعية لها .
إن تشكيل اتحاد فلاحي خاص ذا توجه أناركي سيكون مساعدة هامة لهذا المشروع .
في هذا الصدد , سيكون للتقدم التقني ذات تأثير هائل على تسهيل تطور الزراعة و بالمثل على إنجاز الشيوعية الأناركية في المدن , و قبل كل شيء في الصناعة . إذا كان العمال , في تعاملاتهم مع الفلاحين , يعملون لا كمجموعات منفصلة , بل بالأحرى كتعاونية شيوعية هائلة تقبل بكل فرع للإنتاج , إذا ما اهتموا بالحاجات الضرورية للريف و بإمداد كل قرية , ليس فقط الضرورات اليومية , بل أيضا بالأدوات و الآلات للزراعة الجماعية للأرض , فإن هذا بالتأكيد سوف يجذب الفلاحين نحو الشيوعية في الزراعة .
الدفاع عن الثورة
إن الدفاع عن الثورة هو أيضا إحدى مشاكل "اليوم الأول" ( من الثورة – المترجم ) . إن أقوى دفاعات الثورة قدرة بالضرورة هي الحل الناجح للتحديات التي تواجهها : مشاكل الإنتاج و الاستهلاك , و مسألة الأرض . ما أن يتم حل هذه الأمور بشكل صحيح , لن يكون بمقدور أية قوة مضادة للثورة أن تغير أو تهز المجتمع الحر للعمال . لكن , مع ذلك سيكون على العمال أن يواجهوا صراعا مريرا ضد أعداء الثورة لكي يدافعوا عن وجودهم الفيزيائي ( الفعلي – المترجم ) .
سوف تستثير الثورة الاجتماعية , التي تهدد امتيازات و حتى نفس وجود الطبقات غير العاملة في المجتمع الحالي , بشكل حتمي المقاومة اليائسة لهذه الطبقات التي ستأخذ شكل حرب أهلية وحشية .
كما أظهرت الخبرة الروسية , فإن حربا أهلية كهذه لن تكون مسألة أشهر عدة , بل بالأحرى عدة سنوات . بقدر ما قد تكون الخطوات الأولى للعمال في بداية الثورة ناجحة , فإن الطبقات الحاكمة ستحتفظ على الرغم من ذلك بقدرة هائلة للمقاومة لبعض الوقت بالفعل , و على مدى عدة سنوات سوف تطلق العنان للهجمات على الثورة , محاولة إعادة انتزاع السلطة و الامتيازات التي سبق أن أخذت منها .
إن جيشا ضخما و جيد التجهيز , مدعوما من قبل الإستراتيجيين العسكريين و مسنودا من رأس المال – كل هذا سوف يوجه ضد العمال المنتصرين .
إذا كان على العمال أن يحافظوا على مكاسب الثورة , فإن عليهم أن يقيموا أجهزة للدفاع عن الثورة , لكي يكون لهم في الميدان قوى مقاتلة مساوية لهذه المهمة , ضد هجمات الرجعية . في الأيام الأولى من الثورة , ستتشكل هذه القوة المقاتلة من كل العمال و الفلاحين المسلحين . لكن هذه القوة المسلحة المؤقتة ستكون قابلة للحياة فقط في الأيام الأولى , عندما لم تبلغ الحرب الأهلية بعد ذروتها بعد و لم يشكل الطرفان المتقابلان بعد منظماتهما العسكرية النظامية .
إن أكثر الأوقات العصيبة في الثورة الاجتماعية ليست هي لحظة الإطاحة بالسلطة . بل الزمن الذي يلي ذلك عندما تبدأ قوات النظام المخلوع هجوما عاما ضد العمال , عندما يجب صون المكاسب التي جرى اكتسابها .
سوف تتطلب طبيعة ذلك الهجوم , الأسلحة المستخدمة و مسار الحرب الأهلية أن يقوم العمال بخلق أجهزة عسكرية ثورية خاصة . يجب أن تحدد طبيعة هذه الوحدات و مبادئها الأساسية سلفا . برفض الأساليب الدولتية و التسلطية للتحكم بالجماهير , فإننا نرفض بالنتيجة الطريقة الدولتية ( نسبة للدولة – المترجم ) في تنظيم قوى العمال العسكرية , فمثلا نحن نرفض مبدأ الجيش الذي يقوم على الخدمة العسكرية الإلزامية . إن مبدأ التطوع , بالتوافق مع المبادئ الأساسية للأناركية , هو الذي يجب أن يكون الأساس لأجهزة العمال العسكرية . إن فصائل الأنصار الثورية للعمال و الفلاحين أثناء الثورة الروسية يمكن أن تقتبس كأمثلة عن هذه البنى .
لكن لا يجب أن تشيد الخدمة الثورية التطوعية و نشاط الأنصار بالمعنى الضيق , مثلا كنضال تخوضه قوى العمال و الفلاحين ضد عدو محلي , دون تنسيق في شكل خطة عملياتية عامة , كل وحدة تعمل وفق مبادرتها الخاصة . عندما تتطور بشكل كامل , فإن عمل و تكتيكات الأنصار في الثورة يجب أن توجهها إستراتيجية عسكرية و ثورية عامة .
مثل أي حرب , يمكن خوض الحرب الأهلية من قبل العمال بنجاح فقط إذا تم الالتزام بمبدأين أساسيين في كل العملية العسكرية : وحدة التخطيط العملياتي و وحدة القيادة العامة . سيكون الوقت الأكثر حراجة للثورة هو عندما تزحف البرجوازية كقوة منظمة ضد الثورة و الذي سيستلزم من العمال أن يعودوا إلى هذه المبادئ من الإستراتيجية العسكرية .
بالتالي , اعتمادا على متطلبات الإستراتيجية العسكرية و إستراتيجية الثورة المضادة , فعلى القوى المسلحة للثورة حتما أن تتوحد في جيش ثوري عام ذا قيادة مشتركة و خطة عملياتية مشتركة .
سيتم تشكيل الجيش على المبادئ الأساسية التالية :
أ – الطبيعة الطبقية للجيش ,
ب – الخدمة العسكرية التطوعية ( يمنع أي إكراه في مسألة الدفاع عن الثورة ) ,
ج – الانضباط الذاتي الثوري ( الخدمة العسكرية التطوعية و الانضباط الذاتي الثوري كشيئين متكاملين بشكل متبادل بكل طريقة , و يخدمان لجعل الجيش الثوري أقوى نفسيا من أي جيش دولة ) ,
د – تبعية الجيش الثوري الكاملة لجماهير العمال و الفلاحين كما تمثلها هيئات العمال و الفلاحين العامة في كل البلد , و التي ستشكلها الجماهير في لحظة الثورة و التي ستكلف بمهمة الإشراف على الحياة الاقتصادية و الاجتماعية للبلد .
بكلمات أخرى , إن أداة الدفاع عن الثورة , الذي سيكلف بمحاربة الثورة المضادة سواء في الجبهات العسكرية المباشرة أو الجبهات الخفية للحرب الأهلية ( مكائد البرجوازية , التحضير للعصيانات , الخ ) , ستكون تحت السيطرة الكاملة لأعلى منظمات العمال و الفلاحين الإنتاجية – ستكون مسؤولة أمامها و تحت توجيهها السياسي .
ملاحظة : فيم يجب تنظيم الجيش الثوري بسبب الضرورة في توافق مع المبادئ الأناركية على وجه الخصوص , لا يجب اعتبارها مسألة مبادئ . إنها نتيجة فقط للإستراتيجية العسكرية في الثورة , إجراء إستراتيجي سيجبر تقدم الحرب الأهلية العمال على اتخاذه حتما . لكن هذا الإجراء يجب أن يكون مركز اهتمام حتى في يومنا . يجب أن يدرس بعناية حتى منذ الآن لتجنب أي تأخير قاتل في حماية الثورة و الدفاع عنها , لأنه في وقت الحرب الأهلية , يمكن أن يكون أي تأخير مميت بالنسبة لمصير كل الثورة الاجتماعية .
برنامج الاتحاد العام للأناركيين ( المسودة )
القسم التنظيمي
مبادئ المنظمة الأناركية
يمثل القسم العام البنائي الموصوف أعلاه البرنامج التنظيمي للقوى الثورية للأناركية .
يبنى هذا البرنامج على موقف نظري و تكتيكي خاص . هذا هو الحد الأدنى الذي يجب أن يلتف حوله كل المناضلين من الحركة الأناركية المنظمة .
إن مهمة البرنامج هي جمع شمل كل العناصر السليمة للحركة الأناركية في منظمة واحدة فعالة تعمل باستمرار , أو الاتحاد العام للأناركيين . يجب أن يوجه كل مناضلي الأناركية الفاعلين جهودهم نحو خلق هذه المنظمة .
أما المبادئ التنظيمية الأساسية لمثل هذا الاتحاد العام للأناركيين فهي كما يلي :
1 – وحدة النظرية
إن النظرية هي القوة التي توجه نشاط الأفراد و المنظمات الأعضاء عبر طريق محدد نحو هدف معين . يجب , بشكل طبيعي , أن يشترك فيها كل الأفراد و كل المنظمات التي ستنضم إلى الاتحاد العام . يجب أن يكون نشاط الاتحاد الأناركي العام , سواء في عمومه أو في التفاصيل , أن يكون متوافقا على نحو كامل مع المبادئ النظرية التي يعتنقها الاتحاد .
2 – وحدة التكتيك أو الأسلوب الجماعي للعمل
إن الأساليب التكتيكية التي يطبقها الأفراد و المجموعات الأعضاء ضمن الاتحاد يجب أن تكون موحدة كذلك , متوافقة بشكل صارم مع بعضها البعض كما مع النظرية العامة و تكتيكات الاتحاد .
إن الاشتراك في خط تكتيكي عام ( مشترك ) داخل الحركة ذا أهمية خاصة لوجود المنظمة و كامل الحركة : إنه يخلص الحركة من التشوش الذي ينشأ من وجود تكتيكات متعددة متناقضة بشكل متبادل و يركز كل قوى الحركة في اتجاه مشترك يؤدي إلى هدف محدد .
3 – المسؤولية الجماعية
إن ممارسة العمل طبقا لمسؤولية الشخص الفردية يجب أن تدان بشكل صارم و أن ترفض بين كوادر الحركة الأناركية .
إن مجالات الحياة الثورية , الاجتماعية و السياسية هي جماعية بشكل عميق جدا بطبيعتها .
لا يمكن للنشاط الثوري العام في هذه المجالات أن يرتكز على المسؤولية الفردية لمناضلين أفراد .
يتخذ الجسد التنفيذي للحركة الأناركية العامة – اتحاد الأناركيين – موقفا حاسما ضد تكتيك الفردية غير المسؤولة و يدخل مبدأ المسؤولية الجماعية بين صفوف كوادره : إن الاتحاد بمجموعه يتحمل المسؤولية عن النشاط الثوري و السياسي لكل عضو فيه , و بالمثل , فإن كل واحد من أعضائه يعتبر مسؤولا عن النشاط الثوري و السياسي للاتحاد ككل .
4 – الفيدرالية
لقد رفضت الأناركية على الدوام المنظمة المركزية سواء فيما يتعلق بالحياة الاجتماعية للجماهير بالإضافة إلى مجال نشاطها السياسي . يعتمد نظام المركزية على خنق روح النقد ,و مبادرة و استقلالية كل فرد و على طاعة الجماهير العمياء "للمركز" . إن النتيجة الطبيعية و الحتمية لهذا النظام هو الخنوع و التحول إلى مجرد آلة , سواء في الحياة العامة أو في حياة الأحزاب .
على نقيض المركزية , فقد دعت الأناركية و دافعت على الدوام عن مبدأ الفيدرالية , الذي يدمج بين استقلالية الفرد أو المنظمة مع مبادرتها و خدمتها في سبيل القضية المشتركة .
بدمج فكرة استقلالية و كمال حقوق كل فرد مع خدمة المطالب و الغرائز الاجتماعية , فإن الفيدرالية تفتح الطريق لكل تعبير مفيد عن طاقات كل فرد .
لكن تم في الغالب حرف المبدأ الفيدرالي بين الكوادر الأناركيين , استخدم كثيرا جدا ليعني أساسا الحق في إظهار ذات الفرد و تجاهل واجبات الفرد تجاه المنظمة .
أدى التشويه إلى قدر كبير من عدم التنظيم داخل حركتنا في الماضي و قد حان الوقت لنضع حدا لهذا مرة واحدة و إلى الأبد .
تعني الفيدرالية اتفاقا حرا بين الأفراد و منظمات بأكملها حول السعي الجماعي , لتحقيق هدف جماعي .
الآن , فإن أي اتفاق كهذا و أي اتحاد فيدرالي يقوم عليه يمكنه أن يصبح حقيقة فقط ( أكثر من أن يوجد فقط على الورق ) إذا تمت تلبية الشرط الضروري بأن تحترم كل الأطراف المتفقة و في الاتحاد بشكل كامل الالتزامات التي أخذتها على عاتقها و أن تلتزم بالقرارات التي يتم اتخاذها سوية .
في أي مشروع اجتماعي , مهما كان الأساس الفيدرالي الذي بني عليه عظيما , لا يمكن أن تكون هناك حقوق من دون مسؤوليات , تماما كما لا يمكن أن تكون هناك قرارات من دون تنفيذها . هذا هو أكثر الأشياء التي لا يمكن قبولها في منظمة أناركية تفرض على نفسها التزامات فقط فيما يتعلق بالعمال و ثورتهم الاجتماعية .
كنتيجة , فإن النمط الفيدرالي للمنظمة الأناركية , فيما يقر بحق كل عضو في المنظمة بالاستقلالية , و بحرية الرأي , و المبادرة الشخصية و الحرية الفردية , فإنها تفوض أو تخول كل عضو بواجبات تنظيمية معينة , طالبة منه أن يقوم بها كما ينبغي و أن توضع القرارات التي تتخذ بشكل جماعي موضع تنفيذ .
فقط بهذه الطريقة يمكن للمبدأ الأناركي أن يولد و يمكن للاتحاد الأناركي أن يعمل بصورة ملائمة و يتقدم نحو هدفه الذي وضعه نصب عينيه .
تطرح فكرة الاتحاد العام للأناركيين قضية تنسيق نشاطات كل قوى الحركة الأناركية .
إن كل منظمة تلتحق بالاتحاد تمثل خلية حية التي هي جزء من العضوية الكلية . ستمتلك كل خلية سكرتاريتها الخاصة لتسهل نشاطاتها و لتوفر التوجيه النظري و السياسي .
في سبيل تنسيق نشاط كل المنظمات المرتبطة بالاتحاد , يجب إقامة هيئة خاصة في شكل اللجنة التنفيذية للاتحاد . سوف توكل المهام التالية إلى تلك اللجنة : تطبيق القرارات التي يتخذها الاتحاد , كما تخول , بالإشراف على نشاط و التطور النظري للمنظمات المنضوية فيه , لتتفق مع الخط النظري و التكتيكي العام للاتحاد , و مراقبة الحالة العامة للحركة , الحفاظ على الروابط التنظيمية الفعالة بين كل المنظمات الأعضاء في الاتحاد , و مع بقية المنظمات .
تحدد حقوق و مسؤوليات و المهام العملية للجنة التنفيذية من قبل مؤتمر الاتحاد العام .
للاتحاد العام للأناركيين هدف محدد و واضح المعالم . ففي سبيل نجاح الثورة الاجتماعية , عليه أولا أن يختار أكثر العناصر نقدا و ثورية بين العمال و الفلاحين لينضموا إليه .
كمنظمة تدعو إلى الثورة الاجتماعية ( و أيضا كمنظمة لا سلطوية ) تسعى إلى التدمير الفوري للمجتمع الطبقي , فإن الاتحاد العام للأناركيين يستند على الطبقتين الأساسيتين في المجتمع الحالي – العمال و الفلاحين – و يعمل على تسهيل بحث كل منهما عن الانعتاق على حد سواء .
فيما يخص المنظمات الثورية لعمال المدن , يجب على الاتحاد العام للأناركيين أن يقوم بكل جهد ممكن ليصبح ممهد طريقهم و معلمهم النظري .
يضع الاتحاد العام للأناركيين لنفسه نفس المهام التي تشغل جماهير الفلاحين المستغلة , و لكي يعمل كأساس , لاعبا نفس الدور الذي تلعبه النقابات الثورية بالنسبة للطبقة العاملة المدينية , عليه أن يحاول أن يطور شبكة من المنظمات الفلاحية الاقتصادية الثورية , و أكثر من ذلك , اتحاد فلاحي خاص يبنى على مبادئ لا سلطوية .
كونه متحدرا من جماهير العمال , يجب على الاتحاد العام للأناركيين أن يشارك في كل جوانب حياتهم , دائما و في كل مكان جالبا روح التنظيم , العمل الجاد , الكفاحية , و إرادة المضي في الهجوم .
عندها فقط سيكون قادرا على أن يقوم بدوره , للقيام بمهمته النظرية و التاريخية في الثورة الاجتماعية للعمال و يصبح سلاحها الأمضى المنظم في طريقهم نحو الانعتاق .
ترجمة : مازن كم الماز
#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟