|
تيار الإسلام السياسي خصم أم حليف للتيار الجهادي ؟(5)
سعيد الكحل
الحوار المتمدن-العدد: 2325 - 2008 / 6 / 27 - 10:56
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
إن تيار الإسلام السياسي ، رغم ما يعرفه من تباينات واختلافات في المواقف من قضايا الدولة والحكم والديمقراطية والتعددية ، فهو يعرف كذلك ديناميكية داخلية وإن لم ترفع بعد من سقف الاجتهادات بما يجعل هذا التيار يقطع نهائيا مع ثقافة الغلو وفقه البداوة كما أصل لهما المذهب الوهابي وأشاعهما ولا يزال ، ويتصدى لقضايا المجتمعات بفقه الواقع ومنطق العصر . وحسبنا في هذا المقال التذكير بأبرز التقاطعات بين التيارين وموقف التيار الجهادي من تيار الإسلام السياسي . 1 ـ أبرز التقاطعات بين التيارين : أ ـ على المستوى العقائدي : كلاهما يؤمن بعقيدة الولاء والبراء التي تقتضي ، من جهة ، المودة والنصرة بين "المؤمنين" في كل الأحوال ، ومن جهة ثانية البغض والكراهية ومقاتلة "غير المؤمنين" . وقد يختلف التياران قليلا في تحديد "غير المؤمنين" ، إلا أنهما يتفقان في حشر فئة اليساريين والعلمانيين أيا كانت ديانتهم ضمن "الكفار" الذين تجب البراءة منهم ومقاتلتهم . ب ـ على المستوى التشريعي : ينطلق التياران معا من الإعلان عن هدفهم الأسمى وهو إقامة الدولة الإسلامية التي تحتكم إلى شرع الله ، على اعتبار أن الأنظمة السياسية الحاكمة في بلاد المسلمين ليست أنظمة إسلامية بقدر ما هي تجسيد لأنظمة "العض والجبر" . وإذا كانت بعض تنظيمات تيار الإسلام السياسي تتحاشى استعمال مفهوم "النظام الطاغوتي" لوصف الأنظمة الحاكمة ، فإن أغلب تنظيمات التيارين تركز على "الطاغوتية" كحمولة عقائدية تستوجب الخروج على هذه الأنظمة ومحاربتها بكل الوسائل والسبل ، بل إنها تجعل الكفر بهذه الأنظمة ومحاربتها شرط صحة الإيمان . لهذا تلتقي كل مكونات التيارين عند شعار "الحاكمية" بما يعنيه من رفض الاحتكام إلى الشرائع الوضعية والاقتصار على تحكيم الشرع الذي له السيادة المطلقة ، وقد سبق لجماعة الإخوان المسلمين أن حددت موقفها في وثيقة أصدرتها تحت عنوان "موجز عن الشورى" قررت فيها ما يلي: (الناس لا يملكون الحكم إلا بما أنزل الله، وبمقتضى شريعة الإسلام، ومن ثم فالأمة الإسلامية لا تملك أن تفوض من اختارته ليلي أمراً من أمورها إلا فيما قرره الشرع لها ولا يجوز لها أن تفوضه فيما لا تملكه ولا حق لها فيه فإذا ما اختارت والياً لبعض شؤونها فليسوس الأمور على مقتضى أحكام الدين؛ لأن الدين هو الأساس والسلطان حارس). وانسجاما مع مطلب "الحاكمية" يرفض التياران الديمقراطية كقيم وثقافة وإن قبلتها بعض مكونات الإسلام السياسي كأداة فقط فسرعان ما يتم الانقلاب عليها حين التمكين . وهذا ما أكده الشيخ عبد الآخر حماد الغنيمي في كتابه "مصطلحات ومفاهيم" بقوله : ( فإذا انتقلنا إلى الجزائر فسنجد أن جبهة الإنقاذ رغم خوضها للانتخابات البرلمانية فإنها كانت رافضة للديمقراطية الغربية وتصريحات الأخ الشيخ علي بلحاج فك الله أسره كانت قوية في رفض الديمقراطية، وفي أنهم إنما دخلوا حلبة العمل السياسي مضطرين وأنهم إن مكن الله لهم فسوف يغيرون الدستور وكل الأوضاع المخالفة لشرع الله ، وقد صدرت له رسالة بعنوان (الدمغة القوية لنسف عقيدة الديمقراطية)) . ومادام الأمر كذلك ، فإن عقيدة "الحاكمية" لا تسمح بتطبيق آلية الديمقراطية التي تسمح بالتناوب على الحكم بين الإسلاميين وخصومهم السياسيين . فالتناوب مرفوض ، كما قال الشيخ الغنيمي ( وأخطر من هذا أن يقال: إن الإسلاميين الذين وصلوا إلى الحكم عليهم أن يتركوه إذا اختار الشعب غيرهم؛ فإن معناه أن الحاكم المسلم الذي مكن الله له أن يحكم البلاد بشرع الله، عليه أن يسلم الأمر لمن يسوسه بشرعة الشيطان. إن القضية هنا ليست قضية أفراد ولكنها قضية منهج فإذا رأت الأمة أن حاكمها قد قصر فيما أوجبه الله عليه وصار لا يصلح للولاية فإنها تعزله وتأتى بغيره ممن يتبعون نفس المنهج الإلهي ولا يصح أن يُترك للناس الخيار في إتباع أي منهج يشاءون) . والمثير للاستغراب أن تظل فكرة عزل الحاكم خارج قواعد الديمقراطية قائمة بين التنظيمات الإسلامية والجهادية رغم الويلات والفتن الكبرى التي جرتها على الأمة منذ العهود الأولى للدولة الإسلامية . فضلا عن هذا فإن التيارين يرفضان الإقرار بحقوق الإنسان في مجال الاعتقاد والتفكير ، بمبرر أنها تناهض الشرع الذي يحكم على المرتد بالقتل . ويترتب عن هذا بالضرورة رفض مبدأي التعددية الحزبية والمساواة في المواطنة . بخصوص الحيثيات التي يستند إليها الرافضون أجملها الشيخ الغنيمي كالتالي (وإذا كانت حرية تكوين الأحزاب مكفولة في ظل النظام الديمقراطي فإن السؤال الذي نوجهه للمنادين بالديمقراطية من الإسلاميين هو: هل توافقون على تشكيل حزب ماركسي أو علماني في الدولة الإسلامية الديمقراطية التي تنشدونها؟ وقد كنت أظن الإجابة عن هذا السؤال سهلة ومحددة حيث لا مفر أمام الإسلاميين من القول بأن الإسلام لا يجيز تكوين حزب من هذا القبيل؛ إذ كيف يسمح في مجتمع مسلم أن يقوم حزب يطالب بالردة عن دين الله؟ وأرجو أن لا يستغرب البعض قولي هذا فإن هذا الذي يدعو إليه الماركسيون والعلمانيون ما هو إلا ردة عن شرع الله إذ قد بينا من قبل أن من دعا إلى نبذ شريعة الله وتحكيم أهواء البشر فقد دعا إلى الكفر ومن دعا مسلماً إلى كفر فقد دعاه إلى الردة عن دينه ... والواجب في دولة المسلمين أن يناقش هؤلاء الذين يفعلون كفرا أو يقولون كفرا وأن يبين لهم الأمر فإن أصروا بعد الحجة والبيان فحكم المرتد معروف: (من بدل دينه فاقتلوه) ) . فحتى جماعة الإخوان المسلمين التي قبلت المشاركة في الانتخابات ، تنص أدبياتها على منع التعددية الحزبية إذا ما استقلت بالحكم كما يؤكد الشيخ الغنيمي (وها هو الأستاذ مصطفى مشهور المرشد العام للإخوان المسلمين يقول في الندوة التي نشرها الأستاذ هويدي حول التعددية: ((الأمر يحتاج إلى التفرقة بين مرحلة الدعوة حيث هناك أوضاع مفروضة ولا خيار للإسلاميين فيها، وبين نموذج الدولة التي يتصورها الإسلاميون، وأنا لا أرى محلاً في الواقع الإسلامي لفتح الأبواب أمام المخالفين للإسلام للدعوة إلى مبادئهم سواء كان هؤلاء من العلمانيين أو الشيوعيين...)) أما ما يتعلق بالمساواة في المواطنة فإن رفضه يستند ـ في اعتقاد الرافضين ـ إلى كون الإسلام لا يقر به على إطلاقيته . إذ يتوجب التمييز والتفاضل بين المسلمين وبين أهل الذمة من المواطنين الذين يعتنقون ديانة توحيدية أخرى . فهؤلاء لا حق لهم في الولاية على المسلمين ، أيا كانت درجة هذه الولاية . للحديث بقية .
#سعيد_الكحل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جماعة العدل والإحسان وإشكالية الترخيص القانوني .
-
هيبة الدولة من كرامة المواطن .
-
تيار الإسلام السياسي خصم أم حليف للتيار الجهادي ؟(4)
-
الإرهاب وتنوع الخطط والمخططات .
-
أي بلال : الحق لا يعرف بالرجال (5)
-
أي بلال : الحق لا يعرف بالرجال (4)
-
أي بلال : الحق لا يعرف بالرجال (3)
-
أي بلال : الحق لا يعرف بالرجال (2) .
-
أي بلال : الحق لا يعرف بالرجال (1)
-
أية إستراتيجية لمواجهة الإرهاب ؟
-
تيار الإسلام السياسي خصم أم حليف للتيار الجهادي ؟(3)
-
تيار الإسلام السياسي خصم أم حليف للتيار الجهادي ؟(2)
-
بلال التليدي : كبر مقتا أن تقول ما لا تفعل !!
-
ماذا لو شملت عقوبة الإعفاء من المهام كل المقصرين ؟
-
تيار الإسلام السياسي خصم أم حليف للتيار الجهادي ؟(1)
-
على هامش فرار الإرهابيين : الدول لا تبنى بالعواطف .
-
مواقف الأحزاب والمنظمات الحقوقية والإعلام في مواجهة الإرهاب
...
-
المال -السايب- يشجع على النهب والتبذير .
-
الإسلاميون واليساريون أية علاقة ؟
-
الجماعات الإسلامية والنموذج المشرقي المفلس لأوضاع المرأة .
المزيد.....
-
المقاومة الإسلامية في العراق تعلن مهاجتمها جنوب الأراضي المح
...
-
أغاني للأطفال 24 ساعة .. عبر تردد قناة طيور الجنة الجديد 202
...
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|